أثار تسجيل صوتي لوزير خارجية إيران جواد ظريف ينتقد فيه الحرس الثوري وقاسم سليماني، الذي اغتالته أمريكا، عاصفةً من الجدل، فما قصة هذا التسريب وتأثيره على الانتخابات الرئاسية هناك؟
بدأت القصة الأحد، 25 أبريل/نيسان 2021، من خلال نشر وسائل إعلام خارج إيران ملفاً صوتياً يتحدث فيه جواد ظريف عن الجنرال سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، وعن العلاقة بين الدبلوماسية -التي يمثلها ظريف وزير خارجية إيران منذ 2013- والعسكر الذين يمثلهم الحرس الثوري وسليماني، الذي قتل في ضربة صاروخية أمريكية قرب مطار بغداد مطلع العام الماضي.
وأثار "تسريب" كلام ظريف عاصفةً داخلية في إيران، لا تزال رياحها المتربة عالقة في أجواء المشهد السياسي هناك، قبل أسابيع فقط من الانتخابات الرئاسية التي تعد حاسمة، ليس فقط لحاضر ومستقبل طهران وعلاقاتها الإقليمية والدولية، بل قد تمتد تأثيراتها وتداعياتها إلى المنطقة بأسرها.
ماذا قال ظريف عن سليماني؟
يتحدث ظريف في التسجيل الذي نشرت صحيفة New York Times الأمريكية مقتطفات منه عن عدد كبير من القضايا أبرزها الدور الواسع لقاسم سليماني في السياسة الإيرانية، ومما قاله في هذا الصدد أن سليماني "عمل عن قرب مع روسيا لمعارضة الاتفاق حول البرنامج النووي الذي أبرم بين طهران والقوى الكبرى عام 2015".
وقال ظريف أيضاً إن الأعمال العسكرية الإيرانية قوضت وألقت بظلالها على الدبلوماسية، خاصة في سوريا، حيث كان الحرس الثوري الإيراني يساعد الرئيس بشار الأسد لسحق التمرد ضد حكمه.
وأضاف ظريف في التسجيل أن سليماني استغل أيضاً رفع العقوبات بعد الاتفاق النووي لعام 2015 لاستخدام رحلات تنقل معداتٍ عسكرية وأفراداً من طهران إلى دمشق على متن ناقلة جوية مدنية إيرانية دون إبلاغ وزير الخارجية.
وأضاف وزير الخارجية الإيراني أن "دبلوماسيتي دفعت دائماً ثمن الأنشطة العسكرية للشهيد قاسم سليماني ولم يكن العكس".
التسجيل الذي تم تسريبه لظريف ممتد لأكثر من ثلاث ساعات، لكن متحدث باسم الخارجية الإيرانية قال إن ما تم تسريبه ليس سوى مقتطفات من حوار امتد لأكثر من سبع ساعات، وقالت شبكة CNN الأمريكية في تقرير لها إن تلك التصريحات جاءت كجزء من مشروع بحثي للصحفي والاقتصادي الإيراني سعيد ليلاز، تم تسجيله منذ وقت بعيد وليس مؤخراً، وهو ما يطرح علامات استفهام كبرى حول توقيت تسريبه.
مؤامرة "التسريب" أم انتقادات ظريف لسليماني؟
في مؤتمر صحفي الإثنين، 26 أبريل/نيسان، قال متحدث الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة إن التسريب "صحيح وإنه حوار ضمن اللقاءات الروتينية في إطار الحكومة"، لكنه شدد على أن التسريب "رأي شخصي" لظريف، مشيراً أن ما نشر هو "ثلاث ساعات ونصف الساعة" من حديث امتد "سبع ساعات".
وأمس الثلاثاء، قال المتحدث باسم الحكومة، علي ربيعي، إن الرئيس حسن روحاني أوعز إلى جهاز الاستخبارات بتحديد الشخص الذي سرّب التسجيل الصوتي لظريف، وأضاف ربيعي في مؤتمر صحفي افتراضي عقده الثلاثاء، في طهران، أنه من المقرر مشاركة الرأي العام التسجيل المكتوب والمسموع للمقابلة التي اقتطع منها الجزء المسرب، عقب انتهاء إجراءات أرشفته في مكتب مجلس الوزراء.
ربيعي أوضح أن التسجيل الصوتي المذكور قد "سرق"، واصفاً الأمر بـ"المؤامرة المحاكة ضد الشعب الإيراني".
وعلى الجانب الآخر، أو بمعنى أدق تيار المتشددين في إيران، ركّز الهجوم اللاذع الذي شنته الصحف المحسوبة على ذلك التيار على تصريحات ظريف نفسها وانتقاداته اللاذعة لسليماني، دون التوقف عند توقيت التسريب نفسه كما فعلت الصحف المحسوبة على التيار الذي يمثله ظريف وروحاني، والذي يوصف بالمعتدل أو الإصلاحي.
فقد تصدّرت قضية التسجيل الصفحات الأولى لغالبية الصحف الإيرانية، أمس الثلاثاء، إذ نشرت "وطن امروز" المحافظة، على صفحتها الأولى صورة كبيرة لظريف بالأبيض والأسود، مع عنوان باللون الأحمر هو "حقير" (بالفارسية، وهي أقرب إلى "الدنيء" بالعربية).
وكتبت الصحيفة "يزعم ظريف أن إنجازات أو قدرات المفاوضات والدبلوماسية تم منحها إلى الميدان، علماً أنه يجدر بالدبلوماسية أن تتبع مساراً لزيادة قوة النظام (السياسي لإيران)"، بينما اعتبرت صحيفة "كيهان" أنه "في حال كانت الأجزاء المثيرة للجدل من هذه التصريحات صحيحة -وهي ليست كذلك- أخطأ ظريف بحق الثقة، وهذه ليست جريمة صغيرة".
وأضافت "كيهان" أن "تعليقات كهذه توفر معلومات وذخيرة لحرب العدو النفسية (وتتيح له) أن يعرف أي درب، وأي تشققات، وأي تباينات محتملة يركز عليها، وكيفية التأثير في معركة الرأي العام"، أما صحيفة "جوان"، فقارنت بين تصريحات ظريف عن سليماني، واغتيال الأخير بضربة جوية أمريكية في بغداد، في يناير/كانون الثاني 2020، بقرار من الرئيس السابق دونالد ترامب.
وكتبت أن سليماني "اغتيل جسدياً بناء على أمر من المخلوق الأكثر انحطاطاً في العالم، أي رئيس الولايات المتحدة، لكن وزير خارجية بلادنا بزعمه هذه الأمور لأسباب غير معروفة اغتال شخصيته".
وعلى الجانب الآخر، ركزت الصحف الإصلاحية على معرفة مصدر تسريب التسجيل، وعنونت صحيفة "شرق" على صفحتها الأولى "مَن سرّبه، من استفاد؟".
فتِّش عن الانتخابات الرئاسية
اليوم الأربعاء 28 أبريل/نيسان، أدلى ظريف، المتواجد في العراق حالياً في زيارة رسمية، بدلوه في قصة تسريب تصريحاته، وذلك من خلال منشور عبر إنستغرام أبدى خلاله أسفه لتحول تصريحاته المسربة إلى "اقتتال داخلي" في إيران.
وأكد ظريف طبيعة العلاقة الوثيقة التي جمعته باللواء الراحل قاسم سليماني، موضحاً أن الفكرة الأساسية من حديثه كانت تقديره وجود حاجة إلى "تعديل ذكي" في العلاقة بين الميدان العسكري والدبلوماسية في إيران.
وكتب ظريف: "آسف بشدة كيف أن حديثاً نظرياً عن الحاجة إلى توازن بين الدبلوماسية والميدان، من أجل أن يستخدم من قِبل رجال الدولة المقبلين عبر الاستفادة من الخبرة القيمة للأعوام الثمانية الماضية، تحول إلى اقتتال داخلي"، كما أبدى أسفه لأن تقييمه لبعض المسارات الإجرائية "تم تأطيره على أنه انتقاد شخصي".
وأرفق ظريف منشوره بشريط مصوَّر لزيارة قام بها هذا الأسبوع إلى موقع اغتيال سليماني قرب مطار بغداد، مشدداً على أنه حظي "بشرف صداقة عميقة وتعاون مع الحاج قاسم لأكثر من عقدين من الزمن، وعلاقاتنا الشخصية والمهنية لم تخفت حتى استشهاده، لكنها تعمقت دائماً"، مؤكداً أنه دائماً ما أشاد بـ"صلابة، وإنسانية، والبحث عن السلام، وشجاعة الشهيد سليماني" في تصريحاته داخل إيران وخارجها، كما اعتبر ظريف أن الدبلوماسية والميدان العسكري يمثلان "جناحي قوة" للجمهورية الإسلامية.
وتعكس هذه العاصفة مدى عمق الخلاف بين تياري الحكم في إيران وذلك قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في يونيو/حزيران المقبل، واللافت هنا أن اغتيال سليماني من جانب الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة ترامب مطلع العام الماضي، قد ساهم -بحسب مراقبين- في سيطرة الجناح المتشدد على البرلمان الإيراني من خلال الانتخابات التي أجريت في فبراير/شباط 2020.
وفي هذا السياق يأتي توقيت تسريب تصريحات ظريف في هذا التوقيت الذي تسعى خلاله حكومة الرئيس روحاني الإصلاحية إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي من خلال المفاوضات الجارية حالياً في فيينا، كجولة هامة من جولات تكسير العظام الدائرة بين التيارين قبل أسابيع قليلة من الانتخابات الرئاسية التي من المتوقع أن يدفع التيار المتشدد فيها برئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي كمرشح، بينما لا يزال التيار الإصلاحي دون مرشح واضح، حيث لا يحق لروحاني الترشح بعد نهاية فترته الرئاسية الثانية الحالية، بحسب الدستور الإيراني.
فالمعروف أن التيار المتشدد -وفي القلب منه الحرس الثوري- يعارض الاتفاق النووي، وظهر ذلك بوضوح بعد انسحاب إدارة ترامب منه عام 2018، حيث تم توجيه اتهامات بالخيانة لظريف -مهندس الاتفاق- وروحاني أيضاً، من جانب أعضاء البرلمان المتشددين ومن جانب وسائل إعلام التيار المتشدد، وبالتالي فإنه في حالة فوز هذا التيار بالرئاسة في يونيو/حزيران المقبل -في ظل السيطرة المطلقة على البرلمان- على الأرجح ستتبنى طهران نهجاً أكثر تشدداً في علاقاتها مع الغرب وفي الملفات الإقليمية كذلك، بحسب محللين.