تسبب جنوح السفينة العملاقة في إغلاق قناة السويس فارتبكت حركة نقل البضائع حول العالم وسط مخاوف من استمرار الأزمة أياماً وربما أسابيع، لكن يبدو أن الصين كانت تتوقع أمراً مشابهاً وبدأت الاستعداد مبكراً، فما قصة "الجمال الفولاذية"؟
وعلى الرغم من أن ناقلة الحاويات العملاقة إيفرغيفن جنحت في مجرى قناة السويس صباح الثلاثاء 23 مارس/آذار ما تسبب في وقف حركة الملاحة، أي منذ 5 أيام فقط، فإن تأثير ذلك على حركة الشحن البحري للبضائع والنفط والغاز أصبح حديث العالم، واليوم الأحد 28 مارس/آذار ازدادت الأمور سوءاً بعد فشل محاولات تعويم السفينة واللجوء إلى تخفيف حمولتها.
تخفيف حمولة السفينة التي يبلغ طولها نحو 400 متر وعرضها 59 متراً وتبلغ حمولتها 223 ألف طن يمثل كابوساً لوجستياً، ويعني أن مدة إغلاق الممر الملاحي الذي يمر منه 12% من حركة التجارة العالمية يومياً أصبحت أطول مما كان يعتقد سابقاً وربما تستمر لمدة أسابيع، بحسب الخبراء.
الصين كانت تستعد من قبل الأزمة بسنوات
وإذا كانت المخاوف بشأن أزمة قناة السويس في أوروبا وأمريكا نابعة من تأخر وصول البضائع التي تنتظرها الشركات المستوردة، فإن الشركات الصينية المصنِّعة لتلك البضائع تسعى إلى تجاوز الاضطرابات الأخيرة في الشحن البحري عن طريق اللجوء إلى تصدير بضائعها برّاً، لا سيما مع موجة من صعود الطلب على البضائع في أوروبا أدّت إلى ارتفاع حاد في الشحن عبر السكك الحديدية عبر القارات.
وقد ساعد التعافي السريع للبلاد من جائحة كورونا في فرض نوعٍ من الهيمنة الصينية على التجارة العالمية خلال النصف الثاني من عام 2020، وزاد عليه عمليات الإغلاق التي أثارت الشهية الأجنبية لشراء السلع الصينية من الإلكترونيات والأجهزة المنزلية.
ومع ذلك، فإن الضغوط المتعلقة بأوقات المرور البحري ونقص الحاويات ما انفكت تجعل الصادرات البرية عبر روسيا وآسيا الوسطى بديلاً أكثر جاذبية، وفقاً لشركات ووكالات، وعلى أثر ذلك، استعانت الصين بأكثر من ألفي قطار شحن نقلت البضائع من الصين إلى أوروبا في الشهرين الأولين من هذا العام، أي ضعف المعدل قبل عام واحد عندما ظهر فيروس كورونا لأول مرة.
ووفقاً للبيانات الرسمية الواردة في وسائل الإعلام الحكومية الصينية، فإن عام 2020 شهد ارتفاع العدد الإجمالي لرحلات القطارات بنسبة 50%، وكانت نسبة تلك الرحلات قد زادت بمقدار سبعة أضعاف منذ عام 2016.
وقالت نينا فانغ، وهي مندوبة مبيعات في شركة لمعدات التدريب الرياضية في مدينة ييوو الصينية، لصحيفة The Financial Times البريطانية إن بضائع شركتها كانت عادةً ما تُنقل عبر البحر. لكن أسعار الشحن البحري "قفزت" منذ منتصف العام الماضي وتضاعف وقت النقل، ما دفع الشركة إلى التحول إلى السكك الحديدية. وتوضح فانغ: "اشتكى عملاء الشركة الرئيسيون في دول أوروبا، مثل فرنسا وألمانيا، من أن كفاءة النقل ووصول المنتجات متدنيةٌ للغاية وأنهم بناءً على ذلك، قد يلتفتون إلى مصدِّرين آخرين. ومن ثم تحولت الشركة الآن إلى الاعتماد بدرجة أساسية على الشحن البري السريع بين الصين وأوروبا لتوصيل البضائع".
الصين تعتمد أكثر على النقل البري
كانت الصين قد تفوقت على الولايات المتحدة العام الماضي 2020 لتصبح أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي من جهة السلع المصدَّرة، وفقاً لبيانات Eurostat، التي أشارت إلى ارتفاع إجمالي الواردات من الصين بنسبة 6% وبلوغها نحو 384 مليار يورو (454 مليار دولار). وهو ما يشير إلى أن الشحن بالسكك الحديدية لا يزال جزءاً صغيراً من إجمالي أحجام البضائع المشحونة.
وتوضح البيانات الواردة أن ميناء يانغ شان، الواقع بالقرب من شنغهاي، تعامل وحده مع ما يقرب من مليوني حاوية سعة 20 قدماً في يناير/كانون الثاني، مقارنة بنحو 209 آلاف حاوية في الإجمالي خلال شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط، للنقل عبر السكك الحديدية.
لكن القفزة الأخيرة في النقل البري من الشرق إلى الغرب تأتي أيضاً على خلفية الاضطرابات الشديدة لمسارات سفن الحاويات، التي أغلقت إحداها قناة السويس هذا الأسبوع بعد جنوحها بين ضفتي القناة، وزادت مبادرة الحزام والطريق من تسهيل هذا التحول إلى النقل البري على نحو لم يكن متوقعاً.
وعلى الرغم من أن سياسة بكين في الاعتماد بشكل متزايد على طرق النقل البري ترجع لسنوات، فإن استراتيجية البنية التحتية الدولية للصين وجدت دفعة جديدة في ظل أزمة قناة السويس التي ألقت الضوء على دعم رمزية "الجِمال الفولاذية"، وشجّعت المقاطعات الصينية على دعم تكلفة النقل بالسكك الحديدية عبر الحدود.
من جهة أخرى، كانت شركة "سكك حديد الصين" China Railway Express المدعومة من الدولة، قد أضافت بحلول عام 2017 طرق شحن جديدة إلى مدن أوروبية، مثل مدريد ولندن، على الرغم من أنها اعتمدت عادةً على الخطوط القائمة.
وتقول أجاثا كراتز، الخبيرة في شركة Rhodium Group، في إشارة إلى حملة العلاقات العامة التي أطلقتها الصين للترويج لعمليات النقل عبر القطارات: "عندما أطلقت الصين مبادرة الحزام والطريق [في عام 2013]، كان الحديث يدور بالأساس حول السكك الحديدية. غير أن السبب الوحيد وقتها لتشغيل الخطوط الجديدة كان التمويلات الضخمة المقدمة إليها من المقاطعات".
لكن المقاطعات الصينية زاد استثمارها مؤخراً في النقل البري خصيصاً للسلع التي يرتفع الطلب عليها أثناء عمليات الإغلاق. ففي فبراير/شباط، حُمِّل قطار في مقاطعة جيانغشي بنحو 50 عربة من الغسالات والأجهزة الأخرى، وأُرسل في رحلة مدتها 15 يوماً إلى موسكو. وقالت وكالات متخصصة في مدينتي شنغهاي وشنتشن، التي يحتوي كل منها على ميناء كبير وتقدم خدمات التصدير لعديدٍ من الشركات الصغيرة، إن بعض عملائها بدأوا يتحولون إلى النقل عبر السكك الحديدية.
كذلك أشارت فيونا وانغ، وهي مندوبة لإحدى شركات الشحن في شنغهاي، إلى الاضطرابات الأخيرة في الشحن البحري، وقالت: "لتأمين المنتجات الإلكترونية ومعدات اللياقة البدنية والمنتجات ذات الصلة بمكافحة جائحة كورونا، تختار الشركات هذه الأيام النقلَ البري. فهناك طلب كبير وعاجل، وهذه البضائع… غير مناسبة للنقل الجوي".
وأضافت وانغ: "لكن على الرغم من استمرار خط الصين – أوروبا السريع في زيادة قدرته، فإنه لا يزال غير كافٍ". فيما قالت وكيلةٌ لشركةٍ صينية أخرى في مدينة شنتشن، إن ما بين 20% إلى 30% من عملائها قد تحولوا من الشحن البحري إلى النقل عبر السكك الحديدية، وأن نقص الحاويات الذي أثّر على طرق الشحن، أثّر أيضاً على النقل البري. وأشارت إلى أنها تتوقع عودة العملاء في نهاية المطاف إلى طرق الشحن التقليدية عندما تتم السيطرة على الوباء في جميع أنحاء العالم، قائلةً إن "السوق الحالي غير طبيعي".