بعد التفاؤل بأن اللقاحات سوف تؤدي لمحاصرة الجائحة بدأت سلالة دلتا تثير الرعب في العالم، وتعيد الإغلاقات وتثير المخاوف بشأن فاعلية اللقاحات، والأخطر ظهور تحوُّر جديد منها يدعى سلالة دلتا بلس.. فما الفروق بين هاتين السلالتين ومدى فعاليات اللقاحات معهما؟
وتم تحديد سلالة دلتا لأول مرة بالهند في فبراير/شباط 2021، وأصبحت البديل السائد عالمياً لفيروس كورونا، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.
ولكن الآن أصبحت لدينا سلالتان من دلتا: الأولى سلالة دلتا الأصلية، المسؤولة عن الموجة الحالية التي بدت أوضح تداعياتها في الهند، وهناك سلالة دلتا بلس، التي هي تحور من دلتا ومازالت حديثة ومحدودة الانتشار، ولكن هناك قلق أكبر بشأنها، خاصة بالنسبة للقاحات، التي تبدو على أية حالة مشكلة في السلالتين.
ماذا عن سلالة دلتا الأصلية؟
شكلت سلالة دلتا صدمة لعديد من الدول التي كانت تعتبر نفسها ناجحة في مواجهة الجائحة، فدولة مثل أستراليا قدمت نموذجاً ناجحاً في مواجهة وباء كورونا منذ بدايته، لكن تحوّل الإعجاب "والحسد" فجأة إلى الشفقة بعد أن أجبرت سلالة دلتا الحكومة هناك على فرض حجر صحي على أغلب الأستراليين.
ويبدو أن متغير دلتا أكثر قابلية للانتقال من أي سلالة أخرى من فيروس كورونا، وقال المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض ومكافحتها، إنه تم الإبلاغ عنه في عشرات البلدان، وهو أكثر قابلية للانتقال بنسبة 40% إلى 60% من متغير ألفا الذي تم تحديده لأول مرة بإنجلترا، حسبما ورد في تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
وقال تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، في 25 يونيو/حزيران: "يوجد حالياً كثير من القلق بشأن متغير دلتا، ومنظمة الصحة العالمية قلقة بشأنه أيضاً"، فـ"دلتا هي الأكثر قابلية للانتقال، من المتغيرات الأخرى التي تم تحديدها حتى الآن".
لماذا يجب القلق من سلالة دلتا؟
لطالما كان العلماء قلقين بشأن تحور فيروس كورونا إلى سلالةٍ أكثر خطورة من الفيروس الأصلي عبر ثلاث طرق رئيسية:
- الأول: أن يكون أكثر قابلية للانتقال.
- الثاني أن يؤدي الفيروس المتحور إلى مرض أكثر خطورة.
- الاحتمال الثالث أن يتجاوز التحور الحماية المقدمة من اللقاحات الموجودة.
وقال بوب واتشتر رئيس قسم الطب بجامعة كاليفورنيا: "الكابوس هنا أن البديل دلتا يقترب من تحقيق هذه المخاطر الثلاثة"، حسبما ورد في تقرير لموقع Business Insider الأمريكي.
وقال إنه لا يوجد متغير سابق قد تحقَّق من أكثر من واحد أو اثنين. لكن متغير دلتا، الذي تم تحديده لأول مرة بالهند في فبراير/شباط، اقترب من التسبب في الاحتمالات الثلاثة.
ماذا عن قدرتها على إصابة متلقي اللقاحات؟
يشعر بعض الخبراء، بالقلق من أن البديل دلتا قد يؤدي إلى مزيد من الحالات الاختراقية في الأشخاص الذين تم تطعيمهم، خاصةً أولئك الذين حصلوا على جرعة واحدة فقط من اللقاح.
وكان هناك كثير من النقاشات حول قدرات الهروب المناعي لهذا البديل. ويقصد بمصطلحي "الهروب المناعي" أو "الهروب من اللقاح" قدرة المتغير على إصابة شخص لديه مناعة سابقة ضد Covid-19، إما من خلال العدوى السابقة وإما من خلال التطعيم.
وتتطور الأدلة حول متغير دلتا، وتُظهر الدراسات الآن أن اللقاحات الحالية قد لا تكون فعالة ضده، حسبما ورد في تقرير لموقع Quartz India.
ولكن تقرير Business Insider يقول إنه في الوقت الحالي، لا يهدد متغير دلتا بشكل خطير، أي شخص لديه جرعتان من اللقاح.
فحسب بعض المعلومات المتوافرة، جرعتان من اللقاح تزيد فعاليتهما على 88% على الأقل في الوقاية من الحالات الخطيرة لـCOVID-19، من النوع الذي قد يضعك في المستشفى، حتى من نوع دلتا.
ومع ذلك، فإن الجرعة الواحدة تكون فعالة بنسبة 33% فقط في حماية المرضى من هذا المستوى من الضرر، وفقاً للدراسات حول متغير دلتا.
ولكن من الواضح أن مقدار مناعة اللقاحات ضد سلالة دلتا غير محسومة، كما أنها لا ترتبط فقط بعدد الجرعات، ولكن بنوعية اللقاحات أيضاً.
فلقد وجد تحليل أجراه مختبر جوبتا في جامعة كامبريدج، أن لقاح AstraZeneca كان أقل فعالية بشكل ملحوظ ضد العدوى التي تأتي من متغير دلتا.
وفقاً للدراسة، التي لم تتم مراجعتها بعد من الأقران، فإن المناعة لدى أولئك الذين حصلوا على لقاح AstraZeneca كانت أقل فعالية بثماني مرات مع سلالة دلتا مقارنة بالسلالة الأصلية.
وكان لقاح Pfizer أيضاً أقل فعالية ضد متغير دلتا، على الرغم من أنه أنتج أجساماً مضادة أكثر ضد هذه السلالة مقارنة بلقاح AstraZeneca.
كما تكشف البيانات التي جمعتها مؤسسة الصحة العامة في أسكتلندا ونُشرت بمجلة The Lancet الطبية الشهيرة، أنه بعد أسبوعين على الأقل من الجرعة الثانية من اللقاح، انخفضت الحماية من العدوى من 92% لمتغير ألفا (سلالة سريعة الانتشار أيضاً) إلى 79% ضد متغير دلتا لقاح، وذلك بالنسبة للقاح فايزر.
ولكن أداء أسترازينيكا كان أسوأ، حيث انخفضت الحماية بالنسبة التي يوفرها، من 73% لمتغير ألفا إلى 60% لسلالة دلتا.
هذه النسب تتعلق بالحماية من الإصابة بالمرض أو الأعراض، ولكن وُجد أيضاً أن الحماية من الأمراض المصحوبة بأعراض تختلف باختلاف المتغير، حسبما ورد في تقرير لصحيفة the Guardian البريطانية.
ماذا عن سلالة دلتا بلس.. كيف بدأت وأين تنتشر؟
قال مسؤولو الصحة في العديد من دول العالم، إن نسخة جديدة ومتغيرة قليلاً من متغير دلتا الذي تم اكتشافه بالهند، تنتشر في عدد من البلدان، من ضمنها المملكة المتحدة والولايات المتحدة والهند.
هذه السلالة، التي تسمى "دلتا بلس"، ولَّدت قدراً كبيراً من اهتمام وسائل الإعلام العالمية.
وتم الإبلاغ عن ذلك لأول مرة، من قِبل الوكالة العامة للصحة البريطانية الحكومية، في 11 يونيو/حزيران 2021، ومن المعروف أن بريطانيا تعد أكثر دول العالم تقدماً في مجال الاختبارات المحددة للسلالات.
وكشفت عمليات الرصد أن الحالات القليلة الأولى بالمملكة المتحدة قد بدأت في 26 أبريل/نيسان 2021، مما يشير إلى أن السلالة ربما كانت موجودة من قبل وانتشرت بحلول الربيع.
تم رصد نحو 200 حالة في 11 دولة، مع الإبلاغ عن وفاة واحدة فقط حتى الآن بالهند، ولكن هناك حاجة إلى مزيد من البيانات لتحديد المعدل الفعلي للانتشار، حسبما ورد في تقرير موقع CNN الأمريكي الذي نُشر في 29 يونيو/حزيران 2021.
في الوقت الحالي، يطالب الخبراء الجمهور والحكومات إلى حد كبير، بالتزام اليقظة والهدوء.
وتم العثور على سلالة دلتا بلس في العديد من البلدان، لكن ظل انتشارها منخفضاً للغاية، ولا يوجد دليل على أن السلالة تتوسع حالياً في أي بلد.
وقال فان كيركوف، من منظمة الصحة العالمية، إن المنظمة كانت تتعقب دلتا بلس؛ لتحديد مدى قابليتها للانتقال وشدتها.
وقال تي جاكوب جون، رئيس قسم علم الفيروسات الإكلينيكي في كلية الطب المسيحية بالهند: "من الصعب قياس سرعة انتشار أي سلالة في هذه المرحلة المبكرة، إذ تجب مراقبة الانتشار لمعرفة المزيد".
وقامت الولايات المتحدة بتسلسل وتأكيد أكبر عدد من الحالات حتى الآن، مع 83 حالة حتى 25 يونيو/حزيران 2021.
كانت الحالات القليلة الأولى التي تم تسلسلها في المملكة المتحدة مخالطة لأفراد سافروا من نيبال وتركيا أو عبروا منهما، وفقاً لـ"الصحة العامة" في إنجلترا، وتنتشر الحالات المتبقية بين كندا والهند واليابان ونيبال وبولندا والبرتغال وروسيا وسويسرا وتركيا، حسب CNN.
كيف تختلف سلالة "دلتا بلس" عن دلتا العادية، وهل هي أكثر قابلية للانتشار؟
يدرس خبراء الصحة ما إذا كانت دلتا بلس أكثر قابلية للانتقال، من السلالات الأخرى مثل متغيري ألفا ودلتا، ولكن من السابق لأوانه تحديد آثارها على وجه اليقين، حسبما ورد في تقرير موقع CNN.
وتحتوي دلتا بلس على طفرة إضافية تسمى K417N، تميزها عن متغير دلتا العادي. تؤثر هذه الطفرة على البروتين الشائك، وهو جزء الفيروس الذي يربط الخلايا التي يصيبها (أي الذي يعطيه القدر على سرعة العدوى).
وقال فرانسوا بالو، مدير معهد علم الوراثة بجامعة كوليدج لندن، إن طفرة K417N ليست جديدة تماماً، فقد "نشأت بشكل مستقل في العديد من السلالات الفيروسية السابقة".
وأضاف أن "الطفرة قد تساهم في الهروب المناعي (أي تجاوز المناعة التي سبق أن اكتسبها المصاب بالمتغير الجديد، من جراء اللقاح أو المرض السابق)، على الرغم من أن تأثيرها على قابلية الانتقال ليس واضحاً بعد".
ولكن شهيد جميل، عالم الفيروسات ومدير كلية تريفيدي للعلوم البيولوجية بجامعة أشوكا الهندية، قال إن الطفرة "تتجنب مزيج الأجسام المضادة العلاجية وحيدة النسيلة التي استُخدمت في علاج الناس".
هل هي أكثر مقاومة للقاحات؟
وفقاً لتسلسل جينوم Covid-19 المقدم من للحكومة الهندية، تظهر سلالة دلتا بلس العديد من السمات المثيرة للقلق مثل زيادة قابلية الانتقال، وارتباط أقوى بمستقبلات خلايا الرئة، وانخفاض محتمل في استجابة الجسم المضاد.
لم يتضح بعدُ ما هو تأثير الطفرة على فعالية اللقاح، لكن جوليان تانغ، أستاذ علوم الجهاز التنفسي في جامعة ليستر البريطانية، حذَّر من أنه يمكن أن يعطي البديل "خصائص مهمة للإفلات من اللقاح".
تم تصميم معظم لقاحات فيروس كورونا لتدريب الجسم على التعرف على بروتين السنبلة، أو أجزاء منه، وهو المكان الذي توجد فيه الطفرة الجديدة التي تميز دلتا.
ومع ذلك، لا توجد أدلة كافية لتحديد أي شيء بشكل قاطع حتى الآن، وقد أعرب خبراء آخرون عن حذرهم.
وقال فان كيركوف، من منظمة الصحة العالمية، إن المنظمة كانت تتعقب دلتا بلس؛ لتحديد مدى قابليتها للانتقال وشدتها.