“عنصرية التطعيم”.. هل تتيح لنا “جوازات كورونا” حرية السفر والتجمع أم تخلق نوعين من البشر؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2021/04/11 الساعة 18:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/04/11 الساعة 20:05 بتوقيت غرينتش
مخاوف من أن جوازات كوفيد لخلق عنصرية بسبب التطعيم/رويترز

تخطط العديد من الدول الغربية لإطلاق شهادات للحصانة ضد فيروس كورونا أو ما يعرف باسم  "جوازات كوفيد"، ولكن بينما تحمل هذه الشهادات آمالاً في تخفيف الإغلاقات وتسهيل التجمعات والسفر، فإنها تثير مخاوف في المقابل من التجسس وتقسيم البشر لطبقتين منفصلتين.

ففي المملكة المتحدة، يتم تطوير برنامج "شهادة كوفيد" (تسمى أحياناً جوازات كوفيد) لتمكين إقامة الحفلات الموسيقية والمباريات الرياضية، حسبما ورد في تقرير لموقع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".

وسيسجل ما إذا كان الأشخاص قد تم تطعيمهم، أو تقديم شهادات فحص طبي تثبت سلبية الإصابة، أو تأكيد أنهم قد تعافوا بالفعل من كوفيد-19.

خطط أوروبية وبريطانية وانتقاد أمريكي

وتهدف الخطط البريطانية والأوروبية لتطوير جوازات سفر خاصة بفيروس كورونا المُستجَد إلى السماح للشركات بإعادة فتح أبوابها بأمان، لكن المدافعين عن الخصوصية والشركات يحذِّرون من أنها قد تكون مُرهِقة وتمييزية، حسبما ورد في تقرير  لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية. 

وتم الترويج لخطط فرض العمل بجوازات السفر هذه في جميع أنحاء العالم، كوسيلة لتمكين الأشخاص من التنقل الآمن في أثناء مكافحة الوباء.

في المقابل، يرى منتقدون أن مثل هذه الوثائق يمكن أن تكون وسيلة للتمييز بين البشر.

منظمة الصحة العالمية انتقدت فكرة جوازات كورونا/رويترز
منظمة الصحة العالمية انتقدت فكرة جوازات كورونا/رويترز

وفي هذا الإطار، قالت منظمة الصحة العالمية إنها لا تدعم حالياً طلب جوازات سفر التطعيم للسفر، بسبب عدم اليقين بشأن ما إذا كان التطعيم يمنع انتقال العدوى بصورة كاملة، إضافة إلى مخاوف من التمييز ضد الأفراد.

وقالت الدكتورة مارغريت هاريس المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية، إن "جوازات سفر التطعيم" ربما لن تكون استراتيجية فعالة، لأن اللقاحات غير متوافرة للجميع، وأن هناك مجموعات في المجتمع مستبعدة من التحصين. وأشارت إلى عدم وجود إمدادات كافية من اللقاحات لجميع الدول التي تحتاجها.

من جانبه، استبعد البيت الأبيض فرض جوازات سفر إلزامية للتطعيم ضد فيروس كورونا، مؤكداً ضرورة حماية خصوصية المواطنين الأمريكيين وحقوقهم.

وقالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض جين ساكي، في كلمة للصحفيين، إنه لن تكون هناك "قاعدة بيانات فيدرالية للتطعيم" أو "تفويض فيدرالي يلزم الجميع الحصول على وثيقة اعتماد واحدة للتطعيم".

بريطانيا بدأت تجارب لاعتماد شهادات للحصانة ضد فيروس كورونا

وقالت حكومة المملكة المتحدة، الأسبوع الماضي، إن التجارب الخاصة بنظام شهادات للحصانة ضد فيروس كورونا أو شهادات كوفيد-19 ستبدأ هذا الشهر (أبريل/نيسان)، وتستمر حتى مايو/أيار. 

وسوف يُطلَب من الأشخاص، مع بعض الاستثناءات، إظهار دليلٍ على أنهم خضعوا مؤخَّراً لاختبار الإصابة بالفيروس وظهرت نتيجته سلبية، أو أنهم تلقوا اللقاح أو أنهم مُحصَّنون بعد التعافي من كوفيد-19، من أجل المشاركة في أحداثٍ معينة، بالنوادي الليلية، والساحات الرياضية، وضمن ذلك نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم. 

وقالت الحكومة البريطانية، إن خطة "جواز سفر كوفيد" لإثبات سلامة الناس في إنجلترا كشرط  لحضور الأحداث الجماهيرية ستكون "مؤقتة"، حسبما ورد في تقرير آخر لموقع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".

وانضم تجار التجزئة إلى أصحاب البارات والمطاعم والنوادي الليلية داخل بريطانيا، في رفض اشتراط شهادات تطعيم كورونا لدخول الزبائن والتعامل معهم، حيث واجهت خطة رئيس الوزراء، بوريس جونسون، معارضة متزايدة من رجال الأعمال والبرلمان، وفقاً لصحيفة الغارديان البريطانية.

جدل في الاتحاد الأوروبي

ويعمل الاتحاد الأوروبي أيضاً على خطط لإدخال هذه الشهادات، بينما اعتمدت إسرائيل بالفعل "جواز السفر الأخضر" وتقدمه للأشخاص الذين حصلوا على جرعات تطعيم كاملة أو من تعافى من الفيروس، ويتعين عليهم إظهاره عند دخول المرافق العامة مثل الفنادق والصالات الرياضية أو المسارح.

وطَرَحَ المُشرِّعون في الاتحاد الأوروبي، الشهر الماضي، قواعد لنظام الشهادات لإثبات حالة اختبار الفيروس وحالة اللقاح لدى الأشخاص الذين يتنقلون بين الدول الأعضاء البالغ عددها 27 دولة، مِمَّا يسمح للمسافرين بالسفر دون اختباراتٍ إضافية أو قيودٍ تتعلَّق بالحجر الصحي، والتي قد تكون مطلوبةً في البلدان التي ينتقلون منها وإليها. 

وقال المسؤولون إنهم يريدون أن يدخل القانون، المعروف باسم الشهادة الخضراء الرقمية، حيز التنفيذ في يونيو/حزيران. 

وقال مسؤولون أوروبيون، إنه ينبغي منح شهادة رقمية لبدء السفر إلى الخارج للمواطنين في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي "من دون تمييز".

مخاوف في بعض دول الاتحاد الأوروبي من حدوث إجراءات تمييزية رجاء شهادات التطعيم/رويترز
مخاوف في بعض دول الاتحاد الأوروبي من حدوث إجراءات تمييزية رجاء شهادات التطعيم/رويترز

والهدف هو تمكين أي شخص تم تطعيمه ضد كوفيد-19، أو الذي ثبتت صحته أو تعافى مؤخراً من الفيروس، من السفر داخل الاتحاد الأوروبي.

وستقرر الدول الأعضاء الـ27 كيفية استخدام الشهادة الرقمية الجديدة.

وواجهت جوازات سفر اللقاحات معارضة من بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بسبب مخاوف من أنها قد تكون تمييزية.

ويجادل البعض بأن جوازات كوفيد ستمكّن أقلية من الاستمتاع بالسفر إلى الخارج دون قيود بينما يستمر آخرون، مثل الشباب الذين لا يُنظر إليهم على أنهم أولوية للتلقيح، في مواجهة تدابير الحجر الصحي.

وأوضح مسؤولو المفوضية الأوروبية بدورهم، أنهم يريدون تجنب التمييز.

هل تكون جوازات كوفيد رقمية أم ورقية؟

وتعمل خدمة الصحة الوطنية في بريطانيا على تطوير طرق رقمية وغير رقمية للأفراد، لإظهار دليل على حالتهم فيما يتعلَّق بالإصابة بالفيروس، "مع الأمان والخصوصية في صميم هذا النهج"، وفقاً لوثيقةٍ حكومية نُشِرَت يوم الإثنين 5 أبريل/نيسان، في وقت تستعد المملكة المتحدة لبدء تخفيف قيود الإغلاق لديها. 

وفي هذا الإطار، قالت الوثيقة إن ما يصل إلى 20 ألف شخص يمكن أن يدخلوا ملعب ويمبلي بلندن لحضور كأس الاتحاد الإنجليزي في 15 مايو/أيار المقبل، حسب تقرير صحيفة Wall Street Journal.  

وقالت المفوضية الأوروبية، وهي الهيئة التنفيذية للاتحاد الأوروبي التي صاغت التشريع، إنها ستساعد السلطات في الدول الأعضاء على تطوير برنامج للتحقُّق من رموزٍ للاستجابة السريعة على الشهادات، والتي سيتمكَّن المسافرون من استخدامها إما في شكلٍ رقمي وإما في شكلٍ ورقي. 

وقال مفوض العدل الأوروبي، ديدييه رايندرز، إن الشهادة الخضراء الرقمية المقترحة ستكون "لجميع مواطني الاتحاد الأوروبي، وعائلاتهم عندما يغادرون الاتحاد الأوروبي أو يعيشون في الخارج".

أي المجالات التي سيبدأ بها استخدام "جوازات سفر كوفيد"؟ 

على المدى القصير، قد يكون التطبيق الأوضح الذي تطبق عليه جوازات سفر كوفيد، هو مجال السفر الدولي، حسب صحيفة New York Times الأمريكية.

وتطلب العديد من البلدان حالياً بالفعل دليلاً على نتيجة سلبية حديثة لاختبار الإصابة بفيروس كوفيد-19 من أجل دخولها. 

وحتى الآن، كانت هذه الوثائق موجودة بالكامل تقريباً على الورق أو على هواتف الركَّاب، ويجب تأكيدها بالعين البشرية مباشرةً في المطار، لذا فإن تسجيل الوصول لرحلةٍ عبر الإنترنت، أو حتى في كشكٍ إلكتروني بالمطار، قد انتهى. 

وحتى مع وجود نظام إلكتروني، قال مسؤولون للصحيفة الأمريكية إنه سيكون هناك بعض الأشخاص الذين يجب عليهم استخدام المستندات الصحية الورقية، لأنهم يفتقرون إلى إمكانية الوصول إلى الأدوات الرقمية، وفقاً لتقرير Wall Street Journal.  

هل تصبح شرطاً للسفر الداخلي؟

لم تطرح أيُّ دولةٍ رئيسية علناً مسألة التحقُّق من اللقاح للسفر المحلي. لكن بعض الحكومات والشركات تطلب بالفعل دليلاً على نتيجة سلبية لاختبار فيروس كورونا للدخول إلى مواقع مزدحمة معينة، وبدأ عددٌ قليلٌ منهم في المطالبة بإثبات التطعيم، مِمَّا زاد من الرغبة في الحصول على بديلٍ إلكتروني لإثبات التطعيم. 

ولكي يكون البديل الإلكتروني مفيداً، يجب اعتماد السجل الرقمي على نطاقٍ واسع من قِبَلِ الحكومات التي تقوم بفحص المسافرين، وشركات الطيران وخطوط السفن التي تفحص الركَّاب، ومن خلال الشركات التي تقيِّد الدخول، ومن خلال خليطٍ من مقدِّمي الرعاية الصحية والوكالات الحكومية والصيدليات التي تقدِّم اللقاحات. 

وهذا بدوره يعني أن السجل الرقمي يجب أن يكون سهل الاستخدام وغير مُكلِّف نسبياً. 

ستطلق موجة تمييز ضد الأشخاص غير المحصنين

قال إدوارد أوستاران، الرئيس المشارك لممارسات الخصوصية والأمن السيبراني، لصحيفة Wall Street Journal، إن نظام معالجة كميات هائلة من البيانات الشخصية، .خاصةً المعلومات الصحية الحسَّاسة، يأتي مع مخاطر تتعلَّق بالخصوصية. وأضاف: "يتعلَّق نجاح أو فاعلية جوازات سفر اللقاحات بالحماية الصحيحة للبيانات". 

وقالت حكومة المملكة المتحدة إنها ستطوِّر نسخاً رقمية وورقية من الشهادات، لكنها لم تكشف عن التفاصيل. وتقول وكالة Innovate UK الحكومية إنها موَّلَت 10 شركات تقنية لتطوير واختبار أنظمة شهادات الفيروس. 

وانتقد بعض المُشرِّعين والجماعات التجارية البريطانية الخطة، بذريعة أن شهادات الفيروس من شأنها أن تسبِّب التمييز ضد الأشخاص الذين لم يتلقوا جرعةً من اللقاح أو الذين لا يرغبون في مشاركة بياناتهم الصحية. 

أصحاب الحانات في بريطانيا سيقررون من يدخلها

وقالت الوثيقة، إن الحكومة البريطانية لم تدرس ما إذا كانت ستُدخِل نظام الشهادات على نطاقٍ أوسع، في مجالاتٍ مثل الضيافة والفنادق، في نهاية المطاف. وقال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، الشهر الماضي (مارس/آذار)، إنه قد يُسمَح لأصحاب الحانات بتقرير ما إذا كانوا سيطلبون شهادات أم لا. 

وسيؤدِّي طلب إثبات حالة الفيروس لدى الأفراد، لحضور الأحداث أو دخول المباني داخل المملكة المتحدة، إلى إنشاء "مجتمعٍ من نقاط التفتيش، حيث نطلب الشهادات من بعضنا البعض، ويمكن لأيِّ شخصٍ لديه سلطة أن يسألك عن بياناتك الصحية، التي من الواضح أنها من أكثر البيانات حساسية"، على حدِّ قول سيلكي كارلو، مدير مجموعة Big Brother Watch، المعنية بالدفاع عن الخصوصية ومقرها لندن. 

وشركات الطيران ترحب بالفكرة، غير أن هناك مخاوف من التسريب

وتقول مجموعات شركات الطيران والسياحة، إن النظام الشامل للاتحاد الأوروبي يمكن أن يشجِّع السفر بعد عامٍ من الإغلاق. لكن أغنيس ليروكس، مديرة السياسات في الخطوط الجوية لأوروبا، وهي أكبر رابطة خطوط طيران في الاتحاد الأوروبي، قالت إنه لم يُحدَّد بعد ما إذا كانت شركات الطيران ستتعامل مع بيانات الركَّاب عند التحقُّق من شهادات الفيروس، وهذا الشرط سيجعل الشركات مسؤولةً في حالة سوء التعامل مع المعلومات. 

ويمكن أن يؤدِّي أيُّ خطأ أو أيُّ تسريب أو إساءة استخدام للبيانات إلى توقيع غرامات. وقالت ليروكس، إن ذلك سيعني أيضاً تدقيقاً شديداً من قِبَلِ سلطات خصوصية البيانات على المستوى الوطني في شركات الطيران، حسب تقرير Wall Street Journal.   

إلى متى تظل شهادات الحصانة من فيروس كورونا صالحة؟

وقال منظِّمو الخصوصية في ورقة رأي نُشِرَت الأسبوع الماضي، إن السلطات التي تشغِّل نظام شهادات الاتحاد الأوروبي يجب أن تحدِّد المدة التي ستحتفظ فيها بالبيانات الشخصية، وكذلك مدة صلاحية الشهادات. وحذَّرَ المنظِّمون من إنشاء قاعدة بيانات مركزية لتخزين البيانات الصحية للأوروبيين. 

وقال أوستاران، إنه بموجب قوانين الخصوصية في المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، يتعيَّن إعادة تقييم أيِّ تطبيقٍ أو أداة تجمع بياناتٍ صحية حسَّاسة إذا أرادت السلطات توسيع نطاق استخدامها بما يتجاوز الغرض الذي اقتُرِحَت له في البداية، مثل الأشخاص الذين يحضرون التجمُّعات الكبيرة أو السفر الدولي. 

ويُلزِم القانون الشركات والمؤسَّسات التي تجمع البيانات الشخصية بالتأكُّد من إعطاء الأفراد الإذن لهم باستخدام معلوماتهم الشخصية لغرضٍ معين، والحصول على إذنٍ آخر إذا كانت بياناتهم ستُستخدَم لأيِّ تطبيقٍ إضافي. ولا تزال المملكة المتحدة، التي غادرت الاتحاد الأوروبي العام الماضي، تطبِّق اللائحة العامة لحماية البيانات الخاصة بالاتحاد الأوروبي. 

إضافة إلى ذلك، قال أوستاران إن العاملين على شهادات فيروس كورونا سيكونون بحاجةٍ إلى حذف البيانات عندما تصبح غير صالحة، اعتماداً على المدة التي تستغرقها المناعة وحماية اللقاح، وهو ما لا يعرفه العلماء بعد. 

وتتطلَّب لائحة حماية البيانات العامة من الشركات الاحتفاظ بالحدِّ الأدنى من البيانات الضرورية وحذف المعلومات التي لم تعد بحاجةٍ إليها. 

تحميل المزيد