أطلق نظام الرئيس السوري بشار الأسد حملة متعددة المسارات لإقناع الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات عن النظام أو تخفيفها، وعمد إلى محاولة الوقيعة بين الدول الأوروبية لتنفيذها.
وتركزت المحاولة على إظهار أن النظام يحارب الإرهاب، إضافة إلى محاولة الاستفادة من مواقف بعض الدول الأوروبية التي يحكمها أنظمة قريبة لليمين المتطرف أو معادية لتركيا مثل اليونان.
وكان الاتحاد الأوروبي قد فرض عقوبات على نحو 350 فرداً وكياناً سورياً. ومن المتوقع أن يمدد، في مايو /أيار المقبل، العقوبات الدورية على دمشق، حيث لا يزال ملتزماً بخلاصة المجلس الوزاري، التي تربط المساهمة في إعمار سوريا بـ"تقدم جوهري في العملية السياسية لتطبيق القرار 2254″، حسبما ورد في تقرير لصحيفة الشرق الأوسط السعودية.
وأعلنت اليونان في مايو/أيار 2020 تعيين السفيرة السابقة، تاسيا أثاناسيو، مبعوثة خاصة إلى سوريا، فيما نظر إليه كخطوة لإعادة العلاقات مع دمشق، وقبل ذلك أعلنت المجر نيتها تعيين سفير لها في سوريا.
خطة الأسد تبدأ بحرب عرائض ورسائل
خلال الفترة الماضية أرسل موالون للنظام رسائل إلى جهات دولية، تحثها على تخفيف العقوبات عن النظام السوري لتخفيف آثار جائحة كورونا (كوفيد- 19) الاقتصادية.
بينما أرسل معارضون للأسد رسائل مضادة توضح أن العقوبات سببها النظام، وتطلب تشديدها لإجباره على الخضوع للحل السياسي، مؤكدين أن النظام لا يوصل كل المساعدات التي تصله إلى السوريين ليزيد عدد الجياع.
من هذه الرسائل
- وجه من وصفوا بـ100 شخصية اعتبارية دينية ومدنية من حول العالم، في نهاية يناير/كانون الثاني 2021، رسالة إلى الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، مخاطبة إياه بخصوص الوضع الإنساني الرديء الذي يعيشه الشعب السوري، تقوم مجموعة الشخصيات رفيعة المستوى ذاتها في هذه الأيام بتحرك جديد، هو عبارة عن حملة مطالبة عالمية إلكترونية للضغط على بايدن وجميع رؤساء الدول التي فرضت عقوبات أمريكية بشكل انفرادي على سوريا لرفع الحصار عن سوريا، وذلك تحت عنوان: "أوقفوا العقوبات على سوريا". كما تشمل هذه الحملة -إضافة إلى رسالة إلى الرئيس الأمريكي بايدن- رسائل إلى كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وأخرى إلى رئيس الحكومة البريطاني بوريس جونسون.
- في المقابل صدرت رسالة من "لجنة متابعة مؤتمر المسيحيين العرب"، في 10 يناير/كانون الثاني، إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن، والفرنسي إيمانويل ماكرون، تطالب بزيادة العقوبات وتتحدث عن أنه لا يمكن تخفيفها عن النظام الذي ارتكب جرائم حرب موثقة.
الرسالة جاءت رداً على الرسائل الموجهة إلى الرئيسين الفرنسي والأمريكي، والمطالبة برفع العقوبات عن النظام السوري.
- رسالة إلى بابا الفاتيكان من سوريين مغتربين موالين للنظام، في 18 مارس/آذار 2021، يطالبون برفع العقوبات.
– رسالة وجهتها شخصيات سياسية وأكاديمية سورية إلى الحكومة البريطانية ووزير خارجيته دومينيك راب، في 26 يناير/كانون الأول 2020، للإسراع في اتخاذ إجراءات مماثلة بشأن إقرار عقوبات على أسماء الأخرس، زوجة رئيس النظام السوري، ووالديها وأخويها من قِبل الولايات المتحدة، على اعتبار أنهم يحملون الجنسية البريطانية.
رسالة من وزير خارجية النظام تحاول الوقيعة بين الأوروبيين
ووصل الأمر إلى إرسال وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، رسالةً خطّية غير علنية، بعث بها وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، إلى عدد من وزراء الخارجية الأوروبيين، تضمنت المطالبة بـ"فتح حوار" مع دمشق و"الحيلولة دون اتخاذ أي مواقف جديدة ضمن إطار الاتحاد الأوروبي".
ولم يردّ وزراء الخارجية في عدد من الدول الأوروبية على الرسالة.
وقالت صحيفة الشرق الأوسط السعودية إن المقداد بعث برسالة خطّية إلى عدد من وزراء الخارجية في عدد من الدول الأوروبية (التي توصف بأنها وسطية)، بينها النمسا ورومانيا وإيطاليا واليونان، وحصلت "الشرق الأوسط" على نسخة منها.
وجاءت رسالة وزير الخارجية السوري قبل مؤتمر بروكسل للمانحين لدعم الشعب السوري، الذي عقد نهاية شهر مارس/آذار 2021.
وقال دبلوماسي أوروبي لـ"الشرق الأوسط" إن المقداد "أراد أن يدق إسفيناً بين الدول الأوروبية لاختبار مدى وحدة الموقف"، لافتاً إلى أنه "على الأغلب لم يكن يتوقع رداً من وزراء الخارجية على رسالته".
وتضمنت رسالة المقداد، الذي تسلم منصبه خلفاً لوليد المعلم، في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، الإشارة إلى أن الأوضاع في سوريا أدت إلى انتشار الإرهاب الذي أثر على أوروبا، كما أشار إلى مخاطر "التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، سواء كان ذلك بالتدخلات العسكرية المباشرة أو عن طريق ما يُعرف إعلامياً بالقوة الناعمة، بُغية فرض أجندات سياسية معينة مع تحقيق مصالح ضيقة وربما آنيّة، تبعد كل البعد عن مصالح وتطلعات الشعوب، وبأسلوب يمثل انتهاكاً صارخاً للسيادة الوطنية، ولأحكام القانون الدولي، وكذلك لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة".
كان اللافت تركيز المقداد على ما يوصف بالدول الأوروبية الوسطية في مواقفها من النظام السوري، حيث دعا دولاً مثل اليونان وقبرص ورومانيا والتشيك وهنغاريا (المجر) وإيطاليا، إلى "الحيلولة دون اتخاذ أي مواقف جديدة ضمن إطار الاتحاد الأوروبي"، التي عدّها عائقاً أمام "الحوار المنشود والعودة الطوعية والآمنة للاجئين، في ظل الاحترام الكامل للقانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة، والقانون الإنساني الدولي".
وزعم أن الحكومة السورية "قد بذلت وتُواصل بذل قصارى جهدها من أجل الوصول إلى حل للأزمة السورية، ذلك الذي يحقق تطلعات الشعب السوري الحقيقية ضمن الاحترام الكامل لسيادته الوطنية".
وطالب الوزراء الأوروبيين بضرورة العمل على الإفادة من "دروس السنوات القاسية"، للعمل على "عدم السماح مستقبلاً باستمرار السياسات الخاطئة التي تتبناها بعض الحكومات المعروفة".
وجاء الرد الأوروبي غير المباشر من مسؤول الشؤون الأمنية والخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، حسب صحيفة الشرق الأوسط
إذ قال في مدونته، إذا "اتخذت الحكومة السورية الخطوات السليمة في الاتجاه الصحيح، سنستجيب جميعاً"؛ بهدف الوصول إلى "سوريا الجديدة"، مضيفاً: "لن نتوقف عن فرض العقوبات الاقتصادية، ولن يكون هناك تطبيع من أي مستوى، ولن ندعم جهود إعادة الإعمار أبداً حتى نشهد بدء عملية الانتقال السياسي في سوريا".
وساهم هذا "الرد القاطع" من بوريل، والوحدة في الموقف الأوروبي في تريث المقداد في الاستمرار بمطالبة الأوروبيين بفتح الحوار، والسعي إلى فتح شقوق في جدار الموقف الأوروبي، حسب الصحيفة.
وقال المفوض بوريل: "مصالحنا كأوروبيين بسيطة للغاية، وهي تتسق مع ما يريده المواطنون السوريون أيضاً: نريد لسوريا أن تعاود الوقوف على أقدامها كدولة جوار آمنة ومستقرة (…) اتفقت الأطراف الدولية والأطراف الأخرى المعنية بالأزمة السورية على ضرورة صياغة دستور جديد للبلاد مع إجراء الانتخابات الحرة والنزيهة تحت رعاية وإشراف منظمة الأمم المتحدة بموجب 2254".
وأضاف: "سوريا تحتاج إلى تغيير المسار الراهن (…) ويقع على عاتق النظام السوري الحاكم مسؤولية كبرى في اتخاذ الخطوات المهمة والمنصوص عليها في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. وإذا ما اتخذت الحكومة السورية الخطوات السليمة في الاتجاه الصحيح، سنستجيب جميعاً لذلك. وحتى بلوغ هذه اللحظة، سوف نواصل ممارسة الضغوط على الصُّعد كافة. لن نتوقف عن فرض العقوبات الاقتصادية، ولن يكون هناك تطبيع من أي مستوى، ولن ندعم جهود إعادة الإعمار أبداً حتى نشهد بدء عملية الانتقال السياسي في سوريا".
الأمريكيون ينضمون لهم
ولكن من الواضح أن الدول الأوروبية الأكثر تشدداً تجاه الأسد، بدأت تشعر بوطأة حملة الدعوة لرفع العقوبات، خاصة أن الأسد يحظى بشعبية كبيرة في أوساط اليمين المتطرف، والأوساط القريبة منه.
ولذا كان لافتاً أن وزراء خارجية 18 دولة أوروبية قالوا في مقال مشترك نُشر على الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية الفرنسية وصحيفة "فيلت الألمانية"، في 31 مارس/آذار 2021، إن "دولنا ملتزمة بضمان عدم إفلات مجرمي الحرب ومرتكبي التعذيب (في سوريا) من العقاب، ولن تغلب جرائمهم رغبة الشعب السوري في الكرامة والعدالة".
وطالب الوزراء بـ"تسليط الضوء الكامل على هذا العقد من الأعمال الوحشية". وأضافوا "نواصل دعوتنا إلى السماح للمحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق في الجرائم التي يشتبه في ارتكابها بسوريا ومحاكمة الجناة".
وإلى جانب وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، شارك في صياغة المقال وزراء خارجية كل من فرنسا، وإيطاليا، وهولندا، والدنمارك، والسويد، وفنلندا، وبلجيكا، وأيرلندا، وسلوفينيا، والنمسا، ومالطا، والبرتغال.
ورُفعت بالفعل قضايا في عدة دول أوروبية على أساس مبدأ الولاية القضائية العالمية، الذي يسمح بمحاكمة مرتكبي أخطر الجرائم بغض النظر عن جنسيتهم ومكان حدوث الجرائم.
وفي فبراير/شباط، أدانت محكمة ألمانية عضواً سابقاً في جهاز الاستخبارات السوري بتهمة "التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية"، في إطار أول محاكمة في العالم تتعلق بانتهاكات منسوبة إلى النظام السوري.
وتصر الدول الأوروبية على أنها لن تنفق الأموال على إعادة بناء واسعة في سوريا، حتى يلتزم الأسد بعملية سياسية حقيقية لحل النزاع، حسب موقع دويتش فيليه الألماني.
ولكن اللافت أنه في المقابل قررت برلين فتح الباب لإعادة اللاجئين السوريين المدانين بجرائم في ألمانيا إلى بلادهم، وهو ما قد يفتح الباب ليس فقط لاضطهادهم من قبل الأسد، بل أيضاً حدوث نوع من أنواع التطبيع مع النظام السوري من قبل برلين.
وفي منتصف شهر مارس/آذار الماضي، قالت الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية إن الرئيس السوري بشار الأسد وداعميه يتحملون المسؤولية عن سنوات الحرب والمعاناة الإنسانية التي أعقبت ذلك.
جاء ذلك في بيان لوزراء خارجية الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا في بيان مشترك صدر بمناسبة الذكرى العاشرة للثورة السورية.
الأسد يرفض إعادة اللاجئين
وبينما يريد الأسد رفع العقوبات فإنه يتهرب من أي جهود لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم (وهي المشكلة الأكبر حالياً بالنسبة للأوروبيين).
ويأتي موقف الأسد في إطار محاولة لتثبيت عملية تغيير الهوية المذهبية لسوريا، بعدما أصبح السنة العرب أقلية في البلاد جراء عمليات التهجير والقتل الذين تعرضوا لها.
وبينما يتحدث الأسد أحياناً عن عودة اللاجئين السوريين، ولكنه على أرض الواقع اتّخذ إجراءات تجعل ذلك مستحيلاً.
فبالإضافة إلى الملاحقات الأمنية، يمكن القول إن النظام انتهى تقريباً من عملية تطهير طائفي، ويقوم حالياً بتكييفها قانونياً لضمان عدم عودة اللاجئين للأبد، عبر مصادرة أملاك اللاجئين ومنعهم من المشاركة بأي انتخابات، وصولاً إلى إسقاط الجنسية عن اللاجئين السوريين.