اتفاقيات عسكرية مصرية ومناورة إثيوبية لتمرير الملء الثاني.. إلى أين تتجه معضلة السد؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/04/11 الساعة 08:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/04/11 الساعة 08:39 بتوقيت غرينتش
سد النهضة / عربي بوست

أرسلت إثيوبيا خطاباً رسمياً إلى مصر والسودان يحمل "دعوة" تخص الملء الثاني لسد النهضة، وهو إجراء لم تقدم عليه أديس أبابا قبل التعبئة الأولى للسد، فماذا يعني التصرف الإثيوبي الذي رفضته القاهرة والخرطوم دون تردد؟

الدعوة الإثيوبية جاءت السبت 10 أبريل/نيسان، في صورة خطاب رسمي من وزير الري في أديس أبابا لنظيريه المصري والسوداني، يدعوهما إلى "ترشيح شركات مشغلة للسدود، بهدف تبادل البيانات قبل بدء الملء الثاني لسد النهضة"، وذلك بحسب بيان نشرته وزارة الري الإثيوبية على صفحتها الرسمية على فيسبوك.

مصر من جانبها رفضت العرض الإثيوبي، معتبرة إياه "غطاء" لتمرير الملء الثاني للسد، وهو نفس الموقف السوداني.

ماذا جاء في الرفض المصري والسوداني؟

الرفض المصري جاء في بيان صادر عن وزارة الري، قال إن "مصر ترفض أي إجراءات أحادية تتخذها إثيوبيا، ولن تقبل بالتوصل لتفاهمات أو صيغ توفر غطاء سياسياً وفنياً للمساعي الإثيوبية لفرض الأمر الواقع على دولتي المصب (مصر والسودان)".

بيان الوزارة الذي نقلته وكالة الأنباء المصرية "أ ش أ" قال أيضاً إن "مصر رفضت مقترح إثيوبيا الذي تضمن العديد من الادعاءات والمغالطات"، وأضاف: "المقترح الإثيوبي لا يعدو كونه محاولة مكشوفة لاستخلاص إقرار مصري على المرحلة الثانية من الملء، حتى لو لم يتم التوصل لاتفاق حول ملء وتشغيل سد النهضة".

وأكدت الوزارة أن "مصر ترفض أي إجراءات أحادية تتخذها إثيوبيا، ولن تقبل بالتوصل لتفاهمات أو صيغ توفر غطاء سياسياً وفنياً للمساعي الإثيوبية لفرض الأمر الواقع على دولتي المصب (مصر والسودان)".

السيسي البرهان السودان سد النهضة
البرهان خلال استقباله السيسي في الخرطوم/ رويترز

الموقف الرافض نفسه ظهر في البيان السوداني، وإن كشف عن مفاجأة، إذ قالت وزارة الري السودانية إن رسالة إثيوبيا حملت إخطاراً يفيد بأن أديس أبابا "ستختبر البوابات السفلى للسد بإطلاق حوالي مليار متر مكعب من المياه بعد أقل من 48 ساعة من تسلمنا للإخطار، مساء الخميس 8 أبريل"، بحسب صحيفة الشروق المصرية.

بيان الوزارة السودانية قال إن تلك الفترة قصيرة لاتخاذ الإجراءات الفنية الوقائية، ما يؤكد من جديد أهمية التوصل لاتفاق ملزم قبل ملء السد، مؤكداً أن هذه الإجراءات تعني أن جزءاً من عملية الملء سيحدث خلال شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران؛ خلافاً للجداول المتبادلة التي تؤكد بدء الملء في يوليو/تموز القادم، ما يشكل ضغطاً على منظومة توليد الكهرباء السودانية.

واعتبر بيان لوزارة الري السودانية أن "تبادل المعلومات إجراء ضروري"، مضيفاً: "لكن العرض الإثيوبي لتبادل المعلومات بالطريقة التي أشارت إليها الرسالة ينطوي على انتقائية مريبة في التعامل مع ما تم الاتفاق عليه، وميل غير مقبول لاتخاذ الخطوات التي تلائمها فحسب، دون الاعتداد بمطالب السودان ومخاوفه، وتجنب السعي الجاد للتوصل لاتفاق شامل وملزم قانوناً حول ملء وتشغيل سد النهضة".

وأضاف أن عرض تبادل المعلومات بإجراء أحادي الجانب من إثيوبيا، في الوقت الذي يناسبها فقط، يجعل تبادل المعلومات مجرد منحة من إثيوبيا، توفرها أو تحجبها متى شاءت، الأمر الذي يمكن أن يعرّض مصالحنا الوطنية لمخاطر جسيمة.

ماذا تعني الخطوة الإثيوبية؟

الإخطار الإثيوبي أو الدعوة الموجهة لمصر والسودان بغرض تحديد آلية لتبادل المعلومات المتعلقة بالملء الثاني لسد النهضة خطوة لم تقدم عليها أديس أبابا قبل الملء الأول للسد، الذي تم في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، إذ فاجأ رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد المسؤولين المصريين والسودانيين أثناء اجتماع برعاية الاتحاد الإفريقي باكتمال الملء الأول، مبرراً ذلك بموسم الأمطار الغزيرة وقتها، رغم أن صور الأقمار الصناعية كانت قد كشفت ذلك قبلها بأيام.

كما جاءت الخطوة الإثيوبية بعد أن وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود وإصدار الرئيس المصري تهديدات متكررة لأديس أبابا، بأن أي مساس بحصة مصر من المياه تعتبر خطاً أحمر، وفي الوقت نفسه تحدّث المسؤولون السودانيون عن أن "جميع الخيارات مفتوحة" للحفاظ على المصالح السودانية فيما يتعلق بالمياه.

حديث "الخيارات المفتوحة" يعني الحرب، حتى وإن لم يتم استخدام كلمة "الحرب" بشكل رسمي، وتزامن مع الإعلان عن ثلاثة مواقف تتضمن إجراءات وتعاوناً عسكرياً مصرياً مع دول حوض النيل، خلال الأسبوع الذي شهد تصعيداً غير مسبوق في أزمة "سد النهضة" بين القاهرة وأديس أبابا.

توترات عسكرية غير مسبوقة على الحدود الإثيوبية السودانية
رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك مع رئيس الوزراء الإثيوبي / رويترز

المتحدث باسم الجيش المصري العقيد تامر الرفاعي، قال السبت إن رئيس أركان الجيش محمد فريد التقى رئيس قوات الدفاع الوطني البوروندي بريم نيونجابو، الذي يزور مصر حالياً، وأشار المتحدث في بيان، إلى أن اللقاء جاء على "هامش الاجتماع الأول للجنة العسكرية المصرية البوروندية لتعزيز التعاون العسكري بين البلدين".

ووفق البيان، أكد نيونجابو حرص بوروندي على "دعم آفاق التعاون العسكري مع مصر خلال المرحلة المقبلة"، وأوضح أنه "أعقب اللقاء جلسة مباحثات بين الجانبين تناولت بحث تطورات الأوضاع الراهنة وانعكاساتها على الساحة الإقليمية والدولية".

وفي الختام، وقع فريد، ونيونجابو "برتوكول تعاون عسكري يتضمن التعاون بمجالات التدريب والتأهيل والتدريبات بما يتيح تبادل الخبرات".

ويوم الخميس 8 أبريل/نيسان، أعلنت قوات الدفاع الشعبية الأوغندية (الجيش)، في بيان، توقيع اتفاقية أمنية مع مصر لتبادل معلومات عسكرية بين البلدين، بحسب موقع "إم إس إن" الإخباري البريطاني، وجاء التوقيع الذي لم تعلن مصر بشأنه موقفاً حتى الآن، بعد 4 أيام من اختتام القاهرة والخرطوم في 4 أبريل/نيسان الجاري، مناورة "نسور النيل 2″، شمالي السودان، بمشاركة قوات جوية وعناصر من الصاعقة.

حوض النيل يضم 11 دولة، هي إريتريا وأوغندا وإثيوبيا وجنوب السودان والكونغو الديمقراطية وبوروندي وتنزانيا ورواندا وكينيا، إضافة إلى دولتي المصب السودان ومصر.

هل تزداد الضغوط الدولية على إثيوبيا؟

يرى البعض أن التحركات العسكرية المصرية لا تعني بالضرورة أن الحرب مع إثيوبيا قد أصبحت الخيار الحتمي، وإنما قد تكون إشارات موجهة إلى المجتمع الدولي لممارسة ضغوط جادة على أديس أبابا للتوقيع على اتفاق قانوني ملزم بشأن تعبئة وتشغيل السد.

وهذه الرسالة عبّر عنها السيسي تصريحاً، في 30 مارس/آذار الماضي، بقوله إن "مياه النيل خط أحمر، ولن نسمح بالمساس بحقوقنا المائية، وأي مساس بمياه مصر سيكون له رد فعل يهدد استقرار المنطقة بالكامل".​​​​​​​

وفي هذا السياق قال‫ الدكتور أحمد المفتي خبير المياه والسدود والعضو المفاوض السابق في قضية سد النهضة لصحيفة الأهرام المصرية إن الضغوط الدولية (على إثيوبيا) لن تتعاظم إلا بقدر استعدادات السودان ومصر للمواجهة المفتوحة مع إثيوبيا، لأن أكثر ما يهم المجتمع الدولي هو تهديد الأمن والسلم الدوليين، ولن يتم ذلك إلا باستعدادات جادة من قبل السودان ومصر، لمنع إثيوببا من الملء الثانى بإرادتها المنفردة.

سد النهضة/رويترز
هل تتدخل القوى الدولية قبل أن تخرج أزمة سد النهضة عن السيطرة؟/رويترز

وزير الموارد المائية والري المصري محمد عبدالعاطي، من جانبه، عبر عن موقف مشابه لهذا السيناريو بقوله إن الحديث عن "الحرب خيار متطرف، وإن مصر اتخذت بالفعل إجراءات لمواجهة تداعيات الملء الثاني"، وذلك في حوار له عبر فضائية MBC Masr، تعقيباً على دعوة إثيوبيا لمصر والسودان لمشاركة بيانات الملء الثاني التي وصفها "بالاحتيال".

الخلاصة هنا أن التصعيد الحالي في أزمة المياه التي تمثل قضية حياة أو موت بالنسبة لمصر لا يعني بالضرورة أن الخيار العسكري أصبح أمراً واقعاً، حتى في ظل جميع المؤشرات التي تؤكد أن إثيوبيا لن تتراجع عن الملء الثاني للسد، والذي بدأت خطواته العملية بالفعل، وقد يأتي يوليو/تموز حاملاً معه مفاجأة أخرى كتلك التي أعلنها آبي أحمد، في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.

تحميل المزيد