في الوقت الذي يعقد فيه المسؤولون الإيرانيون والأمريكيون محادثات غير مباشرة في فيينا لإحياء الاتفاق النووي، فاز بـ"سباق الرجل الواحد" الانتخابي في إيران محافظ متشدد في الانتخابات الرئاسية وهو إبراهيم رئيسي.
وفي ظل رحيل الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني، يأتي بديلاً لسياسته الخارجية- التي غالباً ما تُوصَف بأنها براغماتية، إن لم تكن معتدلة- مسؤولون أكثر محافظة تحت قيادة رئيس القضاء السابق رئيسي.
فوز إبراهيم رئيسي.. التفاوض من "موقع قوة"
لكن على عكس المتوقع، قد تساعد إدارة رئيسي في تسهيل المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران، كما يقول الخبراء لموقع Middle East Eye البريطاني، لكنها قد تفرض أيضاً بعض التحديات.
سيتمكن الفرع التنفيذي الإيراني المتحالف مع المرشد الأعلى علي خامنئي، والبرلمان المحافظ، والحرس الثوري الإسلامي، من التفاوض من موقع قوة محلياً دون الاضطرار إلى الخوف من ردود الفعل العنيفة في الداخل، كما يقول الموقع البريطاني.
وسيكون أيضاً انعكاساً لمواقف مركز القوة الرئيسي عندما يتعلق الأمر بالقرارات الاستراتيجية- من القيادات العليا. وعلى العكس من ذلك، إذا تبنى الرئيس إبراهيم رئيسي، الذي يخضع بالفعل لعقوبات أمريكية بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، خطاباً لا هوادة فيه، فقد يضر ذلك باحتمال إجراء مفاوضات مع الغرب وجيران إيران في الخليج.
ولن يتولى الرئيس الجديد منصبه حتى أغسطس/آب؛ مما يمنح المفاوضين في فيينا أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على العودة إلى الاتفاق النووي دون مقاطعة بسبب نقل السلطة في إيران.
خوض محادثات خالية من الانقسامات الداخلية
وقال نيسان رفاتي، كبير المحللين بشأن إيران في مجموعة الأزمات الدولية، للموقع البريطاني، إنَّ الرئيس هو أحد الأطراف العديدة المعنية بالسياسة الخارجية؛ التي للبرلمان، ومؤسسة الدفاع، وفي النهاية المرشد الأعلى رأيٌ فيها.
يقول رافاتي: "في جوانب معينة من استراتيجية إيران الكبرى وسياستها الخارجية الكبرى، هناك قدر كبير من الاستمرارية بين الإدارة المتتابعة التي تتغير بسبب القيود المفروضة على السلطة التنفيذية ككل. وفي ضوء هذا، الأسلوب مهم أيضاً في التفاوض".
وأضاف أنه مع رئاسة رئيسي، يمكن لإيران المضي قدماً في محادثات خالية من الانقسامات الداخلية التي قد تواجهها إدارة أقل محافظة. مردفاً: "سيعني ذلك أنَّ كل أذرع السلطة في إيران في أيدي المحافظين- القضاء والبرلمان والسلطة التنفيذية والقيادة العليا بالطبع".
وتابع: "بمعنى آخر، هذا يعني أننا يمكن أن نرى تناحراً أقل وانقساماً أقل، إذا اختاروا اتباع سياسة محددة.. وهذا يعني أيضاً أنَّ التفاوض قد يصبح أصعب قليلاً لأنَّ نهجهم سيكون أقل تصالحية، وربما أكثر عدائية، وربما أكثر حدة".
محادثات الاتفاق النووي
تقول إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إنها تتطلع إلى إعادة تفعيل الصفقة من خلال إطار التزام متبادل. وبدأت الجولة السادسة من المحادثات غير المباشرة في فيينا هذا الأسبوع.
وتحدث دبلوماسيون دوليون يشاركون في المفاوضات عن إحراز "تقدم" بعد كل اجتماع مع التأكيد على أنَّ بعض التحديات لا تزال قائمة. لكن الفشل في صياغة مسار لاستعادة خطة العمل الشاملة المشتركة قبل وصول رئيسي إلى السلطة لا يعني بالضرورة احتضار الصفقة.
فالأهم من كل ذلك أنَّ خامنئي أعرب عن دعمه لجهود إحياء الاتفاقية، وكذلك رئيسي خلال مناظرة رئاسية في وقت سابق من هذا الشهر.
لكن سينا طوسي، محلل الأبحاث البارز في المجلس الوطني الإيراني الأمريكي- وهي جماعة ضغط مقرها واشنطن- يقول إنه برئاسة رئيسي، فإنَّ خطة العمل الشاملة المشتركة ستكون "سقف" طموحات الانخراط مع واشنطن و"ليس الأساس".
وهذا يعني أنه من المستبعد أن تُحقِق الإدارة الأمريكية خططها المُعلَنة بالسعي إلى صفقة "أطول مدى وأقوى" ثم استخدامها منصةً للتوسع في معالجة قضايا أخرى مع إيران. وأضاف طوسي: "بالنسبة لهذه القوى المتشددة النافذة في الغرب التي تعارض التعامل مع إيران، أستطيع أن أرى أنَّ رئيسي سيقدم لهم عذراً أكثر ملاءمة للضغط ضد خيار الدبلوماسية مع إيران".
لماذا إبراهيم رئيسي؟
من جهته، أشار رافاتي إلى أنَّ الحكومة الإيرانية المتشددة ستزيد التكلفة السياسية في واشنطن للتواصل مع طهران.
وقال رافاتي عن رئيسي: "خلفيته ليست في الواقع في السياسة الخارجية أو حتى في السياسة الداخلية بحسب التعريف المعهود لشاغلي هذا المنصب. بل خلفيته في القضاء".
وأضاف: "حتى أثناء الحملة الانتخابية، لم نشهده يشارك كثيراً في تقديم مقترحات سياسية ملموسة، سواء كان ذلك بشأن القضايا المحلية والاقتصاد، أو ما إذا كان يتعلق بالسياسة الخارجية".
ومنع مجلس صيانة الدستور الإيراني، وهي مؤسسة دستورية قوية، العديد من المرشحين المعتدلين والبراغماتيين وحتى المحافظين من الترشح للرئاسة، وشطب عملياً جميع المنافسين الجادين لرئيسي.
طريق رئيسي نحو النصر كان واضحاً ومرسوماً منذ البداية
وفقاً للمحلل سينا طوسي، في حين أنَّ الانتخابات الإيرانية لم تكن أبداً حرة ونزيهة تماماً، كان التصويت على الرئيس تنافسياً وتبعياً منذ التسعينيات، حيث يمكن للناخبين الاختيار من بين مجموعة من الخيارات المطروحة.
وأضاف أنَّ القوى المحافظة المتشددة في إيران استفادت سياسياً من حملة الضغط الأقصى التي شنَّها ترامب وتتحرك لتشديد قبضتها على النظام، خاصة مع علامات الاستفهام حول من سيخلف خامنئي (82 عاماً).
وقال طوسي: "لقد كان لديهم هذا المشروع لتوحيد السلطات التي تُهمِّش وتطرد منافسيهم المعتدلين والإصلاحيين من النظام في نهاية المطاف". وأضاف: "ورأينا أنهم صمَّموا هذه الانتخابات الأخيرة منذ بدايتها على نحو غير مسبوق لضمان أنَّ رئيسي لديه أسهل طريق نحو الفوز".