بعد توقف الحرب على غزة بوساطة مصرية مدعومة دولياً، لا تزال الأنظار تتجه إلى حي الشيخ جراح في القدس المحتلة، حيث تدور التساؤلات عما ينتظر هذا الحي الذي يعد السبب وراء اشتعال الموقف في الضفة وغزة والداخل، من إجراءات إسرائيلية يمكن أن تطاله.
"لا نعلم ماذا ينتظرنا"
الناشطة منى الكُرد من حي الشيخ جرّاح المقدسي وهي واحدة من المهددين بالتهجير، قالت لـ"عربي بوست" إنها لا تعلم ماذا ينتظرهم في الأيام القادمة، لكنها أكدت أنها "لا تتوقع خيراً من الاحتلال الذي لا يريدهم موجودين، ونتعامل مع محاكم احتلالية لخدمة الاستيطان".
غير أن الكُرد توقعت أن تلجأ إسرائيل إلى المماطلة والتسويف في عملية تهجيرهم، بحيث تؤجل خطوة تهجيرهم في محاولة منها لإخماد الحراك الشعبي الفلسطيني على الأرض وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.
لكن بالمحصلة، تعتقد مُنى الكرد أن الاحتلال لن يتخلَّى عن تهجيرهم، معربة عن أملها بممارسة ضغط عالمي على إسرائيل لإلغاء تهجيرهم وليس فقط تجميد أو تأجيل الإجراء الاحتلالي، إضافة إلى إعادة المنازل المقدسية التي تم الاستيلاء عليها من قبل المستوطنين في الحي المذكور، لأصحابها الفلسطينيين.
وينتظر سكان حي الشيخ جراح موعداً جديداً لجلسة المحكمة الاسرائيلية التي كانت مقررة يوم 10 مايو/آيار قبل أن يتم تأجيلها.
وقالت الكُرد: "مِن المفروض أن يتم تحديد الجلسة الجديدة في غضون 15 يوماً.. لكننا لا نعرف ماذا سيتمخض عن ذلك، وماذا ينتظرنا".
مفاوضات لاحقة حول الشيخ جراح وقضايا أخرى
بدوره، رأى عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة "التحرير" أحمد مجدلاني أن الاحتلال الإسرائيلي قد أجل عملياً البت بقضية الشيخ جراح لمجرد إحالتها من المحكمة للمستشار القانوني الإسرائيلي، بمعنى أنه من الناحية الإجرائية فإن الحكومة الإسرائيلية أصبحت طرفاً وليس فقط المحكمة.
ورأى مجدلاني في حديثه لـ"عربي بوست" أن وقف النار المتبادل في غزة قد جرى، لكن التفاوض السياسي على قضية الشيخ جراح والقضايا الأخرى سيأتي لاحقاً، وهنا تبدأ المعركة الداخلية بالنسبة لنتنياهو، خاصة أنه سيواجه نتائج العدوان بحملة عليه من قبل اليمين والمستوطنين.
لكنّ جهات حقوقية مقدسية أفادت لـ"عربي بوست" بأن قضية الشيخ جراح ما زالت من الناحية الإجرائية ضمن صلاحيات محكمة "العدل" العليا الإسرائيلية بالرغم من تدخل الحكومة الإسرائيلية وتأجيل جلسة سابقة كانت معدة للبت في القضية.
وتعتقد أنه ربما إذا ضمنت إسرائيل تهدئة الأمور، تذهب المحكمة الإسرائيلية إلى البت في القضية. بيدَ أن هذه الجهات الحقوقية قالت إن الأمور مفتوحة بشأن طبيعة قرار المحكمة.
ثلاثة سيناريوهات قضائية
ويوضح الخبير في القوانين الإسرائيلية المحامي محمد دحلة لـ"عربي بوست" أن المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية لم يتدخل بعد، في قضية الشيخ جراح وإنما هو طلب من المحكمة قبل 10 أيام تأجيل البت بالقضية لفحص إمكانية الانضمام والتدخل من قبله.
وتوقع دحلة انضمام المستشار الإسرائيلي إلى القضية بإيعاز من حكومة تل أبيب بسبب الأحداث الميدانية التي وقعت، بغية إيجاد مخرج ما.
وتحدث المحامي دحلة عن ثلاث سيناريوهات للقضية: الأول، ألا يتدخل المستشار القضائي الإسرائيلي، لكن دحلة اعتبر ذلك سيناريو ضعيفاً.
بينما يتمثل السيناريو الثاني، بتدخل المستشار القضائي في قضية الشيخ جراح، وأن يطلب وقتاً إضافياً ويؤجل البت بالقضية لعدة أشهر أخرى من أجل تقديم موقف معين لا يؤدي إلى قلب مسار القضية.
وهذه حيلة ومراوغة من الحكومة الإسرائيلية حتى لا تبقى الناس في حالة مستمرة بالانتفاض ضد الإجراء الاحتلالي، وذلك عبر استنزاف الفلسطينيين إلى وقت تخف فيه حدة الاحتجاجات والتعاطف الدولي، وبالتالي يتوفر الوقت "المناسب" لإخلاء السكان.
أما السيناريو الثالث للقضية، وفق المحامي دحلة، هو أن يتعمق المستشار القانوني الإسرائيلي في موضوع فحص التسجيل المُجدَّد للأرض الذي تم في بداية السبعينيات لصالح الجمعية الاستيطانية (طرف النزاع).
وأضاف دحلة: "إذا تحقق هذا السيناريو قد يؤدي إلى تأجيل القضية لسنوات وفترة أطول إلى أن تجد إسرائيل وقتاً ملائماً لتنفيذ المخطط أو القول إن الأوراق التي بحوزة المستوطنين لا تكفي لتسجيل الأرض على اسمهم، وبالتالي يسحب البساط نهائياً من تحت أسس دعاوى المستوطنين في الشيخ جراح ويعني هذا انتصاراً فلسطينياً".
حماس: بالحد الأدنى سيُؤجل تهجير سكان الشيخ جرّاح
من جانبه، أكد رئيس شبكة الأقصى الإعلامية التابعة لـ"حماس" وسام عفيفة، لـ"عربي بوست" أن موضوع القدس والشيخ جراح كان دائماً على طاولة مجمل الوساطات والجهود الدولية طيلة أيام العدوان، معتبراً أنها حماس لو تعاملت مع هذه القضية بمرونة لكانت الحرب قد توقفت في يومها الثالث ولما احتاجت 11 يوماً حتى انتهت.
ووفق عفيفة، فإن الوسطاء وخاصة مصر قدموا "ضمانات" بأنّ ملف الشيخ جراح هو جزء من وقف إطلاق النار لكن التعمق بالتفاصيل يحتاج مزيداً من الوقت والجهد اللاحق من قبل الوسطاء.
وبهذا المعنى، فإن بحث موضوع "الشيخ جراح" ومنع تهجير سكانه هو جزء من وظيفة الوسيط المصري التي سيتم استكمالها بالمرحلة القادمة، بموازاة جهد من الأمم المتحدة وأيضاً من الولايات المتحدة.
وبيَّن عفيفة أنه بناء على لهجة الإدارة الإمريكية، فإنها مُدركة أن قضية الشيخ جراح هي عنصر تفجير وإذا تم فتحه مجدداً من قبل إسرائيل ستنفجر الأمور، وليس بالضرورة على شكل حرب، بل مواجهات شاملة أكثر حدة في كل أنحاء الأراضي الفلسطينية.
وشدد عفيفة على أن الموقف الدولي هو الآخر يتماهى مع عدم تهجير سكان الشيخ جراح.
وتوقع عفيفة أنه بالحد الأدنى سيتم تجميد خطوة الاحتلال بتهجير سكان حي الشيخ جراح على الأقل في عهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وسيكون ذلك سارياً ما دامت هناك قوة على الأرض تمنع تغييره.
الاستيطان مستمر
لكنّ أستاذ العلوم السياسية في جامعة حيفا، عنان وهبة، يعتقد أن التوجه الاستراتيجي الإسرائيلي عموماً هو المضي قدماً بسياسة الاستيطان بالقدس، خاصة أن هناك ذريعة للجمعيات الاستيطانية بشراء المنازل في الشيخ جراح.
لذلك، فإن وهبة يرى في حديثه لـ"عربي بوست" أنه لن تغير إسرائيل سياستها الاستيطانية في القدس، كما أنها ستعمل على عدم "إعطاء حماس إنجازاً خاصاً بالقدس".
غير أن وهبة لا يستبعد أن تؤجل إسرائيل خطوة تهجير حي الشيخ جراح أو ربما تكون هناك صيغة معينة من المحكمة الإسرائيلية ببقائهم لفترة من الزمن في المنازل.
"الموقف الدولي وصمودنا يمنعان التهجير"
ويقول نائب محافظ القدس عبدالله صيام لـ"عربي بوست" إن الخطر على المواطنين بالشيخ جراح لا يزال قائماً، مضيفاً أن الابتلاع والتهجير القسري بمثابة سياسة إسرائيلية مستمرة.
وشدد صيام على أن المطلوب لمنع التهجير هو أن يدفع الموقف الدولي الذي شاهدناه بالأمم المتحدة وفي كل مناطق العالم في الأيام الماضية، باتجاه تطبيق القوانين الدولية الخاصة بالشعب الذي يرزح تحت الاحتلال في القدس وكل المناطق الفلسطينية، مبيناً أنه حينما يتحقق ذلك يكون حي الشيخ جراح وحي البستان والأحياء الأخرى في القدس بخير.
وبالنسبة لما يُنتظر من محكمة الاحتلال بشأن القضية، قال صيام إن قرارات القضاء الإسرائيلي متماشية مع سياسة الاحتلال العنصرية، وبالتالي لا تعويل على الموقف القضائي الإسرائيلي وإنما "صمودنا في مكاننا والموقف الدولي المساند لنا".