الآن وقد كلف الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون وزير ماليته أيمن بن عبدالرحمن بتشكيل حكومة جديدة تنفذ برنامج الرئيس، ما الخطوات التالية حتى تبدأ حكومة الجزائر عملها رسمياً؟
كانت الانتخابات البرلمانية في الجزائر قد شهدت تصدر حزب "جبهة التحرير الوطني" الحاكم سابقاً النتائج بــ98 مقعداً من أصل 407 مقاعد في "المجلس الشعبي الوطني" (الغرفة الأولى للبرلمان).
وجاء المستقلون في المرتبة الثانية بـ84 مقعداً، تليهم حركة "مجتمع السلم" (أكبر حزب إسلامي) بـ65 مقعداً، ثم "التجمع الوطني الديمقراطي" (ثاني أحزاب الائتلاف الحاكم سابقاً) بـ58 مقعداً. فيما حصل حزب "جبهة المستقبل" (محافظ) على 48 مقعداً، يليه حزب "حركة البناء الوطني" (إسلامي) على 39 مقعداً.
وبهذه النتائج يتطلب تشكيل أغلبية داخل البرلمان تحالف 3 كتل نيابية على الأقل، لبلوغ 204 مقاعد من 407. وستكون هذه أول حكومة تنتج عن انتخابات، منذ أن استقال الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة (1999-2019)، في 2 أبريل/نيسان 2019، تحت ضغط احتجاجات شعبية مناهضة لحكمه.
حكومة أغلبية رئاسية
ولتشكيل الحكومة بعد أي انتخابات نيابية، يتيح الدستور الجزائري المعدل في 1 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، خيارين أمام رئيس الجمهورية، إذ ينص الدستور في مادته 103، على أن "يقود الحكومة وزير أول في حالة أسفرت الانتخابات التشريعية (النيابية) عن أغلبية رئاسية"، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.
والأغلبية الرئاسية تعني كتلة نيابية تستوفي نصاباً معيناً (50 بالمئة+ 1)، وتتوافق مع برنامج رئيس الجمهورية أو تدعمه. وتضيف المادة ذاتها أنه "يقود الحكومة رئيس حكومة في حال أسفرت الانتخابات التشريعية عن أغلبية برلمانية".
ويُقصد بالأغلبية البرلمانية كتلة نيابية (50 بالمئة+ 1) معارضة لبرنامج رئيس الجمهورية. ومباشرة بعد ظهور النتائج النهائية أجرى تبون سلسلة مشاورات مع قادة الأحزاب الفائزة حول تشكيل الحكومة المقبلة، وأظهرت نتائجها أن أغلب هذه الأحزاب أعلنت دعمها لبرنامج الرئيس.
وكان الاستثناء هو "حركة مجتمع السلم"، التي رفضت دعم برنامج رئيس الجمهورية والمشاركة في الحكومة، واختارت البقاء في المعارضة.
وجعلت هذه المعطيات السياسية البلاد تتجه نحو خيار حكومة الأغلبية الرئاسية، أي تعيين "وزير أول" مهمته تنفيذ برنامج رئيس البلاد، بدلاً من رئيس حكومة يتولى تنفيذ برنامج الأغلبية البرلمانية المعارضة.
ووقع اختيار تبون على وزير المالية، أيمن بن عبدالرحمن، لقيادة حكومته المقبلة، وكلفه بمواصلة المشاورات مع الأحزاب السياسية الفائزة والمستقلين لتشكيل الطاقم الحكومي.
من هو الوزير الأول الذي اختاره تبون؟
وفي بيان للرئاسة الجزائرية الأربعاء، كلف الرئيس تبون بن عبدالرحمن بمواصلة المشاورات السياسية مع الأحزاب والمجتمع المدني، لتشكيل الحكومة في أقرب الآجال. ووفق المادة 105 من الدستور، يقوم الوزير الأول باقتراح حكومة لرئيس الجمهورية، تتولى تنفيذ برنامجه الرئاسي وفق مخطط عمل يعرض على البرلمان للنقاش والمصادقة.
ويشير تعيين وزير المالية بوضوح إلى التوجه المقبل للرئيس الجزائري، إذ يضع التحدي الاقتصادي على رأس الأولويات في ظل الأزمة الاقتصادية المزدوجة التي تعرفها البلاد، والناجمة عن تداعيات فيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط.
وقال تبون لدى استقباله عبدالرحمن لتكليفه بتشكيل الحكومة: "أنت أهل للمهمة لما هو قادم مستقبلاً، اقتصادي واجتماعي، وأنت على دراية بكل الملفات المالية، وكما وُفقت في مهامك كوزير للمالية ستُوفق في هذه المهمة"، وفق ما نقل التلفزيون الرسمي.
والوزير الأول الجديد رجل تكنوقراطي (غير منتمٍ لأحزاب) بامتياز، إذ يغيب عنه أي توجه سياسي معين، باستثناء تدرجه في قطاع المالية بحكم دراسة القانون والمالية.
بن عبدالرحمن، من مواليد 30 أغسطس/آب 1966 بالجزائر العاصمة، ومتخرج من المدرسة الوطنية للإدارة بالجزائر، تخصّص اقتصاد ومالية، كما حاز شهادة ماجستير في العلوم الاقتصادية والمالية، وكذا عدة شهادات في الإدارة والتدقيق، كما يقوم حالياً بتحضير شهادة الدكتوراه في العلوم الاقتصادية.
وبدأ مساره المهني بوزارة المالية عام 1991، حيث شغل على التوالي منصب مفتش مالي على مستوى المفتشية العامة للمالية (1991-2000)، ومفتش عام للمالية عام 2004، ثم مفتش عام رئيس للمالية في 2006.
وبين ديسمبر/كانون الأول 2001، ومارس/آذار 2010، تولى بن عبدالرحمن منصب نائب مدير للرقابة على مستوى المفتشية العامة للمالية. وتم تعيين بن عبدالرحمن بعد ذلك رئيس قسم مراقبة ببنك الجزائر المركزي من 2010 إلى 2019، ثم محافظاً للبنك من نوفمبر/تشرين الثاني 2019 إلى يونيو/حزيران 2020.
وعيّنه الرئيس تبون وزيراً للمالية، في 23 يونيو/حزيران 2020، خلفاً لعبدالرحمن راوية، قادماً من البنك المركزي. ومن أكبر المهام التي أسندت لابن عبدالرحمن في قطاع المالية رقمنة قطاعي الجمارك والضرائب، وإعداد مخطط للتعامل مع التداعيات الناجمة عن جائحة كورونا.
وخلال فترة توليه مسؤولية القطاع، أطلق برنامجاً وطنياً ضخماً لتعميم الصيرفة الإسلامية بمختلف البنوك العمومية. ويعكس اختيار تبون لشخصية تقنية ومختصة في قطاع المالية مدى الأهمية التي يوليها للجانب الاقتصادي في المرحلة المقبلة، والتي تصفها الطبقة السياسية الجزائرية بمرحلة التحديات الاقتصادية المعقدة.
هل توجد مهلة دستورية لتشكيل الوزارة؟
لا يحدد الدستور الجزائري أي مهلة قانونية للوزير الأول لتشكيل حكومته وعرضها على رئيس الجمهورية، وتنص المادة 104 على أنه "يعين رئيس الجمهورية أعضاء الحكومة، بناء على اقتراح من الوزير الأول"، من دون مهلة لذلك، لكن تبون صرّح خلال استقباله "بن عبدالرحمن (الأربعاء)، بأنه يتمنى أن تكون تشكيلة الحكومة جاهزة خلال الأسبوع القادم على أقصى تقدير.
ووفق العرف السياسي الجزائري، يشرع الوزير الأول في اتصالات مع قادة الأحزاب المعنية بالحكومة المقبلة والكتل النيابية للمستقلين، من أجل استقبال مقترحاتها بشأن وزراء الحكومة، بالتنسيق مع الرئاسة.
وأعطت مشاورات تبون مع قادة الأحزاب لمحةً عامة عن شكل الحكومة القادمة، بحسب ما صرّح به قادة الأحزاب بعد استقبالهم.
ووفق المعطيات، تتجه الأمور نحو حكومة "محاصصة سياسية"، بحيث يتولى موالون للرئيس، وهم من التكنوقراط (لا ينتمون لأحزاب سياسية) الوزارات السيادية، مع احتمال كبير بتجديد الثقة بوزراء الخارجية صبري بوقادوم، والداخلية كمال بلجود، والطاقة محمد عرقاب، في ظل رضا رسمي عن أدائهم.
وحالياً، تجري الأحزاب الممثلة برلمانياً مشاورات لترشيح أسماء قيادية للحكومة، عبر تقديم قائمة موسعة للوزير الأول المُعين، على أن يقوم بعد فحص الأسماء باختيار شخصيات من كل حزب لتولي حقائب وزارية حسب التخصص.
وسيتم، حسب المعطيات، توزيع الحقائب الوزارية تنازلياً، حسب حجم تمثيل كل حزب في البرلمان، إلى جانب شخصيات تمثل كتلة المستقلين.
ماذا عن نيل ثقة البرلمان؟
وفور تشكيلها، تُعلن الرئاسة الجزائرية عن قائمة الحكومة الجديدة، لتبدأ إعداد مخطط عملها (برنامجها)، الذي يُقدم لرئيس الجمهورية في جلسة لمجلس الوزراء تُعقد بعد أيام من تعيين الحكومة.
وبعد مصادقة مجلس الوزراء على البرنامج، يتم عرضه على البرلمان بغرفتيه (المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة)، لمناقشته والتصويت عليه.
وحسب المادة 107 من الدستور، يقدم الوزير الأول استقالته لرئيس الجمهورية، في حال رفض "المجلس الشعبي الوطني" (الغرفة الأولى للبرلمان) المصادقة على برنامج الحكومة.
وحينها، يقوم الرئيس بتعيين وزير أول جديد، ويكلفه بتشكيل حكومة، وفي حال تم رفض برنامجها يحل الرئيس "المجلس الشعبي الوطني"، وتُجرى انتخابات مبكرة خلال 3 أشهر.
ويتزامن تشكيل الحكومة وإعداد برنامج عملها مع مسار قانوني آخر، وهو تنصيب النواب الجدد أو "المجلس الشعبي الوطني" الجديد. وحسب قانون الانتخاب يتم تنصيب النواب الجدد بعد 15 يوماً من إعلان المجلس (المحكمة) الدستورية عن النتائج النهائية للانتخابات، وهو ما حدث في 23 يونيو/حزيران الماضي.
وخلال جلسة افتتاح المجلس، التي يرأسها النائبان الأكبر والأصغر سناً، يتم تنصيب النواب الجدد وانتخاب رئيس للمجلس، عبر اقتراع سري، ويفوز من يحصل على أغلبية "50 بالمائة+ واحد" من الأصوات.
وكانت الانتخابات قد عُقدت في ظل نظام جديد كان رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات محمد شرفي قد قال عنه إنه يهدف إلى وضع آليات جديدة لاستئصال "الفساد والاحتيال"، بحسب تقرير لصحيفة الحوار الجزائرية، مضيفاً أن القانون الجديد سيعتمد "نظاماً انتخابياً جديداً يجعل المال الفاسد غير ذي قيمة بالنسبة لمن يدفعه ومن يتلقاه".ويقوم النظام الجديد، الذي اقترحته لجنة خبراء مكلفة بتعديل قانون 2016، على مبدأ إلغاء التصويت المغلق على القائمة الانتخابية، وتعويضه بنظام الاقتراع النسبي على القائمة المفتوحة. ومن شأن ذلك النظام أن يُسقط القيمة السياسية لـ"متصدر القائمة"، الذي كانت تُصرف لنيله داخل الأحزاب الكبيرة أموال معتبرة، لضمان فوز المتصدر، وربما من يليه بالقائمة، في الانتخابات.