أزمة كورونا في الهند يمكن أن تتحول إلى مشكلة كبيرة للعالم، فهي قد تسبب في مزيد من التحور للفيروس وظهور سلالات أكثر خطورة من الموجودة حالياً، وقد تمتد آثارها الكارثية لأكثر من ذلك.
وسجلت الهند، الخميس 6 مايو/أيار 2021، زيادة يومية قياسية جديدة، حيث بلغ عدد الإصابات 412262، وحالات الوفاة الناجمة عن الإصابة بالفيروس 3980، بعد رقم قياسي سابق بلغ نحو 400 ألف حالة في يوم واحد.
وبذلك تجاوز عدد إصابات كورونا في الهند حاجز 21 مليون إصابة، بينما وصل إجمالي الوفيات إلى 230168 حالة، وفقاً لبيانات وزارة الصحة الهندية، لتتخطى الهند البرازيل وتصبح ثاني أسوأ دولة مصابة في العالم بشكل تراكمي.
ويموت كثير من الناس لدرجة أنَّ محارق الجثث تكافح من أجل مواكبة ذلك. وقد يكون العدد الحقيقي للحالات والوفيات أعلى بعدة مرات من المُبلَّغ عنه رسمياً.
وقالت منظمة الصحة العالمية، الأربعاء 5 مايو/أيار 2021، إن الدولة الواقعة في جنوب آسيا- التي تضم نحو 1.4 مليار شخص أو 18% من سكان العالم- شكلت 46% من حالات الإصابة الجديدة بفيروس كوفيد-19 على مستوى العالم، في الأسبوع الماضي. وأضافت أن واحدة من كل أربع وفيات في الأسبوع الماضي جاءت من الهند.
ولكن الأزمة المخيفة في الهند تهدد بأن تتحول إلى أزمة عالمية تحمل في طياتها كثيراً من السيناريوهات الخطيرة على العالم برمته.
فقد يؤدي تفشي فيروس كورونا في الهند لفترة طويلة إلى ظهور سلالات جديدة من الفيروس، وإعاقة تقدم التطعيم العالمي وتهديد الاقتصاد العالمي، حسب تقرير لموقع CNBC.
وحذَّر الخبراء من أن ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا في جميع أنحاء الهند قد يعطل الجهود المبذولة للقضاء على الوباء العالمي.
هناك بالفعل علامات على أنَّ تفشي المرض في الهند يمتد إلى دول أخرى، حيث أبلغ جيران نيودلهي، مثل نيبال وسريلانكا، عن زيادات بالإصابات، في حين شهدت مناطق آسيوية أبعد، من ضمنها هونغ كونغ وسنغافورة، حالات إصابة بفيروس كوفيد من الهند.
ولكن لماذا تحمل أزمة فيروس كورونا في الهند تحديداً مخاطر كبيرة على العالم أجمع؟
الأزمة ليست في السلالة الهندية وحدها بل في حدوث مزيد من التحورات
أحد السيناريوهات المفزعة هو ظهور سلالات متحورة جديدة من الفيروس، إضافة إلى السلالة الهندية التي اكتُشفت بالفعل في البلاد.
واكتشفت الهند لأول مرة، المتغير B.1.617- الذي أطلق عليه أيضاً اسم "المتحور المزدوج"- في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي. تم الإبلاغ عن المتغير منذ ذلك الحين في 17 دولة على الأقل، من ضمنها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وسنغافورة.
وحتى الآن صنفت منظمة الصحة العالمية B.1.617 كمتنوع للفيروس مثير للاهتمام، مما يشير إلى أن السلالة المتحورة يمكن أن تكون أكثر عدوى، وأكثر فتكاً، فضلاً عن أنها قد تكون أكثر مقاومة للقاحات والعلاجات الحالية. ولكن قالت المنظمة إن هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات لفهم خطورة هذا التحور.
ويشير مصطلح "المتحور المزدوج" إلى حصول تحورين معاً في فيروس واحد، حسبما ورد في تقرير لموقع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".
وقال سوجيت سينغ، من المركز الهندي للسيطرة على الأمراض: "لم يتم تحديد العلاقة الوبائية والسريرية بشكل كامل، وقبل ذلك لن نتمكن من الجزم بوجود علاقة مباشرة بأي ارتفاع في أعداد الإصابات".
ولكن السلطات الهندية قالت في 6 مايو/أيار 2021، إن السلالة الجديدة المتفشية لديها من فيروس كورونا، والتي تم اكتشافها في مارس/آذار الماضي، ربما تكون مرتبطة بالموجة الثانية "الفتاكة" التي تضرب البلاد.
حتى الآن لم يتمكن الباحثون من الوقوف بشكل كامل على طبيعة هذا الارتباط بين المتحور المزدوج من فيروس كورونا والموجة الثانية، بحسب أحد المسؤولين في المركز الهندي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها.
وحذَّر كبير المستشارين العلميين في الحكومة الهندية من موجة ثالثة قال إنه لا مفر منها.
وقال فيجاي راجهافان في بيان صحفي، إن زيادة أعداد الإصابات "بهذا النحو الشرس" فاقت التوقعات، محذراًَ من أنه لا مفرّ من موجة ثالثة، في ظل ارتفاع مستويات التفشي التي يسجلها الفيروس.
وهناك بعض الأدلة المختبرية التي تشير إلى أنه أكثر قابلية للانتشار ولو بدرجة قليلة، وأن الأجسام المضادة قد تجد صعوبة في مواجهته، لكن العلماء لا يزالون يقيّمون مقدار تراجع المناعة في محاربة هذا الفيروس.
وحذَّر خبراء الصحة من أن الفاشيات الكبيرة المطولة في أي بلد يمكن أن تزيد من احتمال ظهور أنواع جديدة من Covid-19، وقالوا إن بعض المتغيرات يمكن أن تتجنب الاستجابات المناعية التي تسببها اللقاحات والالتهابات السابقة، حسبما ورد في تقرير CNBC.
"المشكلة أن الهند بلد كبير به نحو خُمس سكان العالم وإذا كان هناك تفشٍ كبير فيها، فهذا مثير للقلق بشأن احتمال ظهور مزيد من السلالات الجديدة التي ستكون سيئة للهنود، ولكن بالطبع ستنتشر في جميع أنحاء العالم"، حسبما قال الدكتور أشيش جها، عميد كلية الصحة العامة بجامعة براون الأمريكية، لقناة CNBC.
كلما ازداد حجم المجتمع المصاب، ومن ثم حجم المصابين، زادت فرص تحول الفيروس، ويجب ملاحظة أن الهند بلد منفتح، ولديه عمالة في كل أنحاء العالم تقريباً.
إمدادات اللقاح العالمية في خطر
الهند توصف بصيدلية العالم، ولديها أكبر مصنع لقاحات في العالم (Serum Institute of India) وهو متعاقد على إنتاج لقاح أسترازينيكا.
وكان يُنظر إليه على أنه سيمد العالم- لاسيما الدول النامية- باللقاحات، وهو أمر روجت له الحكومة الهندية فيما عُرف بدبلوماسية اللقاحات الهندية المنافسة لدبلوماسية اللقاحات الصينية.
لكن الأزمة الصحية في الداخل الهندي دفعت السلطات إلى وقف تصدير لقاحات Covid-19، لتعطي الدولة الأولوية لاحتياجاتها المحلية.
وتم تخصيص جزء من إنتاج المصنع من أجل مبادرة Covax، وهي مبادرة عالمية لتزويد البلدان الفقيرة بلقاحات تقودها منظمة الصحة العالمية، وتعتمد بشكل كبير على لقاح أسترازينيكا.
وتتخلف البلدان النامية عن الدول المتقدمة في تأمين إمدادات اللقاح فيما وصفته منظمة الصحة العالمية بأنه "خلل صادم" في التوزيع.
وبالتالي، فإن التأخير في تصدير اللقاحات من قِبل الهند يمكن أن يترك البلدان ذات الدخل المنخفض عرضة لتفشٍّ جديد لفيروس كورونا، وفقاً لتقرير CNBC.
أزمة كورونا في الهند تمثل تهديداً للاقتصاد العالمي برمته
الهند هي سادس أكبر اقتصاد بالعالم ومساهم رئيسي في النمو العالمي، وكانت تقدم نفسها للغرب على أنها منافس وبديل للصين في سلاسل التوريد الخاصة بعمليات التصنيع.
ولكن خفض بعض الاقتصاديين توقعاتهم للنمو في الهند. غير أنهم ظلوا متفائلين بشأن توقعات الاقتصاد لهذا العام بالنظر إلى أن القيود خلال هذه الفترة ليست شاملة وذات طبيعة نوعية مقارنة بالإغلاق الصارم على مستوى البلاد العام الماضي (أكبر إغلاق بالعالم نفذته الهند في بداية الجائحة)، حسب تقرير موقع CNBC.
وقال صندوق النقد الدولي، الشهر الماضي، إنه يتوقع أن ينمو الاقتصاد الهندي بنسبة 12.5% في السنة المالية المنتهية في مارس/آذار 2022، بعد انكماشه بنسبة 8% في السنة المالية السابقة.
ومع ذلك، أدى تفشي المرض الأخير في الهند إلى قيام العديد من البلدان بتشديد قيود السفر، وهذه أخبار سيئة لشركات الطيران والمطارات وكذلك الشركات الأخرى التي تعتمد على صناعة السفر، كما قالت أوما كامبهامباتي، أستاذة الاقتصاد بجامعة ريدينغ في الولايات المتحدة.
في غضون ذلك، حذَّرت غرفة التجارة الأمريكية من أن الأزمة الصحية في الهند قد تؤدي إلى تدهور الاقتصاد الأمريكي، حسبما ذكرت وكالة رويترز. وذلك لأن العديد من الشركات الأمريكية توظف ملايين العمال الهنود لإدارة عمليات المكاتب الخلفية، وفقاً للتقرير.
ومع الزيادة المطردة لعدد حالات كورونا اليومية في الهند خلال الفترة الأخيرة، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، أمس الأربعاء، أنها وافقت على المغادرة الطوعية لموظفيها الذين لا يقدمون خدمات طوارئ من الهند.
وقال كامبهامباتي في تقرير نُشر على موقع The Conversation: "بالنظر إلى كل هذه القضايا، والأزمة الإنسانية التي تتكشف، أصبح من الضروري أن يتحرك العالم بسرعة لمساعدة الهند، سواء تم طلب هذه المساعدة أم لا".
وتعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن، بتقديم المساعدات للهند، لمكافحة فيروس كورونا، وذلك بعد تأكيد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، أن الوضع في الهند "محزن".