جماجم ومفقودون وأرشيف منهوب.. لماذا تتهرب فرنسا من الاعتراف “بجرائمها” في الجزائر

عربي بوست
تم النشر: 2021/04/27 الساعة 14:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/04/27 الساعة 14:30 بتوقيت غرينتش
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون - رويترز

تقف أطنان الأرشيف الجزائري المحتجز مع عشرات الجماجم وبقايا شهداء المقاومة الشعبية لدى باريس، شواهد على وحشية الاستعمار الفرنسي للجزائر (1830-1962).

ويَحُولُ رفض الجانب الفرنسي الاستجابة لمطالب الجزائر بخصوص هذين الملفين الأساسين ضمن سائر ملفات الذاكرة، دون تطبيع العلاقات بين البلدين.

وأطلقت الجزائر وفرنسا، الصيف الماضي، مفاوضات تمهيدية لـ"تسوية ملف الذاكرة"، يقودها ممثلان للرئيسين عبدالمجيد تبون ونظيره إيمانويل ماكرون، هما المستشار برئاسة الجمهورية عبدالمجيد شيخي، والمؤرخ بنيامين ستورا، حسب الترتيب.

وتضع الجزائر على طاولة المفاوضات أربعة ملفات رئيسية، هي: استعادة الأرشيف كاملاً، بما فيه المتعلق بالحقبة العثمانية (1516-1830)، والتجارب النووية في الصحراء الجزائرية (1960-1966)، واستعادة جماجم أبطال المقاومة الشعبية (قبل ثورة نوفمبر/تشرين الثاني 1954)، وملف المفقودين.

خطوات رمزية

وطوال هذه الفترة (منذ العام الماضي)، اكتفى الرئيس الفرنسي بمبادرات رمزية، لاقت استحسان نظيره الجزائري، لكنها لا ترقى إلى مطالب الجزائريين.

ومطلع مارس/آذار الماضي، وبتوصية من ستورا، اعترف ماكرون بتصفية الجيش الفرنسي للمناضل الجزائري علي بومنجل عام 1957، وسهّل الوصول إلى جزء من الأرشيف السري المرتبط بفترة الثورة الجزائرية (1954-1962).

ومع ذلك، اعترف الرئيس الفرنسي بأن بلاده، التي تسعى إلى مصالحة الذاكرة مع الجزائر، بحاجة إلى مصالحة مع ذاتها في تناول الماضي الاستعماري.

فرنسا الجزائر
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون – رويترز

ولمّح في حوار مع صحيفة "لوفيغارو"، في 18 أبريل/نيسان الجاري، إلى أن ما يصفه بـ"المبادرات الرمزية"، لا يلقى الإجماع في الداخل الفرنسي، بسبب ما سمّاه "الذاكرة الممزقة، لعدد من التيارات (الجزائرية) المرتبطة بالاستعمار"، خاصة اليمين الفرنسي، والحركى (جزائريون قاتلوا في صفوف الجيش الفرنسي)، والأقدام السوداء (المستوطنون الفرنسيون الذين جاء بهم الاستعمار وغادروا معه).

الأرشيف كاملاً غير منقوص

وبينما أشاد الرئيس الجزائري بتعاون نظيره الفرنسي بإعادة أول دفعة من جماجم شهداء المقاومة، لم يعلق على تقرير ستورا، الذي رُفع في يناير/كانون الثاني الماضي، إلى الرئاسة الفرنسية، ويتضمن 22 توصية لمصالحة الذاكرة مع الجزائر، أو اعتراف ماكرون بإعدام بومنجل، أو إقراره تسهيل الولوج إلى جزء من الأرشيف.

والتعليق الوحيد الصادر عن السلطات الرسمية الجزائرية، بشأن إتاحة الاطلاع على جزء من الأرشيف يعود لـ50 سنة، ويشمل الثورة التحريرية (1954-1962)، جاء على لسان الأمين العام لوزارة قدماء المحاربين (المجاهدين) العيد ربيقة.

وقال ربيقة للإذاعة الرسمية، في 17 مارس/آذار الماضي، إن "قرار رفع السرية عن الأرشيف الجزائري مسألة تقنية بحتة، بعد مرور 50 أو 70 سنة من الطبيعي أن يتم رفع السرية عن الأرشيف أو جزء منه".

ورفضت الجزائر التعقيب على تقرير ستورا الذي رفعه للإليزيه، والذي اقترح فيه استحداث منح دراسية سنوية لباحثين جزائريين للاطلاع على الأرشيف.

واكتفى شيخي بالقول أمام وسائل إعلام محلية، قبل نحو أسبوعين، إن "التقرير مشكلة فرنسية- فرنسية، ولا يعني الجزائر في شيء".

الأمير عبد القادر الجزائري تمثال الأمير عبد القادر الجزائري فرنسا الجزائر
الأمير عبد القادر الجزائري/مواقع التواصل الاجتماعي

وتطالب الجزائر باستعادة الأرشيف الذي نهبته وهربته فرنسا، كاملاً غير منقوص، بما فيه ذلك الذي يعود إلى الحقبة العثمانية.

وتقول السلطات الجزائرية ومؤرخون إن الاستعمار الفرنسي أخرج من الجزائر مئات الآلاف من الوثائق، منها ما يعود إلى الحقبة العثمانية (1518-1830).

وعام 2017، أعلنت الحكومة الجزائرية أن فرنسا ما زالت تحتجز 98% من أرشيف البلاد المهرّب.

الجماجم.. عار لن يُمحى

في ملف آخر لا يقل حساسية، كشف الرئيس تبون في آخر حوار له مع ممثلي وسائل إعلام محلية، أن استرجاع جماجم المقاومين الجزائريين من فرنسا سيستمر، مشيراً أن الأمر يتم في إطار لجنة علمية مشتركة، تعكف على تحليل الحمض النووي لتأكيد "جزائرية" أصحابها وتحديد هوياتهم.

وفي 3 يوليو/تموز 2020، استعادت الجزائر رفات 24 من قادة المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الفرنسي، بعد 170 عاماً على احتجازها بـ"متحف الإنسان" في باريس.

وكشفت وسائل إعلام فرنسية في 2016، وجود 18 ألف جمجمة في هذا المتحف، تم التعرف مبدئياً على أكثر من 500 منها تعود لجزائريين.

وتُخفي الجماجم المحتجزة بالعاصمة الفرنسية قصصاً مرعبة عن وحشية الاستعمار الذي أعدم مقاومين، بينما كان بإمكانه معاملتهم كأسرى حرب، وعلق رؤوسهم بعد قطعهم في مداخل القرى لترهيب باقي السكان حتى لا يأخذوا طريق المقاومة.

ماكرون تبون فرنسا الجزائر الاستعمار الفرنسي
ثورة الجزائر/مواقع التواصل الاجتماعي

وتذكر مصادر تاريخية جزائرية أن جماجم هؤلاء المقاومين حُولت إلى متحف باريس، بغرض إخضاعها لبحوث وتجارب عملية.

وتنديداً بهذه العمليات الوحشية، قال رئيس أركان الجيش الجزائري السعيد شنقريحة، في كلمته بمناسبة استعادة أول دفعة من الجماجم: "إن أجساد هؤلاء الأبطال سرقها الاستعمار الفرنسي البغيض، وهرّبها وعرضها في متحف منذ أكثر من قرن ونصف القرن".

وأوضح أن الغرض من وراء ذلك كان "للتباهي والتفاخر من دون حياء ولا أخلاق ولا اعتبار لكرامة الإنسان، إنه الوجه الحقيقي البشع للاستعمار ووحشيته".

وقال إن إعادة الجماجم إلى الجزائر كان تخضع لمساومة وابتزاز مستمرين من جانب لوبيات "حاقدة".

جرائم وإبادة

جماجم المقاومة الشعبية تعتبر شاهداً من شواهد جرائم الاستعمار الفرنسي للجزائر، وسعيه الحثيث لإبادة الإنسان الجزائري ومقاومة شخصيته.

وفي السياق ذاته، يؤكد أستاذ التاريخ الجزائري محمد الأمين بلغيث، للأناضول، أنه "سيكون على فرنسا الاعتراف بجرائم إبادة جماعية لسكان الجزائر منذ 1830".

ويقول: "المستعمر نهب خزينة الدولة الجزائرية، وأرقام نهب الأموال والكنوز مدونة في الأرشيف الفرنسي، وهي عبارة عن خمس سفن فرنسية كاملة الحمولة في الأشهر الأولى للاحتلال".

ماكرون بومنجل
المناضل الجزائري بومنجل على يمين الصورة/مواقع التواصل

من جانبه يروي المؤرخ عامر رخيلة، للأناضول، أن فرنسا "اعتمدت على التصفية العرقية، إذ ارتكبت جرائم إبادة بحق الجزائريين لتحقيق تفوق الجنس الأوروبي على الجزائري".

وامتدت وحشية الاستعمار، إلى طمس الهوية الجزائرية ومقاوماتها كهدم المساجد ودور التعليم. ووصف شيخي الأمر قائلاً إن "فرنسا نشرت الأمية خلال استعمارها للجزائر".

وأوضح في كلمته بمناسبة إحياء "يوم العلم"، الموافق 16 أبريل/نيسان، أن "نسبة الأمية في الجزائر في عام 1830 كانت لا تتجاوز 20%".

وأضاف: "في السنوات الـ30 الأولى للاستعمار قُضي على المتعلمين، وأتى ذلك مواكبةً لعملية السلب والنهب، وهي عملية مسخ".

تحميل المزيد