في ظل انهيار الجيش النظامي الأفغاني واستمرار توسع حركة طالبان وسقوط مزيد من المقاطعات في يدها بعد الانسحاب الأمريكي، تحاول الميليشيات الأخرى المناهِضة لـ"طالبان" أيضاً استعراض قوتها، وذلك للحد من تغوُّل طالبان على مناطقها. فما الحكاية؟
الميليشيات المناهضة لـ"طالبان" تحاول ملء الفراغ الأمني في أفغانستان
يقول تقرير لصحيفة The Wall Street Journal الأمريكية إن بعض هذه الميليشيات المسلحة نجحت -حتى الآن- في كبح جماح طالبان. إذ تذكر الصحيفة أن أحد زعماء الميليشيات وهو الزعيم السياسي عباس إبراهيم زاده، حين شاهد مقاتلين من طالبان ينشرون صوراً لأنفسهم على فيسبوك عند بوابات مدينة "مزار شريف"، أكبر مدينة في شمال أفغانستان، الأسبوع الماضي، أمر مئاتٍ من أفراد الميليشيا التابعة له بالإسراع إليها في شاحنات صغيرة وإقامة نقاط تفتيش عند مداخلها.
وتقول "وول ستريت جورنال" إن هذا الاستعراض للقوة، إلى جانب استعراضات مماثلة من زعماء الميليشيات الأخرى المناهضة لـ"طالبان"، نجح -حتى الآن- في استعادة الهدوء بمدينة مزار شريف التي يبلغ عدد سكانها نصف مليون نسمة، فحتى مع استسلام القوات الأفغانية النظامية بأعداد كبيرة لـ"طالبان" بشمال أفغانستان في الأسابيع الأخيرة، فإن عودة الميليشيات مثل تلك التي يتزعمها إبراهيم زاده، للظهور يُضعف هجمات طالبان.
ويُشار إلى أنه منذ تأسيس الجمهورية الأفغانية في أعقاب الغزو الأمريكي عام 2001، حاولت الحكومة المركزية في كابول كبح سلطة قادة الميليشيات، مثل إبراهيم زاده. وتجلى هذا تحديداً في مزار شريف، التي حكمها "قائد المجاهدين" السابق الجنرال عطا محمد نور باعتبارها ملكية خاصة حتى الإطاحة بالرئيس أشرف غني عام 2017.
والآن، مع تراجع أعداد القوات الحكومية الأفغانية الصالحة للعمل وسحب التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة آخر قواته المتبقية في البلاد، فهذه الميليشيات- التي يحمل أغلب قادتها ضغائن ضد بعضهم البعض منذ عقود- أصبحت تملأ فراغاً أمنياً.
ما هذه الميليشيات ولماذا تعادي طالبان؟
تروي الصحيفة أنه بعدما أغلقت حركة طالبان مزار شريف الأسبوع الماضي، بعد الاستيلاء على ثمانٍ من المقاطعات الـ14 المحيطة بها في ولاية بلخ، أُغلقت المتاجر، ولاذ الناس بمنازلهم وخلت الشوارع منهم. واندفع مئات من سكان المدينة إلى المعبر الحدودي القريب مع أوزبكستان الذي أُغلق في النهاية. وحاول آخرون اللحاق بالطائرات المتجهة إلى كابول؛ وهو ما أدى إلى رفع سعر تذكرة الطيران عن تكلفتها العادية بعشرة أضعاف.
يقول المسؤولون الأفغان إنه ليس واضحاً ما إذا كانت طالبان تخطط للاستيلاء على المدينة عسكرياً من الأساس. فهي على أعتاب عديد من عواصم الولايات الأخرى الأقل حمايةً، لكنها امتنعت حتى الآن عن الاستيلاء عليها قبل انسحاب القوات الأمريكية بالكامل.
ولدى سؤال مسؤول كبير في طالبان عن دور هذه الميليشيات في الدفاع عن مزار شريف، قال باستهزاء: "إنهم ضعفاء، ولا يبحثون إلا عن المال. كان قادتهم أبطالاً، لأنهم دافعوا عن أفغانستان في وجه الغزاة السوفييت. لكنهم بعد ذلك وقفوا مع غزاة آخرين ضد الشعب الأفغاني، وفقدوا شعبيتهم بين الناس".
"انتفاضة الحشد الشعبي ضد طالبان"
وتقول الميليشيات، التي تعمل تحت مظلة ما يسمى "انتفاضة الحشد الشعبي ضد طالبان"، إنها تعمل بدعم من الجيش والشرطة الأفغانيَّين المحاصرين. وكان الجنرال عطا، القائد الطاجيكي، قد هرع إلى مزار شريف قادماً من دبي حين وصلت طالبان إلى أعتاب المدينة. وحذا حذوه قائد الميليشيا الذي ينتمي لعرقية الهزارة محمد محقق.
ويوم الأربعاء 30 يونيو/حزيران، اتصل الجنرال عطا هاتفياً بخصمه القديم في الشمال، المارشال عبدالرشيد دوستم، وهو زعيم ميليشيا من أصل أوزبكي كان يُعالَج من مشكلات صحية في تركيا؛ لمناقشة القتال المشترك مع طالبان وتوسيع قوات الحشد الشعبي.
وقال اللواء بالجيش الوطني الأفغاني الجنرال خان الله شجاع، الذي أصبح مؤخراً قائد فيلق شاهين 209، المسؤول عن شمال أفغانستان، إنه ممتنٌّ للمساعدة التي تقدمها هذه الميليشيات.
وأضاف الجنرال شجاع، في مقابلة بمقره بقاعدة مترامية الأطراف جنوب غربي مزار شريف، لصحيفة وول ستريت جورنال: "تأثيرهم قوي للغاية من الناحية السياسية، ويرفع الروح المعنوية للجنود، كما أنه يرفع معنويات الناس. والآن تدرك طالبان أنها لا تواجه قوات الأمن الأفغانية وحدها، بل تواجه أيضاً الشعب نفسه، ولا يمكنها محاربة الشعب".
طالبان في مواجهة الدولة الأفغانية والميليشيات
على أن معظم النجاحات التي حققتها الميليشيات الأسبوع الماضي كانت عابرة. فيوم الثلاثاء 29 يونيو/حزيران، زعم مسؤولون في ولاية بلخ، ومنهم الجنرال عطا، أن قوات الأمن والميليشيات الأفغانية قد نجحت في استعادة السيطرة على مقاطعة كلدار الاستراتيجية على حدود أوزبكستان وطاجيكستان. لكن المتحدث باسم طالبان، ذبيح الله مجاهد، نشر يوم الأربعاء، مقطع فيديو لمقاتلي الحركة وهم يقفون أمام مجمع حاكم منطقة كلدار. وقال أحدهم في المقطع: "المنطقة الآن تحت سيطرتنا".
ولكن، حتى حين أثبتت الميليشيات نجاحها، يشعر عديد من الأفغان بالقلق من ألا يتمكن قادة هذه الميليشيات، فور تمكينهم، من تنحية خلافاتهم السياسية والعرقية جانباً لفترة طويلة.
يقول غول رحمان حمدارد، عضو البرلمان عن ولاية بلخ الذي لا يروقه الدور الذي قد تؤديه هذه الميليشيات على المدى الطويل: "لا بد أن يفكروا في مصلحة الشعب الأفغاني، وليس قبيلة أو حزب".
ومن جانبها، تقول الحكومة المركزية الأفغانية إنها تخطط للاستفادة من قيمة "قوات الحشد الشعبي ضد طالبان" بتدريب هذه الجماعات وإخضاع عملياتها لإشراف الجيش الأفغاني النظامي. وقال الجنرال أجمل شنواري، المتحدث باسم قطاعي الأمن والدفاع بالحكومة المركزية، إن هذه الخطط المتعلقة بالإشراف لا تزال قيد الإعداد.