أن تجنح سفينة عملاقة بحجم إيفرغيفن بسبب الظروف المناخية هو أمر وارد الحدوث، سواء في قناة السويس أو أي ممر ملاحي آخر، وأن يصبح جنوح السفينة وإغلاق القناة المصرية حديث العالم أجمع أيضاً هو أمر عادي؛ نظراً لأهمية الممر لحركة التجارة الدولية، لكن كيف تعاملت السلطات المصرية مع الأزمة؟
تأخّر صدور بيان من هيئة القناة
السفينة الجانحة إيفرغيفن، سفينة حاويات عملاقة ترفع العلم البنمي، وتشغلها شركة ملاحة تايوانية تسمى إيفرغرين، ويبلغ طولها 400 متر، وعرضها 59 متراً، وتبلغ حمولتها الإجمالية 224 ألف طن. السفينة تعرضت للجنوح في ساعة مبكرة من صباح الثلاثاء، 23 مارس/آذار (السابعة والنصف صباحاً بالتوقيت المحلي لمصر، بحسب البيان الصادر عن شركة إيفرغرين).
ناقلة الحاويات العملاقة كانت في طريقها من الصين إلى ميناء روتردام، وتعرضت لحادث الجنوح عند الكيلو 151 ترقيم القناة، بعد مرورها من ميناء السويس ضمن قافلة الجنوب (القادمة من البحر الأحمر باتجاه البحر المتوسط عبر قناة السويس التي يبلغ طولها 193 كلم).
السبب الرئيسي لجنوح السفينة العملاقة هو انعدام الرؤية الناتجة عن سوء الأحوال الجوية، نظراً لمرور مصر بعاصفة ترابية بلغت معها سرعة الرياح 40 عقدة، ما أدى إلى فقدان القدرة على توجيه السفينة، ومن ثم جنوحها، بحسب بيان هيئة قناة السويس.
وأكدت الشركة التايوانية التي تدير السفينة الأمر، بقولها إن صاحب إيفرغيفن أبلغ الشركة أن "رياحاً قوية مفاجئة تسببت في خروج السفينة عن مسارها والارتطام بالقاع ومن ثم الجنوح"، وقالت شركة BSM المسؤولة عن طاقم السفينة والمسائل الفنية بها إن جميع أفراد الطاقم بخير ولا توجد تقارير عن إصابات أو تلوث، بحسب تقرير لرويترز.
البيان الأول الذي أصدرته هيئة قناة السويس بشأن جنوح السفينة صدر بعد أكثر من 24 ساعة من بداية الحادث، بعد أن كان الخبر وتبعاته قد أصبح حديث العالم، وتناولته وكالات الإعلام والصحف والقنوات، وأصبح حديث منصات التواصل الاجتماعي.
واللافت في توقيت البيان الصادر عن الهيئة الرسمية المسؤولة عن إدارة أهم ممر ملاحي في العالم، الذي تم نشره عبر الموقع الرسمي، أنه جاء متأخراً، ووجه رسالة لوسائل الإعلام تقول: "وتهيب الهيئة بكافة وسائل الإعلام تحري الدقة فيما يتم نشره، وعدم الالتفات للأخبار مجهولة المصدر، والاعتماد على المعلومات والأخبار الرسمية الصادرة من الهيئة".
تناقض تصريحات المسؤولين المصريين مع حقيقة الموقف
لكن التأخير في إصدار البيان الأول بشأن أزمة تتخطى الحدود المصرية لم يكن الخطأ الوحيد في التعامل مع أزمة بهذا الحجم، إذ تضاربت التصريحات الرسمية التي جاءت في بيان الهيئة مع ما أظهرته المواقع المتخصصة في حركة السير والملاحة البحرية.
الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس كان قد وجه، من خلال البيان الرسمي للهيئة، رسالة طمأنة بشأن حركة الملاحة بالقناة "وانتظامها مرة أخرى من خلال مجرى القناة الأصلية"، وقبل بيان هيئة إدارة القناة بساعات، كانت رويترز قد نقلت عن مصدرين كبيرين في قطاع الملاحة المصرية قولهما إن "هيئة قناة السويس بمصر قررت تعديل نظام عبور السفن، الأربعاء، ليصبح في الاتجاهين في القناة القديمة".
لكن الخرائط اللحظية التي نشرتها المواقع المتخصصة في الملاحة البحرية أظهرت أن السفينة "إيفرغيفن" جنحت في المسار الرئيسي للقناة، وليس في مسار فرعي، وهو ما يعني توقف الملاحة في القناة بالكامل، وهو ما يؤكده بيان الهيئة نفسه، حيث ذكر أن مكان جنوح السفينة العملاقة عند الكيلو 151 ترقيم القناة من ناحية السويس.
القناة يبلغ طولها 193 كلم، وتم عمل تفريعة جديدة لها افتتحت عام 2015 بطول 35 كلم، بهدف تقليل زمن عبور السفن للقناة وزيادة قدرتها الاستيعابية من متوسط 67 سفينة يومياً إلى نحو 97 سفينة، لكن تلك التفريعة في الطرف الآخر من القناة ناحية البحر المتوسط، بينما السفينة الجانحة في الطرف الآخر.
وبتحديد أكثر دقة تمتد تفريعة قناة السويس الجديدة بين الكيلو 60 إلى الكيلو 95، وبالتالي هي منطقة بعيدة تماماً عن منطقة جنوح السفينة، ما يعني أن التصريحات الرسمية من السلطات المصرية بشأن "انتظام حركة العبور من خلال المجرى الأصلي للقناة" ليست دقيقة على أقل تقدير.
كيف تحولت إدارة أزمة القناة إلى مجال للتندر والسخرية؟
الحادث العادي الذي يمكن أن يقع في أي وقت وأي ممر ملاحي لأسباب طبيعية خارجة عن الإرادة تحول لمصدر للسخرية من إدارة الأزمة، وانتشرت المنشورات الساخرة عبر منصات التواصل الاجتماعي حول العالم.
ونشرت صحيفة الغارديان البريطانية تقريراً رصد بعضاً من تلك التعليقات الساخرة، التي ربطت بين البطء والتضارب في التعامل مع السفينة العملاقة الجانحة من جانب المسؤولين المصريين وبين الأحداث التي يشهدها العالم، من جائحة كورونا إلى الزحام المروري في بعض المدن الغربية وغيرها من الأحداث.
والنقطة الأخرى التي لفتت الانتباه هي تعامل وسائل الإعلام المحلية في مصر، والتي تخضع لرقابة صارمة من السلطات الحكومية، مع أزمة قناة السويس التي تجري فصولها على أراضٍ مصرية، ومن المفترض أن تكون وسائل الإعلام المحلية هي أول من يقدم المعلومات للمصريين، حتى لا يلجأوا "لمصادر غير موثوقة"، بحسب بيان هيئة قناة السويس.
لم تتناول أي وسيلة إعلام مصرية محلية خبر جنوح السفينة وتعطل حركة الملاحة في قناة السويس طوال أكثر من 24 ساعة من بدايتها، وجاء التعامل الإعلامي الأول مع الأزمة عن طريق نشر بيان هيئة إدارة القناة الصادر، الأربعاء 24 مارس/آذار، وهي نفس الطريقة التي يتم بها التعامل إعلامياً مع ما يجري محلياً في مصر.
لكن نظراً للأهمية البالغة التي تمثلها قناة السويس لحركة التجارة العالمية، إذ يمر عبرها أكثر من 30% من حركة تبادل الحاويات التجارية بين آسيا وأوروبا، وأكثر من 10% من النفط والغاز الذي يستهلكه العالم يومياً، فقد مثلت أزمة توقف حركة الملاحة ولا تزال حدثاً إعلامياً على مستوى العالم، تهتم به وسائل الإعلام ويتابعه الناس بشكل مباشر.
حركة الملاحة متوقفة ولم يتم تعليقها
التعامل المتسم بالتناقض وعدم الوضوح من جانب المسؤولين عن إدارة الأزمة في مصر تواصل أيضاً اليوم الخميس، 25 مارس/آذار، من خلال بيان نشره الموقع الرسمي لهيئة قناة السويس، بعنوان " مواصلة أعمال تعويم السفينة الجانحة بقناة السويس.. وتعليق حركة الملاحة مؤقتاً".
أعلن الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، تعليق حركة الملاحة بالقناة مؤقتاً، اليوم الخميس، لحين الانتهاء من أعمال تعويم سفينة الحاويات البنمية العملاقة EVER GIVEN الجانحة بالكيلو متر 151 ترقيم قناة.
وأوضح أن حركة الملاحة بالقناة شهدت أمس الأربعاء، عبور 13 سفينة من بورسعيد ضمن قافلة الشمال، كان من المستهدف إكمال مسيرتها في القناة وفقاً للتوقعات الخاصة بانتهاء إجراءات تعويم السفينة الجانحة، إلا أنه مع تواصل أعمال تعويم السفينة كان لا بد من التحرك وفق السيناريو البديل، بالانتظار بمنطقة البحيرات الكبرى لحين استئناف حركة الملاحة بشكل كامل بعد تعويم السفينة بمشيئة الله.
وبعيداً عن أن البيان الثالث خلا من مناشدة "وسائل الإعلام تحري الدقة فيما يتم نشره، وعدم الالتفات للأخبار مجهولة المصدر، والاعتماد على المعلومات والأخبار الرسمية الصادرة من الهيئة"، فإن الإصرار على أن حركة الملاحة كانت قد انتظمت أمس الأربعاء، وأنها تم تعليقها مؤقتاً اليوم الخميس، 25 مارس/آذار، بشكل مؤقت، غير دقيق.
إذ إن السفن التي عبرت من بورسعيد ضمن قافلة الشمال لا تعني أن حركة الملاحة كانت قد انتظمت، فالملاحة متوقفة في القناة منذ لحظة جنوح السفينة صباح الثلاثاء، وستظل متوقفة حتى تتم عملية تعويمها، والتي قال المسؤول المصري إنه كان متوقعاً لها أن تتم أمس الأربعاء، دون أن يقدم توقعاً جديداً لمتى قد تتم العملية، وبالتالي فإن القول بأنه تقرر "تعليق" حركة الملاحة مضلل، لأنها لم تكن قد استؤنفت من الأساس حتى يتم تعليقها.كانت الهيئة قد قالت في بيان، بعد ظهر الأربعاء، إن السفينة الجانحة قد تم تعويمها جزئياً، لكن اليوم الخميس قال خبراء ملاحة دوليون إن تعويم السفينة قد يستغرق أياماً وربما أسابيع، إذا فشلت محاولات تعويمها بواسطة أعمال الشد والدفع من خلال القاطرات الثماني، وهو ما يعني اللجوء لتفريغ حمولة السفينة من الحاويات، بحسب تقرير لفرانس برس.