نشرت مجلة Politico الأمريكية تقريراً حول محطات غير معروفة لكثير من الناس في حياة الأمير فيليب زوج الملكة إليزابيث، الذي توفي صباح الجمعة 9 أبريل/نيسان 2021، عن عمر ناهز 99 عاماً.
وتقول المجلة إنه مع تقدُّم الأمير فيليب، دوق إدنبره، في السن كان يُنظَر إليه أحياناً على أنه نوع من "المزحة المتقنة" وكان مثل "عم الأسرة المتعصب الذي لا يمكن الوثوق في رفقته"، وتقول المجلة إن هذه الصورة أخفت حقيقة شخص أكثر تعقيداً: أمير يوناني- دنماركي لاجئ له قصة درامية مناسبة لتكون أحد أفلام هوليوود، وأيضاً مُصلِح حاول جر العائلة الملكية إلى القرن العشرين.
القصة الدرامية للأمير فيليب زوج الملكة إليزابيث
وعلى الرغم من أنَّ الأمير فيليب يوناني الأصل، لم يتحدث اللغة مطلقاً ونشأ في باريس وهو يتحدث الفرنسية والألمانية، بينما كان يعتبر نفسه دنماركياً. وحظي بطفولة فوضوية ومليئة بالمآسي.
وسعياً للدفاع عن نفسه، انضم فيليب إلى البحرية الملكية البريطانية وسرعان ما وجد نفسه على الجبهة الأخرى من بقية أفراد عائلته -التي كانت متورطة مع ألمانيا النازية- في الحرب التي اندلعت عام 1939. وفي العام نفسه، وخلال اجتماع دبَّره عمه الطموح، لويس مونتباتن، التقى الأميرة إليزابيث البالغة من العمر 13 عاماً، وريثة العرش البريطاني.
وفُتِنَت إليزابيث على الفور بالشاب الطويل، وكتبت أنها قابلت "إله الفايكنغ". وبدأ الاثنان في تبادل الخطابات، وفي عام 1946 تمت الخطبة. وتزوجا في وستمنستر آبي في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 1947، على الرغم من مخاوف والدة إليزابيث، ودون دعوة أي من أشقاء فيليب.
ومنذ بداية القرن التاسع عشر، ومع تضاؤل سلطات التاج، بدأ البحث عن هدف جديد للملكية الدستورية البريطانية، التي أُفرِغَت من جدواها. وأظهرت الحرب أنه يمكن استخدامها محوراً للوحدة، وأنَّ أفراد العائلة المالكة يمكن تحويلهم من "حكام" إلى نوع من الأسرة الوطنية، وبدا الزوجان الشابان الجذابان مناسبين لهذه المهمة.
وكانت إليزابيث شابة وجميلة، وفيليب تجسيداً لأمير الأحلام: وسيماً وشجاعاً ومسلحاً بمجموعة غير بريطانية من الأسنان البيضاء البراقة. وأعقب ذلك خمس سنوات سعيدة وطفلان. لكن في عام 1952، انزلق كل شيء إلى حالة من الفوضى عندما تُوفي الملك جورج، ودُفِعَت إليزابيث البالغة من العمر 27 عاماً إلى العرش.
الأمير فيليب وتحديث العائلة المالكة البريطانية
تقول المجلة الأمريكية إنه بينما قالت الأميرة ديانا لاحقاً تصريحها الشهير بأنَّ هناك "ثلاثة أشخاص" في زواجها – هي نفسها، والأمير تشارلز وكاميلا- كان هناك ما لا يقل عن 55 مليون شخص في زواج فيليب وإليزابيث. ومن خلال قسم إليزابيث بتكريس حياتها لخدمة شعبها في كنيسة وستمنستر في حفل التتويج في 2 يونيو/حزيران 1953، يبدو أنها أثارت أزمة وجودية لزوجها.
فقد انتهت حياته المهنية الآن، وأصبح مقدراً له أن يتحول "لقطعة غيار". وحاول فيليب وعمه لويس المناورة لجعله وثيق الصلة بالعائلة وخططا مؤامرة لتغيير اسم العائلة المالكة من منزل وندسور إلى منزل مونتباتن. لكن عندما أدرك رئيس الوزراء ونستون تشرشل ذلك، نشبت معركة دهاء مطولة، خسرها فيليب في نهاية المطاف. ولم يقبل فيليب لقب "الأمير" إلا في عام 1957.
وحاول فيليب اكتساب دور مميز بأن يكون التالي في القيادة للمرأة التي جاءت لتمثيل بريطانيا. وأنشأ جائزة دوق إدنبره، وهي خطة تهدف إلى تشجيع الشباب على البحث عن المغامرة، وأصبح كذلك راعياً لأكثر من 816 جمعية خيرية، ولقَّب نفسه بالقائد الثاني لسفينة وندسور الطيبة.
وكانت لديه أفكار حول تحديث العائلة المالكة، التي يمكن أن يطلق عليها "تحسين المظاهر" اليوم، على الرغم من أنَّ بعضها لم يَسِر وفقاً للخطة. فقد تحول فيلم وثائقي واقعي على قناة BBC عام 1969، الذي شجع فيليب على تصويره لإظهار الحياة خلف الكواليس، إلى كارثة تامة؛ إذ كشف فيلم "The Windsors" أنَّ أفراد العائلة المالكة هم عائلة بريطانية عادية إلى حد ما من الطبقة العليا البريطانية، وإن كانت ثرية جداً، ويحبون حفلات الشواء والآيس كريم ومشاهدة التلفاز والتشاجر. وكان الأمر أشبه بتعرض لغز الملوك لضربة غير مباشرة من سلاحهم الخاص، ليصيبوا أنفسهم بجرح لم يتعافوا منه أبداً.
وعُرِض الفيلم الوثائقي لمرة واحدة، لم تتكرر. لكن لم يمكن تدارك تأثيراته، التي لم تشمل فحسب الكشف عن أنَّ أفراد العائلة المالكة عاديون، بل أضف لذلك أنَّ السماح للكاميرات بالدخول إلى القصر، فتح الباب أمام المتطفلين من المصورين الذين أصبح بإمكانهم الجدل بحق أنه نظراً لأنَّ العائلة المالكة نفسها قد سمحت بعرض تفاصيل حياتهم، يمكنهم تمرير أي شيء للجمهور. ومنذ ذلك الحين، تصيَّدت الصحافة صغار عائلة وندسور، مثل الحيوانات المُقيَّدة في رحلة سفاري للصيد.
وبحلول الثمانينيات، زاد فيليب الأمور سوءاً بتشجيع ابنه تشارلز على الزواج من ديانا سبنسر الصغيرة. وكانت علاقة تشارلز ووالده مضطربة؛ فقد أحب وريث العرش الشعر والمسرح وكان معرباً صريحاً على مشاعره، بينما فضل والده الكتمان وتفريغ مشاعره في الصيد. ويُزعَم أنَّ هذا الشقاق في العلاقة استمر لسنوات.
"جدّي فيليب كان أسطورة"
لكن هذا لا يعني أنَّ دوق إدنبره كان وحشاً غير عاطفي تماماً. ففي معظم الأوقات خلال زواج تشارلز وديانا الكارثي، أظهر فيليب لطفاً كبيراً لأميرة ويلز وأفصح لها عن استيائه من سلوك ابنه. وعندما ماتت، لزم جانب أحفاده خلال الفترة التالية. ويبدو أنَّ أحفاده الثمانية وأولادهم أجمعوا على حبه.
وعندما طلب الممثل مات سميث من الأمير ويليام وصف جده في لقاء عام 2016، قال: "كلمة واحدة فقط: أسطورة!" ويبدو أنَّ أبناء عمومته وغيرهم من أفراد العائلة المالكة الأصغر سناً يشاركونه هذا الرأي.
ومع تردد صدى نبأ وفاة فيليب، ربما يجد العديد من البريطانيين أنفسهم مندهشين من إحساسهم بالخسارة. لكن قلة من البريطانيين يمكنهم تذكُّر وقتٍ لم يكن فيه حاضراً. فهو موجود طوال حياتهم مثل شبكة BBC والسماء الرمادية، كأحد ثوابت الحياة.
وتمتع أيضاً بدور مهم؛ فربما لم يكن قبطان السفينة في زواجه، لكن فيليب استطاع إدارة دفة التاج عبر الأمواج المضطربة في سنوات ما بعد الحرب.
والأهم من ذلك، كان فيليب دوماً رفيقاً مخلصاً للملكة، و"صخرتها"، وأعظم مستشاريها وصديقها الأكثر ثقة. وفي إدراك متأخر، كانت إليزابيث والمدافعون عن النظام الملكي محظوظين جداً حقاً؛ لأنَّ هذا الطفل اللاجئ نزل إلى شواطئ المملكة منذ نحو 90 عاماً.