أزمة غير عادية مرت بها المملكة الأردنية الهاشمية هذا الأسبوع، حيث يواجه ملك الأردن عبدالله الثاني انقساماً لم يسبق له مثيل داخل العائلة المالكة، بعد اتهامات لأخيه غير الشقيق وولي العهد السابق الأمير حمزة بن الحسين بالتآمر مع "جهات خارجية للإطاحة بالملك"، فيما وصفته صحيفة واشنطن بوست بأنه "محاولة انقلاب"، لينشر الديوان الملكي الأردني لاحقاً رسالة وقّعها الأمير حمزة، يؤكد فيها "ولاءه لأخيه الملك عبدالله الثاني"، فكيف أدارت السلطات في المملكة هذه الأزمة؟
هل نجحت الأردن بإدارة "الأزمة الملكية"؟
يقول تقرير لصحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية إنه بالرغم من ظهور عمّان كأنها قد تمكنت بنجاح من إدارة الأزمة التي شهدتها مطلع هذا الأسبوع، فإنها قد تطرح أسئلة دائمة حول ما حدث ومن يتحمل مسؤوليته ومدى استمرارية هذه الأزمة. فما بدأ باتهامات من نائب رئيس الوزراء الأردني ووزير الخارجية أيمن الصفدي، للأخ غير الشقيق للملك عبدالله الثاني بالضلوع في "مؤامرة خبيثة"، سرعان ما تكشَّف في الفترة بين 3 و6 أبريل/نيسان، ولا تزال تبعاته مستمرة على الشارع الأردني ومنصات التواصل الاجتماعي.
والتفاصيل ليست وحدها المهمة وإنما كيف اُستقبلت هذه الأزمة في الخارج. فلا يبدو أن أي دولة في المنطقة حاولت تأجيج هذه الأزمة أو استغلالها. وبدا أن الجميع يقف إلى جانب الملك، من قطر إلى تركيا، ومن إسرائيل إلى الخليج، ومن الولايات المتحدة إلى المملكة المتحدة. وهذه إشارة مهمة لأنه في الماضي، خاصةً حين وقعت الأزمة الخليجية بين قطر والسعودية، كانت وسائل الإعلام في المنطقة تعمل أحياناً على إذكاء نيران الحديث عن "المؤامرات الملكية" في محاولة لتشجيع هذه الأنواع من الأزمات في مختلف الأنظمة الملكية، تقول "جيروزاليم بوست".
وتقول الصحيفة الإسرائيلية إن المنطقة اليوم منقسمة بين الأطراف الموالية لإيران، والدول المرتبطة بالرياض والتحالف القطري التركي الذي يبدو أكثر ميلاً لجماعة الإخوان المسلمين. إلا أنه مع عودة قطر إلى المناقشات مع جاراتها الخليجية، وسعي تركيا إلى التطبيع، تراجعت هذه التلميحات المبطنة.
وسائل الإعلام الغربية راقبت المشهد الأردني عن كثب
وكانت وسائل الإعلام العالمية تراقب أزمة الأردن عن كثب. وشعرت معظم وسائل الإعلام، من هيئة الإذاعة البريطانية BBC إلى شبكة CNN وقناة France24، بضرورة محاولة توعية القراء بـ"أهمية المملكة". وقالت شبكة CNN إن هذه الأزمة "أثارت ذعراً في المنطقة". وركزت عليها في صفحتها الرئيسية خلال 4 و5 أبريل/نيسان، في تغطية غير مسبوقة عن الأردن. على أن الأردن يفضل تغطية أكثر إيجابية، ويتعين عليه الإشراف على طريقة تصوير هذه الأزمة.
وكانت الرسالة الأساسية التي استطاعت المملكة أن تخرج بها وتقبلتها معظم وسائل الإعلام الغربية هي أن "الأمر يتعلق بالاستقرار. وأنه كانت هناك مؤامرة جارية على قدم وساق لزعزعة استقرار المملكة. والمملكة حليف للغرب لا ينبغي زعزعة استقراره".
وذكرت شبكة CNN أن "الدعم تدفق على المملكة من شركاء دوليين وإقليميين. وسارعت دول الخليج العربي القوية إلى تأكيد دعمها للملك، الذي تلقى في وقت لاحق سلسلة من المكالمات الهاتفية من هؤلاء القادة. وبدا أن نيتهم تبرئة ساحتهم من "هذه المؤامرة الأجنبية المزعومة"، لكن دعم الملك عبدالله باعتباره شريكاً رئيسياً بدا صادقاً إلى حد كبير، بحسب الصحيفة الإسرائيلية. وكان هناك إدراك واضح لخطورة ما قد يحدث، فزعزعة استقرار بلد مثل الأردن قد تجلب متاعب لكثير من البلدان الأخرى في المنطقة.
ووصفت قناة France24 الأردن بأنه "محور الاستقرار". ولا يتجاوز عدد سكان الأردن 10 ملايين نسمة، ولكنه يتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة في منطقة مضطربة؛ إذ تحده إسرائيل والضفة الغربية المحتلة وسوريا والعراق والسعودية وهو الوصي الرسمي على المسجد الأقصى. وكانت قدرة المملكة على حشد الدعم في الخارج مهمة في الساعات التي تلت اندلاع الأزمة.
إلى أين ستتجه الأزمة داخل العائلة المالكة في الأردن؟
وتقول "جروزاليم بوست" إنه يتعين الآن تحليل التصريحات السابقة المتعلقة بهذه الأزمة، التي تضمنت اتهامات قوية للغاية، لمعرفة إن كانت المملكة مستمرة في مزاعم مؤامرة أجنبية تكشفت يوم 4 أبريل/نيسان، أو ما إن كانت قد انتهت بهدوء. وربما تشير الأزمات الأخرى في الأردن، مثل الاقتصاد وكوفيد-19، إلى أنه من مصلحة عمّان أن ينتهي هذا الأمر بهدوء. وجهود الوساطة والحد من الحديث عن المؤامرات الأجنبية قد يؤدي إلى ذلك.
إذ إن المنطقة "تحب الشائعات" وتعقيد الأنباء المتعلقة بالمؤامرات، مما قد يقوض علاقات أخرى. ولهذا السبب، فور أن بدأت الشائعات في 4 أبريل/نيسان، أذكت سلسلة من المناقشات في المنطقة تتناقض مع الخطاب الواضح عن الاستقرار وجهود الوساطة القادم من عمَّان ووسائل الإعلام الكبرى.
في السياق، يقول تقرير لصحيفة "The Times" البريطانية إن التقارير التي تتحدث عن حدوث انشقاق في العائلة المالكة الحاكمة بسبب "مؤامرة على الملك"، وفرض إقامة جبرية على الأمير حمزة، هي أنباء مقلقة؛ لأن الأردن حليف سياسي وعسكري موثوق به للغرب، وملاذ لملايين اللاجئين من سوريا والعراق ودول أخرى التي تعاني الفوضى على حدوده.
وتقول الصحيفة إن الأمير حمزة أصبح الآن نقطة محورية لعدد متزايد من الأردنيين غير الراضين عن الصعوبات الاقتصادية والتوترات السياسية في البلاد التي تعاني من قلة الموارد وشح الصادرات، كما يعاني البلد الصغير من اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
وفي السنوات الأخيرة، تزايدت قصص الفساد وعدم الكفاءة، وظل الملك عبدالله الثاني يعتمد على جهاز استخباراته القوي لتهدئة الاستياء الشعبي حتى أصبح سلطوياً بشكل متزايد في محاولة الحفاظ على استقرار الحكم.
"يجب على ملك الأردن فهم إشارات السخط الشعبي"
وتقول الصحيفة: يبدو أن تودد الأمير حمزة إلى العشائر الأردنية، التي هي حجر الأساس لدعم الأسرة الهاشمية، أثارت استياء الملك بشكل كبير، مضيفة في الوقت نفسه أن حديث النظام عن "قوة أجنبية" تدعم محاولة انقلاب هو أمر غير واقعي وبعيد المنال، كما أن توجيه أصابع الاتهام إلى إسرائيل هو وسيلة شائعة لحفظ ماء الوجه للحكام العرب المُحرجين، لأنه من المؤكد أن إسرائيل ليس لديها مصلحة في زعزعة استقرار دولة على حدودها أبرمت معها معاهدة سلام حيوية وإن كانت باردة، منذ عام 1994.
تقول الصحيفة البريطانية: "في النهاية، يجب أن يكون الأمل الآن أن الملك قد فهم إشارات السخط الشعبي الكبير، وأنه يجب عليه كبح جماح المسؤولين المتعجرفين المكروهين من الناس. وفي الوقت نفسه، يجب على الغرب أن يقف على أهبة الاستعداد لتقديم المزيد من المساعدة والدعم للأردن، وإلا فإن هذه الأزمة داخل العائلة المالكة، قد تهدد أسس المملكة الهاشمية واستقرارها".