تنتظر الحكومة الجزائرية الجديدة الجاري تشكيلها تركة اقتصادية ثقيلة فاقمتها أزمة مزدوجة لفيروس كورونا وانهيار أسعار النفط. وبدأ الوزير الأول الجزائري الجديد، أيمن بن عبدالرحمن، مشاوراته السياسية مباشرة بعد تعيينه في منصبه من طرف الرئيس عبدالمجيد تبون، الأربعاء 30 يونيو/حزيران 2021، لتشكيل الحكومة.
وأجرى تبون مشاوراته الأولية مع القوى الأساسية في البرلمان، وتوصّل إلى اتفاق معها للمشاركة في الحكومة، كلٌّ حسب مقاعده المحصّلة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، عدا حركة مجتمع السلم التي أعلنت رفضها المشاركة.
كلَّف تبون، بن عبدالرحمن بمواصلة المشاورات مع الأحزاب السياسية ذات التمثيل البسيط في البرلمان، ومنظمات المجتمع المدني، على أن يقدّم تشكيلته الحكومية بداية الأسبوع القادم.
تحديات اقتصادية أمام حكومة بن عبدالرحمن في الجزائر
وتعرض الاقتصاد الجزائري لهزة عنيفة خلال 2020، بسبب جائحة كورونا وانهيار أسعار النفط، ما نتج عنه عجز تاريخي في موازنة 2021، إذ بلغت 22 مليار دولار. الأزمة المزدوجة دفعت السلطات الجزائرية إلى تقليص الإنفاق الحكومي، بواقع النصف تقريباً وتجميد مشاريع في عدة قطاعات.
وبحسب تقرير لوكالة الأناضول نشر الجمعة حول التحديات الاقتصادية التي تنتظر الوزير الأول بن عبدالرحمن، ستجد الحكومة الجزائرية المرتقبة نفسها في مواجهة بطالة متفاقمة، إذ تشير بيانات رسمية جزائرية إلى أن البلاد فقدت نحو نصف مليون وظيفة بسبب الجائحة.
وامتدت آثار الأزمة لتطال أسعار المواد الاستهلاكية على اختلافها، وستكون الحكومة أمام رهان إطفاء لهيب الأسعار التي اشتدت وطأتها منذ أشهر، وخصوصاً مع حلول شهر رمضان الماضي، تدهورت معها القدرة الشرائية.
ولم تسلم العملة الجزائرية المحلية (الدينار) من تبعات الأزمة، إذ بلغت مستويات قياسية من الانهيار أمام الدولار واليورو. ويتوقع قانون الموازنة العامة لعام 2021 أن يبلغ متوسط سعر الصرف 142 ديناراً لكل دولار، و149 ديناراً في عام 2022.
ووفقاً للوثيقة ذاتها، تتوقع السلطات انخفاضاً بواقع 5% من قيمة العملة المحلية كل عام، خلال الأعوام الثلاثة المقبلة مقارنة بالعملات الأجنبية. وحسب بيانات بنك الجزائر المركزي، بلغ سعر صرف الدينار مطلع يونيو/حزيران الماضي، مستوى 134 مقابل الدولار و160 مقابل اليورو.
ارتفاع الصادرات غير النفطية في الجزائر يعطي بعض الأمل
في خضم الأزمة الاقتصادية الخانقة، برزت بوادر أمل للسلطات يمكن أن تساعدها في تجاوز الوضع المتأزم، بحسب مراقبين. ولعل أبرز بوادر أمل السلطات الجزائرية هو ارتفاع الصادرات غير النفطية، خلال الأشهر الخمسة الأولى من السنة الجارية بنسبة 65% إلى 1.14 مليار دولار مقابل 694 مليون دولار في الفترة المناظرة من العام الماضي.
وسبق للرئيس تبون أن أعلن أن 2021 ستشهد حركة تصدير بقيمة 5 مليارات دولار خارج المحروقات، وتكون قاعدة الانطلاق لاقتصاد البلاد، خصوصاً مع انتعاش إنتاج البلاد الزراعي.
وأعلنت وزارة المالية مطلع يونيو/حزيران 2021 عودة احتياطات النقد الأجنبية للارتفاع لأول مرة منذ بداية 2015 دون تفاصيل إضافية. وبلغت الاحتياطيات الجزائرية من النقد الأجنبي 42 مليار دولار نهاية فبراير/شباط الماضي، نزولاً من 194 مليار دولار نهاية 2014.
البحث عن "حكومة كفاءات" في الجزائر
يرى الخبير والمحلل الاقتصادي فريد بن يحيى أن الحكومة الجديد ستواجه فعلاً تركة اقتصادية ثقيلة، ولذلك وجب أن تكون حكومة كفاءات عالية التأهيل وليست حكومة سياسية.
وأضاف فريد بن يحيى، في حديث لـ"الأناضول"، أن الأزمة المزدوجة كانت لها تبعات واضحة على الاقتصاد الجزائري، وعدة مؤشرات صارت في الخانة الحمراء على غرار البطالة والنمو وعجز الموازنة وغيرها.
"الحكومة الجديدة يجب أن تباشر تقييماً وتشخيصاً دقيقاً لما يعانيه اقتصاد البلاد في مختلف القطاعات، كالزراعة والصناعة والتجارة والصحة والسياحة والتكنولوجيا الحديثة وغيرها".
وطالب بن يحيى الحكومة الجديدة بوضع خطة عمل بأهداف واضحة وأجندة زمنية، وعدم تكرار أخطاء الحكومات السابقة، التي لم تكن لها رؤية حقيقية وتشخيص جيد للخروج بالبلاد من الأزمة.
وزاد: "لذلك من الأفضل أن تأتي حكومة كفاءات عالية التأهيل، تكون لديها رؤية وفق استراتيجية واضحة، ويجمع أعضاؤها بين النظري والتطبيقي ويتخذون إجراءات سريعة وشجاعة".
يقول بن يحيى: "يجب أن يكون من أولويات الحكومة اتخاذ إجراءات حقيقية تسمح بعودة الاستثمارات الأجنبية، وأيضاً الأموال المنهوبة في الخارج (تم تهريبها في عهد الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة)، خاصة أن هذه الحكومة سيكون لها على الأقل 3 سنوات (ما تبقى من ولاية الرئيس تبون) لتنفيذ مخطط عملها".