حرائق غابات استمرت نحو خمسة أشهر متواصلة في أستراليا مطلع العام الماضي، والآن تعاني القارة من فيضانات لم تشهدها منذ عقود، فهل أصبح التغير المناخي واقعاً تعيشه الكرة الأرضية؟
إذ أصدرت السلطات الأسترالية أمس الثلاثاء، 23 مارس/آذار، تحذيرات جديدة من الفيضانات وأوامر إجلاء بعد أن هطلت الأمطار الغزيرة مجدداً على مناطق عدة في البلاد، لتغمر المنازل والطرق وتغرق الماشية، في أسوأ فيضانات تشهدها البلاد منذ نحو نصف قرن، بحسب تقرير لرويترز.
وأظهرت صور نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي جسوراً غمرتها المياه بالكامل، وحيوانات تقطعت بها السبل، ومنازل غارقة في نيو ساوث ويلز، الولاية الأكثر سكاناً والأشد تضرراً.
الهيئة الوطنية للأرصاد الجوية في أستراليا أصدرت عدة تحذيرات في جميع ولايات ومناطق البلاد باستثناء واحدة، الأمر الذي يؤثر على نحو عشرة ملايين من السكان البالغ عددهم نحو 25 مليوناً، وقال رئيس الوزراء سكوت موريسون للصحفيين "وضع الأمطار والفيضانات ما زال صعباً للغاية".
ما أسباب تلك الفيضانات؟
المنطقة التي شهدت الفيضانات الأسوأ منذ أكثر من نصف قرن، وهي ولاية نورث ساوث ويلز، كانت قد شهدت قبل نحو عام واحد حرائق غابات غير مسبوقة، أتت على بلدات بأكملها، وقتلت مليارات الحيوانات البرية، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية، وقد أدت الموجة الجديدة من الطقس السيئ بتلك السرعة إلى إثارة تساؤلات بشأن مدى خطورة التغير المناخي الذي يشهده الكوكب ككل، لكن الإجابات تظل معقدة.
التفسير الذي قدّمه مكتب الأرصاد الجوية في أستراليا لموجة الفيضانات المستمرة منذ نحو أسبوع هو تجمع ثلاثة أنظمة مناخية معاً، الأول منخفض مداري فوق سواحل كيمبرلي غرب أستراليا، تسبب في انتشار الرطوبة عبر القارة، والثاني رياح مدارية من الساحل الشرقي، وفي أقصى الشرق في بحر تسمان تسبب موجة من الضغط الجوي في تركيز الأمطار في منطقة نورث ساوث ويلز.
وقال خبير الأرصاد في المكتب الدكتور بلير تريوين للغارديان، إنه رغم عدم اكتمال بيانات حجم الأمطار التي تهطل حتى الآن، فإن هناك معلومتين واضحتين الأولى هي أن سقوط أمطار غزيرة في أحد المناطق في أستراليا ليس أمراً شاذاً في حد ذاته، إلا أن الشاذ هو هطول الأمطار بتلك الغزارة في مناطق متعددة تغطي مساحة شاسعة من القارة بتلك الصورة التي تحدث حالياً.
وأضاف نريوين أن حجم الأمطار التي تهطل يومياً في بعض المناطق حتى أمر غير اعتيادي، وبلغ أعلى مقياس يومي 406 مم يوم 20 مارس/آذار الجاري، بالقرب من منطقة كيندل جنوب ميناء ماكواير، مشيراً إلى أن تلك الكمية من الأمطار في نفس المنطقة تم تسجيلها في خمس سنوات خلال الاثني عشر عاماً الماضية.
هل للتغير المناخي علاقة بالطقس المتطرف؟
لكن بعض خبراء المناخ يؤمنون أن ما تشهده أستراليا من ظواهر مناخية متطرفة مثل الفيضانات الحالية وحرائق الغابات قبل عام سببها الرئيسي هو التغير المناخي، الذي لم يعد فرضية علمية يمتلك السياسيون رفاهية تجاهلها، بل أصبح واقعاً وليس قاصراً على أستراليا، بل يشعر به جميع سكان الكوكب.
فعندما كانت أستراليا تصارع ألسنة اللهب التي التهمت الأخضر واليابس في جنوب شرق القارة منذ سبتمبر/أيلول 2019، وحتى منتصف يناير/كانون الثاني 2020، أعيد نشر تقرير يحذر من تلك الحرائق كانت مجموعة من خبراء المناخ قد قدمته للحكومة قبل اشتعال الحرائق بأكثر من 12 عاماً، ولكن تم تجاهله.
واليوم أيضاً يقول بعض خبراء المناخ إن الفيضانات في أستراليا سببها الانبعاثات الكربونية الناتجة عن الأنشطة البشرية الصناعية والتجارية، والتي تعتمد على الوقود الأحفوري، ما زاد من نسبة تلك الانبعاثات بنحو 50% منذ الثورة الصناعية، وذلك رغم أن تحليل بيانات الأمطار الحالية لم يكتمل بعد، ومن الصعب التوصل لنتيجة حاسمة بشأن حجمها مقارنة بالأعوام السابقة.
وقال ستيف شيروود، أستاذ مركز أبحاث تغير المناخ في جامعة نيو ساوث ويلز، للغارديان، إن قواعد الفيزياء الأساسية تشير إلى أن الطقس الأكثر دفئاً يحمل رطوبة أكثر من الطقس البارد، وبالتحديد 7% زيادة لكل ارتفاع في الحرارة بمقدار درجة واحدة، مضيفاً: "لذلك نعرف أن نحو 5 إلى 10% من الأمطار التي تهطل حالياً سببها الاحتباس الحراري، بينما باقي نسبة الأمطار كانت ستهطل في كل الأحوال".
ويشير شيروود إلى أن النسبة المذكورة قد لا تكون عاملاً حاسماً حتى الآن، لكنها تزيد الأمور سوءاً، وفي ظل استمرار الانبعاثات الكربونية تزداد احتمالات تسارع التداعيات السلبية للتغير المناخي والاحتباس الحراري.
وما يؤكد ما يقوله هذا الفريق من علماء المناخ هو ما حدث في حرائق الغابات كذلك، إذ على الرغم من أن حرائق الغابات في فصل الصيف في أستراليا ليست حدثاً استثنائياً وتقع كل عام تقريباً، لكن ما شهدته القارة قبل نحو عام كان حدثاً غير مسبوق على الإطلاق، وأرجعه علماء الطقس للارتفاعات القياسية في درجات الحرارة، حيث بلغت 40 درجة مئوية على الشواطئ و45 على اليابسة.
وكان تقرير مناخي أعده خبير الاقتصاد روس غارناوت عام 2008، وأعيد نشره مطلع العام الماضي تزامناً مع حرائق الغابات، قد حذر من الكارثة وكأنها نبوءة تحققت بحذافيرها، إذ حذر التقرير الذي نشره موقع إس بي إس الأسترالي بعنوان: "كيف حذرت دراسة عن التغير المناخي قبل 12 عاماً من كارثة حرائق اليوم"، من انعكاسات التغير المناخي على الاقتصاد الأسترالي، وكيف أن موسم حرائق الغابات في عام 2020 سيكون الأسوأ على الإطلاق، وهو ما حدث بالفعل.
تأثير الاحتباس الحراري
وقد أظهر أحدث تقرير رسمي للمناخ في أستراليا، تم إصداره العام الماضي، أن هناك بالفعل زيادة متصاعدة وحادة في كميات الأمطار التي تهطل على القارة، وأن استمرار ارتفاع الحرارة بفعل الاحتباس الحراري سيزيد الأمر سوءاً.
وبشكل أكثر تفصيلاً، أظهر التقرير الرسمي الصادر عن مكتب الأرصاد الأسترالي أن ارتفاع متوسط درجة الحرارة في القارة بمعدل درجتين يتسبب في زيادة حجم الأمطار من 11 إلى 30%، وارتفع معدل الحرارة بالفعل في القارة بـ1.4 درجة حتى العام الماضي.
وفي هذا السياق وصف رئيس وزراء ولاية نورث ساوث ويلز غلاديس بيرجيكليان الفيضانات الحالية بأنها "حدث لا يتكرر إلا كل 100 عام"، لكن توماس مورتلوك عالم تقييم الأخطار يختلف مع هذا التوصيف، ويعتبره "مضللاً".
وقال مورتلوك للغارديان إن "الناس تعتقد أنه لو أن الفيضانات الحالية لا تتكرر إلا كل مئة عام فمعنى هذا أن فرصة تعرضهم لها أكثر من واحدة في العمر شبه معدومة، لكن هذا غير صحيح فعلياً"، مضيفاً أنه من الوارد جداً أن تتكرر تلك الفيضانات بشكل أكثر سرعة مما يعتقده الكثيرون.
ويرى خبير الأخطار أنه على الحكومة الأسترالية، وباقي حكومات العالم، أن تكون أكثر استعداداً للتعامل مع الطقس المتطرف بأشكاله المختلفة، بعد أن أصبحت تأثيرات الاحتباس الحراري والتغير المناخي واقعاً يعيشه العالم كل يوم.