بعد 15 عاماً على اعتقاله، يلمع فجأة اسم قائد كتائب الشهيد عز الدين القسام السابق بالضفة الغربية وصاحب الـ54 مؤبداً، الشيخ إبراهيم حامد، وذلك بعد أن بثت القناة الإسرائيلية الرسمية، الثلاثاء 8 يونيو/حزيران 2021، فيلماً وثائقياً استقصائياً، حول "إنجازاته وقدراته الخطيرة" في المقاومة الفلسطينية، من إعداد اثنين من كبار الخبراء الإسرائيليين في الشؤون العسكرية والفلسطينية، هما عاموس هرئيل وآفي يسخاروف. فما قصة الشيخ إبراهيم حامد؟ ولماذا تسلط إسرائيل عليه الضوء الآن؟
"الأسير الأخطر".. من هو إبراهيم حامد؟
في الـ23 من مايو/أيار الماضي دخل الأسير القسامي القائد إبراهيم حامد (56 عاماً) من سلواد- رام الله، عامه الخامس عشر على التوالي في سجون إسرائيل من مجمل حكمه بالسجن البالغ 54 مؤبداً، أي ما يعني 5400 سنة.
والأسير حامد حاصل على شهادة البكالوريوس- قسم العلوم السياسية من جامعة بيرزيت، وعمل كباحث في قضايا اللاجئين وأصدر العديد من المؤلفات والأبحاث حول القضية الفلسطينية، وقبل أن تتم مطاردته واعتقاله كان يعد لدراسة الماجستير في العلاقات الدولية.
وكان الاحتلال قد اعتقل حامد الذي كان قائداً لكتائب الشهيد عز الدين القسام بالضفة الغربية بعد مطاردة شاقة لأكثر من 10 سنوات، حتى أطلق عليه لقب "الشبح" لشدة دهائه وسرّيته وتخفيه طوال تلك السنوات، حيث كان يعتبره جهاز الشاباك الإسرائيلي المطلوب رقم واحد لإسرائيل، متهمين إياه بأنه يقف وراء العديد من العمليات الفدائية التي أدت لمقتل وجرح المئات من الإسرائيليين قبل وخلال سنوات الانتفاضة الثانية.
وعندما عرض الأسير حامد على محكمة الاحتلال عام 2006 قال ممثل الادعاء الإسرائيلي للقضاة عنه إنه "أخطر أسير في سجوننا، فكل العمليات الاستشهادية التي خرجت من رام الله هو من يتحمل مسؤوليتها"، حسب تعبيره. ويعتبر ملف حامد الأمني الأضخم في تاريخ إسرائيل، حيث وصلت عدد أوراق ملف القضية التي قدمت إلى المحكمة 11 ألف صفحة.
وقبل اعتقال حامد، اعتقلت زوجته وتم التحقيق مع طفليه مراراً، قبل أن يقوم الاحتلال بالإفراج عن زوجته وترحيل عائلته إلى الأردن. وبعد اعتقاله ورفضه التفوه بأي كلمة لوقت طويل أو حتى الاعتراف حتى بهويته، ومروره برحلة شاقة في التحقيق الذي أبدى فيه صموداً كبيراً بحسب عائلته، وضعته إسرائيل في العزل الانفرادي لمدة 7 سنوات، تم منعه فيها من رؤية عائلته أو مخالطة أحد.
إبراهيم حامد يعود للأضواء مجدداً، لماذا الآن؟
يتصدر القائد القسامي إبراهيم حامد ما يعرف بقائمة الـ"VIP"، وهي قائمة وضعتها حركة حماس للأسرى الذين تسعى لمبادلتهم بما تملك من أسرى إسرائيليين، وسبق أن رفضت تل أبيب بشكل قاطع الإفراج عن حامد خلال صفقة الجندي جلعاد شاليط عام 2011.
لكن حركة حماس لا تزال تتمسك بالإفراج عن حامد وعدد آخر من قيادات الحركة المحكومين بالمؤبدات الكبيرة، خلال الصفقة المرتقبة التي تلعب مصر فيها دور الوسيط بين إسرائيل والمقاومة.
ومع عودة الحديث عن بدء جولات من المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشكل غير مباشر في القاهرة، وبعيد المواجهة الأخيرة من الحرب، والحديث عن وجود حالة التعنت الإسرائيلي، يبرز اسم حامد كأول اسم تطالب حركة حماس بالإفراج عنه ضمن قائمة طويلة من ذوي الأحكام العالية، في حين تقول إسرائيل إن هذا الرجل يعد "أخطر أسير" فلسطيني لديها والإفراج عنه يكاد أن يكون مستحيلاً.
"الشبح" و"طائر الفينيق"
وخلال الفيلم الذي بثته القناة الرسمية العبرية يوم الثلاثاء الماضي، يعترف قيادات في جهاز المخابرات الإسرائيلية "الشاباك"، بأن "الأسير الشبح" إبراهيم حامد يملك شخصية كاريزماتية، وذكاء غير عادي، وحساً أمنياً قوياً، وأن هذه الصفات ساعدته في التخطيط على المستوى الاستراتيجي من قيادة كتائب القسام خلال الانتفاضة الثانية، وإفشال الجهود الضخمة لاغتياله أو اعتقاله على مدار سنوات طويلة.
ويوضح قيادات المخابرات الإسرائيلية أن حامد، خلال الانتفاضة الثانية، أشرف على هجمات عديدة أسفرت عن مقتل 75 إسرائيلياً وجرح المئات، وأنه كان يخطط أيضاً لما وصفوه بأخطر عملية تفجير قد تتعرض لها إسرائيل يوماً، عبر نسف مجمع لتخزين الوقود والغاز في "تل أبيب"، يعرف باسم "مجمع بي غليلوت"، وأن الهجوم "لم يُكتب له النجاح بسبب الحظ فقط"، وفق وصف أحد ضباط "الشاباك"، الذي قال: "لو نجحت تلك العملية لأدت لمقتل نحو 6 آلاف إسرائيلي بحسب أقل تقدير، نتيجة أطنان الغاز والأمونيا في المنشأة".
وخلال الفيلم، تحدث قائد جيش الاحتلال في رام الله، اللواء روني نويما أن حامد "نجح في الإفلات من أفضل المنظومات الأمنية في العالم". أما قائد "الشاباك" المسؤول عن رام الله غنون بن يتسحاك فقال إن "حامد لم يكن شبحاً فقط، ولكنه تحول بالنسبة لي إلى حالة هوس، وصلت لدرجة أن يطاردني في أحلامي".
إسرائيل لا تزال ترفض التفاوض على إطلاق سراحه
ويقول أحد الضباط الإسرائيليين إنه في عهد حامد، فقد كان لدى حماس على الأقل 100 "خلية نائمة" في الضفة، تنتظر التعليمات من أجل الانطلاق ومزاولة عملها الفدائي داخل إسرائيل.
ويكشف الفيلم أن قادة جيش الاحتلال و"الشاباك" كانوا يلقبون حامد "بطائر الفينيق"، وهو "الطائر الذي تقول الأسطورة إنه ينهض من الرمال بعد موته"، وذلك لأنه "كان ينهض دائماً بعد كل ملاحقة، وكل اعتقال أو تصفية لمساعديه والخلايا التي تعمل تحت إمرته".
ويتوصل الفيلم في النهاية إلى أن اعتقال حامد كان نهاية الانتفاضة الثانية، وباعتقاله تمت تصفية الجناح العسكري لحماس في الضفة. ويكشف أحد معدي التحقيق، عاموس هرئيل، في ختام الفيلم أن حركة حماس تُطالب في المفاوضات الجارية لإبرام صفقة تبادل للأسرى بأن يكون حامد أحد الأسماء الذين سيتم الإفراج عنهم، لكن "الشاباك" الإسرائيلي يواصل الرفض بقوة، حتى اللحظة.