مع قرب اكتمال الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، طلبت إدارة جو بايدن من تركيا الاضطلاع بالدور الرئيسي في تأمين مطار كابول، فهل تقدم أنقرة الحل السحري لجميع الأطراف هناك؟
كان مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان قال الخميس، 17 يونيو/حزيران، إن بايدن ونظيره التركي رجب طيب أردوغان كانا قد اتفقا خلال اجتماعهما في وقت سابق من هذا الأسبوع، على أن تقوم تركيا بدور رئيسي في تأمين مطار كابول، مع انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، مشيراً إلى أن العمل جارٍ لوضع خطة.
وأمس السبت، 19 يونيو/حزيران، قالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، إن وزيرها لويد أوستن بحث مع نظيره التركي خلوصي أكار التعاون الثنائي بين البلدين والملف الأفغاني. وقال المكتب الإعلامي للوزارة في بيان، إن أوستن وأكار بحثا خلال اتصال هاتفي التعاون بين تركيا والولايات المتحدة، ومواصلة الوجود الدبلوماسي في أفغانستان.
ويبدو أن المأزق الذي تواجهه الولايات المتحدة في أفغانستان، حيث خاضت حربها الأطول دون أن تحقق أياً من أهدافها هناك، قد يتمثل المخرج منه في أن تتولى تركيا مهمة تأمين مطار كابول، فلماذا تركيا بالتحديد، من بين أعضاء حلف الناتو الذين لهم قوات بالفعل في أفغانستان؟
أسباب تجعل تركيا الحل المثالي
تناولت مجلة National Interest الأمريكية الأسباب التي تجعل تركيا في موضع جيد لتولي تلك المهمة بنجاح، في ظل تزايُد الأحاديث عن تعزيز دور تركيا في أفغانستان. فتركيا هي الدولة الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة التي لديها قواتٌ في التحالف، وكان هناك تفهُّمٌ على مدار فترةٍ طويلة لفوائد انتشار القوات التركية لفترةٍ أطول. وقد يوفِّر تسليم عمليات مطار كابول إلى السيطرة العسكرية التركية تلك الفرصة.
ولدى تركيا الخبرة والقدرة العسكرية لتوفير الأمن في مطار كابول. وتمتلك أنقرة أيضاً مجموعة أدوات دبلوماسية فريدة من نوعها، تجعلها تضع نفسها كوسيطٍ بين الأطراف الأفغانية المتصارعة.
تتمتَّع تركيا بعلاقاتٍ إيجابية مع باكستان، وتروِّج لنفسها باعتبارها زعيمة أمم آسيا الوسطى، واثنتان من هذه الأمم متاخمتان لأفغانستان. قبل عامين كان هناك حديثٌ بين مصادر قريبة من محادثات السلام في الدوحة، يدور حول أن طالبان قد تعتبر استمرار الوجود التركي في أفغانستان خارج مهمة الناتو.
لذلك لم يكن الأمر مفاجئاً عندما قدَّمَت تركيا عرضاً لحراسة وتشغيل المطار في اجتماعات وزارات الخارجية والدفاع لحلف الناتو، في مايو/أيار 2021، بعد مغادرة القوات الدولية. ومن ناحيةٍ أخرى، من المُرجَّح أن يفيد العرض أيضاً موقع تركيا داخل حلف الناتو، وكذلك مُخطَّطات أنقرة بشأن آسيا الوسطى. ومع ذلك، لا يأتي هذا العرض دون شروط، وهناك حتى الآن شروطٌ "سياسية ولوجستية ومالية" لم تصل إلى اتفاق.
ما هي شروط تركيا؟
عزَّزَ بيان قمة الناتو في 14 يونيو/حزيران الجاري من إمكانية التسليم إلى تركيا، عندما أشارت إلى أنه سيتم توفير التمويل لهذا الغرض. وألمح أردوغان، خلال مؤتمرٍ صحفي بعد اجتماعه مع بايدن في اليوم نفسه، إلى أن باكستان والمجر قد يكون لهما دورٌ في تأمين المطار ذي الأهمية الاستراتيجية.
ولدى تركيا أكثر من 500 جندي يتمركزون في أفغانستان كجزءٍ من مهمة الناتو لتدريب قوات الأمن الأفغانية، ومن المُحتَمَل أن تكون هناك حاجةٌ إلى قواتٍ إضافية لمهمة المطار. وقال وزير الدفاع التركي خلوصي آكار إن عرض أنقرة مرهونٌ بدعم الحلفاء.
وأضاف: "نعتزم البقاء في أفغانستان بحسب الظروف. ما هي شروطنا؟ الدعم السياسي والمالي واللوجستي". وقال: "إذا لُبِّيَت هذه الأمور يمكننا البقاء في مطار حامد كرزاي الدولي".
كانت هناك سابقةٌ لهذا الطلب. تولَّى الناتو قيادة القوة الدولية للأمن والمساعدة من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة عام 2003. ومع توسُّع الناتو في أنحاء أفغانستان، لم تتمكَّن القيادة الدولية من توفير المُتطلَّبات الضرورية من قدراتها الخاصة مع النقص في اللوجستيات والطائرات والمركبات.
وكما قال الأدميرال المتقاعد دون لورين، نائب مدير الشؤون السياسية والعسكرية في هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، الذي قاد جهود الدعم في البنتاغون، فإنه "كانت هناك طلباتٌ مشروعة لمساعدة العديد من الدول في تحالف "قوات المساعدة الدولية لإرساء الأمن في أفغانستان" (ISAF)، للانتقال بصورة كفؤة". وطلب تركيا للمساعدة، بعد 18 عاماً ليس مختلفاً كثيراً.
كيف ترى الولايات المتحدة هذا المخرج؟
مع تقليص الولايات المتحدة وجودها في الشرق الأوسط وأفغانستان، ستضمن إدارة بايدن مع ذلك الحفاظ على مصالحها. كانت تركيا حليفاً قديماً للولايات المتحدة في كبح ما تعتبره نوايا توسُّعية لدى روسيا، لكن التحديات الأخيرة أمام العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وتركيا جعلت هذا الأمر أعقد من ذي قبل.
فحاليا تتمتَّع أنقرة بعلاقاتٍ أدفأ مع موسكو، وتسعى وراء مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، تلك المصالح التي لا تتوافق بالضرورة مع واشنطن.
وعلى هذا النحو، من الطبيعي أن ينتاب واشنطن القلقُ بشأن تركيا كجهةٍ تنفِّذ مصالح الولايات المتحدة في هذا المنعطف، نظراً لخلافاتهما القوية حول عددٍ من القضايا الرئيسية، لكن يبدو أن كلا الجانبين حريصٌ على إنجاح هذه القضايا.
وقد أشار أردوغان، بعد الاجتماع الثنائي الأخير مع بايدن، إلى أنه "لا توجد مشكلاتٌ في العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة إلا ولها حل"، والدور التركي في تأمين مطار كابول يمكن أن يساعد في تحسين العلاقات بين واشنطن وأنقرة.
ماذا عن وجهة النظر الأفغانية؟
لم تصدر كابول أيَّ تعليقٍ بشأن ما إذا كانت ستقبل بمهمة تركية مُوسَّعة، لكن متحدِّثاً باسم طالبان أصدر بياناً في 10 يونيو/حزيران، مفاده أنه يتعيَّن على تركيا سحب قواتها من أفغانستان بموجب اتفاق 2020 لسحب القوات الأمريكية، رافضاً بصورةٍ عملية اقتراح أنقرة بحماية وإدارة مطار كابول بعد مغادرة قوات الناتو. وربما تشعر حركة طالبان بالقلق من أن أيَّ هجومٍ على أحد أعضاء الناتو قد يدفع القوات الأمريكية إلى العودة، أو قد يولِّد رداً قاسياً آخر، لذا فإن وجهة نظر طالبان متعنِّتة.
ومع ذلك، فإن وجود تركيا في أفغانستان أقل إثارةً للجدل لأن القوات التركية في الغالب مسلمة وتُعتَبَر أقل "أجنبيةً" بالنسبة للأفغان. هناك أطرافٌ في أفغانستان قد تنظر بريبةٍ إلى الدور التركي، لكن الفكرة بالتأكيد ليست مثيرةً للجدل بقدر الدور المتواصل الذي تضطلع به دولٌ أخرى، حيث يُلقَى اللوم على بعضها في الخسائر الكبيرة بين المدنيين، ويُلقَى اللوم على البعض الآخر الذي تورَّطَت قواته، لاسيما أستراليا، في جرائم حرب.
ومع ذلك، بالنسبة للأفغان، فإن تأمين مطار كابول يمكن أن يساعد في إقناع بعض الدول بالحفاظ على وجودٍ دبلوماسي في أفغانستان ومع المزيد من الدول من إغلاق سفاراتها كما فعلت أستراليا الشهر الماضي، مايو/أيار، بسبب مخاوف أمنية.
ماذا عن حلف الناتو؟
كانت العلاقات بين الناتو وتركيا، في أحسن الأحوال، قابلة للاشتعال في السنوات القليلة الماضية. الخلافات حول شراء منظومة الدفاع الجوي إس-400 من روسيا، والدعم الأمريكي لوحدات حماية الشعب الكردية على الحدود السورية مع تركيا، وأزمة ناغورني قره باغ، والصراع الأخير بين أذربيجان وأرمينيا، وتزايد التوتُّرات بين تركيا واليونان حول أنشطة التنقيب عن الغاز بالقرب من جزيرة كاستيلوريزو اليونانية، والنزاع بين فرنسا وتركيا حول محاولة تفتيش سفينةٍ تركية، يُزعَم أنها انتهكت حظر الأسلحة المفروض من جانب الأمم المتحدة، كلُّ هذه الأمور وغيرها تؤدِّي إلى خلق حالةٍ من عدم الثقة بين تركيا وشركائها في الناتو.
ومع ذلك، ليس هناك شكٌّ في توسُّع الدور التركي في أفغانستان، والذي سيسدُّ الفراغ الذي سيخلِّفه أعضاء الناتو الآخرون الحريصون على الانسحاب، سيؤدِّي أيضاً إلى تحسين بعض العلاقات المتوتِّرة بين أنقرة وحلف الناتو. إنها بالتأكيد خطوةٌ في الاتِّجاه الصحيح، ومن المُحتَمَل أن تكون نقطةً إيجابيةً في إجماع الناتو الأخير.
التركيز على آسيا الوسطى
اكتسب الأتراك خبرةً واسعة في إدارة مناطق الصراع والدبلوماسية، من تجاربهم في سوريا وليبيا. وبينما ستضع أفغانستان العديد من التحديات أمام تركيا فإنها ستخلق أيضاً فرصاً جديدة. بعد انتهاء الصراع في ناغورني قره باغ قبل ستة أشهر، ضغطت تركيا من أجل بسط نفوذها في آسيا الوسطى ووضع نفسها بديلاً عن روسيا بين أمم آسيا الوسطى.
كان المجلس التركي، وهو وكالةٌ حكومية دولية أُسِّسَت في 2009، بمثابة مظلة دبلوماسية مهمة لزيادة التضامن والتعاون بين دول آسيا الوسطى وتركيا. وتهدف أنقرة إلى إنشاء اتحادٍ اقتصادي بين الدول الأعضاء في المجلس التركي بحلول العام 2040.
وقالت مصادر للمجلة الأمريكية إن أفغانستان تقدَّمَت بطلبٍ رسمي إلى المجلس التركي للحصول على صفة مراقب. ويتقاطع تأثير تركيا المتزايد في المنطقة مع أحد الشرايين الرئيسية لمبادرة الحزام والطريق الصينية. والوجود المتزايد لتركيا في أفغانستان، علاوة على دورها الدبلوماسي الأكبر المستقبلي فيها، سيكون لهما بالتأكيد تأثيرٌ تكاتفي على سياسات أنقرة الأوسع في آسيا الوسطى.