يبدو أن الغرب يحاول أن يدفع أنقرة إلى إنهاء التفاهم التركي الروسي الذي تحقق في كثير من الساحات، بل يبدو أنه يحثها على مواجهة موسكو في العديد من الملفات، في ظل مساعٍ بالغرب للرد على صعود النفوذ الروسي.
وعلى مدار السنوات الماضية، تشكلت علاقة غريبة تجمع بين المنافسة والتنسيق بين تركيا وروسيا، منذ تفاهمهما حول الوضع في سوريا، الأمر الذي أدى إلى إطلاق عملية سلام بعد هزيمة المعارضة السورية، أدت إلى تقليل خسائرها وتوفير قدر من الحماية لها في معاقلها الأخيرة بشمال سوريا.
التفاهم التركي الروسي.. نموذج غريب للمواجهة والتنسيق
منذ الأزمة السورية، تشكلت علاقة غريبة بين البلدين جمعت بين التنافس الحاد الذي وصول لوجود قوات للبلدين على الأرض وسط معارك يخوضها أحدهما أو حلفاؤهما، في تنافس كان يمكن أن يهدد بوقوع اشتباك بين البلدين، ولكن لم يحدث.
بل ما كان يحدث دوماً هو خوض أحد البلدين وليس كليهما، معارك مع حلفاء الآخر، وفي النهاية بعد أن تنتهي المعارك يجلس الطرفان، للتفاوض وفي الأغلب فإنه يتم إقصاء الغرب والأطراف الأخرى مثل إيران من المفاوضات، التي تنتهي بحلٍّ وسط بين الجانبين يراعي حلفاءهما.
حدث هذا بشكل واضح بإدلب بسوريا في بداية 2020، حيث شارك الجيش التركي إلى جانب المعارضة السورية في معارك غير مسبوقة ضد جيش الأسد الذي كان مدعوماً بشكل كبير من الجيش السوري، وانتهت الأزمة باتفاق أنهى الحرب في إدلب، في مؤشر على قدرة التفاهم التركي الروسي على أعقد الخلافات بين الطرفين.
وفي ليبيا، حدث الصراع والتفاهم التركي الروسي بشكل أقل وضوحاً؛ نظراً إلى وجود العديد من الأطراف الأخرى، خاصةً أن اللواء المتقاعد خليفة حفتر ليس فقط حليفاً لروسيا بل لقوى أخرى، ولكن الروس كان لهم وجود مؤثر عبر مرتزقة فاغنز، ووقعت معارك بين قوات حكومة الوفاق المدعومة من أنقرة ومرتزقة فاغنز الداعمين لحفتر، ولكن فعلياً، يبدو أنه قد حدث نوع من التنسيق على الأرض بين الجانبين انتهى إلى الأمر الواقع الجديد، وهو فك الحصار عن طرابلس، فيما وُجدت مرتزقة فاغنر في سرت ومناطق أخرى، وباتت تعمل بشكل شبه مستقل عن حفتر.
وكان يمكن أن يثمر التنسيق والتفاهم التركي الروسي وضعاً مثل الاتفاق الذي أُبرم بين أذربيجان وأرمينيا، ولكن رفض حفتر ووجود أطراف أخرى،لاسيما الإمارات، منع ذلك، وقد بدا ذلك واضحاً في رفض حفتر الاستجابة لضغوط روسية للتوافق مع رئيس المجلس الرئاسي السابق فايز السراج خلال وجودهما في موسكو.
كان الصراع بالقوقاز الأوضحَ في عملية التنسيق الروسي، إذ بدا الدعم التركي واضحاً ومعلناً لأذربيجان، فيما بدا أن روسيا تقدّم نفسها كوسيط محايد بين الطرفين، رغم أنه يُنظر إليها على أنها أقرب إلى أرمينيا.
وانتهى الأمر بتوقيع اتفاق تضمَّن إعادة أرمينيا جزءاً كبيراً من الأراضي الأذربيجانية المحتلة، مع وضع ترتيبات قابلة للاستمرار للبلدين، دون أي دور للغرب أو مجموعة مينسك.
في الحالات الثلاث بدا أن هناك خليطاً غريباً من الصراع الخشن بين الطرفين عبر حلفائهما أو بشكل مباشر من أحدهما، والتنسيق الوثيق والقدرة على الاتفاق.
وفي الحالات الثلاث، كانت تطورات الصراع الميداني عاملاً أساسياً في توجيه الأحداث دون انفجارها.
تفوق تركي وتقبُّل روسي
وعكس الثورة السورية، حيث تعرضت المعارضة السورية المدعومة من تركيا للهزيمة، فإن الصراعات الثلاثة الأخيرة شهدت تفوقاً تركيّاً ميدانياً على حلفاء موسكو، وهو تفوُّق تحقق بشكل كبير، بسبب أداء الطائرات التركية المسيّرة في مواجهة أنظمة الدفاع الجوي الروسية الصنع.
ولكن في الأزمات الثلاث تقبلت روسيا التفوق التركي الميداني، وتفاوض الطرفان في النهاية، ولم تحاول روسيا تصعيد الأمر إلى درجة خطيرة والتضحية بعلاقتها مع تركيا التي توسعت في السنوات الأخيرة، من التعاون الاقتصادي إلى النواحي العسكرية، بينما قبلت تركيا بتقاسم حلفائها المكاسب مع حلفاء روسيا، رغم انتصار حلفائها.
في المقابل توترت العلاقة بين تركيا والغرب خلال السنوات الماضية، وكان أحد أسباب ذلك تعزيز العلاقات بين تركيا وروسيا، خاصة فيما يتعلق بشراء أنقرة صواريخ إس 400 من روسيا، ويتجاهل الغرب عادةً دوره في دفع تركيا إلى التقارب مع روسيا، بسبب مواقفه سواء عدم دعم أنقرة خلال التدخل الروسي في الأزمة السورية، إضافة أو الموقف السلبي الغربي من محاولة الانقلاب في تركيا عام 2016، مقابل موقف روسي أوضح في الإدانة. وأخيراً، تملص الغرب المتكرر، لاسيما الولايات المتحدة، من طلب تركيا شراء أنظمة باتريوت.
واليوم بعد القمة بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، بدا واضحاً أن هناك رغبة في ترميم العلاقة بين الغرب لاسيما الولايات المتحدة، وتركيا، يعززها مسعى واشنطن للتركيز على مواجهة روسيا، وهي عملية تحتاج فيها إلى أنقرة بصورة خاصة.
واليوم توجد عدة ساحات محيطة بروسيا يحتاج فيها الغرب إلى الدور التركي، وبدأت تركيا تتحرك فيها، فهل تؤدي هذه التحركات إلى إنهاء التفاهم التركي الروسي.
أوكرانيا.. دولة لها أهمية خاصة، بالنسبة لتركيا
تعتبر أوكرانيا أبرز هذه الساحات، إذ تتشاطأ أنقرة وكييف البحر الأسود، كما أن النقطة الأهم في العلاقة بين البلدين: وجود شراكة بين البلدين في مجال التصنيع العسكري، حيث تمثل أوكرانيا مزوداً محتملاً ومهماً لكثير من المعدات العسكرية لتركيا، لاسيما محركات الدبابات والطائرات، في وقت يمارس فيه الغرب فعلياً حصاراً غير معلن على تركيا في هذا المجال، وفي المقابل تقدم أنقرة لكييف العديد من الأسلحة، في مقدمتها الطائرات المسيرة.
لقد حافظت أنقرة على توازن دقيق بين روسيا وأوكرانيا على مدار السنوات الماضية، فمن ناحية لم تنضم تركيا للعقوبات الغربية على روسيا بعد ضمها للقرم خلال الأزمة الأوكرانية عام 2014، بل العكس وثقت علاقتها العسكرية مع موسكو عبر شراء نظام إس 400 المضاد للطائرات والصواريخ، إضافة إلى توثيق العلاقات الاقتصادية.
ولكن في المقابل، عكس كل الدول الغربية التي حرّضت أوكرانيا ضد روسيا ثم تركتها فريسة لها، كانت أنقرة الدولةَ الوحيدة التي قدمت دعماً على الأرض لأوكرانيا، عبر التعاون معها في المجال العسكري.
وأبرز نموذج على ذلك تصدير أنقرة طائراتها الشهيرة "بيرقدار" لكييف، بل ترغب أوكرانيا في تجميعها.
كل ذلك تم دون استفزاز روسيا أو إطلاق أنقرة تصريحات حادة ضدها كما يفعل الغرب.
يمكن القول إن تركيا هي الدولة الوحيدة من الناتو التي لعبت دوراً في تحسين وضع كييف العسكري المزري، ولكن دون الدخول في مواجهة مع روسيا.
وبالتالي، فرغم أنه من الصعب تخيُّل أن الدعم التركي قد يكون فعالأً في مواجهة القوى العسكرية الروسية الجبارة، فإنه سيكون له تأثير كبير ضد المتمردين المدعومين من روسيا، وفي الحرب منخفضة الكثافة الدائرة حالياً بأوكرانيا.
كييف تلوّح لروسيا بطائرات تركيا المسيّرة
اللافت أنه بينما يهاجم ساسة وإعلاميو الاتحاد الأوروبي وأمريكا أردوغان بشكل شبه دوري، فإن الدول الأوروبية المتورطة في الصراعات مع روسيا، تحاول تعزيز علاقتها مع تركيا، وتشتري منها الطائرات المسيرة وتكيل لها المديح بشكل يبدو أحياناً كأنها تريد توريطها في الصراع مع روسيا.
فمؤخراً، أعلن وزير الخارجية الأوكراني دميتري كوليبا، أن بلاده ستستخدم الطائرات المسيّرة التركية، للدفاع عن نفسها في جميع المناطق إذا تعرضت للهجوم من روسيا، واصفاً الطائرات بأنها "جيدة جداً".
وقال خلال مشاركته في "منتدى أنطاليا الدبلوماسي"، إن "تركيا لم ترضخ لضغوط روسيا، وهي دولة تحترم نفسها وتحظى باحترام الدول الأخرى".
وأضاف: "الطائرات بدون طيارٍ المسلحة ضرورية لردع روسيا.. يجب أن تفكر روسيا مرتين قبل التخطيط لشن هجوم أو إشعال نزاع واسع النطاق ضد أوكرانيا".
في حين سبق أن أكد أردوغان أن التعاون العسكري بين تركيا وأوكرانيا ليس موجهاً ضد بلد ثالث، وأكدت تركيا مراراً لروسيا أن بيعها الطائرات المسيّرة لأوكرانيا عملية تجارية بحتة.
بولندا وجورجيا تلجآن لتركيا
في مايو/أيار 2021، أعلن وزير الدفاع الوطني البولندي ماريوش بلاشتشاك، أن بلاده ستشتري 24 طائرة بدون طيار من طراز Bayraktar من تركيا.
وقال وزير خارجية بولندا زبيغنيو راو، إن بلاده ستستخدم الطائرات التركية بدون طيار Bayraktar TB2 لتحسين إمكانات الجيش البولندي، ولتعزيز الحدود الشرقية للناتو.
وأضاف الوزير، خلال مقابلة مع وكالة "الأناضول" على هامش المنتدى الدبلوماسي في أنطاليا: "نحن على ثقة بأن هذه الطائرات بدون طيار ستحسن إمكانات الجيش البولندي، وتسمح بتعزيز وتقوية الحدود الشرقية للناتو".
وتابع الوزير القول، إن بلاده وتركيا تواجهان "تهديدات أمنية على حدودهما".
كما وجهت جورجيا الشكر لتركيا على دعمها، خاصة فيما يتعلق بطلبها الانضمام إلى الناتو.
أذربيجان ساحة تنافس جديدة
استطاعت روسيا وتركيا إرساء السلام بالقوقاز، في معادلة منحت كثيراً من المكاسب لأذربيجان وأعادت لها بعض حقوقها على أساس معادلة تبقى فيها باكو صديقاً لروسيا، وتعايشت روسيا وتركيا في مركز مراقبة مشترك وقوات "حفظ السلام" الروسية في شمال كاراباخ.
إلا أن تغيراً طرأ مؤخراً، أثار قلق موسكو على ما يبدو، إذ أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن رغبة بلاده في إنشاء قواعد عسكرية بأذربيجان، بعد زيارته الأخيرة إلى هناك.
واتفقت تركيا وأذربيجان مؤخراً على زيادة التعاون في المجال العسكري، حيث وقعتا إعلاناً في مدينة شوشا، التي يسميها الأرمن العرقيون شوشي، الأراضي التي احتلتها أذربيجان خلال القتال، العام الماضي.
وقال علييف، في مؤتمر صحفي مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: "إنه تم الاتفاق على التعاون بين أذربيجان وتركيا في مجال صناعات الدفاع والمساعدة العسكرية المتبادلة".
وردّ عدد من المسؤولين الروسي بشكل أبدوا فيه قلقهم من هذا التوجه.
وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، إن روسيا على اتصال وثيق مع تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، بشأن استقرار الوضع بجنوب القوقاز.
وعندما سئل المتحدث باسم الكرملين، عن احتمال إنشاء قاعدة تركية في أذربيجان، قال إنّ "نشر البنية التحتية العسكرية من قِبل دول الحلف (الناتو) بالقرب من حدودنا سبب لاهتمامنا الخاص، كما أنه سبب لنا لاتخاذ خطوات لضمان أمننا ومصالحنا".
وتتمركز قوات حفظ السلام الروسية في ناغورنو كاراباخ بعد صراع العام الماضي، ولدى موسكو قاعدة عسكرية في أرمينيا المجاورة.
في حال إنشاء قواعد عسكرية تركية بأذربيجان، فلقد يعني ذلك أن أذربيجان قد تحولت من موقع التوازن الذي كانت تحاول أن تشكله بين النفوذين الروسي من ناحية والتركي الأمريكي من ناحية أخرى، لتنضم بشكل أوضح إلى التحالفات الاستراتيجية لتركيا، وهو ما يشكل مزاحمة للنفوذ الروسي بمنطقة القوقاز، حسبما قال الباحث التركي المختص في الشؤون السياسية، غالب أوندورو، لموقع "سكاي نيوز عربية".
أفغانستان.. بوابة آسيا الوسطى بالنسبة لتركيا
ثالثة الأثافي في التحركات التركية المحيطة بروسيا، إعلان أنقرة عن عزمها إبقاء وجود عسكري لها في أفغانستان؛ لتأمين مطار كابول والبعثات الدبلوماسية.
ورغم أن أفغانستان كان توجد بها أصلاً قوات غربية بقيادة أمريكية قبل الإعلان عن انسحابها، فإن دواعي القلق الروسي من الوجود التركي في أفغانستان،؛ لا تقتصر على كون تركيا عضواً في الناتو، بل السبب أيضاً إن أنقرة لديها نقاط قوة أكبر بكثير.
فتركيا بما أنها دولة إسلامية ويحكمها حزب إسلامي الجذور، فإن لديها قدرة أكبر على إقامة علاقات قوية مع المجتمع والحكومة في أفغانستان، وحتى المعارضة، وضمن ذلك طالبان، التي رغم اعتراضها حتى الآن على الوجود التركي، فإنها يمكن أن تتعامل معه بشكل مختلف عن الوجود الغربي.
الأهم بالنسبة للتنافس التركي الروسي ليس في أفغانستان ذاتها فقط، بل موقعها، فهي الجار الملاصق لجمهوريات آسيا الوسطى، البلدان التي تنظر إليها تركيا باعتبارها أشقاء في الأخوة التركية، فهي كلها تتحدث لغة من لغات المجموعة التركية باستثناء طاجيكستان.
ومنذ استقلال هذه الجمهوريات تحاول تركيا تعزيز علاقتها بها، ووجود نفوذ تركي في أفغانستان سوف يعزز هذا المسعى، ومما يعزز موقف أنقرة أيضاً علاقتها الوثيقة مع باكستان.
"تبقى إحدى نقاط الخلاف الرئيسية المكتومة بين البلدين، وهي مشروع حفر قناة إسطنبول كممر مائي بديل يربط البحر الأسود ببحر مرمرة، الأمر الذي أثار مخاوف روسيا من إمكانية انسحاب تركيا من الاتفاقيات الدولية المُقيدة لسلطتها على تلك الممرات البحرية الهامة بالنسبة لروسيا، لكونها الممرات التركية هي المنفذ الوحيد الذي يوصل السفن الروسية إلى المياه الدافئة. لأجل ذلك، تشعر روسيا بأن ثمة تحركات عسكرية شاملة لحلف الناتو في محيطها الحيوي، وإن عبر تركيا، ولذا تستعد لاتخاذ خطوات مضادة"، حسب الباحث التركي المختص في الشؤون السياسية، غالب أوندورو.
هل تؤدي هذه التطورات إلى إنهاء التفاهم التركي الروسي؟
مقابل التحركات التركية فإن روسيا لديها أوراق ضغط عدة، أبرزها ورقة السياحة الروسية إلى تركيا، وهي ورقة مؤثرة بشكل كبير، في ظل تراجع السياحة الأوروبية بسبب إغلاقات كورونا.
كما تمتلك روسيا أوراق ضغط محتملة على أذربيجان وتركيا عبر أرمينيا.
ولكن رغم المناورات الأخيرة بين البلدين، فإنه يجب تذكُّر أنهما دخلا في مواجهات أكثر حدة وشراسة مثلما حدث في إدلب بسوريا، وانتهى الأمر باتفاقهما.
الأهم أنه رغم رغبة أردوغان في ترميم علاقته بالغرب، عبر دور تركي في محيط روسيا والشرق الأوسط، فإنه لا يثق بشركائه الغربيين ولن ينسى كيف أن إدارة أوباما الذي كان بايدن نائباً للرئيس فيها، هي التي أنزلت العلاقات التركية الغربية إلى أسوأ مستوى لها، وتركت تركيا في أزمة مع روسيا دون دفاع جوي.
الأهم أن أوكرانيا نفسها عبرة لمن يثق بالغرب، فلقد حرَّضها الغرب على التمرد على روسيا ثم تركها فريسة لها، كما أن الدول الغربية الكبرى مثل ألمانيا، لا تبدو مستعدةً على الإطلاق لدفع أي ثمن في التصعيد المزعوم مع روسيا، فبرلين تواصل علاقتها الوثيقة مع روسيا ومُصرَّة على مشروع خط السيل الشمالي لنقل الغاز، بينما فرنسا عندما طرحت مشروعاً لحل الأزمة الليبية اقترحت سحب القوات التركية والمقاتلين السوريين الموالين لها وهي القوات التي جاءت بدعوة ليبية رسمية، قبل سحب مرتزقة فاغنر الروس، وباريس تحديداً لا ترى في موسكو منافساً بقدر ما ترى ذلك في تركيا.
فمن ثم فإن تركيا في إطار مساعيها لترميم علاقتها بالغرب، قد تتحرك في محيط روسيا بطريقة تعزز مصالحها الذاتية وتُضايق روسيا لكن دون إغضابها، والأهم أنها تقدم نفسها ليس كعضو نشط في الناتو، بل تقدم نفسها للروس والأوكرانيين، وحتى لبقية الناتو كوسيط محتمل في الأزمات، وهو أمر أكده المسؤولون الأتراك مراراً، عبر إبداء استعدادهم ورغبتهم في التوسط بين روسيا وأوكرانيا.
كما أن جزءاً من التحركات التركية لا يخلو من توجيه رسائل إلى روسيا بأن لديها أوراق ضغط أيضاً، ولكنها لا تعني رغبة تركيا في إنهاء حالة التنسيق النشط بين البلدين، كما أن أنقرة ستراعي حساسية موسكو الخاصة لبعض القضايا الخلافية بين الجانبين التي تعتبرها روسيا أزمات أو بلدان تقع في حديقتها الخلفية مثل أوكرانيا وأذربيجان، عكس أزمات بعيدة مثل سوريا وليبيا.
لا تريد أنقرة إنهاء التفاهم التركي الروسي، بل تريد تعزيز موقفها في هذا التفاهم، فتصبح أداة لتقوية الناتو بطريقة تعزز وضع تركيا فيه ولدى الغرب دون الوصول لمرحلة استفزاز روسيا، بل تريد تركيا نفسها أن تصبح محاوراً ووسيطاً مع روسيا كما حدث بنجاح، في الأزمات الثنائية بين البلدين.