بعدما نجحت تركيا في تعزيز وضعها السياسي بالشرق الأوسط والقوقاز بفضل طائراتها المسيرة، يبدو أن طائرات بيرقدار التركية الشهيرة في طريقها لتعزيز وضع أنقرة أيضاً داخل الناتو، بعد الإعلان عن صفقة شراء بولندا لطائرات مسيرة تركية.
إذ أصبحت بولندا آخر زبون للطائرات المسيَّرة التركية، عندما أعلن وزير الدفاع ماريوس بلاشتشاك، في 25 مايو/أيار 2021، عن عقد لشراء 24 طائرة بدون طيار مسلحة بمقذوفات مضادة للدبابات، مؤكداً أن "هذه الطائرات أثبتت نفسها في الحروب".
تفاصيل صفقة شراء بولندا لطائرات مسيرة تركية
ففي قمة مشتركة بأنقرة، في نهاية مايو/أيار 2021، وقَّع وزيرا الدفاع البولندي والتركي صفقة بقيمة 270 مليون دولار (235 مليون يورو)، ستشترى بمقتضاها وارسو طائرات بدون طيار تركية الصنع، لأغراض الاستطلاع والهجوم.
ومن المقرر تسليم الدفعة الأولى من صفقة شراء بولندا لطائرات مسيرة تركية من طراز Bayraktar TB2 في العام المقبل، وستشتري بولندا أيضاً حزمة لوجيستية وتدريبية.
وتشمل صفقة شراء بولندا لطائرات مسيرة تركية أيضاً ذخائر صغيرة ذكية تصنّعها شركة روكيتسان التركية، إلى جانب محطات تحكُّم أرضية ومحطات بيانات أرضية للطائرات بدون طيار. سيتم تقديم خدمات طائرات الاستطلاع والاعتداء بدون طيار في بولندا، واتفقت الدولتان على الحماية المتبادلة لبيانات صناعة الدفاع السرية.
تركيا رابع مُصنِّع للطائرات المسيَّرة، وبولندا تأمل أن تعزز قدرات جيشها
وأشاد وزير الخارجية البولندي، زبيغنيو راو، بالطائرة المسيَّرة التركية Bayraktar TB2. وذكرت وكالة الأناضول التركية الحكومية أنه قال إنه "سلاح متقدم تقنياً، ثبتت فعاليته في المعارك".
وقال راو: "نحن على يقين بأن شراء بولندا لطائرات مسيرة تركية سيعزز قدرات الجيش البولندي ويساهم في تعزيز الجناح الشرقي لحلف الناتو".
وأصبحت تركيا رابع أكبر منتِج للطائرات بدون طيار في العالم، وحققت طائرات Bayraktar TB2 بدون طيار التركية نجاحاً دولياً على مدار العامين الماضيين، حيث حققت مبيعات في بولندا وأوكرانيا وقطر وأذربيجان والمغرب، وذلك بعد أن ساهمت في تغيير شكل المعارك بسوريا وأذربيجان وليبيا.
وقالت صحيفة Wall Steet Journal الأمريكية إن الطائرات المسيَّرة المنخفضة التكلفة التي تصنّعها تركيا، تعيد تشكيل ساحات القتال والجغرافيا السياسية.
ويقول الرئيس التركي إن هناك حالياً ما مجموعه 180 مركبة جوية قتالية بدون طيار من طراز Bayraktar TB2 تعمل في أربع دول، من ضمنها تركيا.
ففي ليبيا، ساعدت الطائرات المسيرة التركية قوات حكومة الوفاق المعترف بها دولياً، على دحر هجوم اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر عن طرابلس، وأدت إلى انسحابه إلى سرت، تطارده قوات الوفاق.
وفي إدلب بشمال سوريا في مارس/آذار 2020، كانت أول مرة في التاريخ تتحقق فيها الهيمنة الجوية لدولة عبر الطائرات المسيرة، حسب وصف موسوعة Wikipedia، حيث ألحقت المسيرات التركية خسائر كبيرة بجيش النظام السوري المدعوم من روسيا، التي اضطرت إلى إبرام اتفاق مع أنقرة أدى إلى حفظ أمن إدلب معقل المعارضة السورية الرئيسي بشمال البلاد.
وفي القوقاز، ألحق الجيش الأذربيجاني هزيمة بنظيره الأرميني، لعبت فيها المسيرات التركية دوراً رئيسياً، وأدت إلى انسحاب يريفان من معظم الأراضي الأذربيجانية التي كانت تحتلها منذ أكثر من 20 عاماً.
سر تطلع دول أوروبا الشرقية للطائرات المسيرة التركية
وفي الحروب الثلاث كان الخصم الرئيسي للطائرات المسيَّرة التركية أنظمة الدفاع الجوي الروسية، منها أنظمة متقدمة مثل بانتسير وإس 300.
ويبدو أن ذلك دفع خصوم روسيا بأوروبا إلى التفكير في التوجه للطائرات المسيرة التركية باعتبارها سلاحاً رخيصاً أثبت فعالية في الميادين أمام أسلحة الدب الروسي.
وكانت أوكرانيا، الشريك الذي خذله حلف الناتو، أول دولة أوروبية تعلن شراء المسيَّرات التركية.
ولكن المفاجأة أن بولندا التي تخشى بدورها النفوذ الروسي، قررت بدورها اللجوء إلى المسيَّرات التركية، لتصبح أول عضو ناتو يشتري هذه المسيرات.
أعضاء بالناتو قلقون من الصفقة
ولكن تأثير الصفقة البولندية لا يُقلق -على مايبدو- روسيا فقط؛ بل أيضاً أعضاء كباراً بالناتو غير راغبين عن تعزيز أنقرة نفوذها في الحلف.
فبولندا ليست دولة عادية، فهي أكبر دولة اقتصاداً وسكاناً بين دول الاتحاد الأوروبي والناتو التي تنتمي لأوروبا الشرقية، والتي كانت خاضعة للاتحاد السوفييتي، وهذا يعني أنها دولة مؤثرة في الناتو والاتحاد الأوروبي وإحدى أكثر الدول المعنية بالتصدي للنفوذ الروسي، وهي المسألة التي باتت تعطى أولوية في الاتحاد الأوروبي والناتو مع التصدي للنفوذ الصيني مثلما تبدى في قمة الناتو الأخيرة.
كما أن بولندا من أبرز دول الاتحاد الأوروبي تمرداً على القيادة الفرنسية الأوروبية للاتحاد الأوروبي، وهي القيادة التي تحاول تعكير علاقات الاتحاد الأوروبي مع أنقرة، لاسيما باريس.
لذا لم يكن غريباً أن يعلق موقع دويتش فيله "DW" الألماني قائلاً: "إن التحول البولندي نحو أنقرة ازدراء لإدارة بايدن بعد ما يُنظر إليه في وارسو على أنه تجدُّد تقارب مواقف واشنطن مع برلين بشأن خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2".
وعكس ما يقوله الموقع الألماني، لا يمكن وصف هذا التحرك بأنه ازدراء لبايدن الذي أظهر في قمته الأخيرة مع أردوغان، رغبته في تحسين العلاقات مع تركيا على أرضية احتواء النفوذ الروسي.
ولكن قد يكون فعلاً ازدراء للدورين الفرنسي والألماني اللذين يحاولان- خاصةً باريس- تنصيب تركيا عدواً للاتحاد الأوروبي رغم أن أنقرة أحد أهدافها الانضمام إلى الاتحاد ومعاملتها كشريك وليس كتابع، وهي مشكلة تعاني منها بشكل أو بآخر، بولندا وغيرها من دول شرق وجنوب أوروبا.
كما أن هذا التحرك البولندي التركي يأتي كردٍّ عملي على فرنسا وألمانيا اللتين تقللان من الخطر الروسي على أوروبا والناتو، ولم تقوما بدور فعال في دعم أوكرانيا شريك الناتو والمرشح الدائم للعضوية والتي تحتل موسكو أراضيها وهددتها مجدداً فور تولي بايدن السلطة، فيما تواصل ألمانيا إصرارها على خط غاز السيل الشمالي الذي يُضعف وضع أوكرانيا ودول شرق أوروبا، ويقوي ميزانية الكرملين.
وارسو تتطلع إلى تعزيز شامل للعلاقات مع تركيا
اللافت أن الصفقة البولندية جاءت في سياق مسعى وارسو لتعزيز علاقتها بتركيا، إذ أعلن الرئيس البولندي أندريه دودا، أن حكومته تريد تحسين العلاقات التجارية مع تركيا، مضيفاً أنه يأمل أن تصل التجارة الثنائية إلى 10 مليارات دولار، مقارنة بـ6.5 مليار دولارٍ اليوم.
كما قال وزير الخارجية البولندي: "هذا مثال آخر على ترجمة شراكتنا الاستراتيجية إلى تعاون عملي. نأمل أن يؤدي ذلك إلى مزيد من التطوير للعلاقات بين الاتحاد الأوروبي والناتو في مجال الأمن والدفاع".
في المنتدى التركي نفسه الذي أدلى فيه وزير الخارجية البولندي بتعليقه، قال نظيره الأوكراني إن شراء بلاده طائرات تركية بدون طيار سيعزز قوة بلاده العسكرية أمام روسيا.
ويرى كارول واسيلوسكي، محلل شؤون تركيا في المعهد البولندي للشؤون الدولية، أن الجوانب السياسية لصفقة الطائرات بدون طيار "مثيرة للاهتمام"، حسب ما نقل عنه موقع "دويتش فيله" الألماني.
"إذ يبدو أنه من خلال هذه الصفقة، تحاول بولندا ليس فقط تعزيز علاقتها مع تركيا، ولكن أيضاً لجعلها أكثر ارتباطاً بأمن الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي، فضلاً عن دق إسفين بين تركيا وروسيا"، مشيراً إلى أن "علاقة أنقرة وموسكو معقدة للغاية".
وكان ضمُّ روسيا شبه جزيرة القرم من أوكرانيا على جدول الأعمال عندما التقى الرئيس البولندي وأردوغان، إلى جانب مواضيع أخرى متعلقة بروسيا، مثل الأمن في البحر الأسود والصراع بين كييف والانفصاليين الموالين لروسيا في شرق أوكرانيا.
أخبر ميروسلاف روزانسكي، القائد العام السابق للقوات المسلحة البولندية، خدمة المعلومات الدفاعية البولندية Defence News بأن القوات المسلحة البولندية بحاجة أيضاً إلى الحصول على طائرات بدون طيار بعيدة المدى قادرة على تنفيذ ضربات خارج حدود البلاد.
ولكن الطائرات التركية بدون طيار قد تكون مفيدة للغاية عندما تقترن باستراتيجية عسكرية مناسبة. ولذا تحتاج إلى تبادل مستمر للمعرفة بين الجانبين التركي والبولندي، حسب روزانسكي.
لوبي مؤيد لتركيا داخل بولندا
يعتقد الخبير الجيوسياسي البولندي ويتولد ريبيتوفيتش، أن "اللوبي التركي" في بولندا، الذي له تأثير قوي على الحكومة، قرر ضرورة إبرام تحالف بولندي تركي كقوة موازنة للتقارب الأمريكي الألماني. وبالمثل، يعتقد بعض المراقبين أن العامل الروسي يستخدم فقط من أنقرة كغطاء، لأن تركيا تنتهج سياستها الخارجية الخاصة.
يقول ستانيسلاف تاراسوف، رئيس تحرير مكتب التحرير الشرقي لوكالة الأنباء الروسية "ريجنوم"، إن تزويد طائرات بيرقدار القتالية بدون طيار كان إشارة مهمة، وإن لم تكن الأولى، على التغييرات في مسار وارسو الاستراتيجي تجاه أنقرة.
وتوترت العلاقات بين بولندا وتركيا قبل عام بعد أن أعلنت تركيا أنها تنوي استخدام حق النقض (الفيتو) على اعتماد خطة جديدة للناتو لحماية بولندا ودول البلطيق، لحين تقديم الدعم لتركيا في عمليتها ضد الأكراد. ولكن في سبتمبر/أيلول 2020، أمر الرئيس البولندي بإرسال فرقة عسكرية بولندية إلى تركيا ضمن عمليات الناتو، وهو ما لم تفعله وارسو من قبل.
وأضاف ريبيتوفيتش أن "مُنظِّري السياسة الخارجية للحزب البولندي الحاكم يحفزهم توجُّه بولندي نحو تركيا بهدف مواجهة روسيا".
لكن حتى الآن، لا تريد تركيا استفزاز روسيا، بسبب التكاليف السياسية والاقتصادية، وستحاول على الأرجح الحفاظ على توازنها بين روسيا وحلف شمال الأطلسي أطول فترة ممكنة.
وقال كارول واسيلوسكي، من المعهد البولندي للشؤون الدولية، إن صفقة الطائرات بدون طيار مع بولندا تمنح تركيا "دفعة اقتصادية وسياسية ضخمة"، من ناحية أخرى، فشراء بولندا "سيعزز صورة قطاع الدفاع التركي"، مما قد يؤدي إلى صفقات أكبر قادمة.
وقال واسيلوسكي لـDW: "من ناحية أخرى، فإنه يعطي مضموناً واضحاً لرواية تركيا بأنها تساهم في سياسة الردع التي ينتهجها التحالف تجاه روسيا، وهي رسالة تحاول تركيا تأكيدها في كل مناسبة تقريباً منذ أن تولى جو بايدن منصبه".
من جانبهم ورغم إبدائهم قلقهم من صفقة الطائرات المسيرة التركية، فإن الروس قللوا من قدرات هذه الطائرات أمام الأنظمة المتقدمة والكثيفة التي يمتلكونها، ولكن اللافت أنه في معارك سوريا والقوقاز، أفادت تقارير بأن الطائرات المسيرة التركية استطاعت التغلب على نظام إس 300 الروسي للدفاع الجوي، وهو النظام الذي طُوِّر منه نظام إس 400 الذي يعد مفخرة الدفاعات الجوية الروسية، وسلاحها الروسي في مواجهات طائرات الناتو.
ويعتقد أن كون الطائرات المسيرة مصنوعة من مواد مركبة، ومحركاتها كهربائية في الأغلب وبالتالي انبعاثاتها الحرارية محدودة، يجعل من الصعب على الرادارات وأجهزة الاستشعار الحرارية تعقُّبها، خاصة إذا استخدمت التكتيكات المناسبة.
والتكتيكات هنا مسألة مهمة للنفوذ التركي، لأنه في الأغلب يحتاج الاستخدام الفعال لهذه الطائرات من قِبل أوكرانيا وبولندا، تدريباً مكثفاً من الجانب التركي.
دبلوماسية الطائرات المسيَّرة
وقال محللون دفاعيون إن تركيا تبني نفوذها في الخارج، من خلال الإنتاج الضخم للطائرات العسكرية بدون طيار.
لقد زوَّدت صناعة الأسلحة في البلاد قواتها بشكل ثابت، بأكثر من 140 مركبة جوية قتالية بدون طيار، ليصبح أسطولها من المسيرات أكبر من إسرائيل والمملكة المتحدة.
تتوافر للطائرات المسيَّرة التركية ميزة مهمة، فبالنظر إلى تميُّز الصناعات التركية عسكرية ومدنية، بالتوازن بين التكلفة المنخفضة والجودة، فإن الطائرات المسيرة التركية تتسم بسعر تنافسي جداً.
إذ تبلغ تكلفة طائرات بيرقدار TB2 ما بين مليون دولار ومليونَي دولار لكل منها، وفقاً لتقديرات المحللين، وهو أقل بكثير، من 20 مليون دولار تقريباً لكل واحدة من الطائرات بدون طيارٍ المتقدمة، من صنع شركة General Atomics الأمريكية المتخصصة، التي اشترى الجيش البريطاني منها أسطولاً مكوناً من 16 نسخة.
ميزة السعر مهمة للغاية للطائرة بيرقدار، إذ بإمكان القوات العسكرية التي تستخدمها تحمُّل خسارة بعضها، خاصةً أنها لا تؤدي إلى خسائر بشرية بالنسبة لمشغليها.
وهو الأمر الذي جعل وزير الدفاع البريطاني، بن والاس، يقول إن الطائرات التركية بدون طيار TB2 مثال على كيف أن الدول الأخرى "تقود الطريق" الآن.
فالطائرات بدون طيارٍ التركية ذات أسعار متوسطة مقارنة بالطائرات الإسرائيلية والصينية، حسب موقع Defense World.
قال كان كاساب أوغلو ، مدير برنامج الأمن والدفاع في المركز التركي لدراسات الاقتصاد والسياسة الخارجية: "تعتبر الطائرات بدون طيارٍ التركية الصنع أغلى من الطائرات بدون طيارٍ الصينية ولكنها أرخص من الطائرات الإسرائيلية والأمريكية. ومع ذلك، لا تشارك الشركات المصنَّعة الصينية بعد، خدمة المبيعات مثل الشركات التركية، لذا فهم يفوّتون ردود الفعل لتحسين منتجاتهم".
وبينما أثبتت الطائرات بدون طيار أمريكية الصنع قوتها في أماكن مثل اليمن وأفغانستان، فإن الصين وإسرائيل لم تقنعا العالم بعد بكفاءة تكنولوجيا الطائرات بدون طيار في جبهات المعارك الصعبة، حسبما تقول ميرف سيرين، محللة الدفاع بأنقرة، لـTRT World.
ما هي دول الناتو الأخرى التي قد تشتري الطائرات المسيرة التركية؟
"إن الاتفاقية مع بولندا تمهد الطريق لمزيد من دول الناتو لشراء طائرات تركية بدون طيار في المستقبل"، حسب ميرف سيرين.
وقيل إن هناك دولاً أوروبية أخرى يمكن أن تشتري الطائرات التركية بدون طيار، من ضمنها ألبانيا وبيلاروسيا والمملكة المتحدة وبلغاريا والتشيك والمجر، حسبما ورد في تقرير لموقع Defense World.
ومؤخراً، زار وزير دفاع لاتفيا مصنعاً للطائرات المسيَّرة في تركيا مملوكاً لعائلة زوج ابنة الرئيس التركي "بايكار"، مما أثار تكهنات بشأن صفقة محتملة.
وفي رد بـ"تويتر" على مستخدم آخر، سُئل وزير دفاع لاتفيا عن الموعد الذي ستحصل فيه بلاده على طائراتها بدون طيار من طراز Bayraktar، رد أرتيس بابريكس ببساطة: "آمل أن يكون قريباً بما فيه الكفاية".
ولم يكن هناك إعلان رسمي من لاتفيا لشراء طائرات بدون طيار مسلحة من تركيا، لكن بعد زيارته مركز بايكار، كتب بابريكس على فيسبوك أنه من مصلحة لاتفيا الوطنية تعميق التعاون الدفاعي مع تركيا. وأضاف أنها زيارة ذات أهمية خاصة، بسبب ما يقول إنه تركيز لاتفيا الحالي على تكنولوجيا الطائرات بدون طيار.
وأضاف على فيسبوك: "من مصلحة لاتفيا تعزيز التعاون البنّاء في القضايا المهمة للطرفين مع تركيا وصناعاتها العسكرية. تركيا شريكنا في الناتو، وأنا متأكد من أن تعاوننا المشترك سيساعد في تعزيز القدرات الدفاعية للاتفيا، إضافة إلى صناعتنا العسكرية المحلية".
تركيا تغري أمريكا عبر "هلال الطائرات المسيَّرة" لتطويق روسيا
يبدو أن الطائرات المسيَّرة التركية سوف تصبح أداة أنقرة لإذابة الجليد مع واشنطن، إذ يُعتقد أن أنقرة تتطلع إلى الاستفادة من نجاح طائراتها، التي أثبتت جدارتها في مواجهة الأسلحة الروسية، لتقديم نفسها كشريك رئيسي في جهود الولايات المتحدة لاحتواء روسيا في أوروبا الشرقية وخارجها، ولكنها ستحرص على فعل ذلك دون استفزاز روسيا.
سلط الخبراء العسكريون الضوء أيضاً على استخدام تركيا المنسَّق لحرب الطائرات بدون طيار وقدرات الطيف الكهرومغناطيسي المتكاملة، لاسيما أنظمة الرادار المتنقلة المصنَّعة محلياً "كورال"، للتشويش على رادارات الدفاع الجوي الروسية وجمع إشارات ذات قيمة عسكرية مثل محادثات الهاتف الخلوي ولنقل استخبارات الاستهداف إلى الطائرات بدون طيار، حسبما ورد في تقرير لموقع Al-monitor الأمريكي.
لن تغير هذه الأسلحة اختلال التوازن الهائل بين روسيا وجيرانها الأوروبيين الشرقيين الصغار، لكن يمنح هذه الدولةَ فرصة الاستعداد لخوض صراعات منخفضة الكثافة والمخاطر كالتي خاضتها تركيا مع حلفاء روسيا في سوريا وليبيا والقوقاز.
الرسالة السياسية لموسكو هي أن القوى المناوئة لها في المناطق الواقعة تحت النفوذ الروسي يمكن أن تتجاوز العمليات العقابية المحدودة وبالتالي تصبح أكثر حزماً على الصعيد السياسي.
من الناحية العسكرية، بإمكان القوات المعادية لروسيا في مناطق نفوذ موسكو أن تخلق فقاعات منع الوصول/المنطقة، وإن كان ذلك مؤقتاً، لتحدي الهيمنة الروسية في الجو وعلى الأرض.
جادل بعض المراقبين بأنه حتى أوروبا يجب أن تتعلم الدروس من انتصار أذربيجان في ناغورنو كاراباخ. "إن معظم جيوش الاتحاد الأوروبي- خاصةً تلك التابعة للدول الأعضاء الصغيرة والمتوسطة الحجم- سيكون أداؤها بائساً مثل الجيش الأرمني في أي حرب حركية حديثة.
"يجب أن يجعلهم ذلك يقلقون، ويفكرون في النموذج الآخر"، وفقاً لجوستاف جريسيل، زميل بارز بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.
ويعزز هذا التوجه من قِبل جيران روسيا الأوروبيين الشرقيين، أنه بعد عقود من انضمامهم إلى الناتو والاتحاد الأوروبي، لم تستطع هذه الدول أن تعزز قدرتها العسكرية، بشكل يؤدي إلى تجسير الفجوة الهائلة مع روسيا، ولا يعود ذلك لفارق السكان والاقتصاد فقط، ولكن أيضاً لأن معظم أسلحة الناتو باهظة التكلفة، كما أن أغنياء الناتو لم يقدموا مساعدات ذات قيمة تُغير التوازن في أوروبا الشرقية، وهو ما ظهر في حال أوكرانيا التي تُركت مَهيضة الجناح أمام الدب الروسي الذي ضم القرم وشجَّع إقليم الدونباس على الانفصال، وها هي كييف لأول مرة تتباهى بقدراتها على رده بطائرات تركيا المسيَّرة.
وتأمل أنقرة أن تعزز هذه الإنجازات يدها في التغلب على دبلوماسية "التجاهل المتعمد" من قِبل إدارة بايدن، وتحقيق شكل من أشكال العلاقة التبادلية مع واشنطن.
يبدو أن تركيا تحاول تسويق فكرة أنه على الرغم من التقارب مع روسيا في السنوات الأخيرة والأزمة المستمرة بشأن شرائها أنظمة الدفاع الجوي الروسية S-400، تظل تركيا الشريكَ الأكثر قيمة للولايات المتحدة بالمنطقة في أي جهد، لموازنة روسيا ويمكنها دعم استراتيجيات الولايات المتحدة من خلال إنشاء "هلال بدون طيار" أو "هلال المسيَّرات" ضد روسيا في مجالات اهتمام موسكو.
تفضل أنقرة أن تركز العلاقة التركية الأمريكية على منافع المعاملات في المجالات ذات الاهتمام المشترك.
يجادل بعض المحللين بالفعل بأن على واشنطن تطوير طريقة جديدة للتفكير في علاقتها مع تركيا؛ للاستفادة من القيمة الجيوسياسية للبلاد.
يمكن أن تصبح فكرة "هلال الطائرات بدون طيار" لاحتواء روسيا، في نهاية المطاف، أقوى ورقة مساومة لأنقرة في سعيها لإعادة ضبط الوضع مع واشنطن، حيث لم يتبقَّ لها سوى مساحة صغيرة للمناورة بعد الأزمات الثنائية التي لا تعد ولا تحصى في السنوات الأخيرة.
ربما تكون سماء شرق أوكرانيا أفضل مكان تجب مراقبته؛ لمعرفة ما إذا كان بإمكان واشنطن قبول الصفقة التركية.