تعد قناة السويس بوابة لحركة البضائع بين قارتَي أوروبا وآسيا، ومرَّ عبرها أكثر من 19 ألف سفينة في عام 2019، أي ما يعادل 1.25 مليار طن من البضائع. ويُعتقد أن هذا يشكّل نحو 13% من حجم التجارة العالمية في هذا العام، لذلك فإن الانسداد الحالي بمجرى القناة الذي أوقف حركة السفن منذ الأربعاء 24 مارس/آذار، من المحتمل أن تكون له تداعيات جسيمة على التجارة العالمية.
وذلك لأن سفينةً تُسمى "إيفرغيفن" Ever Given، كانت في طريقها من الصين إلى روتردام بهولندا، جنحت عن مسارها وباتت عالقةً بين الضفتين الرمليتين للقناة. السفينة التي تملكها شركة "إيفرغرين" Evergreen Group ومقرها تايوان، هي إحدى أكبر السفن في العالم: يبلغ طولها أربعة ملاعب كرة قدم، وبعرض جناحي طائرة عملاقة من طراز بوينغ 747، وتحمل على متنها 200 ألف طن من الحاويات المكدسة، بطول مبنى مكون من 12 طابقاً.
كم سيستغرق إخراج سفينة "إيفرغيفن" من قناة السويس؟
يقول الخبراء إن الأمر قد يستغرق بعض الوقت، إذ ليس من السهل تخليص سفينة شحن عملاقة من هذا الحجم. كما لم تعلن "هيئة قناة السويس"، الجهة المصرية المالكة للقناة والمسؤولة عن إدارتها، متى تتوقع استئناف حركة المرور في القناة.
في الوقت نفسه، باتت 34 سفينة على الأقل، تحمل 379 ألف حاوية بطول 20 قدماً، عاجزة عن التحرك عبر القناة في أي من الاتجاهين اعتباراً من بعد ظهر يوم الأربعاء 24 مارس/آذار، وفقاً لبيانات شركة الخدمات الإلكترونية اللوجستية Project44. ويقول هنري بايرز، الخبير في شؤون التجارة البحرية العالمية في شركة البيانات اللوجستية FreightWaves: "إنها مشكلة كبيرة حقاً" للتجارة العالمية.
ويقول القبطان مورغان مكمانوس، قائد سفينة التدريب في الكلية البحرية بجامعة ولاية نيويورك الأمريكية وأحد قباطنة السفن الذين عبروا القناة ما لا يقل عن ست مرات، إنه أمر غير معتاد -بل حتى لم يُسمع به من قبل- أن تعلق السفن بين ضفتي قناة السويس على هذا النحو.
وأضاف مكمانوس لمجلة WIRED الأمريكية، أنه في الحالات النادرة التي تفقد فيها السفينة الطاقة أو يفقد طاقمها السيطرة عليها في القناة، يتم توجيهها إلى الضفة الرملية للقناة، حيث يجري فحصها وإصلاحها. وفي غضون ذلك، يمكن للسفن الأخرى الأصغر حجماً أن تعبر القناة على نحو طبيعي.
من جانبها، قالت شركة "بي إس إم" BSM، التي تتولى الإدارة الفنية للسفينة، إن ذلك لم يحدث مع السفينة "إيفر غيفن"، فما حدث أن "رياحاً شديدة" دفعت السفينة على نحو عمودي إلى ضفاف القناة، حيث كانت أكوام الحاويات شاهقة الارتفاع على متنها بمثابة شراع عملاق.
ومن المحتمل ألا تتوفر التقارير الرسمية التي تحدد أسباب الحادث قبل أسابيع، وربما حتى عام، لكن شركة "بي إس إم" تقول إنه لم يصب أحد من طاقمها بأذى. وتُظهر صور ملتقطة في موقع الحدث السفينةَ "إيفر غيفن" وهي عالقة في الرمال، فيما يحاول حفار -يتضاءل حجمه بشدة أمام سفينة الحاويات العملاقة فوقه- إزالة الرمال التي علقت بها السفينة. ويقول مكمانوس: "هذا مثل استخدام بندقية رشٍّ في مواجهة قطار شحن".
ما الذي يتطلبه الأمر لإخراج السفينة العالقة من مجرى القناة؟
بيد أنه من المرجح أن تتضمن علمية تخليص السفينة "إيفر غيفن" المزيد من الحفارات والكرّاكات. وعادة ما تحتوي سفن الشحن على خزانات صابورة (مياه الاتزان غير النظيفة التي تستخدم لتوفير الاستقرار للسفينة) ضخمة، ومقصورات مملوءة بالمياه للحفاظ على استقرار السفن. ويقول القبطان جون كونراد، مؤسس موقع gCaptain.com المعنيّ بإصدار نشرات لتجارة الشحن العالمية، إن الطاقم من المحتمل أن ينقل الماء إلى قوس السفينة (الجزء الأمامي من بدن السفينة).
وبعد ذلك، عند ارتفاع المد، ستحاول قوارب القطْر ذات القدرة العالية دفعَ السفينة أو سحبها من موقعها. ويُذكر أن ما لا يقل عن 10 قوارب للقطْر قد شاركت في محاولات تخليص السفينة يوم الأربعاء 24 مارس/آذار.
أما إذا لم يفلح ذلك، فيقول مكمانوس إنه سيحين عندها وقت الرافعات. إذ يمكن لرافعة البوارج سحب الحاويات من السفينة التي تبلغ حمولتها 200 ألف طن، للمساعدة في تخفيف الحمل وتسهيل عملية تعويمها والمناورة بها. لكن الصور المتداولة تشير إلى أن السفينة قد تفتقر إلى أماكن مناسبة على متنها لوضع رافعة أو نقل الحاويات بأمان. لذلك يخلص مكمانوس إلى أن "الأمر سيكون شديد الصعوبة".
ويضيف مكمانوس: "فكما يقال دائماً: الشيء الذي يقع، يقع في أسوأ الأماكن الممكنة وأشدها تسبباً للضرر [قوانين مورفي]، وهذا أمر سيئ للغاية".
من جهتها، قالت شركة "بي إس إم" في وقت متأخر من يوم الأربعاء 24 مارس/آذار، إنها نشرت معدات تجريف لإزالة الرمال والطين من جميع جهات السفينة "إيفر غيفن".
وفي هذا السياق، يُذكر أنه في عام 2016، كانت قد انحصرت سفينة حاويات صينية في نهر إلبه أثناء اقترابها من ميناء هامبورغ بألمانيا. وتطلَّب الأمر وقتها 6 أيام، و12 زورقاً للقطْر، وكرّاكتين، ومدّاً ربيعياً مناسباً في توقيته لتخليص السفينة العالقة.
ما الأخطار التي من الممكن أن تتعرض لها السفينة نفسها عند محاولات إخراجها؟
في غضون ذلك، يتعيّن على أطقم العمل الحذر من حدوث شقوق في بدن السفينة، والتي يمكن أن تحدث مع احتكاك السفينة بالصخور أو اختراقها لها. كما يمكن أن تؤدي محاولات تخليص السفينة إلى الأمر نفسه. ويقول مكمانوس: "لقد صُممت السفينة بحيث تطفو على الماء، وليس على الأرض، لذا فإن الضغط على نقاط الضعف في أجزاء مختلفة من السفينة يمكن أن يُلحق الضرر بقوسها". وإحدى أسوأ النتائج التي قد يفضي إليها ذلك: تسرُّب الوقود من السفنية إلى القناة، ما قد يحتاج معه الأمر إلى عملية تنظيف طويلة ومكلفة.
وبغض النظر عما سيحدث أثناء جهود تخليص السفينة، يتعين نقل السفينة "إيفر غيفن" إلى مكان آخر، وتثبيتها وفحصها من قبل الغواصين قبل السماح لها بمواصلة رحلتها إلى شمال أوروبا. ويقول هنري بايرز، الخبير في شؤون التجارة البحرية، إن سجلات الحجز الخاصة بالسفينة توضح بالتفصيل بعض البضائع التي تحملها، والتي تشمل: ملابس أطفال، وملابس رياضية للرجال والأولاد، وإطارات تعمل بالهواء المضغوط، وأجهزة كهربائية، وشحنة من نبات الزنجبيل، وغيرها من البضائع.
في المقابل، قد يثير الحادث تساؤلات جديدة حول صناعة شحن الحاويات برمتها، والتي تنقل 90% من البضائع في العالم، وسفنها العملاقة في تزايد مستمر. وكان الطلب على شحن البضائع عن طريق البحر قد ارتفع خلال جائحة كورونا، وارتفعت أسعار الحاويات الفارغة التي تنتقل من الصين إلى شمال أوروبا بأكثر من 400%.
وبناءً على ذلك، لجأت خطوط الشحن إلى تحميل السفن العملاقة، من نوعية "إيفر غيفن"، بأرقام قياسية من الحاويات. ومن ثم، بدأت السفن في مواجهة بعض المشكلات. وفقدت الصناعة نسبة أكبر من فاقدها المعتاد في البحر في أواخر عام 2020 وأوائل عام 2021 مقارنةً بالسنوات السابقة. وعن ذلك يقول بايرز: "سنصل إلى نقطة تصبح فيها السفن ضخمة جداً، وتتحول إلى عبء" على مدار مسارها التشغيلي.