هل تنعكس تحركات مصر في الخارج على ملف المصالحة في الداخل؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/06/18 الساعة 12:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/06/18 الساعة 12:05 بتوقيت غرينتش
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي - رويترز

جرت خلال الأشهر الماضية تحولات هامة تخص التحركات المصرية الخارجية، بداية من التصالح مع قطر ورفع الحصار عنها بعد قمة العلا السعودية، مروراً بالعلاقة مع تركيا ورغبة الطرفين في تطبيع العلاقات، وأخيراً الموقف المغاير والفاعل الذي قامت به القاهرة في وقف الحرب الأخيرة على قطاع غزة ولعب دور الوساطة الهادئة في ملف الأسرى الإسرائيليين لدى حماس.

فالمراقب لتحركات القاهرة على المستوى الإقليمي يلحظ تغيرات لافتة في العديد من هذه الملفات وكأنه قد حدث في مصر أو في تلك الدول ما يبرر هذه التغيرات، ولكن للمفارقة فإن الإدارات المختلفة في تلك البلدان بما فيها مصر لا تزال كما هي، ولكن ما تغير التجاوز عن هذه الخلافات بجرة قلم وكأن شيئاً لم يحدث.

تحاول مصر من هذه التغيرات إعادة تموضعها في الإقليم وتفعيل مصالحها الإقليمية ومن ذلك نجاحها بالتنسيق مع قطر في إرساء تهدئة للحرب الإسرائيلية الرابعة على غزة والتي اندلعت ما بين 10 – 22 مايو/أيار الماضي، وتتعزز هذه المصالحة بالدور الذي تحاول قطر أن تلعبه في قضية سد النهضة، من ناحية أخرى تستمر محاولات التقارب في العلاقات المصرية التركية وقد كان لها صدى إيجابي خلال الحرب الإسرائيليةـ

 بالإضافة لهذين الملفين هناك أيضاً تحول في الموقف المصري من ليبيا وانفتاحها على جميع القوى السياسية الليبية بعدما كانت تؤيد جانب حفتر فقط، واستئنافها لعلاقتها الطبيعية معها وصولاً إلى إعادة تعيين سفير مصري في ليبيا مطلع مايو/أيار الماضي، وكذلك التطور الأبرز المتمثل في الانفتاح على حركة حماس ودورها المؤثر في التهدئة، بل زيارة رئيس المخابرات المصرية إلى غزة ولقائه بقيادات حركة حماس داخل القطاع.

هل يمكن أن تنعكس هذه التحولات على الوضع الداخلي؟

مثل هذه الحلحلة في الملفات الإقليمية المصرية تدفع بمحاولة التفكير في إمكانية أن تنعكس هذه الجهود على الوضع الداخلي وأن يتغير موقف السيسي من إجراء المصالحة الداخلية أسوة بالمصالحات الخارجية وأنها طالما غير من مواقفها مع القوى الخارجية التي كانت تناصبها العداء فإن الأمر الأولى أن يتم ذلك في الداخل؟.

 هناك من يرى أن السيسي يسير في هذا الاتجاه وأن هناك نية لهذا التوجه وخصوصاً ملف السجون، في ظل تلمس سياسة مصرية جديدة في التعامل مع هذا الملف، إلا أنه في الوقت نفسه هناك إجراءات مصرية أيضاً تسير في الاتجاه المعاكس تضعف من تنفيذ توجه مصالحات الداخل في الوقت الحالي، وعدم وجود مصلحة/فائدة من وجهة نظر الإدارة المصرية للسير في هذا الاتجاه، ومن ذلك رفض محكمة النقض للطعون المقدمة على الحكم الصادر في القضية المعروفة بفض رابعة وإصدارها يوم الإثنين 15 /6 /2021م حكما نهائياً بالإعدام على 12 قيادياً من جماعة الإخوان وتخفيف الحكم على 31 متهماً من الإعدام إلى السجن المؤبد، واستمرار الأحكام الصادرة بحق باقي المتهمين الذين يزيد عددهم على 700 متهم. 

مصر باحثين أكاديميين ملاحقة
السلطات المصرية تضيّق على باحثين وأكاديمين داخل البلاد – رويترز

ومن ثم يأتي السؤال المهم: هل تنعكس مصالحات الخارج على مصالحة في الداخل؟ ومتى تكون المصالحة الداخلية في مصر متوقعة؟، مع التأكيد على أن فكرة المصالحة نفسها لها عدة مستويات منها الفكرية والسياسية والاجتماعية.

في هذا التقرير نحاول الإجابة عن سؤال إمكانية المصالحة السياسية الداخلية في مصر بين السيسي وجماعة الإخوان المسلمين خاصة أنه قد تزايدت في الفترة الأخيرة جملة من الأخبار لا نعرف مدى دقتها أو مصداقيتها حول لقاءات هنا أو هناك كان فيها من الأطراف من يمثل جماعة الإخوان المسلمين، ولكنها تبقى مجرد أخبار مرسلة ليس عليها أدلة قاطعة أو شواهد واضحة، أما الحديث عن المصالحة الاجتماعية والفكرية فلها شأن آخر نظن أن الأوضاع لم تنضج بعد للقيام بمثل تلك المصالحات في أشكالها الشاملة والمتكاملة. 

 العلاقات الإقليمية

الملفات الأربعة السابق الإشارة إليها سواء قطر أو تركيا أو ليبيا أو حماس فيها الكثير من التطورات الفعلية والتي يمكن رصدها على النحو التالي:

الملف القطري: كانت مصر هي الدولة الثانية التي أخذت المصالحة مع قطر على محمل الجد من بين الدول الأربع التي كانت في أزمة مع قطر، حيث اتخذت مصر جانب السعودية في تفعيل المصالحة وقد تصاعدت إجراءات تفعيل المصالحة بين الطرفين وصولاً إلى تبادل زيارات وزراء خارجية البلدين وتقديم دعوات للرئيس المصري والأمير القطري لتبادل الزيارة، كما أن التنسيق بين البلدين في الحرب على غزة كان لافتاً وحظي بإشادة أمريكية، وصولاً إلى تداخل قطر في ملف سد النهضة واستضافتها لاجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية غير العادي الذي عُقد في 15 يونيو/حزيران 2021، لبحث تطورات القضية. 

رئيس المخابرات المصرية في غزة
رئيس المخابرات المصرية في غزة ويتقلي رئيس حركة حماس في غزة يحيى السنوار – الأناضول

الملف التركي: فيما يبدو أن مرحلة التفكير في تبادل السفراء بين مصر وتركيا على وشك التنفيذ؛ إذ وصف وزير الخارجية المصري تصريحات الوزير التركي حول هذا الأمر بأنها مقدرة لما تنطوي عليه من رغبة لدى تركيا في تحسين العلاقات مع مصر، وكانت شهدت الشهور الثلاثة الأخيرة تسارعاً لافتاً لافتة في استعادة طبيعة العلاقات بينهما، حيث بدأ التقارب بتصريحات لافتة من المسؤولين الأتراك عن استئناف العلاقات بين البلدين، كما تم عقد لقاءات دبلوماسية رفيعة المستوى، واستكمل ذلك بتصريحات أيضاً من الجانب المصري لم تكُن معتادة منذ تراجع العلاقات بينهما؛ حيث تقدم رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في 8 أبريل/نيسان، الماضي، بالشكر للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على الجهود التي بذلها خلال رئاسة أنقرة الدورية لمجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية (D-8)، بل وصل الأمر إلى أبعد من ذلك باتصال هاتفي بين وزيري خارجية البلدين في 11 مايو/أيار الماضي بحثا خلاله تطورات أحداث قطاع غزة.

 الملف الثالث: عادت مصر في سياستها مع ليبيا بعد سنوات من الدعم العلني لحلف اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي قاتل حكومة الوفاق الوطني السابقة، المعترف بها دولياً، حيث شهدت الفترة الأخيرة من عمر حكومة الوفاق تحسناً في العلاقات مع مصر وامتد هذا التحسن مع الحكومة الجديدة التي خلفتها، حيث هنأت وزارة الخارجية المصرية عبدالحميد الدبيبة بانتخابه رئيساً لحكومة وحدة وطنية، والذي كانت القاهرة هي أول محطة خارجية له بعد انتخابه، واستمرت العلاقات في التحسن وصولاً إلى زيارة رئيس الوزراء المصري إلى طرابلس، برفقة 11 وزيرًا، في أول زيارة يجريها مسؤول مصري بمنصب رئيس وزراء إلى ليبيا، منذ 2010، وفي مطلع مايو/أيار وصل السفير المصري، "محمد ثروت" إلى طرابلس، لاستئناف العمل الدبلوماسي، وفي الخامس من الشهر ذاته أيضاً، استأنفت اللجنة القنصلية الليبية المشتركة مع مصر أعمالها في القاهرة، بعد 8 سنوات من التوقف.

الملف الرابع: لعبت مصر دوراً مؤثراً في إرساء تهدئة جديدة بعد 11 يوماً من الحرب الإسرائيلية على غزة واستطاعت وقف الاندفاع نحو حرب إسرائيلية شاملة على القطاع، وإن كانت المقاومة هذه المرة قد حققت معادلة جديدة في الردع مع إسرائيل وجاءت ضرباتها الصاروخية مؤثرة ومفاجئة لجميع الأطراف، إلا أن الدور الذي لعبته وزارة الخارجية المصرية وجهاز المخابرات العامة وكذلك رئاسة الجمهورية في ملف الدعم الدولي للقضية الفلسطينية ووقف إطلاق النار والإسراع بعمليات إعادة الإعمار، كان مغايراً عن موقف الإدارة المصرية الحالية منذ وصولها إلى السلطة وخصوصاً إذا ما تمت مقارنة هذا الموقف بالحرب على غزة عام 2014 التي كان موقف مصر فيها أقرب إلى الموقف الإسرائيلي.

 في حين أن الحرب الأخيرة عكست موقفاً مصرياً مغايراً لعب أدواراً بالغة الأهمية في إنهائها، كما تستمر المساعي المصرية بشأن القضية الفلسطينية ومن ذلك ملف المصالحة الفلسطينية الداخلية، حيث استضافت مصر مؤخراً قيادات القوى السياسية الفلسطينية من أجل بحث هذه المصالحة، ومن ثم يمكن وصف هذه التطورات باعتبارها طفرة في العلاقات بين حركة حماس والإدارة المصرية عما كان عليه الوضع في السنوات السابقة.

موقف جماعة الإخوان المسلمين من المصالحات الإقليمية

من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن جماعة الإخوان المسلمين كانت وما تزال حاضرة في الملفات الإقليمية بدرجات مختلفة أعلاها في تركيا وقطر، وأدناها في ليبيا، مروراً بحركة حماس وعلاقاتها المعروفة بجماعة الإخوان المسلمين وانعكاس ذلك على علاقة النظام الحاكم في مصر والحركة في السنوات السابقة، ومن ثم كان لقيادات الإخوان مواقف واضحة من هذه المصالحات.

البلتاجي يواجه مبارك

 إذ رحبت في معظمها بهذا الحراك، ما اعتبره البعض مقدمة لإرهاصات مصالحة داخلية بينها وبين السيسي، ومن ذلك تصريحات المتحدث الإعلامي باسم جماعة الإخوان، "طلعت فهمي" بترحيب الجماعة "بالخطوات والإجراءات التي تم إعلانها يوم الإثنين 4 يناير/كانون الثاني 2021؛ لإتمام المصالحة بين دول مجلس التعاون الخليجي"، وكذلك في تعليقه على التقارب المصري التركي أكد إبراهيم منير، القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، "استعداد الجماعة قبول أي عرض يخدم مصلحة الشعب المصري"، تزامناً مع بدء اتصالات دبلوماسية مع القاهرة من أجل إعادة العلاقات إلى طبيعتها، حيث يمكن اعتبار أن هذا الترحيب بالتقارب المصري مع هذه الدول وخصوصاً قطر وتركيا بمثابة فتح الباب أمام إجراء خطوات فيما يعرف بالمصالحة الداخلية أو على الأقل أن جماعة الإخوان المسلمين تريد أن تقول إن فتح العلاقات مع هذه الدول يمسنا بدرجة من الدرجات. 

 اتجاهات النظام المصري حول المصالحة الداخلية 

 هناك من يرى أن جماعة الإخوان لا تملك ما تقدمه للسيسي من أجل المصالحة، وأن رد السيسي المتوقع هو أنه لا يحتاج لهذه المصالحة في ظل امتلاكه من للتأييد الشعبي الذي أتى به إلى سدة الحكم مرتين في انتخابات مباشرة، وبنسب تزيد على 96%، كما أنه يحوز الشرعية الخارجية، ومن ثم فإن الرئيس المصري يرى أن جماعة الإخوان المسلمين لن يكون لها دور في المشهد المصري خلال فترة وجوده في السلطة.

 في حين أن البعض الآخر يرى أن الإدارة المصرية تواجه أزمةً مالية في ظل أزمة كورونا وضعف الدعم المالي الخليجي، وتحاول تعويض ذلك بالاستدانة من المؤسسات الدولية والمحلية لكن هذا أوصل فوائد الديون في ميزانية 2020 ـ 2021 إلى 566 مليار جنيه. 

الموجز موجز صباح الجمعة موجز عربي بوست
احتجاجات الجمعة السابقة فاجأت النظام المصري/ رويترز

وبالتالي لجأت الإدارة لزيادة الضرائب وفرض جبايات على المواطنين؛ مما أوجد حالة من الاحتقان الشعبي، كما تعتبر أزمة سد النهضة واحدة من الأزمات التي تزكي حالة الاحتقان هذه وأن تفاقم هذه الأزمة قد يؤدي إلى تداعيات كبيرة على القطاعات الزراعية والصناعية، فضلاً عن حياة المواطنين؛ مما يهدد بحدوث اضطرابات داخلية، فضلاً عن حالة الانزعاج داخل مؤسسات بالدولة ولدى أفراد داخل المؤسسة العسكرية والمخابرات العامة من طريقة إدارة السيسي لملف أزمة النهضة، حيث يتبنون توجيه ضربة عسكرية محدودة للسد لدفع إثيوبيا للانخراط في تفاوض جاد، في حين أن السيسي يسير في اتجاه استمرار تبني سياسة التفاوض والاعتماد على وجود أطراف دولية تساعد في التوصل إلى حل للقضية مع الطرف الإثيوبي.

وتظهر حالة الانزعاج هذه في الأداء الإعلامي المصري حول سد النهضة والتناقض في المواقف بين قنوات الإعلام المصري والخاضعة في معظمها للأجهزة الأمنية المصرية ما بين أن سد النهضة لن يستغرق ساعة واحدة من الجيش المصري، وما بين من يروج لتصريحات وزير الخارجية المصري من أن الملء الثاني لا يضر بمصر، الأمر الذي يؤكد أن للنظام مصلحة في عقد المصالحة الداخلية لتفويت الفرصة على من يعمل لانفجار الوضع الداخلي، وقد كان أداء المعارضة المصرية في الداخل واضحاً في محاولة استغلال قضية سد النهضة للعودة إلى السياسة من جديد وانتقاد سلوك السيسي من القضية بشكل علني وفي مقاطع مصورة على وسائل التواصل الاجتماعي، حاولت من خلالها التأكيد على أن الإدارة الحالية تتلاعب بمستقبل مصر والمصريين. 

مستقبل المصالحة الداخلية

 من المرجح أن الإدارة المصرية الحالية لا تهتم كثيراً بمسألة المصالحة الداخلية؛ ففي الوقت الذي يجري الحديث عن إرهاصات تطورات في التعامل مع ملف السجون والحديث عن إفراجات قريبة أو حتى بداية الإفراج عن بعض الرموز والمشاهير مثل الدكتور حازم حسني والصحفي خالد داوود ومن قبلهم الدكتور حسن نافعة، كما تراجعت الحكومة عن بعض القرارات التي لاقت انتقادات شعبية واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي ومنها تسجيل العقارات في الشهر العقاري، وغرامات التصالح على المباني، في الوقت الذي صدرت فيه أحكام الإعدام النهائية ضد قيادات الإخوان، وموافقة اللجنة التشريعية والدستورية بمجلس النواب المصري نهائياً بتاريخ 6 /6 /2021مـ، على مشروع قانون بشأن الفصل بغير الطريق التأديبي، الذي يستهدف فصل الموظفين الإخوان والعناصر "الإرهابية" من الجهاز الإداري للدولة، الأمر الذي يؤكد أن الدارة المصرية تحاول أن تشرعن الانقسام الشعبي والمجتمعي وتحافظ على استمراره، وأن أي تراجع تتخذه في هذه الملفات هو في معظمه محاولة لتفادي الضغوط الدولية في ملف حقوق الإنسان، خصوصاً أن البعض رصد قيام السفارة المصرية بعمل تاج "منشن" للخارجية الأمريكية وبعض المشرعين الأمريكيين ومكتب الخارجية لشؤون الشرق الأوسط على خبر نشرته وزارة الخارجية المصرية بإطلاق اللجنة الوطنية المصرية للاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.

محاولة لتفسير تعامل النظام السياسي مع ملف المصالحة

يعد التفسير الأكثر منطقية لسلوك الإدارة المصرية ومواقفها الإقليمية أن تعديلها من حركتها على المستوى الإقليمي ربما سببه أن هناك أجنحة داخل الإدارة (وهناك العديد من الملفات التي تؤكد وجود مثل هذا الصراع) بدا لها أن تستعيد بعض الملفات التي كان الرئيس قد استحوذ عليها منذ وصوله إلى الحكم، ومن ثم بروز دور المخابرات في الملف الفلسطيني مرة أخرى، وربما بعض ما نشاهده من تغيرات في السياسة المصرية يشير إلى عملية إعادة تموضع؛ وقد يكون ما يقوم به السيسي في هذا الوقت ليس سعياً نحو دور جديد أو المشاركة في تحالفات أخرى، ولكن جوهر موقفه الضغط على التحالف القديم من خلال التلويح بتكوين تحالف جديد، أي أن السيسي يوظف الضغوط الداخلية في نظامه بشأن القضايا الإقليمية بما يحمي نظامه ويحافظ على استمراره واستقراره، وأن مسألة المصالحة لا تعنيه من قريب أو بعيد وليست في مجال تفكيره أو اهتمامه، كما أن الأجهزة السيادية في البلاد نفسها لا تعمل ضد السيسي ولكن لديها وجهة نظر مغايرة في الملفات الإقليمية وترفض أن تكون منطوية تحت قوى إقليمية معينة، ومن ثم هي أيضاً لا تهتم بالمصالحة الداخلية.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي/رويترز

ويدعم هذا التفسير من يقول بأن السلطة المصرية كونت ثقافة خاصة بها في التعامل مع الإخوان، تنتهي بضرورة طي ملفهم بعد سنوات من التعامل المباشر، وأن تنازل الإخوان عن الحكم، وإبداء الرغبة في عدم خوض الانتخابات السياسية أو المنافسة في أي منتدى نقابي أو خيري، لن يكون سبباً في طمأنة أهل الحكم بعد كل هذه الخبرة. وما حدث في انتخابات 2010 هو القاعدة التي اعتمدها نظام مبارك واعتمدها السيسي في حكمه؛ وهي عدم الثقة في مواقف ووعود الإخوان في مرحلة الاستضعاف، وأنهم يستغلون الكمون في انتظار الفرصة. وفي دوائر الأمن الذي يتعامل مع الجماعة بهذا المنطق ومن هنا فإن المصالحة بمعناها المعروف لن تحدث، لكن قد يتم اعتماد سياسة أمنية قائمة بالفعل؛ فليس كل الإخوان في السجون، فهناك البعض في الخارج وبينهم وبين الأمن تفاهمات تخص المعتقلين مثل بعض المحامين المحسوبين على الجماعة؛ وأن أقصى ما يمكن أن تقدمه القوى الاقليمية هو إثارة موضوع المصالحة، لكنها لن تقف عندها كثيراً إذا وجدت استحالة هذا سيتم الانتقال إلى ملفات جزئية تحقق مصالح جميع الأطراف.

السياسات الإقليمية للإدارة المصرية تغنيها عن المصالحة الداخلية

باتت الإدارة المصرية تؤمن أن سياساتها الإقليمية هى التى تحمي مصالحها وتعززها، كما أنها هي التى تدعم مكانتها في النظام الدولي الأشمل، ومن شأن الاستمرار في التوجهات الأخيرة في السياسات الإقليمية للإدارة المصرية وتعميقها أن يدعم مكانتها وأن يعزز تحقيق مصالحها، وفي ظل نجاحها في تحقيق ذلك من المتوقع ألا تعول كثيراً على ملف المصالحة الداخلية؛ فهي قادرة على ملاعبة الأطراف الإقليمية بالطريقة التي تحقق من خلالها مصالحها وأن تعزل ملفات الداخل عن طبيعة هذه العلاقات.

ومن الواضح أن السنوات السابقة كانت الخسائر من نصيب الجميع وأن حسابات المكسب والخسارة تؤكد أن الدول الإقليمية قد تتجاوز عن إثارة ملف المصالحة الداخلية المصرية طالما أن الطرفين (الإدارة المصرية والقوى الإقليمية) قاداين على استكمال بحث مصالحهما المشتركة، في حين أنه في الوقت الحالي فإن أقصى ما يمكن أن يحدث في ملف المصالحة بعض التحريك في ملف السجون فقط وهو هدف مضمون للطرفين، أما الحديث عن مصالحة مباشرة بين السيسي والمعارضة وخصوصاً جماعة الإخوان فهو أمر مستبعد.

هل الطرف الإقليمي مهتم فعلاً بقضية المصالحة الداخلية؟

لم تنجح المعارضة في الخارج ومن بينها الإخوان في تكوين رؤية استراتيجية للعمل والتعامل مع الإدارة المصرية الحالية، فضلاً عن إخفاقها في أن تترجم وجودها إلى كيانات حقيقية معارضة يمكن أن تشكل طرفاً أكثر من كونها موضوعاً، ومن ثم فإننا نتصور أن الأطراف الإقليمية لا تقيم وزناً كبيراً لمثل ما يسمى تجاوزاً بالمعارضة في الخارج؛ نظراً لعدم وجود هذا الكيان وافتقاد هذه الرؤية، فضلاً عن أن تلك المصالحات الإقليمية تتحكم فيها مصالح الدول بشكل مباشر من دون أن يشتمل ذلك على نقاط تتعلق بمستقبل المعارضة؛ ومن ثم فإن بعض هذه الأطراف تحكم فيها عقلية الانتظار لما ستسفر عنه هذه المصالحات الإقليمية وتأثيرها بشكل مباشر أو غير مباشر على معارضة الخارج خاصة في الدول التي استقبلت أشخاصاً من أطراف المعارضة المختلفة وعلى رأسها جماعة الاخوان المسلمين، من دون أن نستبعد أن أجنحة من داخل النظام المصري ربما يكون لها رأي في التخفيف من سياسة القبضة الأمنية حتى تتوقى كل ما يتعلق بتراكم مصادر انفجار متوقع أو محتمل، ولكن لا نستطيع أن نجزم بمدى تأثير هذه الأجنحة في إحداث تحول حقيقي في سياسة الإدارة المصرية حيال فكرة المصالحة السياسية، وكذا المصالحة الشاملة، خاصة أن صورة مصر في ملف حقوق الإنسان تشكلها رؤية سلبية بعد ذلك البيان الذي أصدرته أكثر من 30 دولة حول أوضاع حقوق الإنسان في مصر.

وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني إلى جانب نظيره المصري سامح شكري
وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني إلى جانب نظيره المصري سامح شكري/ الأناضول

ورغم ذلك لا تزال القاهرة تزاوج في سياساتها بين تقديم رشى من خلال صفقات اقتصادية معظمها يتعلق بشراء الأسلحة لضمان الشرعية الخارجية التي تهمها أكثر بكثير من الشرعية الداخلية؛ وهو ما نراه واضحاً في علاقتها بألمانيا وفرنسا وروسيا وإيطاليا على سبيل المثال لا الحصر، وبين التعامل المباشر مع هذه الدول على حساب المصالح السياسية المتبادلة بينها، ومن المهم أن نؤكد أن تقاطع الملفات في العلاقات من الملف الداخلي والإقليمي بمستوياته المختلفة والدولي أمر يجب أن يؤخذ في الحسبان عند دراسة التأثيرات المختلفة، والتي قد تجلب بعض التناقض في هذه الملفات، ولكن تظل مساحات المناورة من قبل الإدارة المصرية مساحات لا بأس بها تقوم أجهزتها بإدارتها بما يحقق مصالح استقرارها ودعم شرعيتها؛ في حين أن المعارضة سواء في الداخل أو في الخارج لا تملك حتى تنظيم نفسها قبل أن نتحدث عن امتلاكها ما يمكن أن تؤثر به داخلياً أو إقليمياً أو دولياً.

تحميل المزيد