تدرس شركات الشحن العالمية إعادة توجيه السفن في جميع أنحاء إفريقيا إذا لم يُعَد تعويم سفينة الحاويات العملاقة التي تسدُّ قناة السويس، مِمَّا يثير مخاوف من تأثير الدومينو للتأخير وزيادة التكاليف التي تضرُّ بالصناعات في جميع أنحاء العالم.
كانت السفينة إيفر غيفن، التي تبلغ حمولتها 224 ألف طن وطولها 400 متر، في طريقها من الصين إلى روتردام حين استقرَّت قطرياً عبر امتداد مسار قناة السويس في وقتٍ مبكِّرٍ من يوم الثلاثاء 23 مارس/آذار.
وأُوقِفَت حركة المرور في كلا الاتجاهين، مِمَّا تسبَّب في واحدةٍ من أسوأ أزمات الاختناق المروري الملاحي. وقال فريق الإنقاذ، الذي عُيِّنَ لإعادة تعويم السفينة، أمس الخميس 25 مارس/آذار، إن العملية قد تستغرق "أسابيع"، في حين حذَّرَت شركات الخدمات اللوجيستية من تأخيراتٍ في استلام البضائع.
التفكير في الطريق البديل!
وقالت شركة ميرسك، ومقرها كوبنهاغن، والتي تقول إن لديها سبع سفن عالقة خلف سفينة إيفر غيفن، إنها تفكِّر في إرسال سفن في التفافٍ طويل حول رأس الرجاء الصالح، وهو خيارٌ يأمل الشاحنون حتى الآن في تجنُّبه لأنه سيضيف على الأقل أسبوعاً، علاوة على تكاليف وقود كبيرة للرحلات الطويلة.
قالت شركة Hapag-Lloyd الألمانية، التي تأثَّرَت خمس سفن لها، إنها "تبحث حالياً في عمليات تحويل مُحتَمَلة للسفن حول رأس الرجاء الصالح".
وقالت شركة Bernhard Schulte لإدارة الشحن، التي تتولَّى الإدارة الفنية للسفينة إيفر غيفن، إن آخر محاولة لتحرير السفينة المُحمَّلة بالكامل عند ارتفاع المدِّ صباح أمس الخميس فشلت، على الرغم من محاولة الجرَّافات إزالة الرمال والطين من حول هيكل السفينة، وكذلك محاولة ثمانية زوارق سَحْب مصرية سَحْب السفينة العالقة.
ووظَّفَت شركة إدارة الشحن الشركةَ الهولندية Smit Salvage، التي أعادت تعويم السفينة السياحية المقلوبة كوستا وكونكورديا، للمساعدة في تحرير سفية إيفر غيفن، وقالت إن الفريق الهولندي سيحضر جرَّافة شفط مُتخصِّصة لمحاولةٍ جديدة في ارتفاع المدِّ في فترة ما بعد الظهر.
ارتفاع أسعار الشحن
وذكرت وكالة Bloomberg الأمريكية أن تكلفة شحن الحاوية ذات الـ40 قدماً طولاً من الصين إلى أوروبا ارتفعت إلى حوالي 8 آلاف دولار، أي ما يقرب من أربعة أضعاف الرقم قبل عام.
وتواجه شركة Caterpillar Inc، أكبر منتجٍ للآلات في الولايات المتحدة وواحدة من أكبر الشركات في العالم، تأخيراتٍ في الشحن بسبب إغلاق قناة السويس، وهي تفكر في نقل منتجاتها جواً إذا لزم الأمر.
وقال محللون الجمعة لوكالة رويترز إن الأزمة ستفرض ضغوطاً على سلاسل الإمداد العالمية التي تعاني جراء انتعاش النشاط الاقتصادي وشح المعروض من حاويات الشحن.
وقالت خدمة المستثمرين في موديز إن نحو 30% من حركة نقل الحاويات عالمياً تمر عبر القناة سنوياً. وقد يؤثر توقف الممر التجاري على ما بين 10 و15% من إجمالي نشاط مناولة الحاويات عالمياً طوال فترة التعطل.
وأضافت في مذكرة اليوم الجمعة "الطلب الاستهلاكي والصناعي المرتفع، والنقص العالمي في طاقة الحاويات وانخفاض الخدمات التي يمكن التعويل عليها من شركات شحن الحاويات العالم… جعلت سلاسل الإمداد مهددة بشدة حتى من أقل الصدمات الخارجية".
وتابعت "في هذا السياق لم يكن الحدث ليقع في وقت أسوأ".
وقال جريج نولر من آي.إتش.إس ماركت للاستشارات إن معدل تشغيل السفن بكامل طاقته على الطريق التجاري بين آسيا وأوروبا بسبب كثافة الطلب من المستوردين الأوروبيين، فيما تواجه المرافئ الأوروبية نقصاً في العمالة بسبب الإجراءات المرتبطة بمكافحة جائحة كورونا.
وأضافت شركة الاستشارات في مذكرة أن التأخير في عودة الحاويات الفارغة إلى المصدّرين الآسيويين سيفاقم أكثر النقص الحالي في الحاويات، رغم أن قناة السويس هي أيضاً المسار المفضل للمستوردين الأمريكيين للسلع المصنعة مثل الأحذية والملابس من جنوب شرق آسيا والهند.
وربما يتعين على السفن الآن اتخاذ المسار الأطول حول رأس الرجاء الصالح في جنوب إفريقيا، مما يضيف نحو سبعة إلى عشرة أيام إلى رحلتها.
القطاعات التي تضررت
وقالت خدمة المستثمرين في موديز إنه نتيجة لذلك، فإن قطاعي التصنيع والسيارات الأوروبيين، لا سيما موردي السيارات، سيكونان الأكثر تضرراً.
وقال المحللون "هذا بسبب أنهما يديران سلاسل إمدادات (حسب الحاجة)، مما يعني أنهما لا يخزنان المكونات ويكون لديهما في المتناول ما يكفي فحسب لفترة قصيرة، ويستوردان المكونات من شركات التصنيع الآسيوية.
"حتى إذا تم حل الموقف سريعاً، فإن اكتظاظ الموانئ ووقوع المزيد من التأخيرات في سلاسل التوريد المقيدة بالفعل لا مناص منه".
وأضافوا أن وسائل النقل البديلة غير مناسبة، إذ إن قدرات الشحن الجوي تعاني شحاً بالفعل بسبب انخفاض حركة السفر الجوي العالمية بينما النقل بالسكك الحديدية بين أوروبا وآسيا محدود وبالفعل يقترب من طاقته الكاملة.
كان وزير النقل في سنغافورة، أكبر مركز لإعادة الشحن في العالم، قال أمس الخميس إن توقف الملاحة في قناة السويس قد يحدث اضطراباً مؤقتاً في الإمدادات في المنطقة، وربما يؤدي إلى السحب من المخزونات.
وقال سوميت أغاروال أستاذ الاقتصاد في جامعة سنغافورة الوطنية "وجهة نظري أن هذا سيسبب مشكلات للعديد من الدول والصناعات في أنحاء العالم في الأمد القصير".
متى ستنتهي الأزمة؟
على الرغم من تصريحات أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، الأربعاء 24 مارس/آذار والتي قال فيها: "بمجرد أن نُخرِج هذه السفينة، سينتهي كلُّ شيء وستعود الأمور إلى طبيعتها، وإن شاء الله سينتهي الأمر اليوم"، يرى بيتر بيردوفسكي، الرئيس التنفيذي لشركة Boskalis، الشركة الأم لشركة Smit Salvage الهولندية، أن السفينة كانت ثقيلةً للغاية بحيث لا يمكن ببساطة سحبها من موقعها الحالي وقد تستغرق العملية "أسابيع".
وقال: "إنها مثل حوتٍ ضخم على الشاطئ، وهي تمثِّل وزناً هائلاً على الرمال". وقال لوسائل إعلام هولندية: "ربما يتعيَّن علينا العمل بمزيجٍ من تقليل الوزن عن طريق إزالة الحاويات والزيت والمياه من السفينة، وسحب السفينة، وجرف الرمال".
ويُعَدُّ تفريغ السفينة هو السيناريو الأسوأ، وقالت سلطات القناة إنها ستحاول تجنُّب ذلك.
ولا توجد بنية تحتية مينائية على امتداد القناة، وقد تقطَّعَت السبُل بالسفينة العالقة، مِمَّا يعني أنه قد يتعيَّن إحضار سفينة أخرى لتحمل الحاويات في عمليةٍ شاقة قد تستغرق أسابيع أو حتى شهر.
وقالت الحكومة البريطانية إن المملكة المتحدة مستعدةٌ لتقديم المساعدة لعملية الإنقاذ، وحذَّرَت من أن الشركات البريطانية قد تواجه تأخيرات في التسليم.
وقال المتحدِّث الرسمي باسم رئيس الوزراء: "نحن نعمل مع السلطات لتقييم الوضع، ونحن على استعدادٍ لتقديم أيِّ مساعدةٍ ممكنة".
وأضاف: "لم يجرِ الاتصال بنا من قِبَلِ أيِّ شركاتٍ أو مؤسَّساتٍ بريطانية لديها مخاوف بشأن الآثار المترتِّبة على خطط الشحن الخاصة بها. ومع ذلك، قد تتأخَّر بعض البضائع المتَّجِهة إلى المملكة المتحدة في العبور".
أهم السلع التي تمر عبر القناة
وبحلول بعد ظهر أمس الخميس، علق ما لا يقل عن 150 سفينة تحمل شحناتٍ، من بينها نفط خام وأسمنت وسلع استهلاكية من المصانع في الشرق الأقصى، في ازدحامٍ مروري بحري هائل بين البحرين الأحمر والمتوسِّط.
وذكرت وكالة Bloomberg أن ثماني سفن على الأقل كانت تحمل حيوانات حيَّة. وحذَّرَت شركات الخدمات اللوجيستية من أن التأخير من المُحتَمَل أن يلحق بكلٍّ من الشركات والمستهلكين في جميع القطاعات.
قال غافين وايت، مدير شركة KG Logistics، وهي شركة شحن بريطانية لديها شحنات على سفنٍ عالقة في البحر الأحمر: "عليك أن تفكِّر في هذا الوقت من العام، حيث يبدأ الربيع. هناك الكثير من الأثاث الخارجي وأدوات حفلات الشواء. قد يكون أيَّ شيء. سيشهد الجميع تأخيرات هائلة في ما طلبوه من الصين".
وقال: "كان لديّ عميلٌ على الهاتف اليوم يستشيط غضباً. لديه شحنةٌ يحتاجها للوفاء بموعدٍ نهائي. وكلُّ ما يمكننا قوله له هو أن الشحنة تأخَّرَت ولا نعرف كم يتبقى من الوقت لتصل".
وقال إتش هاريس، مدير شركة Go Global في روتردام، الذي تأخَّرت شحنته من الألواح الشمسية بسبب الانسداد المروري: "إنه تأثير الدومينو. ستتأخَّر المزيد من سفن الواردات، وستتوقَّف الصادرات"، بحسب صحيفة Telegraph البريطانية.
وقال إن العديد من المستوردين الأوروبيين يأملون في تعويض الأيام الضائعة من خلال إعادة توجيه السفن إلى الموانئ في إيطاليا أو جنوب فرنسا ونقل البضائع إلى الشاحنات.
لكن هذه الخطة لن تنجح، إلا إذا كان من الممكن فتح القناة في غضون أيام. وقالت هيئة قناة السويس إنها منعت أيَّ سفنٍ أخرى من دخول القناة حتى يُفتَح الانسداد.
واعتذرت الشركة اليابانية المالكة للسفينة اليوم الخميس عن "التسبُّب في قدرٍ كبيرٍ من القلق" للسفن الأخرى التي تقف في الطابور لاستخدام القناة، لكنها حذَّرَت من أن الوضع "صعبٌ للغاية"، مشيرةً إلى أن الإنقاذ قد يستغرق بعض الوقت.