في ظل تحذيرات دولية متواصلة منذ أيام من تصاعد العنف والعودة إلى سيناريو الحرب الأهلية الطاحنة، شهدت العاصمة الصومالية مقديشو الإثنين 26 أبريل/نيسان 2021 حالة من التوتر بعد سيطرة مسلحين موالين للمعارضة على عدد من الأحياء، ما أدى إلى نشوب معارك مع قوات الأمن.
حيث أغلق مقاتلون موالون للمعارضة المنافذ إلى بعض الأحياء غداة مواجهات مع الجيش الصومالي على خلفية الأزمة بشأن تمديد ولاية الرئيس محمد عبدالله محمد فرماجو. وتم تقييد الحركة على المحاور الرئيسية للعاصمة ونصب حواجز ليلاً على الطرق المؤدية إلى معاقل المعارضة، بينما انتشر مسلحون وعربات مزودة بأسلحة رشاشة، بحسب شهود لوكالة "أ ف ب".
ما الذي يحدث في الصومال؟
تعيش الصومال أزمة سياسية عميقة منذ النصف الثاني من العام الماضي، بعد فشلها في إجراء انتخابات أواخر 2020 ومطلع 2021 كما هو مخطط بسبب غياب الإجماع السياسي.
وتفجرت الخلافات بعدما أقر البرلمان الصومالي، في 12 نيسان/أبريل، قانوناً يمدد ولاية الرئيس فرماجو سنتين بعد انقضائها في شباط/فبراير، وينص على إجراء انتخابات عامة مباشرة عام 2023.
وقّع الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو قانوناً مثيراً للجدل، لتمديد فترة ولايته لمدة عامين، على الرغم من التهديدات بفرض عقوبات دولية. وهذه الخطوة هي الأحدث في أزمة سياسية متفاقمة في الصومال، ويحذر محللون من أنها تهدد بتقويض عملية السلام والاستقرار في الدولة الواقعة في القرن الإفريقي، وتهدد بتمزيق نظامها السياسي، في ظل تنافس قوى دولية عدة عليها.
وتحولت تظاهرة نظمت الأحد ضمت أنصار المعارضة للمطالبة برحيل محمد عبدالله محمد، المعروف باسم فرماجو، بحضور مسلحين، إلى تبادل إطلاق النار مع القوات الصومالية في حي سانكا، شمال المدينة.
وفي وقت لاحق، وقع تبادل ثان لإطلاق النار في حي مارينايا المجاور. وسمع دوي إطلاق نار متقطع خلال الليل. وصباح الإثنين، سيطر مسلحون موالون للمعارضة على هذه الأحياء -حيث يقيم قادة المعارضة- بالإضافة إلى حي بيرمودو، حيث كان السكان يغادرون منازلهم.
وقال فادومو علي، أحد سكان هذا الحي الواقع في جنوب مقديشو، لوكالة الأنباء الفرنسية: "بدأ الناس في الفرار من منطقة بيرمودو، حيث تمركز مقاتلون موالون للمعارضة الليلة الماضية، إن الوضع متوتر وقد تحدث مواجهات مسلحة في أي وقت إذا ظل الوضع على ما هو عليه".
"انقلاب على الشرعية"
وكان فرماجو قد وقع الأسبوع الماضي على تمديد التفويض المتنازع عليه ليصبح قانوناً، على الرغم من أن القرار لم يُعرض على مجلس الشيوخ، وهو أمر مطلوب عادةً.
وانتقد رئيس مجلس الشيوخ، عبدي حاشي عبدالله على الفور هذه الخطوة، ووصفها بأنها غير دستورية، قائلاً إنها "ستقود البلاد إلى عدم استقرار سياسي" وتشكل مخاطر أمنية.
ويعني توقيع القانون الجديد ليصبح ساري المفعول إلغاء جميع الاتفاقات بين الحكومة ورؤساء الأقاليم الفيدرالية، بشأن إجراء انتخابات "غير مباشرة"، أي عبر ممثلين قبليين، وليس عبر اقتراع شعبي مباشر. كما أن إقرار القانون يعني ضمناً تمديد فترة ولاية الهيئات التشريعية والتنفيذية لمدة عامين.
وأثار القانون الجديد انتقادات حادة في الساحة السياسية الصومالية، حيث اعتبرت المعارضة السياسية والمرشحون في سباق الرئاسة الصومالية تلك الخطوة "انقلاباً" على الشرعية، بحسب وكالة الأناضول.
وثمة خلافات بين الحكومة من جهة ورؤساء الأقاليم والمعارضة من جهة أخرى، حول تفاصيل متعلقة بآلية إجراء الانتخابات. وأدت هذه الخلافات إلى تأجيل الانتخابات أكثر من مرة، دون تحديد موعد لها، رغم عقد جولات تشاورية عديدة في بلد يتعافى من تداعيات حرب أهلية اندلعت إثر انهيار الحكومة المركزية عام 1991.
قوات المعارضة: "نريد الآن السيطرة على الرئاسة"
بدوره، أعرب رئيس الوزراء محمد حسين روبلي في مؤتمر صحفي صباح الإثنين عن "حزنه البالغ بسبب المأساة التي أخلت بالأمن في العاصمة". وأضاف لـ"أ ف ب": "أدعو الجميع إلى الحفاظ على الاستقرار ورعاية المجتمع"، داعياً القوات المسلحة إلى "احترام التزامها" و"حماية" شعب مقديشو.
وقالت الشرطة الإثنين إن ثلاثة أشخاص -اثنين من رجال الشرطة وأحد أعضاء الميليشيات المعارضة- قتلوا في الاشتباكات. وذكر عبدالقادر محمد ورسامي، وهو قائد عسكري موال لرئيس الوزراء السابق حسن علي خير، لوكالة الأنباء الفرنسية، الإثنين، إنه سيطر على منطقة هول واداج وسط العاصمة.
وأضاف: "نريد الآن السيطرة على الرئاسة. لن نتركه بسلام"، في إشارة منه إلى فرماجو. وتابع: "يريد البقاء في السلطة بالقوة، نحن ضد ذلك، وسنواصل القتال حتى يغادر".
في برمودو، جنوب العاصمة، أفاد شهود عيان بأن سكاناَ كانوا يغادرون منازلهم. وطالب سكان الجانبَين بوقف القتال واشتكوا من انقطاع الكهرباء والمياه. وقال الرئيس السابق حسن شيخ محمود، وهو شخصية معارضة، الأحد إن منزله استُهدف من قبل "قوات موالية" لرئيس الدولة الحالي، لكن هذه المعلومات نفتها الحكومة وشهود.
وأغلقت المدارس والجامعات أبوابها الإثنين لكن بدا أن الحياة طبيعية في مناطق مقديشو التي لم تتأثر بأعمال العنف.
تحذيرات دولية من تصاعد العنف
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في بيان الإثنين إنه يشعر "بقلق عميق" من الاشتباكات الأخيرة. وأضاف أنه "يحض جميع الأطراف الصومالية المعنية على استئناف المفاوضات على الفور" للخروج من الأزمة.
وأدان الاتحاد الأفريقي، الجمعة، تمديد ولاية فرماجو في حين دعا مجلس الأمن الدولي في اليوم نفسه الأطراف إلى "نبذ العنف واستئناف الحوار بشكل عاجل ودون شروط مسبقة".
كما أعربت وزارة الخارجية الأمريكية عن قلقها، قائلة إنها "مستعدة للنظر في جميع الأدوات المتاحة، بما في ذلك العقوبات والقيود على التأشيرات"، من أجل الرد على عدم استقرار الوضع في الصومال.
ترتبط الصومال التي تحظى بموقع استراتيجي في القرن الإفريقي بعلاقات مع العديد من القوى الدولية التي تدعم الحكومة الحالية، وتملك العديد من هذه الدول نفوذاً سياسياً واقتصادياً وحتى عسكرياً داخل البلد الذي يمتلك أطول حدود بحرية في القارة الإفريقية، وعانى طويلاً من الحرب الأهلية، وبالتالي فإن أي أزمة داخلية قد تهدد استقرار البلاد، ستؤثر على مصالح هذه الدول، وتستدعي على الفور موقفاً منها.