إيجاد بديل إسرائيلي لقناة السويس، أو قناة السويس الإسرائيلية، كان أمراً يناقش في إسرائيل حتى قبل تعطل قناة السويس بسبب جنوح سفينة عملاقة داخل ممرها الملاحي، واكتسبت هذه الفكرة زخماً بعد التطبيع الإسرائيلي مع الإمارات.
واليوم مع تعطل التجارة في العالم برمته، يتم تسليط الضوء على فكرة إيجاد بديل إسرائيلي لقناة السويس، سواء كان هذا البديل خليطاً من الخطوط الملاحية والقطارات وأنابيب النفط والغاز أو حفر قناة موازية لقناة السويس المصرية.
التطبيع الإماراتي يفتح الباب لإيجاد بديل إسرائيلي لقناة السويس
عقب موجة التطبيع العربي الأخيرة مع إسرائيل والتي كانت الإمارات عرّابها، تصاعد الحديث عن إيجاد بديل إسرائيلي لقناة السويس عبر إنشاء ممرات بديلة للطاقة من خلال مدّ خطوط أنابيب للنفط والغاز من الخليج لإسرائيل بدلاً من مرور ناقلات النفط عبر مضيق هرمز وباب المندب، المعرضين للتهديدين الإيراني والحوثي على التوالي، ومنهما إلى قناة السويس.
ويزيد من واقعية هذه المشروعات المقترحة أن أهمية الغاز تزداد مقارنة بالنفط، والغاز يعتمد أكثر في نقله على الأنابيب من السفن.
كما شملت الأفكار، إمكانية نقل البضائع من الولايات المتحدة وأوروبا، التي تصل الخليج الآن عبر قناة السويس، من خلال جسرٍ بري بديل عبر إسرائيل ثم الأردن، التي ستستفيد بشكلٍ كبير من دورها الجديد كمركزٍ إقليميٍّ للتجارة.
وفي هذا الإطار، فإن تشغيل شركة موانئ دبي لمرفأ حيفا الإسرائيلي لا يبدو مجرد صدفة، حسبما ما يقول طارق عوَّاد، خبير الطاقة الدولي المقيم في إسرائيل، لوكالة أنباء The Media Line الأمريكية.
ويعتقد أن صفقة ميناء حيفا مدفوعة جزئياً بالسياسة، ويضغط من أجلها قادة أعمالٍ يتطلَّعون إلى إحياء خطوط الأنابيب والسكك الحديدية القديمة.
كما خططت إسرائيل مؤخراً لمنافسة القناة من خلال إنشاء ما يسمى "قطار السلام". ومع اندماجها في المنطقة عبر التطبيع فإن الفكرة اكتسبت زخماً.
ويخطط مشروع السكك الحديدية الذي عُرض على الجمهور عام 2018 لربط ميناء حيفا الإسرائيلي بدبي. وقدمه وزير النقل الإسرائيلي ، يسرائيل كاتس ، للسلطات في سلطنة عُمان.
وأعلن الوزير الإسرائيلي أن "قطار السلام" سيكون بمثابة جسر بين أوروبا والخليج، مع تحول الأردن إلى مركز لوجستي رئيسي، وذكر كاتس أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب دعم هذا المشروع.
قلق مصري
ولم تخفِ مصر توقعاتها بتأثرها من الخطط الإسرائيلية الإماراتية، خاصة تأثيرات مشروع خط أنابيب "إيلات – عسقلان" الإسرائيلي على تنافسية قناة السويس.
ففي 29 يناير/كانون الثاني الماضي، أعرب رئيس هيئة قناة السويس المصرية، أسامة ربيع، عن "قلق بلاده بشأن مشروع خط أنابيب إيلات-عسقلان بين الإمارات وإسرائيل"، كاشفاً أن "هيئة الأوراق المالية والسلع تجري حالياً دراسات لبحث سبل مواجهة المشروع الإسرائيلي الإماراتي الذي يمكن أن يقلل حركة المرور عبر قناة السويس بنسبة تصل إلى 16%".
ووفقاً لتقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، العام الماضي، فإن حركة التجارة في قناة السويس مرشحة للتناقص بأكثر من 17% مع تشغيل خط "إيلات-عسقلان" بموجب اتفاق إماراتي إسرائيلي.
وكان تقرير لموقع "المونيتور" الأمريكي قد نقل عن الخبير الاقتصادي والعضو السابق في لجنة الشؤون الاقتصادية بالبرلمان المصري، بسنت فهمي، أن "أي تهديد لقناة السويس خطير للغاية على المصريين، وللأسف فإن الحكومة تعتمد فقط على ثلاثة مصادر لتأمين العملة الصعبة، وهي قناة السويس والتحويلات والسياحة".
وأفاد تقرير لصحيفة The Times of Israel الإسرائيلية بوجود نزاع بين مصر والإمارات بسبب "مشاورات وترتيبات أولية" بين أبوظبي وإسرائيل حول إيجاد بديل إسرائيلي لقناة السويس عبر ميناء إيلات الإسرائيلي.
مشروع آخر بالتعاون مع الصين
وحتى قبل التطبيع، كان هناك مشروع إسرائيلي قيل إنه سينفذ بالتعاون مع الصين، يعد بمثابة بديل إسرائيلي لقناة السويس.
فقبل سنوات، طُرح مشروع إنشاء خط سكة حديدية جديد يمكن أن يصبح "قناة السويس الإسرائيلية"، لربط إيلات على البحر الأحمر بأشدود على البحر الأبيض المتوسط، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية.
ومع استمرار إغلاق القناة قد تشعر إسرائيل أن أحلامها تقترب من الواقع، فالضرر البالغ الذي أصاب الاقتصاد العالمي، يجعل هناك قوى عالمية عدة تضع في اعتبارها فكرة إيجاد بديل إسرائيلي لقناة السويس، خاصة أن الفكرة طرحت من قبل من طرف الولايات المتحدة.
إسرائيل تفكر في حفر قناة مماثلة وموازية لقناة السويس
ولكن الأخطر ليس محاولة إيجاد بديل إسرائيلي لقناة السويس عبر خليط من الخطوط الملاحية والسكك الحديدية وأنابيب النفط والغاز، بل أفكار إسرائيلية طرحت لحفر قناة موازية لقناة السويس بين خليج العقبة والبحر المتوسط.
إذ يرى الكاتب أندور جوس في مقال في صحيفة The Times of Israel الإسرائيلية نشر في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أن قضية بناء بديل إسرائيلي لقناة السويس أو ما يسميه قناة السويس الإسرائيلية، وبالتالي إنهاء احتكار مصر لعبور البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط، سيفيد اقتصاد إسرائيل والعالم وتفيد العلاقات الدولية والوضع الأمني لإسرائيل، حسب قوله.
ويقول "المسافة بين خليج العقبة والساحل الغربي لإسرائيل على المتوسط أطول بقليل من المسافة بين خليج السويس والبحر الأبيض المتوسط، (برزخ السويس حيث حفرت القناة قبل 150 عاماً).
وتشير هذه الميزة الجغرافية الإسرائيلية، وزيادة الطلب على قناة السويس، إلى أنه إذا قامت إسرائيل بحفر قناة تصل بين البحرين المتوسط والأحمر، فيمكنها جذب بعض عائدات السفن التي تبحر بين البحرين بعيداً عن مصر، حسب قوله.
ويعدد المنافع الاقتصادية التي ستأتي من تأسيس بديل إسرائيلي لقناة السويس، كما يزعم أن فوائد ما يطلق عليه قناة السويس الإسرائيلية ستعود على كل العالم، لافتاً إلى ظهور تقارير في الأشهر الأخيرة عن تجنّب السفن للسويس بالتجول في جنوب إفريقيا واختيار وقت سفر أطول بسبب الرسوم التي تصل إلى 700 ألف دولار لبعض السفن.
وقال إن وضع مصر شبه الاحتكاري والطلب غير المرن نسبياً على القناة يسمحان لها بفرض رسوم عالية دون التعرض لخسارة كبيرة في الطلب.
ويرى أن هناك ميزة لإسرائيل من إنشاء هذه القناة، وهي أنها يمكنها استخدام المعرفة المتاحة عن وضع قناة السويس لتخطيط مجرى مائي بتكاليف تشغيل أقل وكفاءة وقدرة أكبر، ولا تتمتع مصر بهذه الميزة لأنها تمتلك بالفعل قناة السويس، وقد تتطلب التعديلات تغييرات باهظة الثمن ومدمرة، حسب تعبيره.
والغريب أنه يبدو وكأنه يتنبأ بحادثة جنوح السفينة، إذ يقول "أي صدمات معاكسة لحركة البضائع بين البحرين، بسبب الإغلاق الناجم عن الاضطرابات المدنية أو الإصلاحات، ستكون أقل ضرراً إذا كانت هناك قناتان بدلاً من واحدة، والأهمية الاقتصادية التي ستكسبها إسرائيل من مجراها المائي ستساعد سياستها الخارجية وأمنها.
ويضيف "سيضمن الممر المائي أيضاً أن يكون للدول الأخرى مصلحة عقلانية في حماية الأمن الإسرائيلي لأن تهديد إسرائيل سيهدد القناة وبالتالي التجارة العالمية. لذلك، سيكون لديهم مصلحة في العمل ضد القوات المعادية لإسرائيل"، حسب قوله.
أما عن تأثير إنشاء بديل إسرائيلي لقناة السويس على العلاقات بين تل أبيب والقاهرة، فيرى أنها قد تؤدي إلى توترات قصيرة المدى بين مصر وإسرائيل ، وهو وضع متوقع عندما يدخل لاعب جديد في سوق يهيمن عليه أحدهم لفترة طويلة. ومع ذلك، على المدى الطويل، مع قيام مصر بتحسين قناة السويس لتسهيل انخفاض الأسعار وزيادة حركة المرور جراء المنافسة، سيتأقلم كلا البلدين على التعايش في السوق.
علاوة على ذلك، فهو يزعم أن "الإجماع المتزايد المؤيد لإسرائيل في الشرق الأوسط والقوى الاستراتيجية التي تدفع من أجل التعاون ضد ما تعتبره العديد من الأنظمة في الشرق الأوسط تهديدات مشتركة مثل إيران وتركيا قد يبدد بسرعة أو يحد بشكل كبير من أي تأثير سلبي قصير المدى"، حسب قوله.
اقتراح لحفر قناة السويس الإسرائيلية بواسطة القنابل النووية
المفاجأة الكبرى أن الولايات المتحدة قد بحثت فعلاً فكرة حفر قناة بديلة لقناة السويس في إسرائيل، والأغرب أنها فكرت في حفرها بواسطة القنابل النووية، حسبما ذكر تقرير لموقع Business Insider الأمريكي.
فلقد كشفت مذكرة -رفعت عنها السرية- عن هذه الخطة الأمريكية التي طرحت عام 1963 أي بعد أقل من عقد من أزمة السويس، والتي نشبت جراء العدوان الثلاثي من قبل بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر، والذي بدأ عبر افتعال تل أبيب لحرب في سيناء، استغلتها لندن وباريس لاحتلال قناة السويس لفرض سيطرتهما عليها وذلك بعد قرار جمال عبد الناصر تأميم القناة.
وفقا للمذكرة فإنه كان سيتم حفر أكثر من 160 ميلاً باستخدام المتفجرات النووية لإنشاء بديل إسرائيلي لقناة السويس وهي قناة تمتد من البحر الميت عبر صحراء النقب وتصل البحرين المتوسط والأحمر".
وحسب حسابات فنية نظرت الولايات المتحدة في اقتراح باستخدام 520 قنبلة نووية بدلاً من تكلفة الحفر بالطرق التقليدية التي وجد أنها ستكون باهظة.
ويعلق الموقع الأمريكي قائلاً "لم يتم تنفيذ الخطة، لكن وجود ممر مائي بديل لقناة السويس كان من الممكن أن يكون مفيداً اليوم، في ظل وجود سفينة شحن عالقة في المسار الضيق وسد أحد أكثر طرق الشحن حيوية في العالم".
صدرت المذكرة من مختبر لورانس ليفرمور الوطني المدعوم من وزارة الطاقة الأمريكية.
أحد المسارات المحتملة التي اقترحتها المذكرة يمتد عبر صحراء النقب في إسرائيل، ويربط البحر الأبيض المتوسط بخليج العقبة، ومنه إلى البحر الأحمر والمحيط الهندي.
واعتمدت الفكرة على أن هناك 130 ميلاً من "الأراضي القاحلة الصحراوية غير المأهولة فعلياً، وبالتالي فهي قابلة لاستخدام أساليب الحفر النووية".
لكن المذكرة تصورت أن إحدى المشكلات، التي لم يأخذها المؤلفون في الاعتبار، قد تكون أن الدول العربية المحيطة بإسرائيل ستعارض بشدة بناء مثل هذه القناة".
وجاءت المذكرة بينما كانت لجنة الطاقة الذرية الأمريكية تبحث استخدام "التفجيرات النووية السلمية" لتأسيس مشروعات مدنية.
وحسبما ذكرت مجلة فوربس في عام 2018، كانت هناك أيضاً خطط لاستخدام هذه الطريقة لحفر قناة في أمريكا الوسطى، لكن وجد أن استخدام القنابل النووية في مثل هذه المشروعات سيؤدي إلى انتشار إشعاع نووي بشكل كبير.