تثير اعتداءات إسرائيل المستمرة على المسجد الأقصى في مدينة القدس المحتلة تساؤلات كثيرة لدى مراقبين عما ستؤول إليه علاقاتها مع الأردن، ومصير الاتفاقيات بين البلدين، لا سيما معاهدة "وادي عربة" عام 1994.
وفي الآونة الأخيرة، يعاني المسجد الأقصى والمصلون من اعتداءات إسرائيلية متصاعدة من قبل شرطة الاحتلال والمستوطنين المتطرفين تصاعدت في شهر رمضان المبارك، من دون مراعاة لمسؤوليات الأردن في الوصاية على المسجد، ما دفع عمّان إلى توجيه مذكرات احتجاج عديدة إلى تل أبيب، لكن دون جدوى.
ما الذي يملكه الأردن لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية في القدس؟
واحتفظ الأردن بحقه في الإشراف على الشؤون الدينية في القدس، بموجب اتفاقية "وادي عربة" للسلام مع إسرائيل. وفي مارس/آذار 2013، وقّع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بن الحسين، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، اتفاقية تعطي المملكة حق "الوصاية والدفاع عن القدس والمقدسات" في فلسطين.
ولطالما كان الأردن، المرتبط جغرافياً وديموغرافياً مع فلسطين، الفاعل الأبرز والمدافع الرئيس والمنتقد المستمر لانتهاكات إسرائيل.
وبالرغم من ذلك ترتبط عمّان مع تل أبيب باتفاقيات مهمة، مثل "وادي عربة" والغاز، وهو ما يراه البعض أوراقاً رابحة في يد المملكة؛ للحفاظ على وجودها ودورها تجاه القضية الفلسطينية.
حيث تنص اتفاقية الغاز، الموقعة عام 2016، على تزويد الأردن بنحو 45 مليار متر مكعب من الغاز، خلال 15 عاماً، اعتباراً من يناير/كانون الثاني 2020.
ويملك الأردن بدائل لاستيراد الغاز، ممثلة بالغاز المصري، الذي بدأ ضخه تجريبياً للمملكة منذ الربع الأخير من 2018، إضافة إلى الغاز العراقي والجزائري، كما يقول المعارضون لاتفاقية الغاز.
والإثنين، وافقت إسرائيل على طلب أردني بالحصول على إمدادات ماء إضافية، بعد إرجاء رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، القرار لأسابيع، وذلك عقب مطالب أمريكية وضغوط داخلية عليه.
وبموجب اتفاقية السلام، تزود إسرائيل الأردن بنحو 55 مليون متر مكعب سنوياً من مياه بحيرة طبريا، يتم نقلها عبر قناة الملك عبدالله إلى عمّان، مقابل سنت واحد (الدولار يساوي 100 سنت) لكل متر مكعب.
وفي 2010، اتفق البلدان على إضافة 10 ملايين متر مكعب مقابل 40 سنتاً لكل متر، وهو السعر المقرر أيضاً للإمدادات الإضافية التي وافقت إسرائيل عليها.
العلاقات الأردنية الإسرائيلية في أدنى مستوياتها
تتسم العلاقات بين عمّان وتل أبيب بالتوتر خلال الآونة الأخيرة، وتحاول إسرائيل الضغط على الأردن عبر قضية المياه، رداً على مواقفه الأخيرة في فلسطين، وهو ما يرى فيه مراقبون ضرورة لـ"صحوة أردنية" تلاعب فيها عمان تل أبيب بأسلوبها، عبر اتفاقيتي السلام والغاز.
وفي مارس/آذار الماضي، برزت أزمة بين الأردن وإسرائيل، بعد محاولة الأخيرة فرض ترتيبات أمنية على زيارة لولي العهد الأردني، الأمير الحسين بن عبدالله، إلى المسجد الأقصى، لإحياء ذكرى الإسراء والمعراج، وهو ما دفع ولي العهد إلى إلغاء زيارته.
وفي اليوم التالي، رفض الأردن منح نتنياهو إذناً لاستخدام المجال الجوي الأردني في رحلة إلى دولة الإمارات، مما أدى لإلغاء الرحلة وإفشالها للمرة الرابعة على التوالي، ولم يستطِع نتنياهو حتى الآن زيارة أبوظبي بعد توقيع الطرفين اتفاقاً لتطبيع العلاقات في سبتمبر/أيلول 2020.
وكانت مصادر مطلعة في الأردن، قد كشفت مؤخراً لـ"عربي بوست"، أنّ الأردن يسعى إلى إيصال رسالة إلى نتنياهو، مفادها أن "عمّان لن تقبل بتوجهات اليمين الإسرائيلي المتطرف، ولذلك ترفض المملكة التعامل مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بسبب توجهاته المعادية تجاه مسألة حل الدولتين، وتجاه ضم الأغوار والمساس بالوصاية الهاشمية، وبالتالي تعمل من خلال اللقاءات الأخيرة مع خصوم نتنياهو، على كسر الحاجز والعزلة السياسية التي تعرضت لها القيادة الأردنية منذ أيام الرئيس الأمريكي السابق ترامب".
الأردن ومبدأ "المعاملة بالمثل"
محمد الظهراوي، رئيس لجنة فلسطين في مجلس النواب الأردني (الغرفة الأولى للبرلمان)، قال لوكالة الأناضول، إن "إسرائيل لا تحترم ولا تلتزم بأي مواثيق دولية، لذا فلا بد من التعامل معها بالمثل". وأضاف أن "استمرار انتهاكاتها في الحرم القدسي الشريف هو محاولات خبيثة لإقصاء الأردن وتهميش دور المملكة في الوصاية على المقدسات".
واستدرك النائب بالقول: "لا يمكن أن تعتقد إسرائيل للحظة بأن تلك الممارسات والاستفزازات ستنال من موقف الأردن التاريخي تجاه القدس والمقدسات، موقفنا ثابت وراسخ رسوخ الجبال". وأردف أن "الوصاية الهاشمية ليست منحة، فهي أمر واقع".
وحذر الظهراوي من أن "ما تقوم به إسرائيل يؤجج الصراع في المنطقة، وينذر بصراع ديني سيجرها إلى ما لا تحمد عقباه". وأنه "لا بد من التفافة عربية إسلامية تدعم موقف الأردن، تضع حداً للغطرسة الإسرائيلية".
أما فيما يتعلق بالاتفاقيات بين بلاده وإسرائيل، فشدد الظهراوي على ضرورة استخدامها كـ"أوراق ضغط على إسرائيل، وإن لم تلتزم فالحل بإلغائها فوراً ودون تردد؛ حفاظاً على مواقفنا وأدوارنا تجاه القضية الفلسطينية ومقدساتها".
واعتبر أن "خيار طرد السفير الإسرائيلي من عمّان واستدعاء سفيرنا من تل أبيب، يجب أن يكون وارداً وأولوية للحكومة الأردنية، إذا ما استمرت (إسرائيل) في عدوانها السافر على المقدسات؛ لأن الإدانة ومذكرات الاحتجاج لم ولن تثمر مع تصرفاتها التي لا تنظر لأي اتفاقيات بعين الاعتبار".
من جهته، يقول محمد المومني، عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الأعيان الأردني (الغرفة الثانية للبرلمان)، إن "تمسك الأردن بثوابته تجاه القضية الفلسطينية يقض مضاجع اليمين الإسرائيلي، فهم لم يتوقعوا صلابة موقف المملكة في الدفاع عنها والوقوف في وجه انتهاكاتهم المستمرة".
وأضاف المومني للأناضول أن "علاقات الأردن بفلسطين ليست كعلاقتنا بأي دولة أخرى، فهي بعمر الزمن، حدود متاخمة جغرافياً وتركيبة ديموغرافية متشابكة، فضلاً عن توافقنا اللامتناهي على حب الأقصى والسعي في الحفاظ على قدسيته".
وتابع: "نملك كل الخيارات في الرد على الاستفزازات الإسرائيلية، فعدم احترامها للمعاهدات الدولية على مرأى من العالم بأسره، لن يثنينا عن استخدام كافة وسائل الضغط لإعادة إسرائيل وإلزامها بالاتفاقيات".
التعويل على الرأي العام الضاغط
أما أحمد سعيد نوفل، وهو خبير في الشأنين الفلسطيني والإسرائيلي، فاعتبر أنه "منذ توقيع اتفاقية وادي عربة وإسرائيل تقوم بانتهاكات لهذه الاتفاقية دون أي احترام للأردن".
وتابع نوفل للأناضول: "البدايات كانت بمحاولة اغتيال (رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" آنذاك) خالد مشعل في الأردن (عام 1997)، وحادثة قتل المواطنين الأردنيين بعمان (داخل السفارة الإسرائيلية عام 2017)، وقتل (القاضي) رائد زعيتر (عام 2014) على الجسر (يربط الأردن مع الضفة الغربية)، وتوجت هذه الانتهاكات في الاعتداءات اليومية بالمسجد الأقصى، وهذا يتناقض مع اتفاقية وادي عربة".
وأردف: "لو كانت إسرائيل تحترم اتفاقياتها، لما أحرجت الحكومة الأردنية بالانتهاكات في الأقصى، واحترمت الوصاية الهاشمية". واستدرك: "لكنها ضربت أي مسؤولية أردنية بعرض الحائط، وتهيئ للمتابع بأن الانتهاكات تتم بموافقة أردنية غير مباشرة، رغم احتجاجات المملكة وإدانتها المستمرة".
ومضى قائلاً: "بعد الحديث عن صفقة القرن (خطة سلام مجحفة بحق الفلسطينيين أعلنتها واشنطن في 2020)، دخلت بعض الدول العربية لتنازع الأردن على الوصاية، وما تسعى إليه إسرائيل انتزاع الوصاية الهاشمية، وخلق خلاف مع الدول العربية لتوظيفه في تحقيق مصالحها".
ورأى أنه "على الأردن أن يتحرك جدياً ويلوح بالضغط باتفاقياته مع تل أبيب، وخاصة وادي عربة". واعتبر نوفل أن "الأردن أمام رأي عام ضاغط، ولا يستطيع أن يبقى تحت اتفاقية وادي عربة في ظل ممارسات إسرائيل التي تحرج الحكومة الأردنية".
واستطرد: "كل يوم يكتشف الأردن أن حكومة إسرائيل غير ملتزمة، واتخاذ الموقف الحقيقي والجدي يبدأ من وادي عربة، ومن ثم ننتقل تدريجياً إلى الاتفاقيات الأخرى".
وتساءل نوفل: "لو أراد الأردن أن يقيم عوائد وفوائد تلك الاتفاقيات، فما الذي استفدناه؟.. إسرائيل تهدد الأردن والمصالح تميل بشكل كلي لإسرائيل.. كان الأردن يتوقع أن يكون وسيطاً وجسراً مع الدول العربية، لكن تم القفز عن دوره".