أعدادهم بالآلاف.. ما حكاية القاصرين المغاربة بأوروبا وكيف تؤثر قضيتهم على علاقات الرباط مع باريس ومدريد؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/03/16 الساعة 10:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/03/16 الساعة 10:31 بتوقيت غرينتش
أزمة القاصرين المغاربة توتر العلاقات بين الرباط وكل من باريس ومدريد، أرشيفية/ elespanol

لا تزال قضية القاصرين المغاربة بكل من إسبانيا وفرنسا تثير العديد من المشاكل بين الرباط من جهة، ومدريد وباريس من جهة أخرى. ففي فبراير/شباط الماضي، استدعت الخارجية المغربية السفير الإسباني لديها ريكاردو دييز هوشلايتنر، احتجاجاً على اعتداء شرطة بلاده على قاصرين مغاربة. فيما قادت القضية نفسها، وزير العدل الفرنسي إريك ديبون موريتي إلى الرباط، في ديسمبر/كانون الأول الماضي. فما حكاية القاصرين المغاربة في أوروبا، وكم يبلغ تعدادهم، ولماذا تعتبر هذه القضية حجر عثرة في تطوير المغرب لعلاقاته مع بعض العواصم الأوروبية؟

ما حكاية القاصرين المغاربة في فرنسا وإسبانيا؟

على مدار سنوات طويلة ظلّت إشكالية الهجرة تثير حساسية مفرطة في العلاقات بين المغرب وأوروبا، وبحسب جمعيات مغربية غير حكومية فإن المهاجرين القاصرين، المعروفين اختصاراً بتسمية "مينا"، أكبر الفئات في المهاجرين الذين يلجأون للأراضي الإسبانية وغيرها، وذلك سواء عن طريق البحر، أو عبر قوارب الموت، أو مختبئين أسفل شاحنات النقل الدولي، أو وسط تجويفات محدثة بسيارات تابعة لشبكات تهريب البشر، بحثاً عن آفاق أرحب لمساعدة عائلاتهم وتحسين وضعيتهم الاجتماعية.

وبحسب هذه المنظمات، يبلغ عدد القاصرين المغاربة من المقيمين بطريقة غير قانونية، نحو 20 ألف قاصر، معظمهم يقيمون في فرنسا وإسبانيا‎.

ويرى مراقبون أن هذا الملف يُسبب أزمات على الدوام بين كل من المغرب وأوروبا، لاسيما أن المغرب بلد عبور للمهاجرين نحو القارة الأوروبية، ويقول باحثون مغاربة للأناضول، إن قضية الوضع الهش للمهاجرين القاصرين المغاربة بكل من إسبانيا وفرنسا، تعكس فشل سلطات البلدين في إدماج هذه الفئة. 

اعتداءات متكررة على القاصرين المغاربة

وكانت وزارة الخارجية المغربية قد استدعت سفير مدريد لديها، في 4 فبراير/شباط الماضي، وذلك بعد يوم واحد من انتشار مقطع مصوّر بوسائل الإعلام الإسبانية، يوثق اعتداء رجال أمن إسبان على مراهقين مغاربة، في مركز للاحتجاز بجزر الكناري، على المحيط الأطلسي.

ونقلت الوكالة، عن مصادر دبلوماسية مغربية (لم تسمها)، قولها إن استدعاء السفير الإسباني في الرباط تم من أجل "التعبير عن قلق المغرب بشأن هذه الأحداث". 

وبين الفينة والأخرى تنتشر مقاطع مصورة بالإعلام الإسباني، تُظهر الاعتداءات التي يتعرّض لها القاصرون المغاربة بمراكز الاحتجاز الإسبانية. إلياس الطاهري (18 عاماً)، أحد هؤلاء القاصرين، حيث لقي حتفه مطلع يوليو/تموز 2019، بمركز احتجاز في مدينة ألميريا جنوب شرقي إسبانيا، على أيدي 6 من عناصر الشرطة الإسبانية، وذلك "اختناقاً" خلال محاولة تثبيته، على طريقة مقتل الأمريكي جورج فلويد. 

وفي يونيو/حزيران الماضي، وقَّع مئات المغاربة والإسبان عريضةً إلكترونية تُطالب سلطات مدريد بإعادة التحقيق في مقتل الطاهري، الذي أطلقت عليه وسائل إعلام إسبانية لقب "فلويد المغربي". 

ولدى إسبانيا عدد من مراكز الاحتجاز الإدارية المخصصة لاحتجاز المهاجرين، تقع معظمها على ساحل البحر الأبيض المتوسط، فيما يقع أحدها بالعاصمة مدريد، حيث تتولى الشرطة إدارتها. 

اتفاق "إعلان نوايا" مغربي فرنسي

فضلاً عن إسبانيا، يخيّم موضوع القاصرين المغاربة على علاقات الرباط وباريس. ومطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي، وقّع المغرب وفرنسا إعلان نوايا (مسودة اتفاق) لرعاية المهاجرين القصر غير المصحوبين بذويهم.

وذكرت وكالة المغرب العربي للأنباء (رسمية) آنذاك، أن توقيع الإعلان جرى بين وزير العدل المغربي محمد بنعبد القادر، ونظيره الفرنسي موريتي، بالعاصمة الرباط.

ويهدف الإعلان، وفق الوكالة، إلى "تعميم مخطط إجرائي يتضمن تفاصيل عملية تنظيم وضعية القاصرين غير المصحوبين، بهدف تمكين قضاة الأحداث الفرنسيين من الحصول على المعلومات الأساسية لاتخاذ الإجراءات الأكثر ملاءمة لمصلحة الطفل". 

ورغم عدم نشر نص اتفاق فرنسا والمغرب، فإن إحدى الجمعيات نشرت وثيقة مسربة تتعلق بالاتفاق. واستنكر محامون مغاربة ذلك الاتفاق، محذرين من "إجراءات طرد تعسفية". 

الشرطة الإسبانية تعتقل قاصرين مغاربة، أرشيفية/ AFP

وسبق أن حذّر نشطاء مغاربة من وضعية مهاجرين قاصرين ينحدرون من المغرب بفرنسا، خصوصاً أن عدداً منهم يعيشون وضعية صعبة، ويرفضون العودة إلى بلدهم. 

ويقول نبيل زكاوي، الأكاديمي المغربي لوكالة الأناضول، إن "الحساسية في موضوع القاصرين المغاربة نابعة من ذهنية الجار الأوروبي تجاه موضوع الهجرة، والتي لا تنظر إلى المغرب بوصفه شريكاً في تدبير هذه المعضلة، وإنما تنطلق تلك الذهنية من موقف دفاعي للحدود الخارجية، وممارسة الضغوط على المغرب، لينهج سياسة تقييدية للهجرة، لصالح حماية استباقية متقدمة للحدود الأوروبية". 

ويرى زكاوي أن "التعامل القانوني الصرف هو الذي يؤدي إلى انزلاقات بتعريض القاصرين المغاربة للإكراه الجسدي والنفسي، ومن ثم للتمييز العلني". وأن "أمننة سياسات الهجرة بإسبانيا وفرنسا لم تعد تتعلق فقط بخطاب اليمين الانتخابي، ولكن صارت ممارسة ممنهجة مع واقع عزل هؤلاء المهاجرين حتى مع شعارات توطينهم ببلدان الاستقبال"، بحسب وصفه.

"أوروبا في مأزق أمني"

يرى زكاوي أن "تعامل البلدان الأوروبية مع المهاجرين الجدد على نحو تعامل السلطات الفرنسية والإسبانية مع القاصرين المغاربة يضعها في مأزق أمني". واستطرد: "ليس فقط أمام المغرب كدولة وصية على هؤلاء، وإنما أمام الرأي العام الدولي". 

موضحاً أن "الخيارات أصبحت محدودة أمامها (دول أوروبا)، ولذلك فتصورها لوجوب أن تكون هذه الخيارات خارج أوروبا وليس داخلها هو ما قاد وزير العدل الفرنسي للرباط، لاستعادة خيار الرهان الأبدي على تحميل المسؤولية للمغرب في أفق قبوله، تحت الضغوطات الممكنة".

وأضاف أن ذلك عبر "إعادة استيعاب المهاجرين المغاربة المقيمين بطريقة غير قانونية فوق التراب الفرنسي، خاصة من فئة القاصرين، باعتبارها حاضنة لمجموعة من المشاكل الاجتماعية".

وبيّن أن "استدعاء الخارجية المغربية للسفير الإسباني، احتجاجاً على اعتداء شرطة بلاده على مراهقين مغاربة، يعكس تحمل الدبلوماسية المغربية لمسؤوليتها بشأن الدفاع عن مواطنين مغاربة، وحمايتهم في مواجهة انتهاك حقوقهم على تراب دولة أجنبية"، بحسب تعبيره.

مشيراً إلى ذلك "يعكس نوعاً من الانتفاض على الطرح التقليدي الذي يجعل الهجرة لا تصبح مشكلة إلا حينما تتعلق بملامسة التراب الأوروبي أو المساس به، بل تثير كذلك إشكالية المسّ بالمهاجرين أنفسهم". 

تحميل المزيد