على مدار الأسبوع الماضي، شهدت استراتيجية الرئيس الأمريكي جو بايدن الجديدة تجاه الصين بعض الوضوح: أولاً جاء الحديث عن حقوق الإنسان على لسان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في اجتماعٍ في ألاسكا. وبعد أيام، انضمَّ الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وكندا والولايات المتحدة للرقابة على انتهاكات الصين في شينجيانغ بفرض عقوباتٍ مُنسَّقة. والآن تناغمت بيانات أستراليا ونيوزيلندا في إدانتها ممارست بكين.
والآن تُظهِر الصين أن لديها أصدقاءً أيضاً، بسبب ما تعتبره بكين حملة ممنهجة ضدها في الكثير من الملفات من قبل الولايات المتحدة والدول الأوروبية.
بايدن يحشد الحلفاء
بعد شهرين من رئاسة بايدن، بدأت استراتيجية الإدارة المتمثِّلة في حشد حلفاء الولايات المتحدة للضغط على الصين تسفر بالفعل عن نتائج واضحة. لكن هذا التكتيك يدفع بكين إلى تعزيز العلاقات مع شركائها، الذين يمثِّلون بعضاً من أكثر المناطق الجيوسياسية المُربِكة التي واجهت رؤساء الولايات المتحدة المتعاقبين -روسيا وكوريا الشمالية وإيران- بحسب تقرير لصحيفة Washington Post الأمريكية.
ورغم أن الصين أعربت عن استعدادها للتعاون مع واشنطن في مجموعةٍ من القضايا، أشارت هذا الأسبوع إلى أنها تحتفظ بنفوذٍ واسعٍ بين الدول خارج المدار الغربي، مِمَّا قد يعقِّد أجندة بايدن الدولية في عالمٍ يزداد استقطاباً.
وفي مقابلةٍ معه، قال جيا تشينغو، الأستاذ بجامعة بكين وعضو هيئةٍ استشاريةٍ وطنية صينية بشأن السياسة الخارجية، إن إدارة بايدن "تسعى إلى الاحتواء، حتى لو لم يسموا الأمر كذلك".
وقال جيا: "سواء قصدوا ذلك أم لا، فإن النتيجة تدفعنا إلى عالمٍ مُتشعِّب. في الصين، يعتقد المزيد من الناس أننا بحاجةٍ إلى إقامة علاقاتٍ أمنية أوثق مع دولٍ معينة، وهناك آخرون قلقون بشأن هذا الطريق الذي قد يتعيَّن علينا اتِّباعه".
بالنسبة للصين، كانت العقوبات التي أعلنها الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين، 22 مارس/آذار، ضد مسؤولين صينيين في تشينجيانغ، بمثابة توبيخٍ لاذعٍ من كتلةٍ غربيةٍ رئيسية تعتقد الصين أنها كسبت صفها العام الماضي من خلال معاهدة استثمار. كانت الصين غاضبة من العقوبات، وردَّت على الفور على السياسيين والأكاديميين الأوروبيين من خلال فرض عقوباتٍ خاصة بها، مِمَّا أدَّى إلى تعريض الاتفاق الذي طال انتظاره للخطر.
تصاعدت الحرب الكلامية بشكلٍ مُذهِلٍ هذا الأسبوع، إذ استدعت الحكومات الأوروبية السفراء الصينيين للتعبير عن استيائها -تجاهَلَ المبعوث المخضرم إلى فرنسا، لو شاي، استدعاءه بشكلٍ واضح- بينما أشارت الصين بغضبٍ إلى سجل أوروبا التاريخي، بما في ذلك فظائع الهولوكوست.
وبينما انهارت علاقات الصين مع أوروبا، تدخَّلت روسيا في المشهد.
روسيا تدخل على الخط
في يوم الاثنين، بعد 72 ساعة من اجتماعٍ ساخنٍ بين بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان ونظرائهم الصينيين، وصل وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى الصين، حيث حثَّ الصين وروسيا على توحيد الجهود من أجل تفكيك قبضة الدولار الأمريكي على نظام المدفوعات الدولي الذي يسمح بفرض عقوباتٍ أمريكية. وقال لافروف للصحفيين في مدينة غويلين الصينية، بينما كان يوجِّه انتقاداتٍ شديدة لبروكسل، إن الولايات المتحدة "كانت تعتمد على التحالفات العسكرية السياسية في حقبة الحربة الباردة".
وردَّت وزارة الخارجية الصينية بموافقتها على ذلك.
وقالت المتحدِّثة باسم الوزارة، هو تشون ينغ: "نسَّقَت الولايات المتحدة وحلفاؤها في تحالف "العيون الخمس" هذا الأسبوع كما لو كانوا يبدأون قتالاً بين العصابات". وأضافت: "انظروا فقط إلى الخريطة وستعرفون أن الصين لديها أصدقاءً في جميع أنحاء العالم. ما الذي قد نقلق بشأنه؟".
كان هذا الأسبوع هو أحدث عرضٍ لتدفئة العلاقات بين الصين وروسيا.
في عام 2018، طهى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الفطائر مع نظيره الصيني شي جين بينغ في فلاديفوستوك، حيث انضمَّ الجنود الصينيون إلى 300 ألف جندي روسي في أكبر تدريبٍ عسكري روسي منذ الحرب الباردة. وفي السنوات الأخيرة، أصبحت روسيا متورِّطةً بشكلٍ متزايد داخل المحرِّك الاقتصادي الصيني. صحيحٌ أن الناتج المحلي الإجمالي لروسيا يتضاءل أمام الصين، لكنه يضطلع بدورٍ حاسمٍ كثاني أكبر مُورِّدٍ للنفط إلى الصين، بعد المملكة السعودية.
وقال مايكل ماكفول، السفير الأمريكي السابق في موسكو في عهد الرئيس باراك أوباما، إن شي وبوتين كانا مدفوعين بالضرورات الجيوسياسية وشخصيتيهما القوميَّتين الاستبداديَّتين.
وقال ماكفول، المؤرِّخ بجامعة ستانفورد الذي يكتب كتاباً عن العلاقة الثلاثية بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، إن الصورة أدق الآن، بعيداً عن التهديد الخطابي بالوقوف معاً ضد الغرب.
قال: "اتَّخَذَ بوتين قراره بأننا نحن العدو، ومؤسَّساتنا متعدِّدة الأطراف هي العدو، ويودُّ أن تنضمَّ إليه الصين في كتلةٍ غير ليبرالية. لديّ شعورٌ بأن الصينيين لم يتَّخِذوا هذا القرار بعد".
وقال برونو ماكيس، المسؤول البرتغالي السابق للشؤون الأوروبية والزميل في معهد هدسون، إنه في حالة أوروبا، قد يشعر القادة الصينيون أن العلاقات يمكن إنقاذها.
الصين باتت ملجأً للصفقات
وقال إنه لا يزال بإمكان الدول المنفردة إبرام صفقاتٍ تجارية أحادية الجانب مع الصين، ولا يزال من الممكن أن تزدهر التجارة، حتى لو كان من غير المُرجَّح أن يتم الآن التصديق على معاهدة الاستثمار مع الصين من قِبَلِ البرلمان الذي يضم أعضاءً أُدرِجوا في القائمة السوداء وعوقِبوا من قِبَلِ بكين. وبموجب العقوبات الصينية، لا يمكن للمُشرِّعين الأوروبيين والباحثين وعائلاتهم التعامل مع الصين.
وأشار ماكيس إلى أن الصين تمثِّل الآن حوالي 40% من مبيعات أكب ثلاث شركات لصناعة السيارات الألمانية فولكس فاجن وبي إم دبليو وديملر. وقال: "هذه العقوبات لا تعني فكَّ الارتباط الاقتصادي".
في غضون ذلك، تسارع الصين في تعزيز الدعم بين الحلفاء الأكثر موثوقية حول العالم.
وفي يوم الاثنين، أرسل شي رسالةً إلى زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون يشيد فيها بالعلاقات بين الرفيقين التاريخيَّين باعتبارها "رصيداً قيِّماً". وفي غضون ذلك، شدَّدَ كيم على "الوحدة والتعاون" مع الصين في مواجهة إدارةٍ أمريكيةٍ جديدةٍ "معادية"، وفقاً لوسائل الإعلام الحكومية الكورية الشمالية.
وقال مسؤولون أمريكيون إن كوريا الشمالية أطلقت أول تجربةٍ صاروخية في عهد إدارة بايدن في مطلع الأسبوع.
وفي يوم الأربعاء 24 مارس/آذار، غادَرَ وزير الخارجية الصيني وانغ يي في جولةٍ حول الشرق الأوسط، وهي منطقةٌ مُقسَّمة ستمنحه ترحيباً ودياً بشكلٍ مُوحَّد تقريباً. وتشمل محطات وانغ المملكة السعودية وتركيا وإيران، والأخيرة تمثِّل اقتصاداً نفطياً خاضعاً للعقوبات الأمريكية ويُدعَم في جزءٍ كبيرٍ منها من مشتريا النفط الصينية.
وقال جيا، مستشار الحكومة الصينية، إن الصين لا تزال مستعدةً للمساعدة في الجهود متعدِّدة الأطراف لنزع السلاح النووي لكوريا الشمالية وإيران، أو لاستئناف اتفاق باريس للمناخ، ولن تربط التعاون بشأن هذه القضايا بالضرورة بمجالات التوتُّر مع واشنطن.
لكنه قال: "تعتقد الصين أنها أحد أصحاب المصلحة في النظام الدولي الحالي، وإذا تخلَّصَت منها سترى وجهاً مختلفاً تماماً".