“لا لفرنسا”.. قصة الفوضى التي لا تهدد تشاد وحدها بعد مقتل الجنرال ديبي

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2021/04/27 الساعة 13:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/04/27 الساعة 13:18 بتوقيت غرينتش
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تشاد، الساحل الإفريقي، أبريل2021/ رويترز

لا تزال الأوضاع في تشاد محط اهتمام العالم بعد مقتل الرئيس إدريس ديبي وتعيين نجله على رأس مجلس عسكري يواجه معارضة عنيفة، فهل تنجح فرنسا في تثبيت النظام بعد أن فقدت رجلها القوي هناك؟ وكيف تنعكس تلك الأحداث على منطقة الساحل الإفريقي الملتهبة أصلاً؟

كان ديبي يحكم تشاد منذ 30 عاماً وتعرض للقتل على يد المتمردين، الثلاثاء 20 أبريل/نيسان، بعد يوم واحد من فوزه بفترة رئاسية جديدة في انتخابات قاطعتها المعارضة ووُصفت بأنها مزيفة في الداخل والخارج، وعلى الفور أعلن الجيش التشادي تعيين نجل ديبي، الجنرال صاحب الأربع نجوم محمد إدريس ديبي إتنو (37 عاماً)، قائداً لمجلس عسكري انتقالي يقود البلاد لمدة 18 شهراً.

وكان التلفزيون الرسمي في تشاد قد قطع البث فجأة يوم الثلاثاء وعرض لقطات لغرفة مليئة بالجنرالات، وأعلن المتحدث باسم الجيش، الجنرال عظيم برماندوا أغونا، أنَّ ديبي "لفظ للتو أنفاسه الأخيرة أثناء دفاعه عن وحدة أراضينا في ميدان المعركة".

وتسارعت الأحداث، إذ أعلن المجلس العسكري تعطيل العمل بالدستور وحلَّ كل من الحكومة والبرلمان، وتعهَّد بإجراء انتخابات "ديمقراطية وحرة" بنهاية الفترة الانتقالية، وهي الخطوات التي وصفتها أكثر من 12 شخصية مُعارِضة بأنَّها "انقلاب مؤسسي"، ورأوا أنَّ رئيس البرلمان كان يجب أن يتولى السلطة وفق الدستور.

ماذا يجري على الأرض في تشاد الآن؟

حركة "مقاتلو جبهة التغيير والوفاق في تشاد"، التي أطلقت في يوم الانتخابات 11 أبريل/نيسان في شمال تشاد الهجوم العسكري الذي أدَّى إلى مصرع ديبي، رفضت من جانبها استيلاء الجيش على السلطة، وقالت إنَّ تشاد "ليست مملكة"، وتعهَّدت بالزحف نحو العاصمة، أنجمينا.

قوات أمنية في تشاد – صورة أرشيفية

واليوم الثلاثاء 27 أبريل/نيسان أفاد شهود عيان لوكالة "سبوتنيك" الروسية بأن مسيرات رافضة للمجلس العسكري تجوب العاصمة التشادية، مضيفين أن أعداد المتظاهرين تستمر في الازدياد، وتسود حالة من الانفلات الأمني.

المسيرات التي انطلقت في وقت مبكر اليوم شهدت حمل المتظاهرين شعارات أبرزها "لا للملكية في تشاد" و "لا لفرنسا"، بعد أن عين المجلس العسكري الانتقالي ألبيرت باهيمي باداكيه، الذي كان رئيساً للوزراء في عهد ديبي المقتول، رئيساً للحكومة خلال الفترة الانتقالية التي تستمر 18 شهراً، وفق الخطة التي أعلنها المجلس.

شرطي فرنسا في إفريقيا

موت ديبي المفاجئ لم يؤدّ فقط إلى إدخال التشاديين في حالة من عدم اليقين، بل تسبب في إرسال موجات من الصدمة في أرجاء المنطقة كذلك، إذ تعاني كل البلدان المحيطة بهذا البلد الحبيس من الحرب الأهلية أو العنف أو عدم الاستقرار المزمن، بما في ذلك ليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى ونيجيريا.

وكانت تشاد قوة مضادة مهمة لجماعة بوكو حرام وتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في غرب إفريقيا في منطقة بحيرة تشاد وشمال شرقي نيجيريا، كما كانت تشاد، بنحو 1850 جندياً، هي أيضاً أكبر المساهمين في القوة المشتركة لدول منطقة الساحل (G5) التي تأسست عام 2017 بمشاركة بوركينا فاسو ومالي وموريتانيا والنيجر لاحتواء توسع العنف في المنطقة.

ويساهم الجيش التشادي كذلك في "بعثة الأمم المتحدة لإرساء الاستقرار في مالي" بـ1500 جندي، لكنَّ فرنسا، المُستعمِرة السابقة لتشاد، تبرز باعتبارها قد تكون أقوى حلفاء تشاد الدوليين.

الرئيس الشادي الراحل إدريس ديبي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون/رويترز

وتقاتل القوات الفرنسية في الساحل إلى جانب الأمم المتحدة والولايات المتحدة والشركاء الأوروبيين على مدار السنوات الثماني الماضية. لكنَّ "عملية برخان"، وهي عملية مستمرة أُطلِقَت في 2014 وتضم أكثر من 5000 فرد، لم تحقق إلا مكاسب ملموسة قليلة في مواجهة المجموعات المسلحة العنيفة العديدة في المنطقة، لاسيما في مالي. وأطلق البعض على هذا الصراع "الحرب الأبدية" لفرنسا.

ولطالما كانت تشاد، التي تقع عند مفترق طرق بين شرق إفريقيا ومنطقة الساحل والجزء الأوسط من إفريقيا، مهمة لاستراتيجية فرنسا الجيوسياسية، بحسب تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني أعده مجاهد دورماز، صحفي وباحث يركز على شؤون غرب إفريقيا ومنطقة الساحل.

ففي ظل سعي فرنسا لتجنُّب النظر إليها باعتبارها قوة احتلال عسكري، نجح ديبي في جعل تشاد ثقلاً عسكرياً كبيراً في المنطقة من خلال إرسال قوات للخارج لتخدم كقوات في الخطوط الأمامية لفرنسا، بل واستضافت مقر عملية برخان.

وكوَّن ديبي لنفسه صورة رجل قوي يُعوَّل عليه، فحوَّل نفسه من وسيط قوة إلى جزء مهم من شبكة "فرنسا/إفريقيا" (Francafrique)، التي تضمن الهيمنة الفرنسية على مستعمراتها السابقة.

دعم ديبي التدخل الفرنسي في شمال مالي عام 2013 من خلال نشر 2000 من قوات حرسه الرئاسي. وفي جمهورية إفريقيا الوسطى، اعتمدت باريس بقوة على الجيش التشادي في عمليتها "سنغاريس"، حين انحدر البلد إلى الفوضى في عام 2012.

ووافق ديبي في فبراير/شباط من هذا العام على إرسال 1200 جندي إلى منطقة الحدود الثلاثية التي يمزقها العنف والتي تربط بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، وكانت باريس تضع نصب عينيها تقليص حضورها العسكري وتتطلَّع لإيجاد مخرج من الأزمة.

تعتبر فرنسا تشاد حليفاً مهماً لدرجة أنَّها تدخَّلت مرتين حين بدا ديبي ضعيفاً. ففي عام 2008، ساعد الفرنسيون بعمليات نقل جوي، وعرضوا إجلاء ديبي نفسه حين وصل المتمردون من إقليم دارفور إلى العاصمة أنجمينا وحاصروا القصر الرئاسي. وقضت المقاتلات الفرنسية في 2019 على أرتال للمتمردين كانت تعبر الصحراء قادمة من ليبيا.

لماذا "لا لفرنسا" في تشاد؟

وبالطبع تجاهلت فرنسا إلى حدٍّ كبير حكم ديبي القمعي واضطهاد المعارضة وسجله سيئ السمعة في حقوق الإنسان، ووصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في بيان الثلاثاء موت ديبي بأنَّ "تشاد خسرت جندياً عظيماً"، وأشاد به باعتباره "صديقاً شجاعاً" لفرنسا. وخلال جنازته في أنجمينا الجمعة الماضي 23 أبريل/نيسان، قال ماكرون إنَّ باريس لن تدع استقرار تشاد يتعرض للتهديد.

وفي الوقت نفسه، ألقى وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان بدعمه خلف استيلاء الجيش غير الدستوري على السلطة، مُدَّعياً أنَّه كان ضرورياً للأمن في ظل "الظروف الاستثنائية".

يعتقد ناثانيال باول، وهو باحث مساعد بجامعة لانكستر، أنَّ فرنسا ترى المجلس العسكري باعتباره أفضل سبيل لضمان استمرارية النظام.

يتفق أليسيو لوكتشي، وهو زميل باحث أول بالمعهد النرويجي للشؤون الدولية، مع ذلك، لكن يقول إنَّ هناك تساؤلات حول ما إن كان نجل ديبي، الجنرال محمد، سيتمكن من الحفاظ على نظام الرجل القوي الذي أوجده والده بدون وجود رأس النظام.

أعلن جيش تشاد، الثلاثاء، مقتل رئيس البلاد إدريس ديبي، متأثراً بجروح أصيب بها خلال مشاركته في معارك
تشاد تشهد مظاهرات رافضة لاستيلاء الجيش على السلطة بدعم فرنسي/ الأناضول

مع ذلك، قال لوكتشي لموقع Middle East Eye البريطاني إنَّ "الأجهزة الأمنية الفرنسية متداخلة بشدة مع نظيرتها التشادية. وكانت مستعدة لحالة وفاة ديبي، وتأكدت من إمكانية أن يمثل نجله حليفاً وثيقاً".

ولا يتوقع بول سيمون هاندي، المستشار الإقليمي الأول بمعهد الدراسات الأمنية، تغييرات كبيرة في علاقات تشاد مع فرنسا.

لكنَّ الموت المفاجئ للرئيس ديبي أثار تكهنات قلقة بشأن الكيفية التي قد يؤثر بها تغيُّر القيادة على تشاد والمنطقة بشكل أوسع. ويخشى البعض تصاعداً في العنف.

مرحلة من عدم الاستقرار تهدد المنطقة

قال لوكتشي إنَّه إذا ما استُدعِيَت القوات التشادية المتمركزة في أرجاء منطقة الساحل للعودة إلى الوطن لأجل غير مسمى، لمواجهة المجموعات المسلحة الداخلية أو نتيجة لصراع سلطة داخلي، قد يتدهور الوضع الأمني في المنطقة.

وقال دانييل إيزينغا، وهو زميل باحث بمركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية، لموقع Middle East Eye البريطاني: "واحدة من المخاطر الكبرى الآن هي أنَّ تشاد قد تسقط في حلقات العنف السياسي وعدم الاستقرار في ظل محاولة المجموعات المسلحة المختلفة السيطرة على السلطة السياسية".

لكنَّ محللين آخرين انتقدوا توقعات الفوضى في مرحلة ما بعد ديبي، واصفين إيَّاها بأنَّها تأطير "مؤيد للسلطوية" للأحداث الأخيرة.

فقال باول من جامعة لانكستر للموقع البريطاني إنَّ الحديث عن الدور الإيجابي الذي لعبته القوات التشادية "مُبالَغ فيه"، واستبعد فكرة أنَّ أي تقليص محتمل للقوات التشادية بسبب فراغ السلطة في البلاد قد يؤدي إلى تدهور الأمن الإقليمي.

وقال باول، في إشارة إلى انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها القوات التشادية، بما في ذلك حالات اغتصاب مزعومة ارتكبها جنود تشاديون في النيجر: "الطريقة التي يعاملون بها السكان المحليين تخدم المسلحين بدلاً من تعزيز الاستقرار".

وعلى الرغم من ثروتها النفطية الهائلة، ظلَّت تشاد تحت حكم ديبي واحدة من أفقر بلدان العالم، فبحسب البنك الدولي، مستويات التعليم متدنية، ولا ينجح طفل من بين كل 5 أطفال في البقاء حياً حتى سن الخامسة.

وصنَّفت الأمم المتحدة تشاد في المرتبة 187 من بين 189 بلداً في مؤشر التنمية البشرية لعام 2020، وهو مؤشر يقيس جودة الحياة والصحة وعوامل أخرى.

وكتب أليكس ثورستون، وهو أستاذ مساعد للعلوم السياسية بجامعة سينسيناتي الأمريكية، على تويتر السبت الماضي 24 أبريل/نيسان: "يتحدث الكثير جداً من الصحفيين ومراكز الأبحاث عن (مخاطر) موت ديبي. ماذا عن (فرص) الحساب والمساءلة والتفكير والتغيير والديمقراطية والسلام".

تحميل المزيد