في خطوة من المتوقع أن تؤدي إلى تصعيد الصراع على السلطة داخل حركة فتح وتقويض آمالها في الاحتفاظ باحتكار السلطة في الانتخابات المقبلة، أعلنت مجموعة تابعة للمناضل الفلسطيني الأسير والقيادي في حركة فتح، مروان البرغوثي، عن قائمةٍ منشقة انتخابياً عن القائمة الرسمية لحركة فتح التي تسيطر على السلطة الفلسطينية منذ إنشائها، للمنافسة في الانتخابات التشريعية المقررة في 22 مايو/أيار 2021. فما تبعات هذا الأمر وكيف يمكن قراءته؟
ما تبعات تحدي البرغوثي لعباس؟
يحظى مروان البرغوثي باحترام كبير داخل حركة فتح، وعلى الرغم من أنه يقضي منذ فترة طويلة عدة أحكام بالسجن المؤبد في السجون الإسرائيلية بتهم قتل إسرائيليين، فإنه لا يزال يحظى بشعبية كبيرة بين العديد من كوادر الحزب، ويعتبر مرشحاً محتملاً للرئاسة الفلسطينية في المستقبل، كما يقول تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
من ناحية أخرى، يذهب محللون إلى أن هذا الانشقاق قد يفضي إلى انقسام أصوات حركة فتح، وهو ما قد يأتي في مصلحة حركة "حماس" التي تسيطر على قطاع غزة، ويمكن أن يتسبب بتصدعات في جسم السلطة الفلسطينية نفسها.
تعليقاً على هذا القرار، يقول غيث العمري، المستشار السابق للرئيس الفلسطيني محمود عباس، وكبير المحللين في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: "هذا تطور بارز ومحوري. إنه تحدٍّ كبير لاستراتيجية عباس الانتخابية، ولسيطرته على حركة فتح بوجه عام".
دعا عباس، الذي يقود السلطة الفلسطينية منذ 16 عاماً، إلى الانتخابات الجديدة على أمل إعادة تثبيت شرعيته ديمقراطياً وإعادة تأسيس إدارة فلسطينية موحدة.
ولم تُجر السلطة انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني، منذ عام 2006. وعمل عباس على تأجيلها مراراً وتكراراً، لأسباب من بينها خشيته الخسارة أمام حركة حماس، التي اكتسحت الانتخابات وانتزعت السيطرة على قطاع غزة من السلطة الفلسطينية بإدارة فتح منذ عام 2007.
وكان الأمل الذي أعرب عنه عباس بإعلانه إجراء الانتخابات هو أن تفضي الانتخابات الجديدة في النهاية إلى عقد مصالحة مع حماس، لكن ما حدث حتى الآن هو أنها كشفت بدلاً من ذلك عن صراعٍ كبير على السلطة داخل حركة فتح نفسها.
أكبر تحدٍّ لسيطرة عباس على السلطة الفلسطينية
يقول العمري لنيويورك تايمز: "هذا أحد أهم التطورات السياسية التي تشهدها فتح منذ أن أصبح عباس رئيساً في عام 2005. البرغوثي وحليفه ناصر القدوة مزيجٌ لا يمكن لقيادة فتح أن تغض الطرف عنه بسهولة. إذ لديهما رصيد راسخ من الشرعية في الحركة، ويمثلون تحدياً كبيراً لسيطرة عباس على السلطة داخلها".
كان البرغوثي قد ترشح من قبل لمنصب رئيس السلطة الفلسطينية في عام 2004، قبل أن ينسحب ويعلن تأييده لمحمود عباس. ويحتل البرغوثي مكانة بارزة بوصفه أحد قادة الانتفاضات الفلسطينية أواخر الثمانينيات وأوائل القرن الحادي والعشرين. غير أن محاكم إسرائيلية أدانته في عام 2004 بتهمة المشاركة في قتل خمسة إسرائيليين، وحُكم عليه بخمسة أحكام بالمؤبد، ومن ثم فهو يقود حملاته الانتخابية من زنزانته بالسجن.
لكن واقع الأمر الآن أن أنصار فتح سيضطرون إلى الاختيار بين ثلاثة فصائل مرتبطة بحركة فتح في الانتخابات: القائمة الرسمية، وتحالف البرغوثي والقدوة، ومجموعة منشقة ثالثة بقيادة رئيس جهاز الأمن الوقائي السابق، والمستشار لولي عهد أبوظبي، محمد دحلان.
"مرتدون عن حركة فتح"
من جهة أخرى، يقول أعضاء في تحالف البرغوثي إنهم أنشأوا الفصيل الجديد "لبث الروح في السياسة الفلسطينية التي أصابها الجمود، والتي أصبحت على نحو متزايد عرضاً فردياً يتمحور حول عباس، الذي يتولى الحكم منذ أكثر من عقد من الزمان".
من جانبه، قال هاني المصري، أحد أعضاء التحالف الانتخابي الجديد، في تصريح صحفي الأربعاء 31 مارس/آذار بعد الإعلان عن ترشح قائمة البرغوثي: "النظام السياسي الفلسطيني لم يعد من الممكن الاكتفاء بإصلاحه. إنه بحاجة إلى تغيير جذري عميق".
في المقابل، انتقد مسؤول حركة فتح، جبريل الرجوب، المجموعة المنشقة ووصف أفرادها بأنهم "مرتدّون" عن الحركة. وقال الرجوب، الذي يشغل منصب الأمين العام للجنة المركزية لحركة فتح، في مؤتمر صحفي آخر: "حتى في عهد نبي الإسلام محمد (صلى الله عليه وسلم) كان هناك مرتدون. ومع ذلك فإن حركة فتح قوية ومتماسكة".
إلغاء الانتخابات.. قرار غير سهل ومكلف للغاية
سبق لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أن ألغى الانتخابات في الماضي، ويعتقد مراقبون أنه قد يسعى للقيام بذلك مرة أخرى في الأسابيع المقبلة.
ومع ذلك، فإن غسان الخطيب، وهو محلل سياسي مقيم في رام الله، ووزير سابق في عهد عباس، يقول إن قرار إلغاء الانتخابات عند هذه المرحلة سيكون "مكلفاً للغاية من الناحية السياسية"، و"هناك ثمن سياسي باهظ لهذا القرار".
وأضاف الخطيب أن أفضل أمل لقائد السلطة عباس، هو أن تتدخل السلطات الإسرائيلية في الانتخابات. وسبق أن اعتقلت إسرائيل بعض قادة حركة حماس في الضفة الغربية، وقامت بتحذير آخرين من المشاركة في الانتخابات. ويقول مسؤولون فلسطينيون إن الحكومة الإسرائيلية لم تستجب بعد لطلب السماح بالتصويت في القدس الشرقية.
وهذه التحركات يمكن أن تعطي عباس ذريعة لإلغاء الانتخابات. وهو ما يشير إليه الخطيب بالقول إن عباس "يحتاج إلى عذر يمكن استخدامه لتبرير هذا القرار".
وسبق أن لوحت السلطة الفلسطينية بعدم إجراء الانتخابات إذا لم تتم في القدس المحتلة، وشدد وزير الخارجية رياض المالكي الأسبوع الماضي على أهمية إشراك المقدسيين في الانتخابات ترشيحاً وانتخاباً، وأنه "من دون القدس لن تكون هناك انتخابات".