اجتمع زعماء فرنسا وعدد من الدول الإفريقية يوم الجمعة 23 أبريل/نيسان في تشاد لحضور جنازة الرئيس إدريس ديبي، الذي رفعت وفاته المفاجئة هذا الأسبوع قبضته التي استمرت ثلاثة عقود على السلطة وأشعلت فتيل معركة السيطرة على البلاد.
وبدا واضحاً أن رؤساء هذه الدول يدعمون نجل الرئيس الراحل ديبي، الذي تولى مقاليد السلطة، بعد إشارة الجيش التشادي إلى أن والده توفي في ساحة المعركة وهو "يحاول حماية البلاد من المتمردين الذين كانوا يهدفون إلى السيطرة عليها".
ماكرون أول الحاضرين لجنازة ديبي
تقول صحيفة The Washington Post الأمريكية، إن حضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان مميزاً بشكل كبير، إذ تعهد في خطاب "بمساعدة تشاد على الخروج من أزمتها" وجلس بجوار خليفة ديبي، الجنرال محمد إدريس ديبي إيتنو، المعروف أيضاً باسم محمد كاكا، رغم الانتقادات بأن الشاب البالغ من العمر 37 عاماً قد تحايل على الدستور لتمديد حكم عائلته.
واعتبر محللون حضور ماكرون فصلاً جديداً في تاريخ طويل من النفوذ الفرنسي في وسط وغرب إفريقيا، حيث تكتسب الحركات الرامية إلى تقليص العلاقات مع القوة الاستعمارية السابقة زخماً.
إذ ندد متظاهرون في مالي بعلاقة رئيسهم بفرنسا العام الماضي قبل أن يطيح الجيش بالنظام. وأشعل متظاهرون سنغاليون النار في عدد من الشركات الفرنسية في مارس/آذار، مطالبين الحكومة بالتركيز على التطلعات الداخلية. وقال بعض التشاديين إنهم يتطلعون إلى إعادة بناء دولتهم بطريقة تزيد من تأثير الشعب.
تشاد.. "شرطي المنطقة" بدعم فرنسي
والدولة التي يبلغ تعداد سكانها 16 مليون نسمة- وتعد حليفاً رئيسياً للغرب في الحرب على الإرهاب- عالقة بين الانتفاضات وحركات التمرد من كل الاتجاهات تقريباً، وقد تمكن ديبي من الحصول على الدعم في الخارج بقوته العسكرية.
وكان جنرال الجيش السابق يتزعم ما يعتبر أقوى قوة أمنية في المنطقة، بدعم فرنسي كبير وأمريكي بشكل ثانوي، في الحرب على المتشددين الذين يساهمون في زعزعة استقرار مناطق واسعة في الدول المجاورة لتشاد، نيجيريا ومالي والنيجر.
إذ يُنظر إلى الجنود التشاديين المنتشرين في المنطقة على أنهم عامل أساسي في التصدي للمقاتلين المنتمين لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والقاعدة، الذين قتلوا الآلاف وشردوا الملايين في سعيهم للسيطرة على أجزاء من البلدان الواقعة جنوبي الصحراء الكبرى.
وكان من عادة ديبي زيارة الخطوط الأمامية للقتال. وحظي "بإشادة دولية" على قيادته الجهود لدحر جماعة "بوكو حرام" والجماعات التابعة لها على طول الحدود الغربية لتشاد.
وإنجامينا مقر قاعدة مكافحة الإرهاب الفرنسية في المنطقة منذ سبع سنوات، وكثيراً ما أشاد المسؤولون الفرنسيون بالجيش التشادي لدوره في هذه الحرب على الإرهاب.
الحفاظ على النفوذ الفرنسي في الساحل الإفريقي
يقول مسؤول فرنسي لصحيفة واشنطن بوست، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لحديثه عن مسائل عسكرية علناً، إن القوات التشادية في مالي وبوركينا فاسو قد تعود إلى بلادها لحماية العاصمة والزعيم الجديد للبلاد.
وكانت القوات الفرنسية تحمي ديبي من محاولات الإطاحة به في الماضي، وتعيره القوة البشرية اللازمة للتصدي لاحتجاجات سابقة.
وقد سئم أعضاء آخرون في عائلة الحاكم من حكمه الطويل ذي النزعة الاستبدادية- تزعم ابن أخيه تمرداً سابقاً عليه- ودعا منتقدون من مجموعته العرقية إلى بداية جديدة بعد وفاته.
وقد سارع الجيش بإعلان كاكا زعيماً مؤقتاً لتشاد يوم الثلاثاء بعد إعلان وفاة ديبي في الساعات التي أعقبت إعادة انتخابه لولاية سادسة. وتعهد المجلس الانتقالي بإجراء انتخابات في غضون 18 شهراً، رغم إعراب منتقدين عن شكوكهم في أن نجل ديبي سيتنازل عن منصبه.
وقال المتحدث باسم الجيش الجنرال عزم برماندوا في بيان إن ديبي "لفظ أنفاسه الأخيرة وهو يدافع عن وحدة الأراضي التشادية في ساحة المعركة" أثناء زيارته للقوات التشادية في الخطوط الأمامية.
"تشاد يمكنها الاعتماد على صداقة فرنسا الراسخة"
وكان متمردون متمركزون بالقرب من الحدود الشمالية للبلاد مع ليبيا قد هاجموا مواقع للجيش وكانوا في طريقهم نحو العاصمة. ولم يتضح بعد كيف لقي ديبي حتفه بالضبط، وحتى يوم الجمعة كان حلفاؤه مستمرين في التحقيق في ملابسات وفاته.
وأعلن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، الذي حضر الجنازة أيضاً، دعمه للمجلس الانتقالي التشادي في مقابلة تلفزيونية، قائلاً: "هذه ظروف استثنائية". وبدا أن المتمردين- جبهة التغيير والوفاق في تشاد، أو FACT- علقوا الهجمات قبل جنازة ديبي، لكنهم حذروا قادة العالم من الاقتراب من إنجامينا، متعللين بمخاوف أمنية.
وحث ماكرون يوم الجمعة على التزام الهدوء مع دخول تشاد مرحلة هشة تعيد فيها تنظيم أمورها. وكتب ماكرون على تويتر: "لا بد أن تكون الفترة الانتقالية التي ستشهدها تشاد لحظة تتوحد فيها البلاد لأجل الشعب التشادي ولأجل استقرار المنطقة"، مضيفاً أن تشاد يمكنها الاعتماد على "صداقة فرنسا الراسخة".
رسائل ماكرون من حضور جنازة دفن ديبي
ويقول رولان مارشال، الباحث في معهد الدراسات السياسية بباريس، إن ماكرون، بحضوره الجنازة، أرسل رسالة مفادها أن المجلس العسكري التشادي الانتقالي يتمتع بالشرعية. وقال إن "فرنسا بحاجة تشاد، أكثر من حاجة تشاد إليها"، في إشارة إلى تعاون تشاد العسكري مع فرنسا في المنطقة.
وقال مارشال إن باريس تغاضت إلى حد كبير عن تاريخ القيادة التشادية في إسكات المعارضة، والانتهاكات الأخرى لحقوق الإنسان. مضيفاً أن صعود كاكا إلى السلطة ينتهك الأعراف الديمقراطية. إذ إن رئيس البرلمان التشادي، هارون كبادي، هو التالي في ترتيب انتقال السلطة، وفقاً للدستور التشادي.
وقد رفضت مجموعة من النقابات العمالية- إلى جانب قيادات في المعارضة- تشكيل المجلس العسكري الانتقالي، بحسب هيئة الإذاعة البريطانية BBC، وطالبت العاملين الذين تمثلهم بالبقاء في منازلهم حتى يُعيَّن زعيم جديد بموجب الدستور.
وكان فيليكس رومادومنغار نيالبي، زعيم المعارضة الذي فاز بنسبة 1.9% من الأصوات مطلع هذا الشهر، من بين الساسة التشاديين الذين طالبوا القيادة المؤقتة بالاعتراف بالدستور والتجهيز لانتخابات جديدة على وجه السرعة. وقال: "لا بد من تشكيل لجنة حوار نضمن بها مشاركة الجميع وتحقيق سلام دائم".
من جهته، يقول ناثانيال باول، الباحث المساعد في جامعة لانكستر في المملكة المتحدة الذي يركز في دراسته على العلاقة بين تشاد وفرنسا، إن "نظام ديبي مهم لاستراتيجية فرنسا الأمنية في المنطقة، إذ لدى القوة الأوروبية، التي استعمرت جزءاً كبيراً من غرب ووسط إفريقيا، مصالح مهمة في المنطقة، وتريد إبعاد التهديد الإرهابي عن باريس"، حسب تعبيره.
يقول باول: "الفرنسيون قالوا بوضوح إنهم يفضلون الاستقرار غير الدستوري على فترة انتقالية قد تسودها الفوضى".