منذ نحو 30 عاماً وحسن نصرالله الأمين العام لحزب الله اللبناني يفرض سيطرته وهيمنته على الحزب المدعوم من إيران بلا منافس، وخلال تلك الفترة التي تمتد من عام 1992 -بالتحديد تاريخ تولي نصرالله مهمته- لم يظهر من يصبح خليفة للرجل في حال غيابه.
عاد الحديث للتكرار مرة أخرى خلال الأيام الماضية بسبب الأنباء المتواترة عن مرض حسن نصرالله دون أن يحسم سبب هذا المرض هل بفيروس كورونا أو غيره؟ مما فتح باب التكهنات عن معضلة من سيخلف زعيم حزب الله.
وفي أثناء مرض نصرالله نشرت إيران صورة مثيرة للاهتمام. تُظهِر هذه الصورة قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، جالساً مع أحد نوابه، يُدعى محمد حجازي، وزعيم حزب الله، حسن نصرالله الذي تشير الشائعات إلى أنَّه قد يموت. لكن حتى لو لم يمُت، فإنَّها تقود إلى تساؤلات بشأن حزب الله في مرحلة ما بعد نصرالله.
رجال إيران في الشرق الأوسط
ويُعَد الرجال أمثال نصرالله محوريين بالنسبة لدور إيران في المنطقة. فهؤلاء الرجال، إلى جانب عماد مغنية، وهو قيادي بحزب الله قُتِلَ عام 2008، وأبو مهدي المهندس، زعيم كتائب حزب الله في العراق، كانوا محوريين لهيمنة إيران على المنطقة. وقد قُتِلَ المهندس إلى جانب سليماني في 2020. وكان حجازي -الذي قتل أيضاً- محورياً في مشروع إيران الخاص بالذخائر دقيقة التوجيه وبناء شبكة إيران في المنطقة من خلال نقل هذه الصواريخ إلى حزب الله.
يحب نصرالله إلقاء الخطابات، عادةً من مكان محصن خوفاً من الاغتيال بسبب النزاعات الدائرة في المنطقة وضلوع حزب الله فيها.
بدا نصرالله مثيراً للإعجاب ومُعبِّراً عن قيادة متنامية للمنطقة وعن دور حزب الله في رؤية إيران للعالم.
ويعد حزب الله دولة موازية داخل الدولة في لبنان. ويملك الحزب شبكات من غرب إفريقيا حتى أمريكا الجنوبية، ومن لبنان إلى إيران وغيرها. ويضطلع كذلك بدور في سوريا والعراق، ويعمل الآن مع الحوثيين في اليمن ويمتلك نحو 150 ألف صاروخ، بحسب صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية.
"اليوم الأخير لحسن نصرالله"
الخطاب الأخير الذي ظهر فيه نصرالله أشار إلى أمر في غاية الأهمية وهو ماذا لو رحل زعيم حزب الله دون أن يترك خليفة له؟
هذه النقطة بالتحديد دفعت للحديث عن بدائل إيران داخل لبنان حتى يقدموا لطهران ما كان يفعله نصرالله، كما تقول الصحيفة الإسرائيلية.
وبحسب الصحيفة الإسرائيلية، فإنه على عكس حماس، التي استبدلت قادتها مرات عدة، لأسباب ليس أقلها الاغتيالات العديدة التي تُنسَب لإسرائيل، كان نصرالله هو القائد المنفرد المهيمن لحزب الله طوال ما يقرب من ثلاثة عقود الآن. حرص على عدم ظهور خليفة محتمل له أبداً، وهو ما ينقلنا إلى الأسئلة التي تثور اليوم في لبنان بشأن اليوم التالي بعد نصرالله، وهو يوم يبقى محتوماً، حتى لو تأجَّل".
وهذا مهم؛ لأنَّ حزب الله نما ليصل إلى مكانته الحالية تحت قيادة نصرالله. وأصبح الحزب منظمة هائلة القوة، أقوى من لبنان وأقوى كثيراً من العديد من البلدان الصغيرة. وساهم في إنقاذ النظام السوري خلال الحرب الأهلية السورية، إذ تدخَّل في 2012 وساعد نظام الأسد على الحفاظ على موقعه إلى حين التدخل الروسي في 2015.
وعلى الرغم من حقيقة أنَّ الحزب لا يمكنه التجنيد إلا من جماعة سكانية صغيرة نسبياً من الشيعة في لبنان من بين بضع مئات الآلاف من الرجال الذين بلغوا سن التجنيد، تمكَّن حزب الله من تجنيد الآلاف، أصبح الكثيرون منهم ضحايا في الحرب الأخيرة في سوريا. لكنَّ كثيرين آخرين باتوا مخضرمين وزادوا قدراتهم.
لعب نصرالله دوراً محورياً في هذا، ويُعَد من نواحٍ عدة أحد آخر الأعضاء الرئيسيين بالمحور الإيراني في المنطقة.
ما الحل بالنسبة لحزب الله؟
والأمر معقد. فوكلاء إيران لا يعتمدون على أي رجل بمفرده. وعلى عكس نظام مثل نظام صدام حسين في العراق، لا تعتمد الشبكة الأخطبوطية الإيرانية على رجال كبار وبعض الصغار وحسب؛ لأنَّ النظام الإيراني ينسخ نفسه مثل الأميبا في أرجاء المنطقة، إنَّه متجذِّر بالأساس في قدرات الأشخاص الذين يُجنِّدهم، ومعظمهم من الشيعة.
فهو يعتمد على المهندسين والمُشغِّلين وكثيراً ما يُدرِّب وحدات صغيرة نسبياً من وحدات النخبة، مثل كتائب حزب الله، لتنفيذ عمليات موسعة.
وقد شاركت الكتائب، على سبيل المثال، في هجمات بطائرات بدون طيار على السعودية. وتستخدم الميليشيات الموالية لإيران صواريخ 107 ملم و122 ملم لاستهداف القوات الأمريكية. ويفعلون ذلك بخفة وسرية كبيرة لدرجة أنَّ بإمكانهم نصب الصواريخ والاختفاء في الليل، ويبدو أنَّه لا يمكن لأي جهود من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) أو وكالة الأمن القومي الأمريكي أو قيادة العمليات الخاصة الأمريكية العثور عليهم. قُتِل سليماني والمهندس على يد الولايات المتحدة، وقُتِل مغنية على يد محترفين، لكن هؤلاء الرجال في العموم يبنون على هياكل ذكية وقوية.
وسيكون حزب الله بحاجة إلى هيكل كهذا إن كان يريد البقاء والازدهار بعد رحيل نصرالله. لا يُعرَف الكثير عن صحة الرجل، باستثناء الشائعات. ويقول أحد المقالات إنَّه خضع لفحص مباشر على يد طبيب متخصص، ولم تكن هناك حاجة لإيداعه المستشفى.
ويُفتَرَض أنَّه جرت استشارة طبيب موجود بالولايات المتحدة كذلك، فضلاً عن خبراء في المجال الطبي المحلي. ووفقاً لمقال بصحيفة الجمهورية، ربما يستخدم كذلك وصفات شعبية مثل "أوراق نبتة الكينا، الذائع صيتها في مجال التخفيف من السعال والالتهابات والحساسية الموسمية وتحسين صحة الرئتين".
ويضيف المقال: "ووفق المعلومات، فإنَّ نصرالله مستمر في عمله ومواكبته للملفات التي يُعنى بها، بوتيرة مدروسة عبر الهاتف الداخلي، وهو يتواصل كلما دعت الحاجة مع المسؤولين الحزبيين الذين يندرجون ضمن الدائرة المحيطة به". لكن هذا أيضاً ما قاله الناس عن ستالين حتى حين صار عاجزاً. يقول حزب الله إنَّ نصرالله يعاني بعض الحساسية، وسيكون بخيراً. والمنطقة بانتظار استجلاء الحقيقة.
