يشهد قطاع غزة منذ أسابيع عودة تدريجية لكوادر وقيادات التيار الإصلاحي لحركة فتح الذي يترأسه القيادي المفصول من الحركة محمد دحلان، بعد غياب قسري منذ أحداث الانقسام الفلسطيني منتصف عام 2007، والتي نجم عنها مغادرة المئات من قيادات الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية إلى عدد من الدول العربية، أهمها مصر والإمارات.
كان من بين العائدين إلى القطاع قيادات من الصف الأول في تيار دحلان، أبرزهم عبد الحكيم عوض مفوض ومسؤول ملف الانتخابات في التيار، وغسان جاد الله مدير مكتب دحلان، ورشيد أبو شباك مدير عام قوى الأمن الداخلي ورئيس جهاز الأمن الوقائي، وخضر مجدلاوي أمين سر حركة فتح في الساحة المصرية، إضافة للعشرات من كوادر الأجهزة الأمنية الذين كانوا ضمن الدائرة المحسوبة على محمد دحلان إبان تواجده في غزة.
يأتي هذا وسط ضغوطات مصرية حسب ما كشفت مصادر خاصة لـ "عربي بوست"، قامت بها المخابرات المصرية خلال فترة لقاء المصالحة بين الفصائل الفلسطينية في القاهرة في فبراير/شباط 2020.
وأوضحت مصادر أن غزة تترقب عودة الرجل القوي في تيار دحلان، وهو سمير المشهراوي، المساعد الأقرب لدحلان، ويعتبر أكثر الأشخاص احتفاظاً بأسراره، ويعتبران معاً من صاغا فكرة تأسيس التيار، والخروج عن فتح، مع أن المشهراوي لديه قبول في الشارع الفلسطيني ربما أكثر من سواه من قادة التيار، لأنه أقل انخراطاً في المحاور الإقليمية القائمة في المنطقة، وخطابه تصالحي أكثر مع حماس والسلطة الفلسطينية.
وتطرح هذه العودة المفاجئة لكوادر تيار دحلان الكثير من التساؤلات حول شكل العلاقة والتفاهمات التي جرت بين حماس ودحلان، وهل تحاول الحركة استخدام ورقته كورقة مساومة ضد الرئيس محمود عباس؟
تفاهمات ثنائية بين حماس ودحلان
عماد محسن المتحدث الرسمي باسم التيار الإصلاحي من غزة قال لـ"عربي بوست" إن عودة أبناء وكوادر التيار الإصلاحي للقطاع جزء من تفاهمات تمت بين قيادة التيار وحركة حماس في 2017، انطلقت من مبدأ طيّ صفحة الخلافات بينهما عبر إقرار ببراءة ذمة كل طرف، وقد تكفل محمد دحلان بتأسيس لجنة التكافل للمصالحة المجتمعية بتمويل من دولة الإمارات لدفع "الدية الشرعية"، وجبر الضرر لذوي القتلى من أحداث الاقتتال الداخلي.
وأضاف: "جرى التوافق منذ ذلك الوقت على عودة كل من فرضت عليه المغادرة القسرية، وقد حصل التيار على ضمانات فصائلية بعدم المساس بأيٍّ من أبنائه، ولكن قيادة التيار ارتأت في وقته أن تكون العودة بعد أن تحصل كل عائلة من عائلات الضحايا على حقوقها المالية كتعويض عن الأذى التي لحق بها".
وكشف المتحدث لـ"عربي بوست" أن عدد الكوادر المتواجدين في الساحة المصرية المتواجدين قسرياً منذ منتصف 2007، بلغ 300 كادر، وأن جزءاً كبيراً منهم وصل القطاع خلال الأسابيع الماضية، ونحن بانتظار عودة باقي أبناء التيار إلى غزة.
فيما كشف عبد الحكيم عوض فور عودته للقطاع في 14 فبراير/شباط، أن لقاءً جمع قيادة التيار بكل من يحيى السنوار وروحي مشتهى وخليل الحية في القاهرة في 13 من ذات الشهر، تضمن طلب حماس من كل كوادر حركة فتح في الخارج أن يعودوا للقطاع، لأنه لا مبرر لتواجدهم في الخارج.
يكشف هذا الاتفاق الثنائي بين حركة حماس والتيار الإصلاحي أن تفاهمات جانبية تحاول حماس بلورتها مع تيار دحلان، بعيداً عن حالة التوافق التي تجري في الإعلام بين الحركة وباقي الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حركة فتح.
مخاوف وانتقادات
لم تحظ عودة كوادر تيار دحلان إلى غزة بإجماع من حماس، فالمسألة تشكل بالنسبة للمعارضين مصدر قلق وتوتر، كون العديد من العائدين توجه إليهم اتهامات بالمشاركة في أحداث الانقسام الفلسطيني، وما رافقها من عمليات قتل وتعذيب وهدم منازل.
ولذلك تخشى الأوساط المعارضة في حماس أن تشكل عودتهم إحياءً من جديد للفوضى الأمنية في غزة، رغم أن القوى الأمنية التابعة لحماس لديها القدرة على ضبط أي فلتان أو فوضى قد تنجم عن ذلك.
واتفقت حماس والتيار الذي يقوده دحلان بمشاركة العديد من الفصائل الفلسطينية في سنوات سابقة على الشروع في ملف "المصالحة المجتمعية"، ويقضي بتعويض العائلات الفلسطينية التي فقدت أبناءها خلال أحداث الانقسام، وحصلت كل عائلة منهم على قرابة 50 ألف دولار، مقابل طي صفحة هذا الحدث.
لكن عائلات أخرى رفضت هذه التسوية، ما يجعل مسألة الثأر والانتقام قائمة لديها، في حال عاد أي من المتهمين بقتل أبنائها.
الدور المصري
يبرز الدور المصري بقوة في ملف عودة دحلان للمشهد السياسي، فالقاهرة تدرك أن عودة دحلان ستصب في صالحها، لأنها احتضنت كوادره طيلة السنوات الأربع عشرة الماضية، رغم تحفظ السلطة على تواجدهم في الأراضي المصرية.
علم "عربي بوست" من أوساط فلسطينية شاركت في حوار الفصائل الفلسطينية في القاهرة في فبراير/شباط، أخفت هويتها، أن "السلطات المصرية طلبت من حماس تسهيل عودة قيادات تيار دحلان إلى غزة".
وأضافت المصادر أن الحركة استجابت لهذا الطلب انطلاقاً من عدم رغبتها بإغضاب القاهرة التي تشهد علاقتها معها تحسناً مطرداً، وفي الوقت ذاته، اعتبار هؤلاء الكوادر جزءاً من الشعب الفلسطيني، حتى لو ارتكبوا أخطاء ومخالفات جسيمة خلال أحداث الانقلاب على حكومة حماس المنتخبة في 2006-2007.
ديمتري دلياني، النائب في المجلس التشريعي عن التيار الإصلاحي من مدينة القدس، قال لـ"عربي بوست" إن لقاءات قادة التيار بحركة حماس لم تتوقف، وتتم على مستويات مختلفة، وعلى مدار العام سواء في القاهرة أو غيرها من المناطق.
وأضاف: "نحن نقدر الدور المركزي الذي تلعبه حماس في المعادلة السياسية، لذلك فإن عودة كوادر التيار إلى غزة، حق كفله القانون، وجاءت ضمن سلسلة تفاهمات ثنائية مع حركة حماس من جهة، وتفاهمات مشتركة مع باقي الفصائل لطيّ صفحة الدم والخلافات التي نتجت عن فترة الاقتتال الداخلي".
وقال: "لا يهمنا موقف السلطة الفلسطينية من عودة كوادر التيار، أو ما نقوم به من تفاهمات ثنائية مع حماس وباقي الفصائل الفاعلة في الساحة الفلسطينية، فنحن ننظر إلى السلطة على أنها المتسبب الأول في وصول الحالة الفلسطينية لما عليه الآن من تشرذم وانقسام، وما نسعى إليه في هذه المرحلة لبدء صفحة جديدة من التوافق، ونحن على استعداد لتمويل أي ضرر لحق بالشارع في مرحلة الانقسام".
السلطة ترفض
منير الجاغوب، رئيس المكتب الإعلامي في مفوضية التعبئة والتنظيم لحركة فتح قال لـ"عربي بوست" إن حركة فتح لا تعترف بما يسمى التيار الإصلاحي، وهي ليست جزءاً من التفاهمات التي تبرمها حماس مع أي طرف يدعي انتماءه لحركة فتح، أو يستخدم اسم الحركة لأغراض سياسية.
وأضاف: "نحن لسنا جزءاً من التفاهمات، ولم نوافق أو نستشار في ملف المصالحة المجتمعية، ولم يتم إشعارنا بترتيبات فنية وإدارية تتعلق بعودة كوادر وقيادات كانت تنتمي أو تدعي انتماءها للحركة. حماس تناقض نفسها، وتحاول تصحيح أخطاء وقعت بها في الماضي، زجت الشارع في غزة في أتون الحرب الأهلية، ثم تقوم بتصويب مسارها بعقد اتفاقيات مع شخصيات تدعي بأنها جزء من فتح، لكنها فصلت من الحركة بقرار قضائي بسبب فساد مالي".
التيار ومعركة الانتخابات
لا يمكن الفصل بين عودة قيادات تيار دحلان واقتراب موعد الانتخابات، ويظهر حضوراً وتجهيزاً لمعركة الانتخابات مقارنة بباقي الفصائل، وبدأ بدعاية انتخابية مبكرة من خلال إطلاق سلسلة مشاريع بتمويل إماراتي، الداعم الرئيسي لدحلان، خاصة للقطاع الصحي في غزة من خلال تسيير قافلات ومساعدات طبية تضمنت إرسال 60 ألف جرعة من لقاح سبوتنيك V الروسي، والعديد من محطات الأوكسجين وأجهزة التنفس الصناعي.
يسعى دحلان من خلال عودة قيادات تياره لغزة لإعادة بناء وتنظيم صفوف التيار تجهيزاً لمعركة الانتخابات، التي يراها البوابة الوحيدة لعودته للمشهد السياسي بعد أن تعرض للتهميش والإقصاء من قبل الرئيس محمود عباس طيلة سنوات الانقسام.
هاني العقاد، الكاتب والمحلل السياسي من غزة، قال لـ"عربي بوست" إن "عودة كوادر التيار لغزة، ضمن تفاهمات مرحلية مؤقتة بين حماس وتيار دحلان، لترتيب مرحلة الانتخابات، فحماس تدرك أن دحلان سيكون أكثر المستفيدين من الانتخابات التشريعية، وأن الانتخابات لن تمنح أي طرف أغلبية مطلقة لتشكيل الحكومة، لذلك تحاول حماس تنويع خياراتها بالتحالف، تحسباً لأي مفاجآت قد تفرزها الانتخابات القادمة".
وأضاف المتحدث أن "هنالك توجهاً عربياً وتحديداً من مصر والإمارات والسعودية لتشكيل قيادة جديدة لحركة فتح، ودحلان يحظى بهذا الإجماع العربي لخلافة الرئيس وزعامة فتح، لذلك نرى دعماً وتأييداً من مصر والإمارات لقيام دحلان بتولي هذه المهمة باعتباره الرجل المناسب، وحماس تحاول أن تكون ضمن هذه الدائرة من التفاهمات للحصول على أكبر قدر من المكاسب السياسية والاقتصادية".