لا يزال الأردن محط اهتمام الجميع ليس فقط في الشرق الأوسط، ولكن حول العالم، في ظل استمرار ما وصفته الصحافة الغربية بدراما العائلة الملكية، وسط تخوف من تأثير الأحداث غير المسبوقة على الاستقرار في المنطقة.
فبعد خروج أنباء حكومية أردنية الليلة قبل الماضية تتّهم ولي عهد الأردن السابق، الأمير حمزة بن الحسين، بالتآمر مع "جهات خارجية" للإطاحة بالملك فيما وصفته صحيفة واشنطن بوست بأنه "محاولة انقلاب"، أثارت تلك الأنباء موجات من الصدمة طالت جميع أنحاء الشرق الأوسط وانتشر الحديث عما يشكّله ذلك من تهديد بزعزعة استقرار حليف غربي رئيسي في المنطقة، بحسب تقرير لصحيفة The Times البريطانية.
تسجيل جديد للأمير حمزة
وبعد نحو يوم من الانتظار، ما بين انتشار أنباء عن اعتقالات لمسؤولين كبار سابقين في الديوان الملكي الأردني ووضع الأمير حمزة قيد الإقامة الجبرية وما نتج عن ذلك من انتشار لتقارير وتحليلات كثيرة وبين عقد نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية أيمن الصفدي مؤتمراً صحفياً كشف فيه أمس الأحد 4 أبريل/نيسان أن السلطات اعتقلت ما لا يقل عن 16 مشتبهاً به بسبب مؤامرة تهدف إلى "تقويض الأمن" في البلاد، لا تزال فصول القصة مستمرة.
فقد تم نشر مقطع صوتي جديد اليوم الإثنين للأمير حمزة يتحدث فيه عن تهديد تلقاه من رئيس الأركان يوسف أحمد الحنيطي، مشيراً إلى أنه يرفض أوامر وضعه قيد الإقامة الجبرية. ووصف الأمير في التسجيل الذي يبلغ طوله 46 ثانية الوضع بأنه "صعب"، وقال إن رئيس هيئة الأركان هدده، مشيراً إلى أنه سجل كلام الحنيطي ووزعه على معارفه في الخارج وأقاربه، في حال حدث شيء ما.
ومن الجدير بالذكر هنا أن نظام الحكم في الأردن هو نظام ملكي دستوري، لكن واقع الأمر أن السلطة التنفيذية منوطة بدرجة كبيرة بالملك، الذي يملك الحق في الموافقة على جميع القوانين أو رفضها، وتعليق البرلمان أو حله، إضافة إلى تعيين جميع القضاة في المملكة.
وبالتالي تأتي تلك المزاعم لتكشف عن انقسام فادح التأثير في الأسرة الهاشمية الحاكمة بين الأخوين غير الأشقاء، وكلاهما من أبناء الملك الراحل الحسين، الذي تُوفي عام 1999، وجاء الإعلان الرسمي عن الأنباء بعد ساعات من تسريب الأمير حمزة، الذي يبلغ من العمر 41 عاماً، لمقطع فيديو قال فيه إنه تحت الإقامة الجبرية وهناك محاولة لإسكاته.
كما اعتُقل مدير المكتب الخاص للأمير تحت تهديد السلاح في مداهمات جرت في منطقة دابوق في عمان، حيث يوجد الديوان الملكي. وقال الصفدي في الندوة الصحفية: "رصدت التحقيقات تدخلات واتصالات شملت اتصالات مع جهات خارجية حول التوقيت الأنسب للبدء بخطوات لزعزعة أمن" البلاد، و"كان من الواضح أنهم (قد) انتقلوا من مرحلة العزم والتخطيط إلى العمل".
اتهامات لأجهزة أمنية أجنبية ونفي لتلك الاتهامات
وتحدث الصفدي عن شخص له ارتباطات بـ"أجهزة أمنية أجنبية"، رفض الكشف عن هويتها، وكيف أن ذلك الشخص تواصل مع زوجة الأمير حمزة، الأميرة بسمة بني أحمد، وعرض عليها طائرة لتهريب الزوجين إلى خارج الأردن.
كما زعمت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية أن عميلاً سابقاً للموساد، دعته باسم روي شبوشنيك، مشارك في خطة الهروب، لكن على الطرف الآخر، وصف شبوشنيك، وهو مواطن إسرائيلي، نفسه الليلة الماضية بأنه صديق للأمير حمزة، لكنه نفى أن يكون قد خدم في أي وقت مع أجهزة استخبارات سواء في إسرائيل أو أي دولة أخرى.
وقال شبوشنيك في بيان له نقله موقع Axios الأمريكي: "في نهاية هذا الأسبوع، اتصل الأمير حمزة [بي] ليصف الوضع الجاري في عمان وللتعبير عن مخاوفه بشأن سلامة عائلته"، و"رداً على ذلك، وجهت دعوةً إلى زوجة الأمير وأبنائه للبقاء في منزلي في أوروبا"، وقال شبوشنيك إنه ليس لديه علم أو علاقة بأي أحداث "يُزعم أنها تحدث في الأردن".
أما الصفدي، فقال إن عملاء الاستخبارات الأردنية كانوا على علم بالمؤامرة منذ فترة ورفعوا تقارير بشأنها إلى الملك، "لكن جلالته ارتأى التحدث مباشرة مع الأمير حمزة للتعامل مع المسألة ضمن إطار الأسرة الهاشمية"، وأضاف نائب رئيس الوزراء أنه على الرغم من عدم توجيه اتهامات إلى الأمير حمزة، فقد طُلب منه "وقف كل هذه الأنشطة والتحركات التي تهدد الأردن واستقراره".
صراع القصر يهدد الاستقرار
وفي المقابل، أثارت التقارير التي تتحدث عن محاولة انقلابٍ مخاوفَ في الغرب بشأن استقرار الأردن ومنطقة الشرق الأوسط، وهو ما دفع زعماء العالم للاحتشاد خلف الملك عبدالله، وأعلنت الجامعة العربية "تضامنها الكامل" مع الإجراءات التي اتخذتها السلطات الأردنية للحفاظ على الأمن، مكررةً بذلك تصريحات السعودية والبحرين والسلطة الفلسطينية وبريطانيا وأمريكا.
وأعربت بريطانيا وأمريكا وحكومات أخرى صراحةً عن دعمها القوي للملك عبد الله، الذي كانت بلاده حليفاً أساسياً وشريكاً في التحالف الدولي الذي شارك في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
وقال جيمس كليفرلي، وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: "المملكة الأردنية الهاشمية شريك ذو قيمة كبيرة للمملكة المتحدة. والملك عبدالله يحظى بدعمنا الكامل".
وتؤكد حملة الاحتشاد الدولي لدعم "الشريك الاستراتيجي الرئيسي" أهميةَ الأردن باعتباره واحةً من الهدوء النسبي في منطقة تضطرم بالاضطرابات.
وتشمل أبعاد الشراكة الاستراتيجية الأردنية الغربية أموراً مثل توقيع الأردن لمعاهدة سلام مع إسرائيل في عام 1994، كما أن البلاد كانت قاعدة انطلاق للضربات الجوية الأمريكية منذ حرب الخليج فصاعداً. وفي الآونة الأخيرة، كانت قاعدة للقوات الخاصة الأمريكية والبريطانية في خضم العمليات القتالية ضد تنظيم الدولة الإسلامية، حتى في ظل خطر الهجمات الإرهابية المحلية.
ملايين اللاجئين في الأردن
كما تتمتع المملكة الهاشمية بمكانة كبيرة في العالم العربي بسبب استضافتها لملايين من اللاجئين الفلسطينيين والعراقيين والسوريين، ويبلغ عدد سكان البلاد 10 ملايين نسمة، كثير منهم فلسطينيون حاصلون على الجنسية الكاملة، كما يوجد في المملكة أكثر من مليوني لاجئ فلسطيني مسجَّل وأكثر من 600 ألف سوري.
بالإضافة إلى ذلك، فإن المملكة هي التي تتولى الوصاية الرسمية على شؤون المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية في القدس.
وفي تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية، جاء أن ما زاد من خطورة هذا التوتر، هو أنه يأتي في وقتٍ لا تنفك تتدهور فيه العلاقات الأردنية مع إسرائيل بسبب إصرار الأخيرة على خططها لضم أجزاء من الضفة الغربية. وفي الآونة الأخيرة، انخرطت العائلة المالكة الأردنية ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في نوعٍ من العرقلة المتبادلة لخطط الطرف الآخر وضربٍ من تبادل الصفعات.
ومع ذلك، تشير الوكالة الأمريكية إلى أن استقرار الأردن أمرٌ حاسم للمنطقة بسبب دوره التاريخي في الصراع العربي الإسرائيلي ووضعه على حدود سوريا والعراق اللتين مزقتهما الحرب، وأيضاً لوقوع البلاد على مفترق طرق بين التنظيمات المتطرفة في البلدين وما يُسمى بهلال النفوذ الإيراني في المنطقة.
ولكل هذا وغيره، لطالما قدّمت المملكة نفسها على أنها قوة اعتدال في منطقة مضطربة. وللسبب نفسه، دائماً ما أبدت إسرائيل حرصها على استقرار الأردن، لأن أي انفجار داخلي قد يعني وجود نظامٍ معادٍ لها أو فوضى على حدودها، بحسب وكالة Bloomberg.