رغم فقدان رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو منصبه وانتقاله إلى مقعد المعارضة، لا يزال الرجل المتهم بالفساد وخيانة الأمانة رافضاً لتقبّل غيابه عن المنصب وامتيازاته، ويخطط للعودة إليه سريعاً، فها ينجح؟
كان يوم الأحد 13 يونيو/حزيران 2021 علامةً فارقة في مسيرة أطول رؤساء الوزراء بقاء في المنصب في إسرائيل، حيث تم منح الثقة لحكومة التغيير التي أطاحت بالمتهم نتنياهو، ليتولى المنصب تلميذه اليميني نافتالي بينيت.
و"المتهم" نتنياهو ليس صفة كيدية يلصقها به خصومة، فالرجل الذي شغل منصب رئيس وزراء إسرائيل خلال الاثني عشر عاماً الماضية، كما شغل المنصب من 1996 حتى 1999 أيضاً، يحاكم حالياً في اتهامات بالفساد وتلقي الرشوة وخيانة الأمانة، وخسارته منصبه أضعفت موقفه أكثر خلال المحاكمة التي انطلقت بالفعل منذ مايو/أيار من العام الماضي.
ونشر موقع Al-Monitor الأمريكي تقريراً يرصد كيف يعيش نتنياهو أيامه منذ الإطاحة به، واختار الموقع عنواناً لافتاً للتقرير هو: "عودة مؤامرات نتنياهو".
نتنياهو ما زال يعيش كرئيس للوزراء
يُواجه نتنياهو صعوبةً في توديع النفوذ والسلطة ومزايا منصبه السابق، إذ لا تزال عائلته تعيش داخل مقر إقامة رئيس الوزراء في القدس، بعد موافقة رئيس الوزراء الحالي نفتالي بينيت على تأخير انتقاله إلى هناك لبضعة أسابيع.
ويحاول نتنياهو الآن إجبار حزب الليكود على تغطية نفقاته الخاصة كما كان يحدث في سنوات رئاسته للحكومة. ولا يمتلك بطاقة ائتمان أو أي شيء باستثناء هاتفه الخلوي، كما لم يمتلك سيارةً منذ عقود، وليست لديه أدنى فكرة عن الكيفية التي يُدير بها الإسرائيليون العاديون حياتهم اليومية.
ومن الواضح أنه لا يرى سبباً مقنعاً للتكيّف مع هذه الحياة العادية، بل يتجوّل حول البلاد بدلاً من ذلك، ويتمشى حافياً على الشاطئ في بات يام، ليلفت الانتباه من أجل التقاط صور السيلفي، وينغمس في حب مؤيديه الكُثر، الذين يواصلون الإشارة إليه بـ"رئيس الوزراء"، وتُعد هذه واحدةً من أصعب حالات تسطيل الخمر في تاريخ إسرائيل، بحسب وصف تقرير الموقع الأمريكي.
معارضة هدفها الوحيد إسقاط حكومة التغيير
ولا شك أن تغيير الحكومة في الولايات المتحدة مثلاً هو أمرٌ أكثر بساطة، إذ يركب الرئيس السابق المروحية أو الطائرة الرئاسية التي تنقله إلى الحياة المدنية، حيث سيشغل نفسه ببناء المكتبة الرئاسية الخاصة به.
أما في إسرائيل، فسنجد أنّ رئيس الوزراء السابق صار الآن زعيماً للمعارضة في الكنيست، ولن يذهب إلى أيّ مكان، بل على النقيض يمتلك طاقةً زائدة ويتصرف كأنّه رجلٌ ممسوس، يتمسك ببقايا مجده الزائل، ويحاول تغذية شعبيته ومكانته باعتباره زعيماً فارَقَ المنصب بشكلٍ مؤقت فقط.
ويسعى نتنياهو جاهداً إلى إحياء الآمال بأنّ حكومة الوحدة الغريبة والمعقدة برئاسة نافتالي بينيت ورئيس وزرائه المناوب يائير لابيد ستنهار سريعاً، وهو يحاربها من كل الجبهات.
وربما تكون آفاق عودته شبه معدومة، لكن نتنياهو لا يتوقف عن المحاولة أبداً، فهو يحاول إثارة القلاقل بين بينيت وإدارة بايدن، ولا يتورّع عن الصدام مع الحكومة، حتى على الصعيد الأمني المقرب إلى قلبه.
وهذا يشمل على سبيل المثال رفضه الموافقة على تمديد القرار المؤقت الذي يحول دون لمّ شمل الأسر التي تضم فلسطينيين يحملون الجنسية الإسرائيلية وأقاربهم ممن لا يحملونها.
وكان الكنيست يُجدد القرار سنوياً منذ تقديمه للمرة الأولى في عهد الليكود عام 2003، إبان الانتفاضة الفلسطينية الثانية. وقد جرت صياغة القرار، الذي ينتهي العمل به في السادس من يوليو/تموز، من أجل منع هجرة الفلسطينيين الجماعية من الضفة الغربية إلى داخل الأراضي المحتلة واختراقها.
وكان نتنياهو نفسه هو من تقدّم بطلب التجديد السنوي إلى الكنيست، قبل أيامٍ فقط من فقدانه منصبه كرئيسٍ للوزراء، والآن يبذل هو وحزبه الليكود كل ما باستطاعتهم لمنع موافقة الكنيست عليه.
كما يُعارض حزب راعم، الفصيل الإسلامي الذي يُعد أول حزبٍ عربي ينضم إلى الحكومة الإسرائيلية، تجديد هذا القرار أيضاً، وفي غياب دعم راعم، سيحتاج ائتلاف الحكومة إلى أصوات المعارضة من أجل تمريره، وهو ما فشلت فيه الحكومة بالفعل في جلسة الكنيست 30 يونيو/حزيران.
ويلعب نتنياهو بكل الأوراق المتاحة له هنا، فهو ينتهك ما كان يُعتبر المبدأ المقدس لكافة أحزاب المعارضة الصهيونية طيلة عقود، وهو المبدأ الذي ينص على تزويد الحكومة بشبكة أمان في القضايا المتعلقة بالأمن القومي.
نتنياهو يريد العودة لمنصبه بأي ثمن
ولكن هذه الأيام، يبدو أن نتنياهو يُفضل أمنه السياسي الشخصي على أمن إسرائيل القومي، وهو لا يريد سوى شيءٍ واحد، إحراج حكومة بينيت ولابيد، وإثبات كونها معاديةً للصهيونية وخطراً على إسرائيل، وتقويض دعائمها وتأليب مكوناتها ضد بعضهم البعض، وهذا هو مسعاه الوحيد.
وحتى الآن، تشن المعارضة حملةً ممنهجة ضد كافة التشريعات المقترحة من الحكومة الائتلافية، وتُجبر الأغلبية التي يتمتع بها الائتلاف في الكنيست (بفارق صوتٍ واحد) أعضاء المجلس والحكومة على قضاء أيامٍ وليالٍ طويلة داخل المجلس لتجنب خسارة الأصوات لصالح المعارضة، ولا نزال في انتظار رؤية إلى أي مدى يمكن لحزب الليكود وحلفائه الإبقاء على وتيرة تحدي الائتلاف في كل خطوة.
ويتشبّث نتنياهو بآماله في وزير الدفاع بيني غانتس، زعيم حزب أزرق أبيض، فلا شك في أنّ غانتس غير سعيدٍ بصفقة تقاسم السلطة بين بينيت ولابيد، حيث يمتلك حزب يامينا الخاص ببينيت ستة مقاعد فقط في الكنيست (من أصل 120)، بينما يمتلك حزب أزرق أبيض ثمانية مقاعد.
ويواصل رجال نتنياهو طرح أفكارهم على الرجل، لمحاولة إقناعه بالقفز من السفينة والعودة إلى اتفاق تقاسم السلطة مع نتنياهو من عام 2020، وبموجب الاتفاق المقترح هذه المرة سيبدأ غانتس أولاً ليخدم رئيساً للوزراء خلال السنوات الثلاث الأولى من الفترة الرئاسية، ثم يعقبه نتنياهو في المنصب لعامٍ واحد.
هل يمكن أن يقع غانتس في الفخ مرة أخرى؟
كان غانتس قد وقّع، على عكس رغبة الأغلبية في حزبه أزرق أبيض، على ائتلاف حكومي -سُمي وقتها حكومة الطوارئ- مع ليكود نتنياهو بعد الانتخابات الثالثة التي فاز بها حزب غانتس بـ34 مقعداً في الكنيست وجاء في المركز الأول. ونص الاتفاق على أن يتولى نتنياهو رئاسة الوزارة لمدة 18 شهراً، ثم يتخلى عن المنصب لغانتس، لكن نتنياهو -المنتشي باتفاقيات التطبيع مع الإمارات والبحرين وقتها- خان وعوده لغانتس، ما أدى لانهيار التحالف والذهاب للانتخابات الرابعة.
وبالتالي من المستبعد أن يصدق غانتس أو أي شخصٍ آخر نتنياهو، الذي حنث بكافة وعوده السياسية، وأحرق كافة الجسور، وخان جميع شركائه -ومنهم غانتس حينها- بل وتلاعب بكل من وثقوا به طيلة سنوات، لكن نتنياهو لن يكف عن المحاولة، فهذه هي طبيعته.
أما طول فترة احتفاظ أبناء حزبه بدعمهم له، فهي مسألةٌ متروكةٌ للتخمينات، إذ ستظل قبضة نتنياهو محكمة على الحزب ما دام وصل بالليكود إلى السلطة مرةً تلو الأخرى، لكنه أبعد الحزب عن العرش الآن.
وتحوّل رأس مال الحزب إلى عبء، حيث نجح أعضاءٌ بارزون بالليكود في وقف خطته لإقامة انتخابات تمهيدية سريعة، من أجل إحكام قبضته على رئاسة الحزب، وهم ينظمون صفوفهم الآن من وراء ظهره.
ولم يعُد من السهل عليه الآن الدفع بكل أهوائه عبر مؤسسات الليكود، لقد ظهرت عيوب حكمه بنظام الرجل الواحد، وبدأ سحره يتبخر سريعاً، ويبدو مستقبل نتنياهو السياسي الآن أكثر قتامةً من أي وقتٍ مضى، إلّا بالطبع في حال حدوث تطوّر دراماتيكي فتاك في الأحداث، يُؤدي إلى تقويض حكومة بينيت-لابيد.