"يبدو وجود هذه اللوحات في هذا المتحف العريق أشبه بأنك تستمع لشخص غريب وهو يروي قصة عائلتك، وهي تُروَى بشكل خاطئ"، هكذا وصف إنوتي أوغبيبور مشاعره عندما شاهد تراث نيجيريا المنهوب يعرض في المتحف البريطاني.
يقول الفنان النيجيري إنوتي أوغبيبور، عندما رأى اللوحات البرونزية التي تعود لمسقط رأسه، إنها تبدو غريبة على المتحف البريطاني.
وأوغبيبور، هو عضو في كيان Legacy Restoration Trust غير الربحي، الذي يمثل حكومة نيجيريا والقادة الإقليميين
بالنسبة له هي كنز ثقافي منهوب، فقد عَكَفَ نحّاتون من غرب إفريقيا على صنعها طوال 6 قرون لرواية تاريخ بنين، المملكة التي قامت حيث تقف الآن جنوب نيجيريا إلى أن غزتها القوات البريطانية في 1897، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
جدار بنين العظيم
نهب الجنود الاستعماريون أراضي أجداده، واستولوا على ما أصبح يُعرَف مجتمعاً باسم "برونز بنين". واستقرت آلاف اللوحات والأقنعة والأشكال المصنوعة من المعدن والعاج والخشب في المتاحف في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة.
ويمكن العثور على هذه اللوحات المعروفة باسم "برونز بنين" في 161 متحفاً حول العالم، وفقاً لبحث أجراه دان هيكس، أمين متحف بيت ريفرز في جامعة أكسفورد. ويوجد 38 منها في الولايات المتحدة، و9 فقط في نيجيريا.
وقال أوغبيبور، 52 سنة، إنها "تبدو في غير مكانها، وخارج السياق. رؤيتها في عزلة بعيدة عن موطنها والاحتفاظ بها لمتفرجين ينظرون إليها دون أي فهم حقيقي لما حدث؛ فهذا يشبه الاستماع لقصة عائلتك وهي تُروَى بشكل خاطئ".
كانت مملكة بنين، التي يعود تاريخها للقرن الحادي عشر، واحدة من القوى العظمى في غرب إفريقيا، ويقول المؤرخون إنَّ جدرانها الترابية استطاعت تحدي حائط الصين العظيم.
ثم جاء البريطانيون، الذين بحلول منتصف القرن التاسع عشر كانوا يسيطرون على المناطق المحيطة. وقال باحثون إنَّ بنين تمتعت بنفوذ تجاري أثار حفيظة القادة الاستعماريين. وجاءت نقطة الانهيار عندما نصبت قوات غرب إفريقيا كميناً لبعثة بريطانية لم تحصل على إذن لدخول المملكة، ما أسفر عن مقتل العشرات منها.
كيف وصل تراث نيجيريا المنهوب إلى كل هذه المتاحف؟
ردَّت بريطانيا بـ1200 جندي وسفينة حربية و3 ملايين رصاصة، وفقاً لبحث هيكس. وأُحرِقَت بنين عن بكرة أبيها، ولا تبلغ الوثائق الرسمية عن عدد الضحايا، لكن الباحثين يقدرون أعداد وفيات واسعة النطاق.
شَرَعَ الجنود في نهب ثروات المملكة، وأخبروا السلطات البريطانية أنَّ العاج وحده سيغطي تكلفة المهمة، بينما احتفظ البعض بالبرونز لأنفسهم؛ ما حوَّلها لإرث عائلي، وسرعان ما بيعت في مزادات علنية.
وعُرِضَت غنائم تدمير بنين في إنجلترا بعد ستة أشهر فقط.
وتطالب نيجيريا باستعادة القطع منذ حصولها على الاستقلال في عام 1960. وقال فيكتور إيهيكامينور، وهو فنان من مدينة بنين، إنَّ السرقة جردت دولتهم من قرون من المعرفة. وفقدت الأجيال فرصة البناء على عمل أسلافهم.
ألمانيا تغير المعادلة
ولكن أصبح هناك أمل في عودة تراث نيجيريا المنهوب، إلى موطنه الأصلي، بما في ذلك بعد قطع "برونز بنين".
فلقد أصبحت ألمانيا في الأسبوع الماضي أول دولة تعلن عن خطة لإعادة مئات القطع إلى نيجيريا، بدايةً من العام الماضي، حسب تقرير صحيفة The Washington Post.
وأعطى التعهد الألماني بالتعويض، وهو الأكبر حتى الآن، زخماً لتحرك حكومات أخرى لفعل نفس الشيء، في الوقت الذي بدأ يطرح في الغرب بشكل نقدي تاريخ الظلم العنصري.
كما سلَّطت حركات الاحتجاج الضوء من جديد على الفظائع القديمة، وأسقطت التماثيل، ودعت إلى استعادة الأشياء التي سُرِقَت -في كثير من الأحيان بعنف- خلال الحكم الاستعماري.
قال وزير الثقافة الألماني إنَّ هذا التحول نابع من "المسؤولية الأخلاقية".
وقالت جامعة أبردين في نهاية مارس/آذار الماضي، إنها ستعيد قطعة برونزية بنين إلى نيجيريا في غضون أسابيع ، وهي واحدة من أولى المؤسسات العامة التي تقوم بذلك بعد أكثر من قرن من قيام بريطانيا بنهب المنحوتات وبيعها بالمزاد للمتاحف وهواة جمع التحف الغربيين، حسبما ورد في تقرير لوكالة Reuters.
وقالت نيجيريا إنها قد تعيد إقراض بعض قطع المجموعة بعد استعادها.
المتاحف تعيد النظر في أصولها
وأطلقت كذلك حفنة من المتاحف في أماكن أخرى جهودها الخاصة، بينما يعيد أمناء هذه المتاحف النظر في الأصول الدموية للقطع الأثرية الثمينة.
ويمكن العثور على "برونز بنين" في 161 متحفاً حول العالم، وفقاً لبحث أجراه دان هيكس، أمين متحف بيت ريفرز في جامعة أكسفورد. ويوجد 38 منها في الولايات المتحدة، و9 فقط في نيجيريا.
لكن لا تزال الكثير من المؤسسات مترددة في إعادة الأعمال.
ولكن ماذا عن المتحف البريطاني؟
المتحف البريطاني -صاحب أكبر مجموعة أثرية في العالم بنحو 900 قطعة- محظور قانوناً من الإفراج عن "برونز بنين"، لأنَّ البرلمان هو من ينظم مخزونها، حسب تقرير الصحيفة الأمريكية.
وكشف متحف متروبوليتان للفنون في نيويورك، الذي قال إنه حصل على قطع برونز بنين من مانحين، عن عدم وجود أي خطط لإعادتها لنيجيريا.
ومع ذلك، تصاعدت الضغوط على مدار العام الماضي، حيث غمر المحتجون المدن، وأثاروا مرة أخرى الحوار حول الذكريات المؤلمة. وعلى رأس جدول أعمال الاتحاد الإفريقي هذا العام: مكافحة فيروس كورونا المستجد، واستعادة التراث المسروق.
وقال أوغبيبور، "التمسك بهذه القطع هو مثل وضع الملح على الجرح".
وسيُحتفَظ بالأعمال الفنية التي ستعيدها ألمانيا في متحف إيدو الجديد للفن الغرب إفريقي في مدينة بنين، الذي سيصمِّمه المهندس المعماري الغاني-البريطاني ديفيد أدجاي. (على الرغم من أنه من غير المقرر افتتاح المتحف قبل عام 2025، يقول المنظمون إنَّ التخزين الآمن للقطع قد يكون جاهزاً بحلول نهاية العام المقبل).