جاء الموقف المصري من العدوان الإسرائيلي على غزة وقبله الاعتداءات على المسجد الأقصى ومحاولات طرد سكان حي الشيخ جراح، مختلفاً عن مواقف القاهرة من آخر عدوان إسرائيلي كبير على غزة والذي وقع عام 2014 وعرف بعملية الجرف الصامت.
وأدت هذه المواقف المصرية الأخيرة إلى توجيه رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية الشكر لمصر وقطر خلال مؤتمر لتأييد الشعب الفلسطيني في الدوحة، كما نوه رئيس إقليم حماس في الخارج خالد مشعل بأن هناك وساطات مصرية وقطرية وتركية لحل الأزمة.
زجر مصري لإسرائيل
كان لافتاً أنه منذ بداية الأزمة الحالية، أن القاهرة بدا أنها ترسل إشارات ورسائل حازمة، لإسرائيل مطالبة إياها بوقف العدوان، وكذلك الاعتداءات على الأقصى ومحاولات طرد سكان القدس، إضافة إلى قيام القاهرة بفتح معبر رفح بسرعة، واستضافة الجرحى الفلسطينيين في المستشفيات المصرية وإرسال سيارات إسعاف لاستقبالهم.
ولكن الأهم هو التغطية الإعلامية المصرية للأحداث والتي إن لم تكن كثيفة، إلا أنها تظهر ضراوة العدوان الإسرائيلي على غزة، والأهم أنه سُمح لبعض المواقع والصحف الخاصة بإبراز نسبي لإنجازات المقاومة في الرد على العدوان عبر الهجمات الصاروخية، وهي أخبار لا يمكن تصور أنها اجتهادات من هذه الصحف والمواقع في ضوء وجود رقيب في أي مؤسسة إعلامية مصرية، يتابع كل الأخبار.
وكان لافتاً أيضاً الخطبة التي ألقاها الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، وقال فيها "إن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة"، ودعا فيها الحكام أن يكونوا صفاً واحداً لاستخلاص القدس من أيدي شذاذ الأرض وردع الذين ظلموا، وهي خطبة تناقلتها وسائل الإعلام المصرية.
تبنت مطالب حماس خاصة تجاه القدس وحي الشيخ جراح
ومنذ بداية الأزمة، تحركت الدبلوماسية المصرية، لتحقيق التهدئة، وبرزت كوسيط أساسي بين حماس والإسرائيليين، إضافة إلى دور الأمم المتحدة والدور القطري، عكس ما حدث خلال عدوان 2014 عندما تراجع دور الوساطة المصرية بشكل كبير، أو تأخرت في أفضل تقدير.
ولكن الأكثر إثارة للانتباه أن مصر في الأزمة الحالية، كانت حريصة على إظهار تعنت الطرف الإسرائيلي ولم تتجه وسائل إعلامها لتحميل حماس المسؤولية كما كان يحدث في السابق.
بل إنها تعمدت إظهار امتعاضها من الطرف الإسرائيلي، حسبما ظهر من خطاب وزير الخارجية المصري سامح شكري في اجتماع الجامعة العربية".
وأفاد موقع قناة العربية بأنه بعدما رفضت تل أبيب قبول وساطة القاهرة لبدء هدنة في قطاع غزة، غادر الوفد المصري إسرائيل متحفظاً على إطلاق الأخيرة عملية عسكرية موسعة، وحسب مصادر "العربية/الحدث"، فقد قررت القاهرة الرد على الرفض الإسرائيلي بتجميد عدد من الملفات مع تل أبيب، كما قيل إن القاهرة حذّرت إسرائيل من استمرار العملية العسكرية ورفض الهدنة.
وكشف الوفد المصري أنه عرض على تل أبيب هدنة لمدة سنة، على أن تتولى القاهرة مراقبتها والتنسيق، وقوبل ذلك برفض إسرائيلي، كما طلبت مصر من إسرائيل وقف الاستيطان وإنهاء دعم المتشددين في اقتحام المسجد الأقصى، وأيضاً إيقاف عمليات الاغتيال التي تستهدف قيادات في غزة، مؤكدة قدرتها على إقناع الأطراف الفلسطينية بالالتزام.
نحن أمام خطاب دبلوماسي مصري، وفقاً لما ورد في تقرير العربية، يتبنى تقريباً مواقف حركة حماس في الربط بين التهدئة في غزة والوضع في القدس، وهو خطاب يتضمن شروطاً إذا نفذ نصفها سيمثل الأمر انتصاراً كبيراً لحماس.
الموقف المصري من العدوان الإسرائيلي على غزة ينعكس على الموقف الشعبي
وانعكس الموقف المصري من العدوان الإسرائيلي على غزة بنسختيه الرسمية وشبه الرسمية، والمعلنة أو شبه المعلنة، على حالة من التأييد الشعبي الكبير لغزة والمقاومة على مواقع التواصل الاجتماعي، في ظل غياب لافت للخطاب التحريضي الشوفيني الذي ظهر أثناء عدوان 2014.
وهكذا رأينا أمين عام نقابة الأطباء في مصر، أسامة عبدالحي، يعلن أن 1200 طبيب سجلوا بياناتهم على موقع النقابة للعمل كمتطوعين في علاج مصابي قطاع غزة، حتى السبت 15 مايو/آيار 2021 دون أن تتهم النقابة أنها معقل للإخوان المسلمين.
وعلى العكس من ذلك فإنه أثناء عملية الجرف الصامت في 2014، كان الموقف المصري الرسمي والإعلامي شبه مؤيد لإسرائيل، ونُظر للمبادرات المصرية لتحقيق وقف إطلاق النار في ذلك الوقت بشكل سلبي من قبل مؤيدي القضية الفلسطينية، وصل الأمر في 2014 إلى حد مباركة البعض للهجوم الاسرائيلي
فلماذا تغير الموقف المصري من العدوان الإسرائيلي على غزة تجاه حركات المقاومة من التشويه في 2014، إلى انتقاد إسرائيل في 2021؟
تاريخ العلاقة المركبة بين حماس والنظام المصري في عهد مبارك
تتسم العلاقة بين حماس والنظام المصري بتعقد شديد، إذ تتداخل وتناقض فيها المصالح الأيديولوجية للنظام المصري مع الأمن القومي للبلاد.
فمنذ نشأة حماس وتزايد قوتها هي والجهاد في الأراضي الفلسطينية المحتلة خاصة غزة، حرصت الحركة على تجنب خطأ الحركات الفلسطينية القديمة الكبير بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية مثلما فعلت فتح والحركات اليسارية الفلسطينية في الأردن ولبنان تحديداً.
كما حرصت حماس على الفصل بين جذورها الإخوانية وعلاقتها مع الأنظمة العربية التي لديها مشكلات مع الإخوان، وهو ما يبدو في علاقتها بنظام الأسد قبل الثورة السورية.
وانطبق هذا الوضع على الحالة المصرية، فلم تكن لحماس علاقة رسمية مع الدولة المصرية، ولكن كان هناك علاقة وثيقة مع المخابرات المصرية خاصة قبل فوزها بالانتخابات التشريعية عام 2006.
ويقول خبير مصري في الملف الفلسطيني مطلع عن كثب على العلاقات بين الحركات الفلسطينية والمخابرات المصرية، لـ"عربي بوست": "كان هناك علاقات وثيقة بين المخابرات المصرية وحماس والجهاد، ويعتقد أنه في المراحل الأولى لهذه العلاقة قبل فوز حماس في الانتخابات التشريعية سمحت مصر سراً في بعض الأحيان بتهريب السلاح للحركات المقاومة الفلسطينية، تحت رقابة أمنية مصرية".
ويضيف: "كانت العلاقة على المستوى الشخصي بين الأفراد المعنيين بالملف الفلسطيني بالمخابرات المصرية وحماس والجهاد في بعض الأحيان أفضل من علاقة أعضاء المخابرات المصرية بأعضاء حركة فتح، بالنظر إلى أن التعامل مع حماس والجهاد أسهل لأنهما أكثر انضباطاً من فتح خاصة جناح الأخيرة العسكري كتائب شهداء الأقصى والذي اشتهر بعمليات عسكرية جريئة ولكن كان يعوزه الانضباط وأحياناً لا يلتزم باتفاقات التهدئة التي تبرم بوساطة مصرية.
كان من الطبيعي جداً في ذلك الوقت أن تأتي وفود من حماس والجهاد لمصر للقاء رجال المخابرات المصرية بينما يقوم جهاز مباحث أمن الدولة التابع للشرطة (الأمن الوطني حالياً) في ذات الوقت باعتقال قيادات جماعة الإخوان المسلمين المصرية، "حتى إن هناك معلومات أن قائد الجناح العسكري الحالي محمد الضيف عولج من إصابة شديدة الخطورة في مصر".
في ذلك الوقت كان المسؤولون في الاستخبارات المصرية يرون أن حماس مهمة للأمن القومي المصري والعربي، فهي بالنسبة للفلسطينيين حركة مقاومة، تمثل ضغطاً على إسرائيل، وبالنسبة لمصر فإنها تشغل تل أبيب عن العداء الفطري الكامن في العقلية الإسرائيلية لبلد جمال عبد الناصر وموطن أكبر جيش عربي.
وكانت وسائل الإعلام المصرية لاسيما المستقلة والمعارضة تشيد بحماس والجهاد، وبعضها كان يؤيد العمليات الفدائية التي تنفذها الحركتان.
الحدث الصادم بالنسبة للقاهرة
ظل هذا الوضع قائماً مع قدر من التذبذب، إلى أن فازت حماس في الانتخابات التشريعية، وشكلت حكومة عام 2006، وكان هذا حدثاً صادماً بالنسبة للقاهرة، لأنه كان يعني أن حماس التي تغلبت في الانتخابات على فتح العريقة يمكن أن تكون نموذجاً يكرره الإخوان المسلمين في مصر (وهو ما حدث بالفعل).
واستقبل فوز حماس بترحيب شعبي وإعلامي مصري (الإعلام المستقل والحزبي)، مقابل قلق حكومي غير صاخب.
وكانت النتيجة تراجعاً في العلاقات بين حماس والمخابرات المصرية، ولكن لم يصل إلى درجة الانهيار، ولعبت مصر دوراً في الحصار الذي فرض على حكومة حماس، ومع توسع الخلافات بين حماس وفتح لعبت القاهرة دورين متناقضين، فهي داعم لفتح ووسيط بينها وبين حماس، حسب المصدر المصري.
وحدثت الأزمة الفارقة بين القاهرة وحماس مع قيام الأخيرة بالاستيلاء على السلطة في غزة عام 2017، فيما تصفه فتح بالانقلاب، بينما تسميه حماس بالحسم.
اللافت هنا أنه رغم انحياز القاهرة الواضح لفتح وإدانتها لاستيلاء حماس على السلطة، فإنه وفقاً للخبير المصري الذي كان مطلعاً على أنشطة المخابرات المصرية في هذا الملف حينئذ، فإن أفراد المخابرات المصرية كانوا وسيطاً بين الطرفين لآخر لحظة (قبل سحب المصرية من القطاع) وإن المسؤولين عن الملف في المخابرات المصرية ظلوا في أحاديثهم مع المعنيين والإعلاميين بشكل غير رسمي يلقون اللوم بشكل أكبر على فتح في تطور الانقسام الفلسطيني إلى أن استولت حماس على السلطة في غزة.
وبعد سيطرة حماس على غزة، حدث تحول جذري في العلاقات مع القاهرة، وفرضت مصر الرسمية حصاراً على القطاع بالتزامن مع الحصار الإسرائيلي، وأصبح فتح المعابر أداة في يد القاهرة للضغط على حماس، ضمن أدوات أخرى منها سفر الغزاويين لمصر، ومنها لبقية العالم خاصة قيادات حماس، وملف المعتقلين الغزاويين لدى مصر.
ورغم ذلك ظل هناك حد أدنى من العلاقات بين حماس والقاهرة، وظلت القاهرة وسيطاً في المصالحة الفلسطينية، وأيضاً في ملف تبادل الأسرى والتهدئة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ثورة يناير 2011 تضعف شعبية حماس
مع قيام ثورة يناير/كانون الثاني 2011، كان من المتوقع أن تتحسن العلاقة بين مصر وحماس، ولكن ما نُسب للحركة من تهريب سجنائها من المعتقلات المصرية، وما أعقب الثورة من حملة إعلامية على الإخوان المسلمين، من خصومهم السياسيين ومن الإعلام ومن أجهزة الدولة تبعه إقحام حماس في هذا الصراع الداخلي، واستغلال لحساسية المصريين من أي تدخل خارجي لترويج شائعات عن مساندة حماس للإخوان المسلمين، عسكرياً.
وهي شائعات لم يثبت أي منها إلا أنها اكتسبت زخماً كبيراً في الشارع المصري (الروايات الخاصة باقتحام السجون تم تضخيمها ولكن من الصعب معرفة الحقيقة والادعاءات فيها).
جعل هذا الوضع علاقة حماس بمجمل التيارات المصرية تتأثر بعلاقة هذه التيارات بالإخوان، رغم حرص حماس على تأكيد أنها بسعى للحفاظ على علاقات قوية مع كافة التيارات والمؤسسات في مصر، وتبدى ذلك في شكر حماس للمرشح الرئاسي الناصري حمدين صباحي بسبب مواقفه تجاه عدوان غزة عام 2012.
بعد مظاهرات 30 يونيو/حزيران 2013، وإسقاط حكم الرئيس المنتخب محمد مرسي، تمت شيطنة حماس بشكل كبير في مصر، وترويج شائعات، لم تثبت أي منها عن دخول مقاتلين منهم لدعم الإخوان، بل وصل الأمر إلى إصدار أحكام قضائية، على قيادات بحماس استشهدوا قبل وقوع الأحداث المتهمين بها.
وأحكمت مصر الحصار على غزة بشكل غير مسبوق، كما أن موقف القاهرة خلال عدوان إسرائيل 2014، كان ينظر له من قبل حتى أطراف محايدة أنه غير مناسب لدورها التاريخي، بل رأى البعض أن موقف الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس باراك أوباما كان أفضل، وتزامن ذلك مع تحسن ملحوظ في العلاقات بين مصر وإسرائيل.
ولكن اليوم يبدو الموقف المصري مختلفاً تماماً عما حدث في عدوان 2014، بل تبدو مواقف القاهرة أكثر حماساً في تأييدها للشعب الفلسطيني من دول عربية معروف عنها مواقف حماسية تجاه الفلسطينيين مثل الجزائر، وكذلك الأوروبيين، وهي دول كانت مواقفها أقوى خلال حرب عام 2014.
فما الذي تغير وهل هذه التغييرات لها علاقة بعودة العلاقات مع قطر والتهدئة مع تركيا والتوتر المكتوم مع الإمارات وإسرائيل؟
سر تغير المواقف المصرية في الحرب الحالية.. البداية من العلاقة مع حماس
يمكن القول إن التغيير في الموقف المصري من العدوان الإسرائيلي على غزة وحركات المقاومة قد يكون مرتبطاً بالتغييرات الإقليمية الأخيرة، وحدوث عملية إعادة تقييم هادئة من قبل القاهرة لتحالفاتها وعلاقاتها في المنطقة.
ولكن حتى لو أن القاهرة تقوم بعملية مراجعة لشبكة علاقاتها في المنطقة كما ظهر في الحوار المصري التركي، فإن الموقف المصري من العدوان الإسرائيلي على غزة تحديداً له جذور أقدم من ذلك.
فلقد بدا أن مصر بعد 30 يونيو/حزيران تربط كل مواقفها تجاه القضية الفلسطينية، من منطلق العداء لحماس فقط (وهو العداء النابع من جذور الحركة الإخوانية وليس بسبب تصرفاتها).
وراهنت القاهرة على حصار حماس في غزة، والإعلاء من شأن خصمها التاريخي القيادي الفتحاوي المنشق محمد دحلان حتى أنها حاولت أن تفرضه على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ليكون وريثه، وهو ما أدى إلى مشكلة إضافية مع الأخير.
في مقابل التشديد المصري على قطاع غزة، صمدت حماس والفصائل المتحالفة معها أمام الضغوط المصرية والإسرائيلية وعززت سيطرتها على القطاع، وصمدت أمام الاعتداءات الإسرائيلية، وفي الوقت ذاته لم ترد على الهجمات الإعلامية المصرية، وبدا أنها تحاول إغلاق صفحة الإخوان، مع مصر بهدوء.
حماس ليست حركة إرهابية وفقاً للقضاء المصري
المفارقة أنه في ذروة التدهور في العلاقة بين القاهرة وحماس وتحديداً في عام 2015، ألغت محكمة مصرية، حكماً قضائياً سابقاً اعتبر حركة حماس "منظمة إرهابية"، موضحة أن المحكمة التي أصدرته "ليست جهة اختصاص" في مثل هذه الأمور، حسب ما أفاد مسؤول قضائي في المحكمة.
وجاء رفض القضاء المصري دعوى اعتبار حماس حركة إرهابية، بناء على طلب مقدم من هيئة قضايا الدولة التي تعد الممثل القانوني للحكومة المصرية، وقد رفض هذا الطلب لاحقاً للمرة الثانية.
كلنا نتعرض للتكفير من قبل داعش
كان العامل الأهم في تغير العلاقة بين مصر وحماس أن الأخيرة لم تحاول استغلال الوضع الأمني المتردي في سيناء، خاصة أن الواقع هو أن داعش في سيناء هي عدو لحماس والقاهرة على السواء، لأن داعش تكفر الإخوان المسلمين وحماس مثلما تكفر النظام المصري.
وبدا واضحاً بالنسبة للقاهرة، أن تعاون حماس لضبط الوضع الأمني المتردي في سيناء مهم بالنظر لفهم أجهزة الحركة لظروف المنطقة والتداخل بين المتطرفين في الجانبين الفلسطيني والمصري.
وفي عام 2017، نشرت وكالة رويترز، تقريراً، عنوانه "مصر توثق علاقاتها مع حماس بهدف تأمين سيناء"، تحدث عن التعاون الأمني بين الجانبين، مشيرا إلى أنه بعد علاقات غلب عليها التوتر على مدى سنوات تسعى مصر حالياً لتوثيق الصلات مع حماس في غزة وعرضت القاهرة تقديم تنازلات فيما يخص التجارة وحرية التنقل مقابل اتخاذ إجراءات لتأمين الحدود من متشددين موالين لتنظيم داعش قتلوا مئات من رجال الشرطة والجيش في شمال سيناء.
وفي العام ذاته، زار إسماعيل هنية مصر لأول مرة بعد توليه رئاسة المكتب السياسي لحماس، وأجرى حواراً مع الإعلامي المقرب للدولة عمرو أديب.
ولكن درجة تغير الموقف المصري تجاه حرب غزة الأخيرة، تبدو أكبر من أن تكون نابعة فقط من تغير علاقة القاهرة مع حماس، لأن القاهرة بعد ذلك حافظت على علاقة وثيقة مع تل أبيب
فالتغير الأخير في الموقف أو اللهجة المصرية تجاه المقاومة في غزة وما صاحبه من لهجة سلبية تجاه إسرائيل، ينبعان من عوامل عديدة منها مراعاة المزاج الشعبي المصري الذي مهما تمت محاولة تشويه وجدانه، فإنه جزء منه يزداد سخطه من الإساءة لفلسطين والمقاومة.
ومن هذه العوامل أيضاً أن نهاية حكم الإخوان المسلمين ومرسي قد مر عليها أكثر من سبع سنوات؛ وبالتالي قلق نظام ومؤيديه من شبحهم قد تراجع.
وقد يكون من أسباب تغير الموقف المصري من غزة، وفلسطين، أسباب مرتبطة بالتهدئة مع قطر وتركيا اللتين تعدان من أبرز الداعمين للقضية الفلسطينية وحماس والإسلام السياسي المعتدل.
فتش عما تفعله الإمارات وإسرائيل بالقاهرة
الأرجح أن العامل صاحب التأثير الأكبر في تغير الموقف المصري من العدوان الإسرائيلي على غزة، مرتبطاً بغدر حلفاء القاهرة المفترضين، ونصائح الأجهزة المعنية بهذه الملفات بضرورة مراجعة بعض السياسات الخارجية بما يتوافق مع المصالح الوطنية المصرية.
فلقد قامت السياسة المصرية، منذ 30 يونيو/حزيران 2013 على تحالف وثيق مع الإمارات وبصورة أقل السعودية وكذلك علاقة غير مسبوقة في متانتها مع إسرائيل.
ولكن خلال الأشهر الماضية بدا أن الإمارات وإسرائيل (وبصورة أقل الرياض) تضران مصالح القاهرة في ملفات متعددة وشديدة الحساسية، وهذا يعد سبباً رئيسياً على الأرجح لعملية المراجعة التي تجريها القاهرة لسياستها في المنطقة عامةً.
بديل لقناة السويس
فلقد بدا التعاون الإسرائيلي الإماراتي فجاً في الإضرار بمصر عبر السعي لإيجاد بدائل قناة السويس وهو ملف عبرت الأجهزة المصرية عن قلقها منه، وخط أنابيب إيلات عسقلان يعد أول مظاهره، ويعد قصفه من قبل المقاومة الفلسطينية، نموذجاً لتلاقي المصالح بين القاهرة وحماس.
ويعتقد أن المسارات التقليدية للطاقة المُنتَجة في الخليج قد تتغيَّر في أعقاب إقامة علاقاتٍ دبلوماسية بين الإمارات وإسرائيل، وفي هذا السياق ، ووقَّعَت شركة موانئ دبي العالمية، مذكرة تفاهم مع شركة دوفر تاور الإسرائيلية لتقديم عرض مشترك لتشغيل ميناء حيفا. ويقول طارق عوَّاد، خبير الطاقة الدولي المقيم في إسرائيل إن هذه الصفقة قد تغيِّر طريقة نقل الطاقة والبضائع.
كما أنه في حتى في ملف شرق المتوسط أسست إسرائيل والإمارات واليونان وقبرص منتدى جديداً للتعاون في مجالات عدة مستبعدة القاهرة وذلك بعد رفض فلسطين لانضمام أبوظبي لمنتدى شرق المتوسط، وهو رفض تم بإيعاز من القاهرة في الأغلب.
كما أن مصر قلقة بشكل خاص، من أن يؤدي التقارب الإماراتي-الإسرائيلي إلى تعاون البلدين في قضايا تهم مصر، من بينها السودان والقرن الإفريقي والبحر الأحمر، حسب تقرير لموقع"مدى مصر".
الموقف الإماراتي من أزمة النيل والحماية الإسرائيلية لسد النهضة
ولكن القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لمصر في علاقتها مع الإمارات وإسرائيل، هي ملف سد النهضة.
ومن المعروف أن هناك دعماً إسرائيلياً لإثيوبيا في مجالات عدة، وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية في عام 2019، بوجود حالة توتر كبيرة بين مصر وإسرائيل على خلفية إكمال الأخيرة نشر منظومة الصواريخ الإسرائيلية Spyder-MR حول سد النهضة الذي بنته إثيوبيا.
ولكن الصادم بالنسبة للقاهرة، موقف الإمارات من تفاقم أزمة سد النهضة، إذ كانت أبوظبي إحدى الدول العربية القليلة التي لم تدعم موقف مصر والسودان من الأزمة، بل عقب تهديد السيسي لإثيوبيا أعلنت الإمارات إرسالها لمساعدات لإثيوبيا، وقبل ذلك لعبت أبوظبي دوراً في مساندة أديس أبابا في وأد ثورة إقليم تيغراي التي كانت فرصة من المنظور السوداني والمصري للضغط على أديس أبابا.
ويعتقد أن الإمارات دعمت آبي أحمد في هذه الحرب الدموية بثلاث طرق؛ الأولى، تشجيع حليفها رئيس إريتريا أسياس أفورقي على التدخل لقمع التيغراي، والثانية تنفيذ طائرات بدون طيار إماراتية هجمات على التيغراي، والثالثة أنه يعتقد أن الإمارات ضغطت على السودان لعدم دعم التيغراي.
ففي المقابل ردت القاهرة بتقليص نفوذ شخصيات مصرية محسوبة على الإمارات مثل النائب السابق عبدالرحيم علي ورجل الأعمال والناشر الصحفي صلاح دياب (تربطه قرابة بالسفير الإماراتي في الولايات المتحدة يوسف العتيبة).
التطبيع
وفي غضون ذلك، فإن قيادة الإمارات لعملية التطبيع العربية مع إسرائيل تحت لافتة اتفاقات إبراهام تفقد مصر دورها التاريخي كوسيط بين العرب والإسرائيليين، بل تهدد بما هو أكثر من ذلك وهو فقدان مصر لزعامتها للمنطقة في ظل أن إسرائيل بتقدمها العلمي والتكنولوجي يمكن أن تكون مركز المنطقة الحضاري بدلاً من القاهرة إذا انهار حاجز العداء العربي لإسرائيل.
هنا تأتي المفارقة، ففي وقت بلغ التطبيع العربي مع إسرائيل الذي بدأته مصر قبل أقل قليلاً من نصف قرن، ذروته، فإن القاهرة الآن تجد في المقاومة الفلسطينية في غزة وسيلة لاستعادة دورها كوسيط في المنطقة وقائد لها بل أداة لتعزيز أمنها القومي والاقتصادي.
فها هي حرب غزة تمثل بالنسبة للقاهرة صندوق بريد لإرسال رسائل متعددة للإماراتيين عرابي التطبيع والأمريكيين والإسرائيليين وحتى الأوروبيين والسلطة الفلسطينية بأنه لا يمكن الاستغناء عن القاهرة.
بل إن قصف المقاومة الفلسطينية لخط أنابيب إيلات عسقلان ومنصات استخراج الغاز والمطارات ومحطات الكهرباء الإسرائيلية هو بمثابة رسالة لمن يبحثون عن بديل لقناة السويس في إسرائيل سواء كانوا إماراتيين أو غيرهم أنه خير لكم أن تعبروا مصر آمنين من أن تمروا عبر إسرائيل.