كان السياسي الإسرائيلي العنصري إيتمار بن غفير والعضو الجديد بالكنيست، هو وسيلة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، للبقاء في السلطة، عبر إشعال أزمة كبرى بالمنطقة، يدفع الجميع ثمنها، وضمنهم الإسرائيليون أنفسهم.
لم تؤدِّ مساعي رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، للبقاء في السلطة، إلى معاناة المقدسيين ومقتل وإصابات مئات من الغزاويين، بل أدت إلى وضع غير مسبوق للإسرائيليين أيضاً، حسبما ورد في تقرير لموقع The Daily Beast الأمريكي.
فلقد هرب الإسرائيليون -في مناطق كانت دوماً يُنظر إليها على أنها آمنة- إلى الملاجئ، كما اشتعل العنف في المدن التي يسكنها العرب واليهود بطريقة غير مسبوقة دفعت الحكومة إلى فرض الطوارئ واستدعاء الجيش، في حدث لم تعرفه إسرائيل منذ عقود.
إذ وضعت ممارسات نتنياهو، الأساس أمام تفجُّر غير مسبوق للعنف الذي يثير الرعب في شوارع إسرائيل، وساهمت في إشعال النيران التي التهمت حيوات اليهود والعرب في الأراضي المقدسة على حدٍّ سواء، حسب الموقع الأمريكي.
ويستعد الآن نتنياهو (71 عاماً)، للاستفادة من الفوضى من أجل دفع إسرائيل إلى انتخابات خامسة توالياً، الأمر الذي من شأنه أن يُبقيه في السلطة باعتباره رئيس وزراء لتسيير الأعمال، لمدة تصل إلى ستة أشهر، وساعده في ذلك إيتمار بن غفير السياسي المتهم من قبل الإسرائيليين أنفسهم بأنه عنصري.
قال شالوم ليبنر، وهو زميل أول بالمجلس الأطلسي ومحلل مخضرم لمدة 26 عاماً في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، لموقع The Daily Beast الأمريكي، إنَّ التوترات الفلسطينية الإسرائيلية تعود إلى ما قبل نتنياهو بكثير، لكنَّ "أفعاله فاقمتها".
وأضاف: "وضع خطاب نتنياهو، الذي ألَّب معسكرات متعارضة –اليمين واليسار، واليهود والعرب- بعضها على بعض في إسرائيل، الأساس للعنف الذي اندلع الآن في مختلف أنحاء البلاد".
الشرطة حذَّرته من إيتمار بن غفير
وتُعَد علاقة نتنياهو المشحونة بالشرطة الإسرائيلية –ومحاولات الشرطة لاسترضائه- أيضاً في صدر الأزمة الحالية. فقال مفوض الشرطة السابق عساف حفيتس، في حديث إلى "إذاعة الجيش الإسرائيلي"، إنَّ فشل الشرطة في احتواء الاضطرابات المدنية نتيجةٌ مباشرة لسنوات من تخريب رئيس الوزراء الإسرائيلي مصداقية إنفاذ القانون، بعد إطلاق التحقيقات في الجرائم المزعومة التي يُحاكَم بها الآن.
صرَّح المحلل السياسي عفيف أبو مخ، لموقع The Daily Beast، بأنَّ "عوامل سياسية واضحة أثرت على عمل الشرطة"، تتضمَّن الاقتحامات العنيفة للمسجد الأقصى ومنع وصول المصلين المسلمين إلى القدس. وأضاف: "من الواضح أنَّ (الشرطة) تتجاوب مع ضغوط من الأعلى".
يُنظَر إلى دعم نتنياهو للمتطرف الراديكالي إيتمار بن غفير أيضاً باعتباره عاملاً محفزاً للعنف. وتقول وسائل إعلام إسرائيلية، إنَّ يعكوف شبتاي، مفوض الشرطة الجديد، حذَّر نتنياهو صراحةً من أنَّ "إيتمار بن غفير مسؤول عن أعمال العنف العربية اليهودية".
وإيتمار وبن غفير هو زعيم "القوة اليهودية"، الحزب اليميني الديني المتشدّد، وقد خاض الانتخابات التشريعية مرشّحاً في المركز الثالث على قائمة ائتلاف "الحزب الديني الصهيوني".
وبن غفير هو أحد المتحمسين للقاتل الجماعي الإسرائيلي الأمريكي باروخ غولدشتاين، الذي فتح في عام 1994، النار من مدفع رشاش على المسلمين أثناء صلاة الفجر في رمضان بمدينة الخليل بالضفة الغربية، مُودياً بحياة 29 شخصاً.
إذ رحب إيتمار بن غفير، بهذه الجريمة التي أدت إلى استشهاد 29 مصلياً فلسطينياً بالخليل في 1994 ووصف قاتِلهم بالبطل.
واقتحم إيتمار بن غفير عالم السياسية في إسرائيل وعمره لم يتجاوز 19 عاما. وفي 1995، في أعقاب توقيع اتفاقيات أوسلو بين الطرف الإسرائيلي والفلسطيني، قام برفع رقم سيارة رئيس الحكومة آنذاك إسحاق رابين أمام الكاميرات قائلا "لقد تمكنا من تصوير رمز السيارة التي تقل رابين وهذا يعني بأننا بإمكاننا الوصول إليه". ولم تمر أسابيع عديدة بعد هذا التصريح ليتم قتل إسحاق رابين من قبل متطرف يهودي.
وشهدت مسيرة إيتمار بن غفير (44 عاماً)، السياسية تحالفات متغيّرة، إلا أن الجوانب الرئيسية لأيديولوجيته ظلّت ثابتة، إذ إنّه يستلهم أفكاره من الحاخام المتطرّف الراحل مئير كاهانا، زعيم حركة "كاخ" التي سعت لطرد عرب 48 من فلسطين.
ويؤيّد حزب إيتمار بن غفير، "القوة اليهودية"، ضمّ إسرائيل لكامل الضفة الغربية المحتلّة التي يقطنها نحو 2.8 مليون فلسطيني.
ومهَّد نتنياهو الطريق أمام نواب حزب "الصهيونية المتدينة"، من بينهم أتباع كهانا، لدخول الكنيست، حسبما ورد في موقع The Time of Israel.
شارك في اقتحام الأقصى
تتراكم الأزمة منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي، حين أقامت الشرطة حواجز حديدية عند "باب العامود"، أجبرت المصلين المسلمين على المرور من خلال صفوف من الشرطة في طريقهم للصلاة بالمسجد الأقصى في البلدة القديمة، وهو ما أثار احتجاجات الشباب الفلسطيني في المكان.
رداً على ذلك، خرج بضع مئات من أتباع "لاهافا"، المجموعة اليهودية المتطرفة التي تشبه جماعة "كو كلوكس كلان" الأمريكية، والتي أسسها بن غفير، وعبَروا وسط القدس وهم يهتفون "الموت للعرب". تردد صدى ذلك يوم الخميس 13 مايو/أيار، حين سار نحو 24 رجلاً يهودياً متطرفاً عبر "مشانية يهودا"، السوق المركزي في القدس، يصيحون بالعبارة نفسها.
وفي تصرُّف آخر أثار الغضب حتى من جانب الشرطة الإسرائيلية، مُنِعَ موكب حافلات يُقِلُّ مصلين مسلمين من عرب 48، قادم من منطقة الجليل إلى القدس قبل ليلة القدر، الجمعة 7 مايو/أيار. وغطَّت صور الرجال والنساء والأطفال الذين ساروا على الطريق السريع، وقطعوا 13 ميلاً (21 كيلومتراً تقريباً) سيراً على الأقدام إلى المسجد، وسائل الإعلام في البلاد. وجرى انتقاد رد فعل الشرطة –الذي تضمَّن استخدام مدافع المياه ورذاذ الفلفل والقنابل الصوتية ضد المدنيين في المسجد- على نطاق واسع باعتباره غير ملائم.
كانت رسائل الشرطة بشأن الحواجز التي تسببت في بدء الاضطرابات مربكة. فقد ذكر شبتاي خطأً، قبل سحب الحواجز المثيرة للجدل عند "باب العامود"، أنَّها كانت تُوضَع كل عام. وقال مسؤول أمني إسرائيلي كبير، الخميس الماضي، إنَّ الحواجز وُضِعَت "لحماية الجمهور بعد التدافع الكارثي في جبل ميرون"، والذي وقع في 30 أبريل/نيسان، بعد أكثر من أسبوعين من وضع الحواجز.
وأدَّت بعض العوامل إلى تأجيج العلاقات الإسرائيلية العربية داخل البلاد، وضمن ذلك محاولة نتنياهو ضم الحركة الإسلامية إلى صفه، قبل أن يرفضها. لكنَّ مشاهد الحافلات التي جرى إيقافها على جانب الطريق ومنع المواطنين من الوصول إلى الأقصى "لا تُنسى"، بحسب أبو مخ.
وأضاف: "كان لدينا رؤساء وزراء من قبل، ومررنا برمضانات، لكن لم يحدث شيء كهذا. نتنياهو كان يتحرق شوقاً لمعركة".
وتكررت اقتحامات إيتمار بن غفير للأقصى وباحاته.
وكشفت مصادر إعلامية عبرية أن إيتمار بن غفير قد شارك في اقتحام المسجد الأقصى المبارك في ثالث أيام شهر رمضان المبارك.
نتيجة تصرفات نتنياهو، هب المقدسيون ليدافعوا عن الأقصى و"الشيخ جراح"، أما الشرطة الإسرائيلية فتارة تقول إنها ستمنع أو تغيّر اتجاه مسيرة المستوطنين المتطرفين الرامية إلى اقتحام الأقصى، وتارة تقول إنها ستمنعها، وبعدما تأكدت حماس من أنه سيتم تنظيم المسيرة يوم 28 رمضان نحو الأقصى، حذَّرت الاحتلال من أنها سوف تردُّ، وذلك بعد تصريح نادر لقائد كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، محمد الضيف.
وبدأت حماس، الإثنين 10 مايو/أيار، إطلاق الصواريخ على إسرائيل؛ ما أدى إلى غارات جوية انتقامية أسفرت بحسب وزارة الصحة التابعة لـ"حماس"، عن استشهاد 119 فلسطينياً.
وقال الجيش الإسرائيلي يوم الخميس، إنَّه جرى إطلاق 2000 صاروخ على إسرائيل منذ بداية المعركة، أسفرت عن مقتل 8 إسرائيليين.
حرب أهلية في إسرائيل
لقد تحولت عطلة عيد الفطر إلى أحداث تشبه ما بعد نهاية التاريخ، لمعارك عصابات في شوارع فارغة تشهد دوريات غير منتظمة من جانب حرس حدود مدججين بالسلاح. وفي حين هرع الغزيون إلى الأنقاض بحثاً عن ملجأ، تكدس الإسرائيليون في الملاجئ ودوَّت صافرات الإنذار بوتيرة مثيرة للأعصاب، في ليلة أخرى طويلة على حافة الحرب.
وحذّر الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، الأربعاء 13 مايو/أيار 2021، من اندلاع "حرب أهلية" في إسرائيل بعد مواجهات دامية اندلعت بمدن مختلطة بين فلسطينيين وإسرائيليين، وصرح ريفلين لدى تعليقه على مشاهد اعتداء عشرات الإسرائيليين على شاب فلسطيني في مدينة "بات يام" (وسط): "الحرب اندلعت في شوارعنا، والأغلبية الصامتة مذهولة ولا تصدق ما تراه".
هكذا يحاول نتنياهو الاستفادة من الأزمة
تزامن اندلاع العنف مع أكثر الفترات ضعفاً خلال حكم نتنياهو الممتد منذ 12 عاماً، وهو يستعد للاستفادة منه، حسب الموقع الأمريكي.
فعقب انتخابات مارس/آذار غير الحاسمة وفشل نتنياهو في تشكيل حكومة ائتلافية، سلَّم الرئيس الإسرائيلي مهمة تشكيل الحكومة إلى زعيم المعارضة المنتمي لتيار الوسط، يائير لبيد، في 5 مايو/أيار.
وقبل تفجُّر العنف على حدود غزة وداخل إسرائيل، كان لبيد قريباً من تشكيل ما سماها "حكومة تغيير" مكونة من أحزاب سياسية مختلفة تعارض نتنياهو من اليمين واليسار.
لكن بدا أنَّ نفتالي بينيت، وهو عضو يمين حاسم في ائتلاف لبيد المحتمل، قد حطَّم هذا الأمل بعدما تخلى مساء الخميس عن هذا المسعى، وبدا مستعداً لمعاودة الانضمام إلى نتنياهو.
قال لبيد: "إنَّنا على حافة الهاوية… لا يمكنك أن تفعل كل ما بوسعك لتدمير الشرطة ثم تكون مفاجأً حين لا تكون حاضرة. ولا يمكنك مهاجمة المحاكم لسنوات وتعرب عن دهشتك حين يتصرف الناس بازدراء للقانون".
لم ينطق لبيد باسم نتنياهو، لكنَّه لم يكن مضطراً إلى ذلك. فكانت الإشارة إلى دعم نتنياهو للنائب العنصري المؤمن بالتفوق العرقي، بن غفير، واضحة حين أدانه لبيد لـ"قيامه بكل ما بوسعه لإدخال قوى الكراهية إلى الكنيست الإسرائيلي، ولا يمكنه التظاهر بالصدمة حين تنفجر الكراهية وتحرقنا من الداخل".
نتنياهو يريد من بن غفير تمرير قانون يُعفيه من المحاكمة
وقد دعم نتنياهو انتخاب إيتمار بن غفير في الكنيست؛ على أمل أن تساعده الأصوات الهامشية على تشكيل ائتلاف حكومي، وربما تمرير قانون للحصانة القانونية.
قال لويس فيشمان، أستاذ الدراسات الشرق أوسطية بكلية بروكلين، لموقع The Daily Beast، إنَّه بمجرد أن أصبح واضحاً أنَّ المعارضة الإسرائيلية ستكون قادرة على تشكيل ائتلاف، "رأينا تصعيداً سريعاً".
وأضاف: "لا شك، برأيي، في أنَّ نتنياهو ووزير شرطته أطلقا العنان للشرطة للتصرف بصورة غير متناسبة تجاه المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل بدلاً من خفض التصعيد، وسمحا لها بإيصال الأمر إلى النقطة التي نحن عندها اليوم".
وكان إيتمار بن غفير أداة رئيسية لنتنياهو لتحقيق ذلك، ولقد وصل الأمر إلى أن عضو الكنيست المتطرف إيتمار بن غفير، نقل مكتبه البرلماني إلى حي الشـيخ جراح بالقدس؛ لمراقبة عمل الشرطة في حماية اليهود بالحي، قبل أن يتراجع عن ذلك.