قبل اندلاع الحرب الأخيرة على قطاع غزة كان المشهد السياسي الداخلي في إسرائيل يعج بالأزمات، فبعد فشل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للمرة الرابعة في تشكيل الحكومة شخصت الأبصار تجاه زعيم المعارضة يائير لابيد، الذي تم تكليفه بتشكيل الحكومة، لكنه حتى الآن لم يحسم أمره، ما يفتح الباب أمام الدخول في انتخابات خامسة.
لكن ومع انطلاق صافرات الإنذار في إسرائيل بعد أول رشقة من صواريخ المقاومة التي خرجت من قطاع غزة، ارتفعت أسهم نتنياهو كي يكون المنقذ، لكن عقب صمود حماس وباقي فصائل المقاومة في هذه الحرب، ونجاحها في تغيير قواعد اللعبة، بات ما كان يريده نتنياهو -تشكيل الحكومة الجديدة- من الأمور الصعبة.
هل نجح نتنياهو فيما أراد؟
يبدو أن نتنياهو أراد من الحرب على غزة قطع الطريق على تشكيل حكومة بديلة، غير أن تفاصيل انتهاء هذا العدوان قد لا يحقق له ما أراد.
ويُنظر إلى الفترة حتى الثاني من يونيو/حزيران المقبل، على أنها حاسمة باتجاه تحديد مسار الساحة السياسية الإسرائيلية، فإما أن تتشكل حكومة بديلة، أو يتحدد موعد لانتخابات خامسة.
ففي ذلك اليوم تنتهي المهلة التي كلف فيها الرئيس الإسرائيلي رؤوبين ريفلين، زعيم حزب "هناك مستقبل" الوسطي المعارض يائير لابيد، لتشكيل حكومة بعد أن فشل نتنياهو في المهمة.
ويقول يوني بن مناحيم، المحلل السياسي الإسرائيلي، لوكالة الأناضول: "أمامنا فترة أسبوع سيتضح في نهايتها ما إذا كان لابيد سينجح بتشكيل حكومة بديلة، أو أنه سيتحدد موعد لانتخابات خامسة".
وأضاف: "لا أعتقد أن نتنياهو سينجح في تشكيل حكومة بعد إعادة الرئيس الإسرائيلي التفويض إلى الكنيست، فهو بكل الأحوال بحاجة إلى القائمة العربية الموحدة، برئاسة منصور عباس، ولكن حزب الليكود وأحزاب اليمين الأخرى ترفض حكومة بدعم من نواب عرب".
وكان ريفلين قد كلّف لابيد بتشكيل الحكومة في الخامس من مايو/أيار الجاري، خلال فترة تمتد إلى 28 يوماً.
أحداث باب العامود
ولكن تفجر الأحداث في "باب العامود" بمدينة القدس الشرقية بدأ في السابع من الشهر، أي بعد يومين من التكليف، الأمر الذي أثار علامات استفهام حول ما إذا كان تفجرها مقصوداً.
ففي حينه، أغلقت الشرطة الإسرائيلية مدرج "باب العامود" أحد بوابات البلدة القديمة أمام الفلسطينيين، ما أثار حفيظتهم، مع بداية شهر رمضان.
وتبادل الفلسطينيون والإسرائيليون الاتهامات حول المسؤولية عن تفجر الأحداث التي بدأت في "باب العامود"، ثم انتقلت لقرارات إخلاء عائلات فلسطينية من منازلها في حي "الشيخ جراح"، وتلاها اقتحامات المسجد الأقصى، وصولاً إلى إطلاق عملية عسكرية على قطاع غزة.
وقبيل إطلاق الحرب على غزة كان زعيم حزب "يمينا" اليميني نفتالي بينيت، ولابيد، يوشكان على الإعلان عن حكومة بديلة، تكسر سلسلة رئاسة نتنياهو للحكومة منذ العام 2009.
وللمرة الأولى شعر نتنياهو بأن المعارضين له يوشكون على تشكيل حكومة تضعه على رأس المعارضة.
وفي هذا الصدد، يقول بن مناحيم إن "نتنياهو كان يدفع باتجاه تفجير الأمور لمنع تشكيل حكومة بديلة، ولكن هذا أيضاً لا يعفي (حركة) حماس، فهي أطلقت صواريخ على القدس وتل أبيب"، وفق تعبيره.
وأضاف: "مجرى الأمور في بداية العملية ضد غزة كان يميل لصالح نتنياهو، إذ أعلن بينيت عن وقف مفاوضاته مع لابيد حول تشكيل الحكومة، وهو ما كان يعني فعلياً ألا أمل في تشكيل حكومة بديلة".
وتابع بن مناحيم: "ولكن العملية العسكرية في قطاع غزة انتهت إلى ما لم يرضِ بينيت الذي وجّه انتقادات إلى نتنياهو، ويتردد الآن أنه سيستأنف مفاوضاته مع لابيد لتشكيل حكومة بديلة".
وبدأ يوم الجمعة الماضي سريان وقف إطلاق نار بوساطة مصرية، أنهى جولة قتال بين إسرائيل وحركة حماس، استمرت 11 يوماً، خلفت عشرات الشهداء الفلسطينيين و13 قتيلاً إسرائيلياً.
ماذا تقول نتائج استطلاعات الرأي؟
يتضح من نتائج استطلاع للرأي العام في إسرائيل أن الحرب على غزة عادت بالفائدة على لابيد وحزب "أزرق أبيض"، برئاسة وزير الدفاع بيني غانتس، دون أن تعود بالفائدة على نتنياهو.
ووفقاً للاستطلاع الذي نشرته القناة الإخبارية الإسرائيلية "12"، مساء الأحد، فإن حزب "الليكود" برئاسة نتنياهو حافظ على مكانته بحصوله على 30 مقعداً من مقاعد الكنيست الـ120.
ولكن حزب "هناك مستقبل" برئاسة لابيد ازداد بـ4 مقاعد ليحصل على 21، في حين أن "أزرق أبيض" ضاعف قوته من 5 مقاعد إلى 10 مقاعد.
واقتربت شعبية لابيد من نتنياهو بحصوله على تأييد 35% من الإسرائيليين لرئاسة الحكومة، مقابل 40% لنتنياهو و25% لم يملكوا رأياً محدداً.
وقال 47% من المشاركين بالاستطلاع إنهم يعارضون وقف إطلاق النار في غزة، بمقابل 35% أيدوا الاتفاق و18% لم يملكوا رأياً محدداً.
وقال بن مناحيم: "نتائج الاستطلاع تشير إلى أن نسبة كبيرة من الإسرائيليين غير راضين عن نتنياهو، بسبب النتيجة التي آلت إليها الحرب".
وأضاف: "بالمقابل هناك ارتفاع في شعبية لابيد وغانتس، وحتى وإن كان نتنياهو هو المفضل لتشكيل الحكومة إلا أن لابيد يقترب منه بشكل كبير".
وتابع المحلل السياسي مبيناً أن "هذه النتائج تدلل على أن المأزق السياسي ما زال قائماً، ولكنه قد يمثل دفعة للابيد من أجل تشكيل حكومة".
وقد أعلن حزب "هناك مستقبل" عن تكثيف المفاوضات مع الأحزاب المعارضة لرئاسة نتنياهو للحكومة، في محاولة للتوصل إلى اتفاق.
ويدور الحديث عن أحزاب يمينية مثل "أمل جديد" برئاسة جدعون ساعر، و"إسرائيل بيتنا" برئاسة أفيغدور ليبرمان، و"أزرق أبيض" برئاسة بيني غانتس، وأحزاب وسطية مثل "هناك مستقبل" برئاسة لابيد و"العمل" برئاسة ميراف ميخائيلي.
كما سيجري مفاوضات مع حزب "ميرتس" اليساري، ومع نواب عرب، في القائمة المشتركة برئاسة أيمن عودة، والقائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس.
ولكن هذه الأحزاب لا تزال بحاجة إلى حزب "يمينا" اليميني برئاسة بينيت، لتجاوز الـ61 صوتاً المطلوبة لنيل الحكومة ثقة الكنيست الإسرائيلي.
وكان لابيد سبق أن عرض على بينيت التناوب على رئاسة الحكومة، على أن يكون بينيت الأول في رئاستها.
غير أن هذه الأحزاب غير متجانسة، وأحياناً متنافرة سياسياً، خاصة فيما يتعلق بالملف الفلسطيني، ما يدفع محللين للتوقع بأنها لن تدوم طويلاً.
كره نتنياهو يوحدهم
يرى المحلل الإسرائيلي أن ما يجمع هذه الأحزاب غير المتجانسة هو "الرغبة في إنهاء حكم نتنياهو، هم يريدون إخراجه من الحكومة، هذا هو ما يهمهم".
ولطالما صارع نتنياهو من أجل البقاء في رئاسة الحكومة، خاصة مع نظر المحكمة المركزية الإسرائيلية بالقدس الشرقية بلائحة اتهام ضده، تتضمن تهم الرشوة والاحتيال وإساءة الأمانة.
ويخشى نتنياهو من أن خسارته لمنصب رئاسة الحكومة سيعمل لغير صالحه في مداولات المحكمة، وكان نتنياهو يأمل تشكيل حكومة تدفع باتجاه سن قانون بالكنيست لمنع محاكمته، ما دام بقي في رئاسة الحكومة.
وقال بن مناحيم: "لا أعلم مدى تأثير تشكيل حكومة بديلة على مجريات المحكمة، ولكن بالتأكيد فإنه سيضعف سياسياً في حال إخراجه من الحكومة".
يذكر أنه في حال فشل لابيد بتشكيل الحكومة، فإن الرئيس يعيد التكليف إلى الكنيست، الذي عليه إما أن يجد عضواً قادراً على تشكيل حكومة تحظى بثقة 61 نائباً على الأقل، أو حل الكنيست والعودة إلى صناديق الاقتراع.
ويقول معارضون لنتنياهو إنه يسعى لإجراء انتخابات جديدة، بعد أن شهدت إسرائيل 4 عمليات انتخابية في الفترة بين أبريل/نيسان 2019 وحتى مارس/آذار الماضي.