بدأت لقاحات فيروس كورونا تتسرّب إلى بعض الدول الأفقر في العالم، ويرجع الفضل في ذلك بشكلٍ كبير إلى مبادرة "كوفاكس" المدعومة من منظمة الصحة العالمية لتوزيع اللقاحات بشكلٍ عادل. لكن يقول تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية، إنه بمجرد وصول الجرعات إلى المطارات، تقع مسؤولية تمويل التوزيع وأجور موظفي الرعاية الصحية المسؤولين عن تطعيم السكان بالكامل على كل دولة. وفي كثيرٍ من الحالات، لا يكون ذلك التمويل متاحاً بسهولة.
عقبات تواجه الدول الفقيرة خلال توزيع اللقاحات على سكانها
بحسب الصحيفة، فإنّ تدفّق الجرعات التي وفّرتها مبادرة كوفاكس حتى الآن ما يزال قابلاً للإدارة نسبياً، رغم نقص الإمدادات والتمويل. وتستطيع الدول المحتاجة أن تطلب تمويلاً لدعم توزيع اللقاحات من البنك الدولي أو الولايات المتحدة نظرياً.
لكن خبراء الصحة العامة قالوا لـ"واشنطن بوست" إنّ العديد من الدول منخفضة الدخل على مشارف مواجهة حالات نقصٍ حاد في العمالة المدربة وذات الرواتب بمجال الرعاية الصحية خلال بضعة أشهر، حين تزداد أعداد شحنات كوفاكس.
إذ قالت أيواد ألاكيجا، الرئيسة المشاركة في تحالف تسليم اللقاحات التابع للاتحاد الإفريقي: "هناك اعتقادٌ مغلوط مفاده أنّ لقاحات كوفاكس ستُرسل إلى تلك الدول، ثم تُسلّم إلى المجتمعات المحلية. لكن الدول تتسلّم تلك اللقاحات في المطارات، وهنا تنتهي مسؤولية المبادرة".
وتشعر أيواد بالقلق أيضاً بشأن كيفية تخصيص الموارد المحدودة. فالعديد من الدول الإفريقية لديها "عددٌ منخفض بشدة من العاملين الصحيين مقابل الفرد الواحد. وإذا جرى سحب جميع العاملين الصحيين وتخصيصهم لتطعيم السكان، فسوف تُعاني بقية قطاعات الرعاية الصحية".
العاملون الصحيون بالدول الفقيرة في خطر
تُشير بعض التقديرات إلى أنّ نشر لقاح فيروس كورونا قد يستغرق 10 سنوات في البلدان الفقيرة، وهذا في حال اعتمدت فقط على قدرة عمالة الرعاية الصحية القائمة بحسب ديفيد برايدن، مدير Frontline Health Workers Coalition الذي يهتم بالدول المتوسطة والمنخفضة الدخل. ويجب على صناع السياسات التفكير في أعداد العاملين المتاحين لتطعيم السكان، بالإضافة إلى تدريب وتمويل الأطقم الطبية الإضافية، إلى جانب توعية المجتمع لإزالة التردد بشأن الحصول على اللقاح.
وتتجلّى فجوة الرعاية الطبية في الدول الأفقر داخل إفريقيا: حيث تمتلك دول إفريقيا جنوب الصحراء 0.2 طبيب لكل 1,000 شخص وفقاً لبيانات البنك الدولي، مقارنةً بـ2.6 في أمريكا الشمالية، و3.7 في أوروبا، و1.6 في المتوسط عالمياً. وتضطلع شبكات العاملين غير مدفوعي الأجر أو منخفضي الأجر -وغالبيتهم من الإناث- في مجال الرعاية الصحية بالشطر الأعظم من العمل.
ومنذ بدء نشر اللقاحات قبل ثلاثة أشهر، ذهبت غالبية الجرعات إلى الدول الغربية الغنية، التي هيمنت على إمدادات اللقاحات بالشراء المسبق للجرعات. وقد حثّت منظمة الصحة العالمية الحكومات على منح العاملين في الرعاية الصحية أولوية التطعيم.
في حين قالت رئيسة منظمة Village Reach في سياتل إيميلي بانكروفت إنّه بينما تهدف مبادرة كوفاكس إلى المساعدة في توزيع اللقاحات بشكل عادل، فإنّ التركيز على إيصال اللقاحات إلى الدول غطى على العوامل الأخرى التي تُقيّد الوصول إلى الرعاية الصحية في تلك الدول.
وأردفت إيميلي: "ما نشهده الآن هو أنّ هناك توقّعات بأنّ توزيع اللقاح يُمكن أن يحدث من خلال القوى العاملة والأنظمة القائمة حالياً". لكن ذلك لم يحدث في الولايات المتحدة -التي عانت من أجل توسيع نطاق توزيع اللقاحات- ولن يحدث داخل الدول التي لا تمتلك ما يكفي من التمويل، بحسب إيميلي: "اللقاحات لا تُطعِّم الناس، العاملون في مجال الرعاية الصحية هم من يُطعّمون الناس. ويجب أن ينصب تركيزنا الآن على زيادة قدرة الأنظمة الصحية".
القيود المالية تعرقل وصول اللقاحات للدول الفقيرة
قبل الحصول على مخصصات اللقاح من كوفاكس، كانت الدول المتوسطة والمنخفضة الدخل مضطرةً لتقديم خططها القومية لنشر اللقاحات بتفاصيلها. وفي منتصف يناير/كانون الثاني، ألغت مبادرة كوفاكس الاشتراط الذي يُلزم الدول بتقديم خطتها "لتقدير تكلفة وتمويل" توزيع اللقاح، لأنّ بعض الدول وجدت صعوبةً في تحقيق ذلك قبل الموعد النهائي المطلوب بحسب آن ليندستراند التي ترأس برنامج منظمة الصحة العالمية الأساسي للتحصين.
ولجأت العديد من الدول إلى التمويل الذاتي لتوزيع اللقاح، عن طريق تحويل الأموال المخصصة لبرامج الصحة المحلية الأخرى. ومن شأن ذلك أن يُفاقم المخاطر الصحية الأخرى، في حالة مثلاً أن جرى سحب العاملين في عيادة ولادة أو المكلفين بتطعيم الأطفال من أجل تقديم لقاحات فيروس كورونا للسكان.
وقدّرت منظمة Care International أنّه مقابل كل دولار أمريكي واحد تستثمره دولةٌ أو حكومة مانحة في شراء جرعات اللقاح، هناك خمسة دولارات أخرى يجب تخصيصها من أجل تسليم اللقاح.
كما يسود قلقٌ في الدول المتوسطة والمنخفضة الدخل، التي تُعاني من معدلات دين مرتفعة بالفعل، من الحصول على قروض البنك الدولي. لكن ممثلاً عن البنك الدولي قال إنّه يجري إعداد قروض بدون فائدة أو بفائدة منخفضة لتوفيرها للدول المنخفضة الدخل، إلى جانب منح جزئية أو كاملة للدول ذات الدين المرتفع.
ورغم ذلك لا تزال ليندستراند تشعر "بالقلق الشديد. أعتقد أن أمامنا نافذةً صغيرة للغاية الآن من أجل العمل بجد على تمويل الحلول خلال الشهرين أو الثلاثة أشهر المقبلة. فحين تبدأ جرعات كوفاكس في التدفق بأعدادٍ أكبر خلال شهر مارس/آذار على الدول، حينها سنشهد المشكلة الحقيقية".