خلاف نفطي إماراتي سعودي غير مسبوق وقع في اجتماع منظمة أوبك الأخير بات يهدد بوقوع حرب أسعار بين الإمارات وبقية دول المنظمة، وقد تمتد آثار هذا الخلاف لتشمل مستقبل قطاع الطاقة عالمياً.
وأوقفت الإمارات مؤخراً مشروع اتفاق يدعمه أكبر منتجين (السعودية وروسيا) لزيادة إنتاج أوبك مليوني برميل يومياً بحلول نهاية 2021، وتمديد بقية القيود القائمة إلى نهاية 2022..
خلاف نفطي إماراتي سعودي نادر
يضع الخلاف دولة الإمارات التي عادة ما تفضّل حل المسائل الشائكة بعيداً عن الأنظار، في مواجهة علنية نادرة مع حليفتها التقليدية السعودية، أكبر مصدّر للنفط في العالم وزعيمة مجموعة الدول المصدرة "أوبك"، حسبما ورد في تقرير لموقع swissinfo السويسري.
وقال محللون من مجموعة "دويتشه بنك" الاستشارية إن المناقشات تعقّدت بسبب اعتراض الإمارات في اللحظة الأخيرة على صفقة روسية سعودية تم التوصل إليها في وقت سابق وهي التمديد حتى نهاية 2022.
في المقابل، تقترح أبوظبي فصل تمديد اتفاق خفض الإنتاج بين الدول المصدّرة عن مسألة مناقشة مستويات الإنتاج نفسها، الأمر الذي أدى إلى خروج اجتماع تحالف الدول المنتجة للنفط عن مساره الأسبوع الماضي والفشل في التوصل إلى اتفاق.
وبينما تؤيّد السعودية وروسيا اللتان تقودان تحالف "أوبك+" تمديد الاتفاق كما هو حتى ديسمبر/كانون الأول 2022، ترغب الإمارات في فتح نقاش حول زيادة في مستويات الإنتاج قبل الموافقة على التمديد إلى ما بعد أبريل/نيسان، تاريخ انتهاء الاتفاق الحالي.
وبعد يومين من المفاوضات المريرة، ووقوف الإمارات كعقبة وحيدة، أوقف الوزراء المناقشات إلى يوم الإثنين القادم، تاركين السوق مهملاً والقطاع يشهد ارتفاعاً حاداً في الأسعار وصل معه سعر البرميل إلى 75 دولاراً.
هل تنهار أسعار النفط جراء هذا الخلاف؟
وعلى الرغم من استمرار المحادثات، بدت المواجهات قائمة يوم الأحد، بعد أن كررت الإمارات مطالبها، فيما يعتبر مؤشر خلاف نفطي إماراتي سعودي روسي عميق، حسب Bloomberg.
تُجبر أبوظبي حلفاءها على الدخول في موقف صعب: إما قبول طلباتها أو المخاطرة بتفكيك تحالف أوبك+.
وسيكون من شأن العجز عن التوصل لاتفاق أن يُضيق الخناق على السوق المتأزم بالفعل، ما سيرفع أسعار النفط الخام بشدة. لكن ثمة تصور درامي آخر مُحتمل، وهو أن تنهار وحدة أوبك+ بالكامل، الأمر الذي سيُمثل خطراً على السوق المفتوحة التي ستنهار فيها الأسعار مكررةً أزمة العام الماضي.
وكان التنافس السعودي الروسي الذي وقع في 2020، قد أدى إلى حدث لن يسقط من ذاكرة الاقتصاديين أبداً، عندما أصبح سعر النفط، السلعة الأثمن تجارياً عبر التاريخ، أدنى من الصفر بنحو 40 دولاراً.
"سبق أن لوحت بالانسحاب من أوبك".. ماذا تريد الإمارات من هذا التشدد؟
وكما يحدث في أي مفاوضات، قد يتواجد عنصر التحايل، حسب تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
ففي أواخر العام الماضي، طرحت أبوظبي فكرة مغادرة أوبك. وبينما لم تكرر الإمارات التهديد نفسه هذه المرة، ليس هناك أي طرف- حتى المتواجدون في قلب المحادثات- متأكد مما قد يحدث إذا فشلت المفاوضات يوم الإثنين.
سيعني خروج الإمارات بلا شك اندلاع حرب في الأسعار، وفي هذا التصور سيخسر كل الأطراف. إلا أن التحايل تكمن في إظهار أن بلدك أقدر أن تتحمل من غيرها هذه الخسائر.
لكن هناك لعبة قمار خفية تدور، وفيها تملك الإمارات بعض الأوراق القوية. تريد أبوظبي ضخ مزيدٍ من النفط في السوق بعد إنفاقها المليارات لرفع كفاءة إنتاجها.
وتفترض الإمارات أن الأطراف الأخرى في التحالف ستُدرك، في مرحلةٍ ما، الوضع الذي تسعى أبوظبي لاكتسابه، وستوافق على ترسيم شروط التفاهمات النفطية للسماح لها بضخ المزيد.
وقال روجر دايون، المحلل الخبير في النفط والاستشاري في شركة IHS Markit المحدودة: "في هذه المرحلة سوف تحاول الإمارات بشدة استغلال الاجتماع لتحصل على اعتراف بقدراتها الزائدة وإعادتها إلى العمل".
هدفها تغيير الخط الأساسي
هناك في قلب النزاع كلمة أساسية لاتفاقيات الإنتاجية التي تبرمها أوبك+: هي الخطوط الأساسية. تقيس كل دولة تراجع إنتاجيتها أو زيادتها مقارنة بخط الأساس. وكلما ارتفع رقم الدولة، سُمح لها بضخ المزيد. وتقول الإمارات إن مستواها الحالي، والذي تحدد في أبريل/نيسان 2020 3.2 مليون برميل يومياً، منخفض للغاية، وإنه ينبغي أن يصل إلى 3.8 مليون.
وقال بن كاهيل، الزميل الأقدم في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن: "كانت هذه حرباً حتمية. الفروق كبيرة وسوف تستمر الإمارات في إثارة الضجيج حتى تصل إلى خط أساسي أعلى".
تنتهي صفقة الإنتاج الحالية في أوبك+ في أبريل/نيسان 2022، وعندها ستتمكن جميع البلدان من إعادة المفاوضات على ترسيم خطها الأساسي. لكن الآن تريد كل من السعودية وروسيا، بدعمٍ من جميع الدول الأخرى في أوبك+، مد الاتفاقية حتى نهاية العام المُقبل. وقد رفضت الإمارات توسيع نطاق الاتفاقية ما لم يتغير خطها الأساسي، ما قضى تماماً على الاقتراح الذي تفاوضت عليه موسكو والرياض.
لم تبد أي إشارة على وجود تطورات حتى صباح الأحد 4 يوليو/تموز في أبوظبي، إذ لا تزال الإمارات ترفض مد الشروط الحالية للاتفاقية.
وقال وزير الطاقة الإماراتي، سهيل المزروعي، في مقابلة أجراها مع شبكة بلومبيرغ التلفزيونية: "تتطلع الإمارات إلى زيادة إنتاجية غير مشروطة" إلا أن قرار مد الصفقة حتى نهاية عام 2022 "غير ضروري حالياً"، وأضاف: "لا يزال أمامنا 8 أو 9 أشهر في الاتفاقية الحالية، وهو وقت طويل لمناقشة هذا الأمر في مرحلة لاحقة".
وفي تصريح آخر عبر مداخلة تلفزيونية شديدة اللهجة، قال سهيل المزروعي الأحد إنّ "مطلب الإمارات هو العدالة فقط بالاتفاقية الجديدة ما بعد أبريل/نيسان، وهذا حقنا السيادي أن نطلب المعاملة بالمثل مع باقي الدول".
وتابع في مقابلة مع قناة "سكاي نيوز العربية" أنّ "مسألة دخولنا أو إجبارنا على الدخول في اتفاقية جديدة وربطها بزيادة الإنتاج، لا نراها طلباً منطقياً حتى لو اتّفقت عليه كل الدول"، مضيفاً: "لا يُعقل أن نقبل باستمرار الظلم والتضحية أكثر مما صبرنا وضحينا".
وفي وقت سابق، قالت وزارة الطاقة الإماراتية في بيان: "للأسف، طرحت اللجنة الوزارية في أوبك بلاس خياراً واحداً فقط وهو زيادة الإنتاج مشروطاً بتمديد الاتفاقية الحالية إلى ديسمبر/كانون الأول 2022 وهي اتفاقية غير عادلة للإمارات من ناحية نقطة الأساس المرجعية لحصص الإنتاج".
وتابعت: "الاتفاقية الحالية تستمر حتى أبريل/نيسان 2022، ودولة الإمارات لا تمانع تمديد الاتفاقية إذا لزم الأمر، ولكنها طلبت مراجعة نسب نقط الأساس لمرجعية التخفيض لضمان عدالة الحصص لجميع الأعضاء عند التمديد".
استثمارات هائلة والخوف من إيران
في أبريل/نيسان 2020، وافقت أبوظبي على خطها الأساسي الحالي، لكنها لم تعد تريد استمرار وضع هذه القيود عليها. وقد أنفقت أبوظبي مبالغ طائلة لتوسيع قدرتها الإنتاجية، وجذبت الشركات الأجنبية بما فيها عملاقة النفط الفرنسية توتال (TotalEnergies SE). ومع احتمال عودة إيران إلى سوق النفط إذا أفضت مفاوضات فيينا إلى إحياء الاتفاق النووي، فإن صبر أبوظبي في الحصول على شروط جديدة قد بدأ ينفد.
لكن المطالبة بخط أساسي أعلى مختلف عن امتلاكه. وعادةً ما تُصدر الدول بياناتٍ غريبة متعلقة بمقدار النفط التي تقدر على إنتاجه فقط من أجل إبرام صفقات أفضل. وقليلون فقط من يأخذون تلك الادعاءات على محمل الجد.
إلا أن في العام الماضي، أثبتت الإمارات أن بوسعها إنتاج تلك البراميل الإضافية. وقد ضخت أثناء حرب الأسعار، رقماً قياسياً وصل إلى 3.84 برميل في اليوم، وفقاً لتقديرات أوبك. ومن جانبها تقول أبوظبي إنها أنتجت أكثر من 4 ملايين برميل في اليوم. قبلها لم تُنتج الإمارات أكثر من 3.2 مليون برميل، ولم يعتقد الكثيرون أنها قادرة على إنتاج أكثر من ذلك. إلا أنها أثبتت الآن إمكانياتها على نحو يُعزز موقفها في المفاوضات.