أعلنت عائلة الناشط السياسي الفلسطيني البارز بالضفة الغربية، والمعارض للسلطة الفلسطينية، نزار بنات، عن "اغتياله" فجر يوم الخميس 24 يونيو/حزيران 2021 على يد أفراد أجهزة الأمن التابعة للسلطة.
وبحسب ما نقلت وكالة صفا الفلسطينية، فقد حمّلت عائلة بنات السلطة الفلسطينية كامل المسؤولية عن "اغتياله" الذي أثار غضباً واسعاً بين الفلسطينيين، والذي وصفته فصائل فلسطينية بـ"الاغتيال متكامل الأركان"، فمن هو نزار بنات؟
من هو نزار بنات؟
يعد الناشط الفلسطيني نزار بنات من أشهر النشطاء المنتقدين للسلطة الفلسطينية بالضفة الغربية منذ سنوات عديدة، كما أنه يحظى بشعبية كبيرة في الشارع الفلسطيني لجرأته وانتقاده الحاد للقيادة الفلسطينية في الضفة.
واشتهر بنات بمعارضته للسلطة وتنسيقها الأمني مع إسرائيل، وسبق لأجهزة أمن السلطة مطاردة الناشط بنات أكثر من مرة، لانتقاده السلطة ورموزها أيضاً في قضايا عدة لها علاقة بشبهات فساد.
كما اشتهر بنات بمناصرته لفصائل المقاومة في غزة وانتقاده العلني للتنسيق الأمني ومطاردة المقاومين المنفردين بالضفة الغربية من قِبل الأجهزة الأمنية.
ونزار بنات من سكان بلدة دورا جنوب مدينة الخليل، نشط ضد "مشروع التسوية الذي تقوده السلطة الفلسطينية، ويميل للفكر القومي"، بحسب وكالة صفا، وله محاولات متكررة "للتأسيس لحرية الرأي ضد مشاريع تصفية القضية الفلسطينية".
وفي الانتخابات التشريعية التي كانت مقررة الشهر الماضي والتي قام رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بإلغائها بحجة عدم سماح إسرائيل بإجرائها في القدس، ترشح نزار بنات عن قائمة "الحرية والكرامة".
وبحسب عائلته، تعرض بنات لأكثر من 8 حوادث اعتقال متفاوتة خلال السنوات الماضية على يد أجهزة السلطة الفلسطينية، وأكد بنات في منشورات وفيديوهات سابقة تعرضه للتعذيب والقمع في سجون السلطة التي قضى فيها أشهراً طويلة.
عائلة بنات: اغتيال مع سبق الإصرار والترصد
ونقلت وكالة الصحافة الفلسطينية "صفا" عن عائلة بنات صباح يوم الخميس قولها إن "ما حدث مع نزار هو عملية اغتيال مع سبق الإصرار والترصد"، مضيفة أنه عقب اقتحام بيته في مدينة الخليل من قِبل قوة أمنية مشتركة بتمام الساعة 3:30 فجراً، تعرض للضرب المبرح من قبل 25 عسكرياً، وتم اعتقاله عارياً، وأخذه إلى جهة غير معلومة قبل إعلان وفاته".
وقالت العائلة لشبكة قدس الفلسطينية إنه "تم اغتياله بشكل متعمد من قِبل الأجهزة الأمنية، وتعرض للضرب المبرح بالعصي وقطع حديدية على رأسه خلال الاعتقال"، وقامت "قوة أمنية مشتركة من الأمن الوقائي والمخابرات بتفجير باب المنزل واقتحامه بوحشية، وانهالت بالضرب المبرح على نزار، الذي خرج وهو يمشي على أقدامه، قبل أن يتم اغتياله ويتم إعلان وفاته".
وكذّبت عائلة بنات رواية محافظ الخليل جبرين البكري، مضيفة أن ما جرى للناشط بنات "عملية اغتيال واضحة مع سبق الإصرار والترصد". وجاء في بيان محافظ الخليل الذي نشرته وكالة وفا صباح الخميس: "على إثر صدور مذكرة إحضار من النيابة العامة لاعتقال المواطن نزار خليل محمد بنات، قامت فجر اليوم قوة من الأجهزة الأمنية باعتقاله، وخلال ذلك تدهورت حالته الصحية وفوراً تم تحويله إلى مشفى الخليل الحكومي وتمت معاينته من قِبل الأطباء حيث تبين أن المواطن المذكور متوفى وعلى الفور تم إبلاغ النيابة العامة التي حضرت وباشرت بإجراءاتها وفق الأصول".
وخلال عملية المداهمة وقبيل إعلان وفاته، نشر حساب بنات على فيسبوك منشوراً: "الآن سلطة دايتون تعتقل الناشط السياسي نزار بنات وتقوم بمصادرة جميع مقتنياته من أجهزة حاسوب وهاتف، وقامت بالاعتداء الوحشي عليه، سلطة دايتون وعبدة الرواتب لنا ميعاد".
"فضيحة اللقاحات".. الفيديو الذي أثار غضب السلطة على بنات
وقبيل حادثة اعتقاله وإعلان وفاته، نشر بنات مقطعاً مصوراً على صفحته بفيسبوك ينتقد فيه ما سماها "فضيحة اللقاحات"؛ حيث كانت السلطة قد عقدت اتفاقاً لتبادل مليون لقاح مع إسرائيل، قبل أن يتبين أن اللقاحات التي قامت تل أبيب بتسليم أول دفعة منها لرام الله منتهية الصلاحية، الأمر الذي أثار غضباً واسعاً في الشارع الفلسطيني، ودفع السلطة في النهاية إلى إلغاء الصفقة بالكامل وإعادة اللقاحات منتهية الصلاحية لإسرائيل.
وقال بنات في معرض انتقاده لقضية اللقاحات إن "قيادة السلطة مرتزقة تتاجر بكل شيء على حساب القضية الفلسطينية". وإن ما حصل بـ"فضيحة اللقاحات ليس سلوكاً جديداً على السلطة، بل هو أسلوب قديم متبع لدى قياداتها".
وأضاف بنات في الفيديو ذاته أن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتيه هو "محترف بإخفاء الفساد، لذلك تم وضعه في هذا المنصب من قِبل محمود عباس رئيس السلطة".
وأثار اغتيال بنات موجة عاصفة من الغضب على منصات التواصل الاجتماعي في فلسطين، حيث طالب مغردون بمحاسبة جميع المسؤولين في السلطة الفلسطينية عن اغتيال بنات، فيما طالب آخرون بإسقاط السلطة الفلسطينية واصفين إياها بأنها "لم تعد تمثل الشعب الفلسطيني"، مدشنين هاشتاغ "#تسقط_سلطة_العملاء".
فصائل فلسطينية: عملية اغتيال جبانة تتحملها السلطة
كما حملت فصائل فلسطينية السلطة مسؤولية اغتيال بنات، حيث اعتبر القيادي في حركة حماس عبدالرحمن شديد أن "ما جرى مع الناشط السياسي نزار بنات جريمة اغتيال جبانة مكتملة الأركان قامت بها أجهزة أمن السلطة".
وأضاف شديد في تصريحات لـ "شبكة قدس": "هذه الجريمة قامت بها أجهزة أمن السلطة، لتسكت الأصوات الحرة والجريئة التي فضحت زيف هذه السلطة، وكشفت فسادها للشعب والعالم، لا سيما فيما يتعلق بصفقة اللقاحات الفاسدة".
وأردف قائلاً: "لقد مثل نزار بنات صوت كل أحرار شعبنا في الدفاع عن حقوقه السياسية والاجتماعية والمعيشية، وفضح المتورطين من السلطة في الفساد والسرقة والنهب الذي طالما استمرأوه، فضلاً عن جريمة التنسيق الأمني المتواصلة مع الاحتلال، لذلك قتلوه اليوم بدم بارد ظانين بذلك أنهم سيسكتون صوت الحق والحقيقة".
وطالب القيادي بحماس "الجماهير والفصائل والقوى الوطنية برفض هذه الجريمة وإدانتها"، والنزول للشوارع بثورة احتجاج عارمة لا تتوقف إلا بتقديم قتلة بنات للإعدام"، داعياً المؤسسات الحقوقية والإنسانية كافة "لأخذ دورها والقيام بواجبها في فضح هذه السلطة وتعريتها"، حسب تعبيره.
من جهتها، حملت الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين السلطة المسؤوليّة عن اغتيال بنات، وقالت في بيان صحفي نشر على مواقع التواصل، إنها وهي "تنعى لجماهير شعبنا الناشط والمعارض الجريء الشهيد نزار بنات ورحيله المفجع، تتقدّم لأسرته وعائلته بأحر التعازي والمواساة، وتعتبر أنّ قضية نزار، حياً وميتاً، قضية كل فلسطيني وطني غيور، كان يطمح لمستقبل أفضل للوطن وأبنائه".
وأضافت الجبهة في بيانها: "اعتقال ومن ثم اغتيال نزار يفتح مجدداً طبيعة دور ووظيفة السلطة وأجهزتها الأمنية، واستباحتها لحقوق المواطنين الديمقراطيّة، من خلال سياسة تكميم الأفواه والملاحقة والاعتقال والقتل، وهذا ما يجب ألّا يسكت عنه أو يمر مرور الكرام، فشعبنا الفلسطيني وقضيته أكبر من أن تُحشر في زاوية تقديس الأشخاص أو المؤسّسات على حساب قضيتنا الوطنيّة وحقوق شعبنا وكرامته وحرياته المكتسبة والطبيعيّة"، مؤكدة في النهاية "أن قضية الشهيد نزار بنات؛ في الوقت الذي تُدين سلوك أجهزة أمن السلطة والسلطة ذاتها، فإنّها يجب أن تتحمّل المسؤولية كاملة عنها وعن نتائجها".