مرّ شهران منذ حادثة انسكاب النفط في البحر الأبيض المتوسط، التي تسبّبت في ضررٍ كبير للمياه البحرية وسواحل إسرائيل. ويُعدّ غسيل كتل القطران على الشاطئ واحداً من أكبر الكوارث البيئية في تاريخ إسرائيل، كما تقول صحيفة Haaretz الإسرائيلية.
إذ أعلنت وزارة حماية البيئة الإسرائيلية أنّ النفط خرج من الناقلة إميرالد المقرصنة والمملوكة لليبيا، والتي انطلقت من الخليج العربي. ووصل الأمر بالوزيرة جيلا غمليئيل إلى إعلان الحادثة قضية "إرهابٍ بيئي" من إيران التي استهدفت بها إسرائيل.
مزاعم مختلفة حول التسرب النفطي أمام السواحل الإسرائيلية
اتضح سياق تصريحات جيلا في وقتٍ لاحق، فبعد ثلاثة أسابيع من الحادثة كشفت صحيفة Wall Street Journal الأمريكية أنّ إسرائيل هاجمت 12 ناقلة نفط إيرانية تُهرّب النفط إلى سوريا. بينما كشف تحقيق لصحيفة Haaretz أنّ عدد السفن التي تعرضت للهجوم كان أعلى بكثير، وربما كان التسرّب النفطي هو انتقام إيران من تلك الهجمات، بحسب ما لمّحت إليه جيلا.
ومن ناحيةٍ أخرى، خمّن البعض أنّ انسكاب النفط كان سببه عمليةً إسرائيلية فاشلة. وهناك عامل مشترك بين هذه المزاعم، أنّه ليس هناك دليلٌ على أي منها في الوقت الراهن، إذ لم تقدم جيلا بعد أي دليل على أنّها كانت محاولةً إيرانية متعمدة لتلويث السواحل الإسرائيلية، كما أنّ حقيقة وجود ثغرة في البحرية الإسرائيلية مرفوضةٌ بشدة داخل إسرائيل.
لكن الحادثة أثارت قضية ارتفاع تعرض إسرائيل لخطر الكوارث البيئية، خاصةً للإيرانيين ولأي شخص يسعى لإيذاء إسرائيل، كما تقول هآرتس. وبعد مرور شهرين لم تفعل إسرائيل الكثير لتحسين استجابتها لهذا الخطر، الذي يُمكن أن يتكرر عمداً أو عرضاً.
نقطة ضعف حرجة لإسرائيل
حيث تتخلّف إسرائيل عن الدول الأخرى التي تتعامل مع هذا النوع من التهديدات. وليست هناك هيئةٌ حكومية منوطة بالإشراف والرقابة على التلوث البيئي. وتقع العديد من الصلاحيات في يد وزارة الدفاع، من خلال البحرية، لكن تلك الهيئات تُركز على المخاطر الأمنية الأكثر شيوعاً، وهي ليست مدربة على التعامل مع أمورٍ مثل انسكاب النفط أو حقوق الصيد.
وكان لاكتشاف الغاز الطبيعي في مناطق إسرائيل الاقتصادية قبل عقدٍ من الزمن دوره في زيادة خطورة المسألة، نتيجة قيمة الأصول المعرضة للخطر، ونتيجة الضرر المحتمل وقوعه حال تعرضها للهجوم. ومع ذلك أسفرت حملة الضغط السياسي العنيفة من شركات الطاقة عن عرقلة جهود تنظيم الأنشطة البحرية بحزمٍ أكبر.
وقد تطرّقت ثلاثة قرارات حكومية -عام 2008 و2013 و2017- لمسألة وضع خطة قومية للتعامل مع حوادث انسكاب النفط، لكن الخطة لم يجرِ تطبيقها ولم تُخصّص لها الموارد اللازمة. وفي أعقاب انتشار التلوث مؤخراً، جرى تقديم مشروع قانون جديد مرةً أخرى، لكنه يبدو كنسخة طبق الأصل من مشاريع القوانين السابقة. وعلى أي حال فإنّ الساسة في الحكومة الانتقالية لديهم مسائل أكثر إلحاحاً للتعامل معها.
وتقع مسؤولية التعامل مع انسكاب النفط على وزارة حماية البيئة. وهناك توافقٌ شامل على مبدأ أنّ إسرائيل بحاجة إلى تفعيل نظام رقابةٍ أفضل على وجه السرعة، وذلك بالاعتماد على صور الأقمار الصناعية للبحر المتوسط والتحليل المتواصل لبيانات حركة السفن والمخاطر التي تشكلها.
وهذه الأنظمة متوفرة لدى القطاع الخاص، وتشغيلها لن يُكلّف الدولة نفقات ضخمة، حيث إنّ الجيش والهيئات الأمنية تدفع الأموال بالفعل للشركات الخاصة بانتظام مقابل خدماتها، لكن العقبات البيروقراطية حالت حتى الآن دون إبرام عقد بشأن المراقبة المنظمة والدائمة للبحر، ويرتبط التأخير جزئياً على ما يبدو بالتوترات السياسية القائمة.
"الأزمة أصبحت أكثر إلحاحاً"
وفي أعقاب الكارثة البحرية، وافق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على تخصيص 13.6 مليون دولار من ميزانية وزارة حماية البيئة للتعامل مع حوادث انسكاب النفط.
ومع ذلك، بحسب مصادر مطلعة، كانت اللحظة المضيئة الوحيدة في الخطوات المتخذة على مدار الشهرين الماضيين هي شراء جرار لتنظيف الشاطئ الغارق في القطران. ولم يطرأ أي تحسّن على المراقبة الروتينية لمخاطر التلوث، وفي الوقت ذاته زادت احتمالية أن يحاول شخصٌ ما شن "هجمات إرهابٍ بيئي" في ضوء الأنشطة المنسوبة لإسرائيل والاتهامات التي وجهتها الحكومة نفسها.
في حين قال مصدرٌ مطلع لصحيفة Haaretz: "لم تكن هذه القصة لتكبُر لولا تصعيد الأنشطة البحرية. لقد انتظرنا منذ عام 2008، وسوف ننتظر لوقتٍ أطول. لكن حقيقة تداول أنباء الهجمات الآن على نطاقٍ واسع غيّرت الصورة تماماً. وقد صرّحت إسرائيل بالفعل بأنّها معرضةٌ للخطر، والآن صارت المسألة أكثر إلحاحاً".