تصاعد الخلاف النفطي السعودي الإماراتي وخرج عن الغرف المغلقة، ليصل إلى فرض السعودية عقوبات غير رسمية على أبوظبي، فيما يبدو أن الأخيرة مصرة على تصعيد الخلاف بشكل يثير تساؤلات حول احتمالات انسحاب الإمارات من أوبك.
والخلاف الإماراتي السعودي يبدو أكثر من مجرد خلاف نفطي، إذ تبدو أبوظبي "عازمة على الخروج من ظل المملكة العربية السعودية ورسم مسارها في الشؤون العالمية"، وليس النفطية فقط، حسبما نقل تقرير لموقع CNBC الأمريكي عن حليمة كروفت، رئيسة استراتيجية السلع العالمية في "آر بي سي كابيتال ماركتس"، في مذكرة بحثية.
وفي المقابل، أعلنت السعودية، الإثنين، تعديل قواعد الاستيراد من دول الخليج، في إجراء تعتبر الإمارات المتضرر الأكبر منه، حيث يستبعد القرارُ السلعَ المنتَجة في المناطق الحرة أو التي تستخدم مكونات إسرائيلية من اتفاق الإعفاء الجمركي بين دول مجلس التعاون الخليجي، كما استبعد السلعَ التي تنتجها شركات بعمالة تقل عن 25% من العمالة المحلية، والمنتجات الصناعية التي تقل نسبة المدخلات المحلية في تصنيعها عن 40%، وهي مواصفات تنطبق على الإمارات أكثر من غيرها من دول الخليج الست لأنها الأنشط بمجال التصنيع في المناطق الحرة، والأبرز في التطبيع مع إسرائيل.
السعودية والإمارات كادا يصلان إلى اتحاد سياسي سراً
قبل بضع سنوات وصلت الإمارات والسعودية إلى حد وضع خطة للاتحاد السياسي سراً، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Financial Times البريطانية.
وفي حين لم تتحقق هذه الكونفيدرالية، حارب البلدان الخليجيان معاً المتمردين الحوثيين في اليمن، ووقفا متحدين قطر لدعمها المزعوم للإسلاموية.
لكن في الأيام القليلة الماضية، أصبحت التصدعات في هذا التحالف واضحة، في ظل تباين مصالح الرياض وأبوظبي مجدداً في قضايا تتراوح من إنتاج النفط، واليمن، والتطبيع مع إسرائيل، وصولاً إلى طريقة التعامل مع جائحة كورونا.
إذ انتهى اجتماع عبر الفيديو لأعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" والحلفاء، مجموعة "أوبك بلس"، إلى طريق مسدود يوم الجمعة، 2 يوليو/تموز، بعدما طلبت السعودية وروسيا من المنتجين زيادة إنتاجهم في الأشهر المقبلة. كان الطلب يهدف لتهدئة الزيادة في أسعار النفط وتمديد اتفاق قائم بشأن الطلب، لضمان الاستقرار في ظل شروع العالم في انتعاش هش من جائحة فيروس كورونا.
لكنَّ الإمارات رفضت، وأصرَّت على موقفها بشأن مسألة حصتها الإنتاجية التي تعتبرها غير عادلة.
وقالت كارين يونغ، وهي زميلة أولى بمعهد الشرق الأوسط: "التنافس المتصاعد بين دول الخليج يرتبط بعدد من قضايا السياسة الاقتصادية. ومن الواضح أنَّ السعودية زادت الضغوط، بينما تضغط الإمارات لتأمين أهدافها الربحية في هذا السوق المضغوط. ويستعد عملاقا الطاقة هذان للحصول من عائدات التصدير خلال السنوات العشر المقبلة من أجل الحفاظ على اقتصاديهما السياسيين".
وتوافقت الدول الأخرى الأعضاء بمجموعة أوبك بلس على الخطة الرامية لزيادة الإنتاج بواقع 400 ألف برميل يومياً، بصورة شهرية، منذ أغسطس/آب وحتى ديسمبر/كانون الأول المقبلين، وكذلك على تمديد الاتفاق إلى ما بعد الموعد النهائي المقرر في أبريل/نيسان 2022.
اقترن تدهور العلاقات السعودية الإماراتية مع تصميم أبوظبي على توسيع طاقتها الإنتاجية من أجل دعم خطط التنويع الاقتصادي. ويهدد صراع القوى بين أعضاء أوبك الآن قدرة المنظمة على التوحد في المدى الأطول وتحقيق الاستقرار في أسعار النفط.
وفي مداخلة علنية نادرة يوم أمس الأول الأحد 4 يوليو/تموز، قالت وزارة النفط الإماراتية إنَّها تدعم زيادة الإنتاج، لكنَّها طلبت أن يأخذ خط الأساس لإنتاج البلاد –الذي حُسِبَ منه حجم الخفض في إنتاجها- في الحسبان زيادة قدراتها الإنتاجية ومراجعته لضمان العدالة "لكل الأطراف".
ولكن إنتاج النفط ليس هو مصدر الخلاف الوحيد بين أبوظبي والرياض.
خلافات بسبب حرب اليمن والعلاقة مع قطر
فقال مروان البلوشي، المستشار السابق لمكتب رئيس الوزراء الإماراتي، إنَّه بينما راكمت الإمارات والسعودية "مخزوناً من التحالف الاستراتيجي" خلال العقد المنصرم، "تزداد حدة التنافس الاقتصادي بين دول الخليج"، حسبما نقلت عنه The Financial Times.
وكانت الإمارات قد سحبت في 2019 معظم قواتها العسكرية من اليمن، تارِكةً السعودية وحدها في معركتها ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران. ثم اشتبكت القوات الانفصالية الجنوبية المتحالفة مع الإمارات مع قوات الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية.
وفي حين قبلت الإمارات بمسعى تقوده السعودية لإنهاء الحصار التجاري وحظر السفر المفروض على قطر، شعرت أبوظبي بالقلق من سرعة المصالحة السعودية مع الدوحة. وبالمثل، أثارت سرعة احتضان الإمارات لإسرائيل عقب تطبيع العلاقات العام الماضي الدهشة في السعودية.
وامتدت إلى الجائحة واللقاحات
كان التعامل مع جائحة كورونا مصدر إحباط للعلاقة بين البلدين، إذ قررت الرياض بداية من أمس الأحد حظر السفر من وإلى الإمارات، حيث يُعَد "متحور دلتا" مسؤولاً عن ثلث إجمالي الإصابات الجديدة بفيروس كورونا. ولم توافق السعودية على اللقاح الذي أنتجته الصين، والذي اعتمدت عليه الإمارات بشكل كبير في حملتها التطعيمية.
واعتُبِرَ تهديد السعودية بمنع الشركات متعددة الجنسيات من الحصول على عقود حكومية مربحة إن لم تنقل مقراتها إلى الرياض هجوماً ضمنياً على دبي، المركز التجاري للإمارات، حيث توجد معظم مقرات الشركات الكبرى في الشرق الأوسط.
ويقلل السعوديون من شأن الحديث عن التوترات، ويشيرون إلى أنَّ الخلافات في أوبك خلافات "عمل"، وأنَّ القيود المرتبطة بفيروس كورونا تتعلق بـ"السلامة" وليس بالسياسة.
وها هي الإمارات تبرز عضلاتها
وقال عبدالخالق عبدالله، أستاذ العلوم السياسية المقيم بدبي: "اتبعت الإمارات باستمرار قيادة السعودية في أوبك على مدى 40 سنة، لكنَّ أبوظبي باتت مؤخراً أكثر إصراراً على ما تصفه بـ"حصتها العادلة من سوق النفط"، وتبرز عضلاتها الآن على هذا الصعيد".
ومن شأن الإمارات، بموجب اتفاق أوبك بلس المقترح، أن تخفض إنتاجها على نحو متناسب بنسبة 18%، مقارنةً بنسبة 5% للمملكة و5% لروسيا. وقالت الإمارات إنَّ نحو 35% من طاقتها الإنتاجية الحالية مُعطَّلة، مقارنةً بمعدل يقارب 22% للدول الأخرى في الاتفاق.
وطلبت الإمارات مراجعة الإحالات الخاصة بخط أساس الإنتاج في اجتماع لاحق، لكنَّ الطلب رُفِض.
وقالت أمريتا سين من شركة Energy Aspects للاستشارات: "ستؤدي الاختلافات المتزايدة في الرأي حول السياسة الخارجية والاقتصادية والأمنية بين الرياض وأبوظبي، وكذلك حول السياسة النفطية نفسها، إلى تعقيد نقاشات وجهود أوبك المستقبلية للحفاظ على اتفاق أوبك بلس".
هل يؤدي الخلاف إلى انسحاب الإمارات من أوبك؟
وأثار الاقتتال الداخلي المرير بين السعودية والإمارات تساؤلات حول مستقبل أوبك وأوبك بلس، حسبما ورد في تقرير لموقع CNBC.
وقالت حليمة كروفت، رئيسة استراتيجية السلع العالمية في "آر بي سي كابيتال ماركتس": "أوبك بلس تتعرض لأخطر أزمة منذ حرب الأسعار المشؤومة العام الماضي بين السعودية وروسيا، التي أدت إلى انهيار أسعار النفط لما يقرب من 40 دولاراً تحت الصفر في 20 أبريل/نيسان 2020.
وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن زيادة محتملة في إنتاج النفط الخام، بعد نهاية يوليو/تموز الجاري، فهذا قد يترك أسواق النفط في حالة من عدم اليقين تماماً، مع تعافي الطلب العالمي على الوقود من جائحة فيروس كورونا.
وبحسب ما ورد تستمر المحادثات عبر القنوات الخلفية، لكن من المرجح أن تتزايد التساؤلات حول التزام الإمارات بالبقاء في أوبك في الأيام المقبلة، حسب CNBC.
ويقول مُطَّلِعون إنَّ النقاش يدور في أبوظبي على أعلى المستويات في الشركة الوطنية للنفط حول ما إن كان ينبغي المضي قدما إلى درجة احتمال انسحاب الإمارات من أوبك. ومن شأن المغادرة أن تسمح للإمارات بتمويل خطط لتنويع الاقتصاد.
وقال محللو الطاقة إنَّ انسحاب الإمارات من أوبك قد تؤدي إلى توجه كل دولة إلى الإنتاج وفق رغبتها، وهو ما من شأنه تقويض الهدف من اتفاق أوبك بلس.
وفي مؤشر على أن فكرة انسحاب الإمارات من أوبك ليست مستبعدة، قال سهيل المزروعي، وزير النفط الإماراتي، لشبكة CNBC الأحد: "ضحَّت الإمارات بالكثير، ولا يمكننا عقد اتفاق جديد بنفس الشروط، لدينا حق سيادي للتفاوض على ذلك".
وبينما تخشى أسواق النفط حالياً من مزيد من ارتفاع الأسعار جراء تسبب الخلاف الإماراتي السعودي في عدم الاتفاق على زيادة الإنتاج، ولكن إذا استعر الخلاف، وخاصة في حال انسحاب الإمارات من أوبك فإن العكس قد يحدث، وقد تؤدي المنافسة غير المنضبطة إلى تراجع أسعار النفط أو انهيارها.