ظهر قلق في إسرائيل من الاستثمارات الإماراتية في الدولة العبرية، لاسيما في قطاع الغاز، وسط حديث عن تداعيات سلبية أمنية محتملة لهذه الاستثمارات.
وبينما قرَّرت إسرائيل وقف صفقات صينية وروسية في قطاعات حساسة لديها، فإن الأمر مختلف مع الإمارات التي أبرمت صفقات ضخمة مع تل أبيب، في مقدمتها شراء حصة في حقل غاز إسرائيلي ضخم.
وأعلنت شركة الطاقة الإسرائيلية العملاقة Delek Drilling، يوم الإثنين، أنها وقعت مذكرة تفاهم لبيع كامل حصتها في حقل الغاز الإسرائيلي Tamar البحري، إلى شركة مبادلة للبترول المملوكة لحكومة أبوظبي، ما قد يمنح الإمارات العربية المتحدة حصة كبيرة في إحدى الشركات الإسرائيلية.
تبلغ قيمة صفقة الحصة البالغة 22% مليار دولار، مع 100 مليون دولار إضافية مشروطة بشروط وأهداف معينة، وفقاً لإخطار حول الاتفاقية أرسلته شركة Delek Drilling إلى بورصة تل أبيب وهيئة الأوراق المالية الإسرائيلية. وقالت الشركتان إنهما تهدفان إلى إتمام الصفقة بحلول 31 مايو/أيار 2021، حسبما ورد في تقرير لموقع The Times of Israel.
يضم حقل تمار 6 آبار يبلغ إنتاجها السنوي 11 مليار متر مكعب، وفقاً لأرقام Delek، بالإضافة إلى توفير الغاز الطبيعي لإسرائيل، يتم أيضاً تصدير بعض الغاز من الحقل إلى مصر والأردن.
في حالة إتمام الصفقة ستكون أكبر اتفاق تجاري تم التوصل إليه حتى الآن منذ توقيع إسرائيل والإمارات العربية المتحدة اتفاقية التطبيع، في أغسطس/آب 2020، بوساطة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
قلق في إسرائيل من الاستثمارات الإسرائيلية
المفارقة أنه قبل تسع ساعات من توقيع الصفقة، أعربت الخارجية الإماراتية عن القلق الشديد من العنف في القدس الشرقية المحتلة، التي قامت بها مجموعات يمينية متطرفة، ونجم عنها إصابة عدد من المدنيين، ودعت السلطات الإسرائيلية إلى تحمل المسؤولية في خفض التصعيد، وإنهاء كافة الاعتداءات، والحفاظ على الهوية التاريخية للقدس المحتلة، حسب صحيفة Haaretz.
تقرير Haaretz يشير إلى أن هذه الصفقة رغم أنها ستساهم في منافع إيجابية لإسرائيل وستعزز التحالف بين أبوظبي وتل أبيب، فهناك مخاوف من أن تكون لها آثار جانبية أمنية واقتصادية سلبية على إسرائيل، أو على الأقل الغموض المحيط بالصفقة أمر يثير القلق حول طريقة نتنياهو في إدارة ملف الاستثمارات الأجنبية في القطاعات الاقتصادية الحساسة في إسرائيل.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه هي الصفقة السادسة التي تحظى فيها المصالح التجارية بالأولوية على المصالح الجيوسياسية والعسكرية، والإشارة هنا إلى خطة إسرائيل في قطاع الغاز الطبيعي، بعد السماح بصفقة بيع الغواصات الألمانية لمصر، وبعد صفقة تصدير الغاز الطبيعي إلى مصر والأردن، وبعد الموافقة على صفقة بيع طائرات "إف 35" إلى الإمارات، وبعد توقيع اتفاق مبدئي لنقل النفط من الخليج في خطوط أنابيب تمر عبر إسرائيل إلى إيلات وعسقلان، والأدهى أنه ليس هناك ما يشير إلى حقيقة ما إذا كانت هذه الصفقات تخدم المصالح الوطنية الإسرائيلية أم المصالح الخاصة للمشاركين فيها.
وأشارت إلى أن الجدل حول مثل هذه الصفقات من الطبيعي أن يحدث، خاصة عندما تكون تفاصيل الصفقات سريةً بداعي حساسيتها، كما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يصر على قطع الطريق أمام أي مناقشة للأبعاد طويلة المدى حول السماح للأجانب بالاستثمار في الأصول ذات الأهمية الاستراتيجية لإسرائيل يفضّل إدارة المخاطر الكامنة في هذه الاستثمارات والتعامل معها بنفسه.
الموساد حذر من الصفقة
تظل الاستثمارات الإماراتية لها وضع خاص، في ظل ارتفاع مستوى العلاقات بين البلدين من التطبيع إلى التحالف.
ولكن مذكرة التفاهم بين "تمار" وأبوظبي تحظى باهتمام خاص، بالنظر إلى أهميتها الكبيرة وفوائدها، وتثير بعض الجدل أيضاً.
بموجب خطة قطاع الغاز الطبيعي في إسرائيل، يتعين على شركة "ديليك" بيع حصتها في تمار بحلول نهاية عام 2021.
وسبق أن حذرت وزارة الشؤون الاستراتيجية وجهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) بالفعل، في بداية العام، من أن دول الخليج ستكثِّف استثماراتها في إسرائيل خلال الأشهر القليلة المقبلة.
لماذا تحرص إسرائيل على هذه الصفقة؟
لدى شركة "مبادلة" الإماراتية مصلحة في تطوير سوق الغاز الطبيعي الإقليمي، بحكم امتلاكها 10% من ترخيص امتياز منطقة "شروق" في مصر، والتي تشمل احتياطي الغاز الطبيعي الرئيسي في حقل "ظهر".
التعسر الشديد الذي تمر به أعمال تشوفا التجارية، والإشارات التحذيرية الواردة في التقارير المالية لشركة "ديليك" من استمرار القلق بشأن أوضاع الشركة، يعني أنها بحاجة إلى ضخٍّ نقدي سريع.
كما أنه من الجيد لإسرائيل أن يكون المشتري لاعباً استراتيجياً مهتماً بتطوير صناعة الغاز الإقليمية، ويشمل ذلك التطوير في مصر المجاورة، لأن التطوير الإضافي لحقول الغاز الطبيعي البحرية الإسرائيلية يعتمد على الصادرات، ومنها المبيعات الإسرائيلية المباشرة إلى مصر والأردن.
إضافة إلى أن دخول طرف دولي غير أمريكي جديد في سوق الغاز الطبيعي الإسرائيلي يمكن أن يُضعف من هيمنة شركة "شيفرون"، التي تمتلك أسهماً في احتياطيات "تمار" و"ليفياثان" و"داليت" البحرية، ويشجِّع تسعيراً أكثر تنافسية لبيع الغاز، إذا اختار الإماراتيون أن يكون لهم دور كهذا.
الجيش الإسرائيلي لم يكن لديه علم بها
من المحتمل أن تكون مذكرة التفاهم قد وقِّعت بعد قرار مسبق من السلطات الإسرائيلية. ومن المحتمل أن يكون القرار المسبق جاء من موظفين بيروقراطيين في قطاع الطاقة، وليس من المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، التي تذمر مسؤولوها من أنهم اكتشفوا فقط من الصحف أن أصولاً استراتيجية وقعت في أيدٍ أجنبية.
ومن المحتمل أيضاً أن تكون الموافقة المسبقة قد صدرت قبل الإدراج العام لأن الإماراتيين لن تكون لديهم حصة أغلبية في الاحتياطي، ولن يكون لديهم حق النقض، ولن يشاركوا في تشغيل الاحتياطي المستخرَج فعلياً، إذ إن هذا الدور سيظل في يد شركة "شيفرون" الأمريكية.
ومع ذلك، لا تزال الصفقة بحاجة إلى الحصول على موافقة من هيئة تنظيم القطاع النفطي في وزارة الطاقة و"الهيئة الإسرائيلية للنفط"، وربما أيضاً "هيئة حماية المنافسة". لكن يصعب تخيُّل أن تخاطر إسرائيل بإحباط شركائها الاستراتيجيين الجدد، حسب الصحيفة الإسرائيلية.
واقع أن المشتري كيانٌ حكومي وليس شركة خاصة يثير القلق من أن الاستثمار قد يكون مدفوعاً باعتبارات دبلوماسية من الأصل. وقد يكون الأمر يتعلق بالأساس باستخدام الملكية لهذه الحصة أداةً دبلوماسية لا تعطي الأولوية لخدمة العملاء بل للأهداف الإسرائيلية.
لما كان المشتري كياناً حكومياً إماراتياً، فإنه قد تتاح له سبل في المستقبل تمكنه من الحدِّ من سلطة الجهة التنظيمية عليه، عندما يتعلق الأمر بالإنفاذ والعقوبات، على سبيل المثال بشأن المخالفات البيئية.
وقد تؤدي مصالح شركة "مبادلة" الإماراتية في مصر، في بعض الحالات، إلى تضاربٍ يحول دون تصدير الغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى مصر.
هل تؤدي الصفقة إلى إطلاع الإماراتيين على الأسرار الإسرائيلية؟
بالعودة إلى النقطة المتعلقة بما إذا كان ينبغي السماح لكيانٍ أجنبي بالاستثمار في البنى التحتية، فإن حصة أقلية في احتياطي الغاز الطبيعي لا ينبغي أن تقلق الإسرائيليين كثيراً، بحسب الصحيفة الإسرائيلية.
فالمشكلة الحقيقية في الصفقة هي أنها تتيح للمالكين الوصول إلى الاستعدادات الدفاعية الإسرائيلية في البر والبحر، بالإضافة إلى الاطلاع على معلومات الاستخبارات العسكرية، علاوة على الاعتبارات الجيوسياسية والمناقشات الحكومية بشأنها.
وتقول Haaretz "في حين زادت الدول الأخرى من رقابتها على الاستثمارات الأجنبية في الأصول الاستراتيجية، لاسيما خلال جائحة كورونا، وفي وقت باتت فيه قطاعات عدة تعيش أزمة، كونها هدفاً جذاباً للاستحواذ من أطراف أجنبية، فإن إسرائيل تقاعست عن كل ما يتعلق بحماية مصالحها الاستراتيجية، مؤثرةً التعامل مع الأمر بطريقة غير منظمة ومن خلال قنوات غير رسمية.
هذا الوضع الفوضوي، إلى جانب الحساسية المتزايدة من الاستثمارات الصينية في إسرائيل، والاستثمارات الضخمة من جانب الإمارات وروسيا، دفع وزارة الشؤون الاستراتيجية وجهاز "الشين بيت" إلى إعداد تقرير مفصل حول هذا الموضوع قبل عام.
اقترح التقرير اعتماد نظامٍ احترافي ومنظَّم يمكن للحكومة استخدامه لتقرير ما إذا كانت ستوافق على أي استثمار أجنبي في مختلف البنى التحتية، لكن حتى الآن، يرفض نتنياهو طرح هذا الأمر للنقاش في مجلس الوزراء الأمني والسياسي لإسرائيل.
ومن الجدير بالتسجيل هنا، أن التقرير صنَّفَ قطاع الغاز الطبيعي في إسرائيل على أنه قطاع ذو حساسية خاصة، وكانت صفقة من هذا النوع تقتضي بحسب التقرير اجتماع لجنة وزارية ومناقشة الأمر على الفور، دون تدخل رئيس الوزراء في هذه المرحلة.
ولكن وفقاً لصحيفة Haaretz فإنه إضافة للفوائد الاقتصادية فإن اتجاه الإماراتيين إلى الاستثمار في أحد الأصول الاستراتيجية هو تعبير عن الرغبة المتبادلة في المضي قدماً في خطوات التطبيع، ويمكن أن يعزز الجبهة الدبلوماسية المناوئة لإيران.
ويظل حجم القلق الإسرائيلي من هذه الصفقة محدوداً، وأقل من القلق تجاه الاستثمارات الصينية والروسية، كما أنه يظهر مدى متانة العلاقة بين أبوظبي وتل أبيب.