تنفس الليبيون الصعداء أخيراً بعد أن أصبحت لبلادهم سطلة موحدة عبارة عن حكومة ومجلس رئاسي وصمت صوت الرصاص والتفجيرات، فما أبرز التحديات التي تواجه ليبيا الآن وكيف يمكن التعامل معها؟
ففي الأسبوع الماضي، تسلَّمت حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا برئاسة عبدالحميد الدبيبة مهامها رسمياً عقب تأدية اليمين الدستورية أمام البرلمان في طبرق، فيما يُمثل الخطوة الثالثة على طريق إرساء استقرار لم تعرفه البلاد منذ الإطاحة بنظام القذافي قبل عشر سنوات.
حكومة الدبيبة والمجلس الرئاسي الجديد برئاسة محمد المنفي نتجا عن ملتقى الحوار الليبي الذي رعته الأمم المتحدة بعد أن فشلت محاولة الجنرال المتقاعد خليفة حفتر السيطرة على العاصمة طرابلس، مقر حكومة الوفاق الوطني التي كان معترفاً بها من الأمم المتحدة، بعد انقلابه على العملية السياسية السابقة وتأسيسه إدارة منافسة في شرق ليبيا.
والآن تسعى السلطة الموحدة في ليبيا والتي تحظى بدعم المجتمع الدولي واللاعبين الرئيسيين في الصراع (خصوصاً مصر وتركيا)، إلى إرساء الاستقرار وتوفير المناخ المناسب لإجراء الانتخابات العامة في ديسمبر/كانون الأول المقبل، لكنها تواجه تحديات عديدة ومتنوعة.
وليس أمام المجلس الرئاسي الليبي الجديد وحكومة الوحدة الوطنية سوى 9 أشهر لمواجهة تلك المشاكل والتحديات الصعبة، والتي يمثل بعضها مشكلات آنية لا تحتمل التأجيل، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.
1- مكافحة كورونا
وكان الملف الأول الذي تصدى له الدبيبة بمجرد حصول حكومته على ثقة البرلمان يوم 10 مارس/آذار الجاري هو التعامل مع وباء كورونا، إذ تُسجل ليبيا معدلات مرتفعة في نسب الإصابة بالفيروس وحالياً تحتل البلاد المرتبة 72 عالمياً من حيث عدد الإصابات (نحو 150 ألف إصابة) بمعدل يفوق ألف إصابة يومياً، رغم أن عدد سكانها لا يتجاوز 7 ملايين نسمة.
ولم يكن ما صرح به الدبيبة بشأن كورونا مشجعاً، فرئيس حكومة الوحدة لم يخفِ استياءه "من التقارير التي اطلع عليها بخصوص الميزانيات التي تم إنفاقها بدعوى التعامل مع الجائحة دون وجود نتائج فعلية على الأرض"، وقال: "لم نفعل شيئاً لمواجهة الوباء.. الجهود كثيرة، والنتائج صفر، وصرفنا مبالغ كبيرة".
وكان أول قرار اتخذه الدبيبة، قبل أدائه القسم، هو حل "اللجنة المكلفة بمكافحة جائحة كورونا"، التي كانت حكومة الوفاق قد شكلتها، وتعهد بأن يكون توفير اللقاح ضد فيروس كورونا لجميع المواطنين والمقيمين في البلاد بأسرع وقت ممكن، أهم أولوياته.
وفي 12 مارس/آذار الجاري، أعلن المركز الوطني لمكافحة الأمراض، فتح باب التسجيل في منظومة التطعيم ضد الفيروس، إذ من المتوقع أن تصل جرعات بسيطة في 28 مارس/آذار الجاري، بحسب رئيس اللجنة الاستشارية العليا لمواجهة جائحة كورونا خليفة البكوش.
لكن توفير اللقاحات للمواطنين والمقيمين في ليبيا قد لا تكون مهمة يسيرة، ليس فقط بسبب ظروف البلاد التي تعاني اقتصادياً، ولكن بسبب سعي الدول الغنية لتوفير اللقاحات لمواطنيها أولاً وتحول اللقاحات إلى أداة سياسية تستغلها بعض الدول لتحقيق أهداف استراتيجية.
2- توحيد المؤسسات
عاشت ليبيا صراعاً كان يهدد بتقسيمها بين الشرق والغرب وذلك منذ شن حفتر هجومه الفاشل على طرابلس مطلع إبريل/ نيسان عام 2019، ورغم تراجع مخاطر تقسيم البلاد في ظل السلطة الموحدة الحالية، لا تزال مسألة توحيد المؤسسات السيادية بين الشرق والغرب تمثل محطة جوهرية على طريق الاستقرار الدائم.
والآن أصبحت بالفعل مهمة توحيد تلك المؤسسات السيادية مثل البنك المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط في متناول حكومة الوحدة، بعدما قطع هذا المسار عدة أشواط من المباحثات بين هيئات شرق البلاد وغربها، وبالفعل نجح البنك المركزي بشقيه في توحيد سعر الصرف، كما أن مؤسسة النفط أنهت احتجاز عائدات تصدير الخام الذي استمر لأكثر من أربعة أشهر، وقررت إعادة تحويلها إلى المصرف المركزي، بعد تشكيل حكومة الوحدة.
ومن المتوقع- بحسب بيانات مؤسسة النفط- أن تتضاعف مداخيل البلاد من 15 إلى 30 مليار دولار نهاية العام، بمتوسط إنتاج متوقع يتراوح بين 1.3 مليون برميل يومياً إلى 1.5 مليون برميل، وصولاً إلى مليوني برميل في 2023. ومن شأن ارتفاع مداخيل النفط، مع تحسن الأسعار وزيادة الإنتاج، أن يساهم في حل أزمة السيولة لدى البنوك، وتمويل عدة مشاريع مستعجلة للمواطنين.
3- حل أزمة انقطاع الكهرباء
تعتبر أزمة انقطاع الكهرباء من التحديات الآنية، أي تلك التي لا تقبل التأجيل، في ظل كونها السبب المباشر الذي دفع الليبيين للخروج إلى الشوارع في مظاهرات احتجاجية في الغرب والشرق على السواء، وخصوصاً في صيف العام الماضي، إذ وصلت مدة انقطاع الكهرباء إلى متوسط 18 ساعة يومياً في أنحاء البلاد، بحسب ما قاله مواطنون في طرابلس وبنغازي وطبرق لعربي بوست.
أما عن أسباب تلك الانقطاعات الطويلة فإن أبرزها يتمثل في ضعف البنية التحتية لشبكة الكهرباء في البلاد بشكل عام، والسبب الثاني هو تعرضها للتدمير والتخريب خلال المعارك التي جرت بعدة مدن سواء طرابلس أو بنغازي أو درنة (شرق). ثم جاء إغلاق ميليشيات حفتر لحقول وموانئ النفط والغاز في 17 يناير/كانون الثاني 2020 ليضاعف من حجم الأزمة.
وأمام السلطة الموحدة أشهر قليلة لإيجاد حلول لإصلاح شبكة الكهرباء قبل وصول فصل الصيف، الذي عادةً ما يشهد ذروة استهلاك الكهرباء بسبب الحرارة. والواضح أن الدبيبة يدرك ذلك جيداً، إذ اجتمع يوم 18 مارس/آذار الجاري مع رئيس مجلس إدارة الشركة العامة للكهرباء وئام العبدلي، واستعرض معه "الخطة الفنية العملية قصيرة وطويلة الأمد لإنهاء انقطاع التيار الكهربائي". كما تعهد رئيس المجلس الرئاسي في كلمته أمام النواب بطبرق، بـ"إيجاد حل لأزمة الكهرباء".
4- توحيد المؤسسة العسكرية
الحديث عن انتقال ليبيا نحو مرحلة استقرار مستدامة يظل صعباً بسبب التحدي الأبرز وهو انقسام المؤسسة العسكرية، والسبب الرئيسي هو أن خليفة حفتر يرفض أن يكون القائد العام للجيش تحت سلطة الحكومة المدنية وهي الذريعة التي بنى عليها انشقاقه وانقلابه على حكومة الوفاق واتفاق الصخيرات، لذلك جاء احتفاظ الدبيبة بمنصب وزير الدفاع في حكومة الوحدة الحالية بمثابة الخطوة الجيدة لتفادي الصدام في هذه المرحلة، بحسب مراقبين.
لذلك يمثل توحيد الجيش إحدى المهمات الرئيسية للمجلس الرئاسي الجديد باعتباره القائد الأعلى للجيش، وأيضاً لرئيس حكومة الوحدة بصفته وزيراً للدفاع، فليبيا تعاني منذ 2011، صعوبات في إعادة بناء جيش نظامي محترف، بسبب انتشار السلاح، والميليشيات غير المنضبطة، وأزّم الوضع إطلاق حفتر "عملية الكرامة"، حيث تسبب بتقسيم الجيش الوليد، وانضمت إليه العديد من الميليشيات.
ونظراً لحساسية هذا الملف، اجتمع الدبيبة، في مدينة سرت (وسط)، بأعضاء لجنة "5+5" العسكرية المشتركة (5 ضباط من الجيش الحكومي+ 5 قيادات من ميليشيات حفتر)، في نفس اليوم الذي أدى فيه اليمين.
وبحث الاجتماع دعم "اللجنة بكل ما يلزم لدعم مسار توحيد الجيش الليبي"، وفق بيان للمكتب الإعلامي لرئيس الحكومة، ويحتاج توحيد الجيش لخطوات لبناء الثقة أولاً، وعلى رأسها فتح الطريق الساحلي بين الشرق والغرب، وتبادل الأسرى، ونزع الألغام خاصة من المنطقة الوسطى الممتدة من سرت إلى محافظة الجفرة (جنوب سرت). كما أن تفكيك الميليشيات وإعادة إدماج عناصرها في المؤسستين العسكرية والأمنية، إحدى الخطوات المهمة لتوحيد الجيش وإعادة بنائه.
5- إخراج المرتزقة من ليبيا
والتحدي الآخر المرتبط بملف توحيد المؤسسة العسكرية هو إخراج المرتزقة خاصة مقاتلي "فاغنر" الروس والجنجويد من ليبيا، وتطرق الدبيبة لهذا التحدي الحاسم خلال جلسات منح الثقة للحكومة بسرت، وحينها دعا الدبيبة، المرتزقة والمقاتلين الأجانب المتواجدين في ليبيا إلى المغادرة، قائلاً: "المرتزقة خنجر في ظهر ليبيا، ولا بد من العمل على إخراجهم ومغادرتهم، وهو أمر يتطلب الحكمة والاتفاق مع الدول التي أرسلتهم".
لكن لا يبدو أن مرتزقة "فاغنر" يستعدون للخروج من البلاد، إذ نشرت شبكة CNN الأمريكية تقريراً قبل أسابيع يظهر المرتزقة الروس الداعمين لحفتر وهم يحفرون خندقاً ويقيمون تحصينات لتأمين مواقعهم في سرت والجفرة، في إشارة واضحة إلى أنهم ينوون البقاء في البلاد.
وأخطر ما في الأمر أن يخرج مرتزقة فاغنر عن سيطرة ميليشيات حفتر، مما يجعل إخراجهم من البلاد أمراً معقداً، وبحسب صحيفة "فورميكا" الإيطالية، فإن تدخل مرتزقة "فاغنر" الروس في ليبيا تحول من دعم حفتر إلى إنشاء بؤرة استيطانية في المنطقة الشرقية. وذكرت الصحيفة أن عناصر فاغنر حفروا مؤخراً نظاماً من الخنادق المحصنة بطول نحو 70 كلم بين قاعدة الجفرة الجوية وسرت.
6- إجراء الانتخابات في موعدها
التحدي الآخر الذي يواجه السلطة الجديدة في ليبيا هو إجراء الانتخابات المقررة في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل، وهي تمثل المهمة الرئيسية للسلطة التنفيذية الجديدة، لكن لا تبدو هذه المهلة كافية بالنظر إلى عدة إشكاليات تنتظرها، أهمها تنظيم الاستفتاء على مسودة الدستور، والتي لم يصادق عليها مجلس النواب بعد. كما أن مجلس النواب لم يصدر بعد قانون الانتخابات، التي على أساسه تجرى الانتخابات.
وكل هذه الاستحقاقات تضغط على موعد إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، لذلك لا يتوقع رئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السائح، إجراء الانتخابات في موعدها سواء تم إجراء الاستفتاء أم لم يتم، لذلك فإن أي تأخر لمجلس النواب في اعتماد النصوص القانونية التي على أساسها ستجرى الانتخابات، سيؤثر تلقائياً على التزام الحكومة بإجرائها في موعدها.
وعدم إجراء حكومة الوحدة للانتخابات في موعدها سيحولها إلى حكومة تصريف أعمال، بحسب رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، لذلك فأمام رئيس الحكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة ووزرائه تحد حقيقي للنجاح في أهم مهمة أوكلت له.
7- التأسيس للمصالحة
كان "تأسيس نواة للمصالحة" هو أهم ما ركز عليه رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، في كلمته أثناء أداء حكومة الوحدة اليمين الدستورية، في 15 مارس/آذار بمدينة طبرق.
لكن المنفي، اعترف بأن "المصالحة النهائية لا يمكننا بلوغها نهاية العام"، واضعاً هدفاً معقولاً يمكن تحقيقه قائلاً: "إذا استطعنا أن نكون نواة لهذه المصالحة فسنصل جميعاً إلى الانتخابات". وفي مناسبة أخرى أوضح أن "الجهد الأكبر سينصب لتأسيس عملية مصالحة وطنية من خلال بناء هياكلها وتوفير متطلباتها عبر ترسيخ قيم العفو والصفح والتسامح".
فالهدف من تحقيق حد أدنى من التوافق والتصالح، الوصول إلى تنظيم انتخابات 24 ديسمبر/كانون الأول، إذ لا يمكن إجراؤها بدون حد أدنى من التصالح والقبول بالآخر. فمنذ 2011 انقسم الليبيون بين مؤيد لنظام معمر القذافي ومناصر لثورة 17 فبراير/شباط، وأخذ هذا الانقسام طابعاً سياسياً وحتى اجتماعياً، إذ تمسكت عدة قبائل بدعم نظام القذافي حتى بعد سقوطه.
وتعمق هذا الانقسام بعد إطلاق اللواء المتقاعد خليفة حفتر "عملية الكرامة" في مايو/أيار 2014، وتمكنه من السيطرة على الشرق الليبي والجنوب. لذلك فتحقيق حد أدنى من المصالحة، سيسمح لوزراء حكومة الوحدة بالتحرك في كامل أرجاء البلاد، وتقديم خدماتهم للمواطنين دون تمييز.
ومن أوجه المصالحة التي يطالب بها فئات من الليبيين عودة المهجرين إلى بيوتهم على غرار مهجري مدينة بنغازي (شرق)، وبلدة تاورغاء (غرب)، بالإضافة إلى النازحين من الأحياء الجنوبية للعاصمة طرابلس. وأيضاً تبادل الأسرى بين ميليشيات حفتر والقوات الحكومية، كما يطالب أنصار نظام القذافي بإطلاق معتقليهم في إطار المصالحة، خصوصاً أولئك الذين تمت تبرئتهم.
ويعتبر نجاح المجلس الرئاسي وحكومة الدبيبة في تحقيق هذه التحديات السبعة إنجازاً سيحسب لهم جميعاً، لكن ذلك مرتبط بمدى تسهيل مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة وميليشيات حفتر والمجتمع الدولي في تحقيق هذه الأهداف.