الإعلان عن توقيع مصر وفرنسا عقداً لتوريد 30 طائرة مقاتلة من طراز رافال يطرح تساؤلات بشأن توقيت الصفقة وتمويلها، ومواصفات المقاتلة الفرنسية التي أصبحت مفضلة لدى الجيش المصري مؤخراً.
طائرة الرافال الفرنسية ليست جديدة بالنسبة لسلاح الجو المصري، الذي يمتلك منها حاليا 24 طائرة بالفعل، من خلال صفقة أُبرمت عام 2015، وتسلمت مصر آخر دفعة من تلك الطائرات المتطورة العام قبل الماضي، بحسب البيانات الرسمية.
وفي وقت متأخر من مساء الإثنين، 3 مايو/أيار، أعلن الجيش المصري، في بيان رسمي، عن توقيع عقد مع فرنسا للحصول على 30 مقاتلة أخرى من طراز رافال.
ما تفاصيل صفقة شراء مصر مزيداً من المقاتلات؟
البيان الذي أصدره المتحدث باسم القوات المسلحة المصرية العقيد تامر الرفاعي جاء فيه: "وقعت مصر وفرنسا عقد توريد 30 مقاتلة طراز رافال من خلال القوات المسلحة المصرية وشركة داسو أفياسيون الفرنسية (المصنعة لتلك المقاتلة)".
وأضاف البيان أنه "يتم تمويل العقد المبرم من خلال قرض تمويلي تصل مدته كحد أدنى لـ10 سنوات"، لكن البيان الرسمي المصري لم يحدد قيمة القرض أو تفاصيل أكثر بشأن الصفقة، بينما نقلت وكالة رويترز عن موقع ديسكلوز الاستقصائي أن قيمة الصفقة تبلغ 3.75 مليار يورو (4.5 مليار دولار).
وذكر موقع ديسكلوز أيضاً نقلاً عن وثائق سرية أنه تم التوصل لاتفاق، في نهاية شهر أبريل/نيسان، وأن اتفاقاً قد يُبرم اليوم الثلاثاء عندما يصل وفد مصري إلى باريس، بحسب رويترز.
وتمثل هذه الصفقة دفعة أخرى للطائرة رافال التي تصنعها شركة داسو بعد إتمام اتفاق في يناير/كانون الثاني، قيمته 2.5 مليار يورو لبيع 18 طائرة لليونان.
ويشمل الاتفاق بين فرنسا ومصر عقوداً من شركة صناعة الصواريخ (إم.بي.دي.إيه) وشركة سافران للإلكترونيات والدفاع لتوريد عتاد بقيمة 200 مليون يورو أخرى، بحسب رويترز، ولم يتسن الحصول على تعليق بعد من وزارات المالية والخارجية والقوات المسلحة الفرنسية.
لكن موقع ديسكلوز قال إن الدولة الفرنسية ومعها بنوك بي.إن.بي باريبا وكريدي أجريكول وسوسيتيه جنرال وسي.آي.سي ستضمن ما يصل إلى 85% من تمويل الصفقة، ولم يتسن لرويترز الحصول على تعليق من البنوك.
بماذا تتميز المقاتلة الفرنسية؟
في بيانه بشأن الصفقة الجديدة، لفت المتحدث باسم القوات المسلحة المصرية إلى أن مقاتلات رافال "تتميز بقدرات قتالية عالية تشمل القدرة على تنفيذ المهام بعيدة المدى، فضلاً عن امتلاكها منظومة تسليح متطورة".
تمتلك مقاتلة الرافال الفرنسية منظومة تسليح متطورة وقدرة عالية على المناورة، وتعدد أنظمة التسليح بها، إضافة إلى تميزها بمنظومة حرب إلكترونية متطورة تعطيها أفضلية عالية في مجالي المناورة وسرعة تفادي النيران المعادية التي تستهدفها وقدرة عالية على تنفيذ المهام الهجومية بكفاءة تقترب من الكمال.
وفي مقارنة بين الرافال والطائرة الأمريكية الشبحية الإف-35، بحسب موقع Aviata.net المتخصص في الطائرات المقاتلة ومواصفاتها، يظهر مدى التقارب بين الطائرتين المقاتلتين من حيث أنظمة التسليح والمدى القتالي والسرعات وخصائص القدرة على المناورة، ولا تكاد تتفوق المقاتلة الأمريكية على الرافال الفرنسية إلا من خلال خاصية التخفي أو الشبحية وهي الميزة الأبرز للمقاتلة الأمريكية.
لكن في المقابل تتفوق الرافال على الإف-35 بشكل واضح في التكلفة، سواء سعر الطائرة أو تشغيلها، فتكلفة تشغيل الرافال في الساعة الواحدة هي 28 ألف دولار بينما تكلفة الإف-35 في الساعة هي 43 ألفاً و200 دولار، بحسب موقع "أفياتا".
أما من حيث المدى القتالي، والمقصود به أقصى مسافة يمكن أن تنفذ فيها مهام قتالية وتقطعها الطائرة العسكرية بكامل حمولتها من الذخائر المتنوعة سواء قنابل أو صواريخ أو ذخيرة لمدافعها متعددة الأعيرة، فهذا المدى بالنسبة للرافال هو 3200 كلم إلى 3700 كلم، أي أن المقاتلة الفرنسية يمكنها أن تهاجم هدفاً أو أهدافاً على بعد 1600 كلم إلى 1850 كلم (ذهاباً وعودة)، بحسب تقرير لموقع IndiaTV.
ما سر توقيت الإعلان عن الصفقة؟
يمكن القول إنه لا توجد أسرار وراء الإعلان الآن عن هذه الصفقة الضخمة من المقاتلات الفرنسية، بل الأدق هو الدلالات الهامة لتلك الصفقة وتوقيت الإعلان عن توقيع العقد بشأنها، في ظل القضية الجوهرية التي تشغل مصر حكومة وشعباً وهي سد النهضة.
ففي ظل إصرار إثيوبيا على المضي قدماً في مخططاتها لتنفيذ الملء الثاني للسد خلال موسم الأمطار، الذي يبدأ في يوليو/تموز المقبل، والتهديدات المتكررة التي صدرت عن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بأن ذلك قد يؤدي إلى "تهديد الاستقرار في المنطقة بصورة لا يتخيلها أحد"، واعتبار السودان أن الملء الثاني للسد قضية أمن قومي، من المستحيل استبعاد دلالات إعلان مصر عن صفقة الرافال الفرنسية الآن.
وفي سياق دلالات الصفقة، قال رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق والمستشار بأكاديمية ناصر العسكرية بمصر اللواء نصر سالم، لموقع "سكاي نيوز" العربي، إن إضافة الـ30 طائرة رافال سوف يزيد من القدرة القتالية للقوات الجوية المصرية، وبالتالي زيادة قدرات الدولة الشاملة لتحقيق استراتيجية الردع التي تضمن تأمين مقدرات الدولة والحفاظ على الأمن القومي، دون الاضطرار للدخول في الحروب التقليدية.
وأضاف "سالم" أن مصر "دولة تحمي ولا تهدد، تصون ولا تبدد"، ومن ثمَّ تتخذ استراتيجية الردع كاستراتيجية ثابتة للحفاظ على أمنها القومي، موضحاً أن استراتيجية الردع تعني امتلاك قدرات أكبر من قدرات العدو، سواء أكانت عسكرية أو اقتصادية أو علمية، أي القدرات الشاملة، وبالتالي فهذه القدرات هي التي تقنع العدو أن أي محاولة للاعتداء سوف تبوء بالفشل وتكون خسائره أكبر من أرباحه.
ونفس المعنى أكده الخبير العسكري وعضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب سابقاً اللواء حمدي بخيت، مشيراً لنفس الموقع إلى ما تمثله هذه الصفقة من "قوة ردع كبيرة" لكل شخص يفكر في تهديد مصر.
صحيح أن فرنسا أصبحت مورد الأسلحة الرئيسي لمصر بين 2013 و2017 في صفقات شملت بيع 24 طائرة حربية علاوة على إمكانية بيع 12 أخرى، وتوقفت العقود، ومنها صفقات كانت في مرحلة متقدمة تتعلق بمزيد من طائرات رافال وسفن حربية، لكن دبلوماسيين قالوا لرويترز وقتها إن ذلك يرجع إلى قضايا تتعلق بالتمويل لا برد فعل فرنسا إزاء مخاوفها بشأن حقوق الإنسان في مصر.
وفي هذا السياق نددت بينيدكت جانرو، مديرة مكتب هيومن راتس ووتش في فرنسا، بالصفقة الجديدة، وقالت لرويترز "توقيع عقد كبير للأسلحة مع حكومة (الرئيس المصري عبدالفتاح) السيسي بينما يقود أسوأ حملة قمع منذ عقود في مصر، ويقضي على مجتمع حقوق الإنسان في البلاد، ويرتكب انتهاكات خطيرة بذريعة مكافحة الإرهاب، إنما هو تشجيع من فرنسا لهذا القمع الوحشي".
الخلاصة هنا فيما يخص دلالات صفقة الرافال الجديدة لمصر هي أن تلك المقاتلات الـ30 التي أعلن التعاقد على شرائها لن يكون لها دور في الأزمة الحالية الخاصة بسد النهضة، فالعقد كما قالت رويترز سيتم توقيعه اليوم الثلاثاء 4 مايو/أيار، وعلى الأرجح لن تتسلم مصر الدفعة الأولى من تلك الطائرات قبل عدة أشهر على سبيل المثال، ما يعني أن التوقيت الخاص باحتمال توجيه ضربة مصرية للسد الإثيوبي -حال كان ذلك السيناريو وارداً- سيكون قد أصبح متأخراً بحسب الخبراء.
النقطة الأخرى هي أن مصر تمتلك بالفعل 24 طائرة مقاتلة من ذات الطراز -الرافال الفرنسية- إضافة إلى طائرات أخرى كالسوخوي 35 الروسية والميغ 21، وبالتالي فإن القدرة القتالية للقيام بعمل عسكري ضد سد النهضة متوفرة بالفعل، لكن اتخاذ القرار نفسه قصة أخرى أكثر تعقيداً.