أكدت مصادر فلسطينية عديدة، مساء الأربعاء 10 يونيو/حزيران 2021، قرار مصر بتأجيل اجتماع الفصائل الفلسطينية، الذي كان مقرراً انطلاقه في القاهرة، السبت القادم، على أن يتم تحديد موعد جديد. وذلك بعد وصول بعض وفود الفصائل إلى القاهرة من داخل فلسطين وخارجها. فماذا وراء القرار المصري المفاجئ؟ وهل يتعلق بمسار ملف تبادل الأسرى بين المقاومة والاحتلال أم بصلب الخلافات بين حركتي فتح وحماس؟
ماذا وراء تأجيل اجتماع الفصائل الفلسطينية في القاهرة؟
الأمين العام لحركة "المبادرة الفلسطينية"، مصطفى البرغوثي، كان قد كشف مساء الأربعاء، عن أنه تم إبلاغهم بشكل رسمي من قبل السلطات المصرية بقرار التأجيل، مرجحاً أن "تكون هناك مشاغل للمصريين"، حسب تعبيره.
لكن مصادر فلسطينية تحدثت لـ"عربي بوست"، بأن قرار التأجيل جاء بسبب التباين الكبير في وجهات النظر بين وفدي حركتي فتح وحماس، اللذين اجتمعا مع المخابرات المصرية بشكل منفرد، الأربعاء، وأن الجانب المصري لم يعلن بشكل رسمي أسباب التأجيل، ولا يزال يعمل على تقريب وجهات النظر بين وفدي فتح وحماس.
وأضافت المصادر المطلعة على كواليس حوار القاهرة، أن التباين في وجهات النظر بين فتح وحماس جاء بعد إصرار حماس على البدء بإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، قبل أي حديث عن حكومة للوحدة الوطنية، أو دور للسلطة في ملف إعادة الإعمار بغزة، وهو الأمر الذي ترفضه حركة فتح، التي تتزعم منظمة التحرير الفلسطينية منذ إنشائها عام 1964 وحتى اليوم.
وبحسب أحد المصادر فإن "مصر على ما يبدو قررت تأجيل حوارات الفصائل بسبب خوفها من الفشل مجدداً، وتريد بدلاً من ذلك الحفاظ على صورة الإنجاز، خاصة بعد دورها الأخير في التوصل إلى وقف إطلاق النار بين المقاومة وإسرائيل، واستعدادها للعب دور كبير في ملف إعادة إعمار القطاع وجمع الأموال من المانحين، وكذلك التوسط بين تل أبيب وغزة في صفقة تبادل للأسرى".
كانت الفصائل الفلسطينية تعتزم عقد حواراتٍ في القاهرة، السبت المقبل، تلبية لدعوة رسمية مصرية، لبحث عدد من الملفات السياسية والميدانية في الساحة الفلسطينية. وقالت صحيفة "الأهرام" المصرية، في وقت سابق، إنه تمت دعوة الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية للاجتماع في القاهرة، برعاية الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ونظيره الفلسطيني محمود عباس. أضافت الصحيفة أن الاجتماع سيناقش "الاتفاق على الخطوات اللازمة لإنهاء الانقسام، ووحدة الصف الفلسطيني، ووضع خارطة طريق للمرحلة المقبلة".
ماذا عن ملف تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل والدور المصري فيه؟
في السياق، نفى مصدر مقرب من حركة حماس لـ"عربي بوست" أن يكون تأجيل القاهرة لاجتماع الفصائل بسبب الضغط على حماس في ملف تبادل الأسرى مع الاحتلال، مضيفاً أن المسارين منفصلان، وأن مسار التفاوض غير المباشر مع إسرائيل حول تبادل الأسرى لا يزال مستمراً عبر الوسيط المصري.
وأشار المصدر أن السلطات المصرية أوضحت لحماس أن تأجيل اجتماع الفصائل لا يمنع من استكمال مفاوضات صفقة الأسرى بين حماس والجانب الإسرائيلي، بعد أن قطعت مصر شوطاً كبيراً حول ذلك، وذلك في ظل حديث تقارير إعلامية عن وجود مروان عيسى -وهو الرجل الثاني في كتائب عز الدين القسام- في القاهرة، ومن المفترض وصول وفد إسرائيلي قريباً يضم مسؤولين من جهازَي الشاباك والموساد للعاصمة المصرية لمناقشة الملف ذاته.
لكن المصدر لم ينفِ تعرّض حماس لضغوطات كبيرة بملف تبادل الأسرى مؤخراً، في ظل عدم وجود تنازلات من الطرف الإسرائيلي حتى اللحظة، مضيفاً أن جزءاً من الضغوطات التي تُمارَس على حماس تم ربطها بملف إعادة الإعمار من قبل الوسيط المصري، وهو الأمر الذي ترفضه الحركة رفضاً واسعاً.
وحول ذلك، قال القيادي في حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، موسى أبومرزوق، الأربعاء، إن قضية "الأسرى على رأس الأولويات لدى قيادة حماس"، مشدداً على أن "الحركة لن تخضع لأي ضغوط في ملف الجنود الأسرى، إذ تحتفظ الحركة بأربعة أسرى من الجنود الإسرائيليين".
وقال أبومرزوق في تغريدة على حسابه الشخصي في "تويتر": "لن تجدي نفعاً أي ضغوط على حماس في ملف الجنود الأسرى، سواء كانت ضغوطاً من أجل إعادة الإعمار أو القضايا المعيشية لأهلنا في غزة". وأضاف في المناسبة نفسها: "موقف الحركة كان ولا يزال: الأسرى مقابل الأسرى".
حماس: نمتلك أوراق مساومة بملف الأسرى
تغريدة أبومرزوق تأتي بعد أيام قليلة من موقف مماثل أدلى به نائب القائد العام لكتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة "حماس"، مروان عيسى، في أول ظهور إعلامي له عبر وثائقي "ما خفي أعظم" على قناة "الجزيرة" القطرية، قال فيه إن الحركة "تمتلك حالياً أوراق مساومة لإنجاز صفقة تبادل أسرى مُشرفة مع العدو".
وقال عيسى: "ملف الأسرى الفلسطينيين هو الأهم حالياً على طاولة كتائب القسام والمقاومة، وهذا يعني أن هناك جهداً يوازي هذا الملف مهما كانت الأثمان". كما شدّد على أن ملف الأسرى "سيكون الصاعق والمفجّر للمفاجآت القادمة".
المتحدث نفسه تابع أن "رجالنا في وحدة الظل (المُكلفة بالاحتفاظ بالجنود الإسرائيليين المحتجزين في غزة) على رأس عملهم ويحافظون على الأسرى الذين بين أيدينا حتى هذه اللحظة".
وأوضح الرجل الثاني في كتائب القسام أنه "لا يمكن تضييع مزيد من الوقت، ونحن نرى معاناة أهالي أسرانا في السجون، وحجم الإجرام الإسرائيلي بحقهم".
وتحتفظ "حماس" بـ4 إسرائيليين، بينهم جنديان أُسرا خلال الحرب على غزة صيف عام 2014 (دون الإفصاح عن مصيرهما أو وضعهما الصحي)، والآخران دخلا غزة في ظروف غير واضحة خلال السنوات الماضية.
وفي 13 أبريل/نيسان الماضي، تفجرت الأوضاع بفلسطين، من جراء اعتداءات "وحشية" إسرائيلية بمدينة القدس المحتلة، وامتد التصعيد إلى الضفة الغربية والمناطق العربية داخل إسرائيل، ثم تحول إلى مواجهة عسكرية في قطاع غزة، استمرت 11 يوماً، قبل أن يتم التوصل إلى اتفاق بوقف إطلاق النار عبر عدة وسطاء أبرزهم مصر.
وفي 18 مايو/أيار 2021، أعلنت مصر تقديم 500 مليون دولار لصالح إعادة إعمار قطاع غزة، الذي شهد تدميراً بالغاً، من جرّاء الهجوم الإسرائيلي حسب بيان للرئاسة المصرية.