قالت وسائل إعلام إسرائيلية، الخميس 11 مارس/آذار 2021، إن رحلة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى دولة الإمارات العربية المتحدة أُجلت لأن الأردن لم يوافق على مسار الرحلة وعبور طائرة نتنياهو أجواءه، في حين تقول وسائل إعلام إسرائيلية إن رئيس الوزراء ربما تحجج بتأخر رحلته إلى أبوظبي بسبب دخول زوجته سارة نتنياهو للمشفى. لكن القناة الـ13، نقلت عن مصادر رسمية قولها إن هناك خلافات وأزمات متراكمة في العلاقة مع عمّان مؤخراً، أدت إلى عرقلة المملكة لرحلة نتنياهو الذي أُجلت مراراً لأبوظبي. فماذا وراء هذه الأزمة؟
الأردن يردّ "الصفعة" لنتنياهو
تقول وسائل الإعلام الإسرائيلية إن تحرك الأردن لتعطيل رحلة نتنياهو لأبوظبي جاء بعد أن منعت إسرائيل ولي العهد الأردني الأمير الحسين، أمس الأربعاء، من دخول معبر الكرامة، لزيارة المسجد الأقصى، وذلك بحجة أن "عدد مرافقيه كبير"، مع العلم أن تفاصيل الزيارة متفق عليها بين عمّان وتل أبيب.
لكن يبدو أن أحد أسباب منع حكومة نتنياهو دخول ولي العهد الأردني للقدس بسبب استقبال ملك الأردن عبدالله الثاني مؤخراً، بشكل سري في عمان، وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، خصم نتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية.
وكان قد صرح غانتس حول تلك الزيارة السرية لصحيفة يديعوت أحرونوت بأن "العلاقات مع الأردن لها رصيد هائل، لكن وجود نتنياهو يقلل في ترقيتها وتطويرها". وقال غانتس: "نتنياهو شخصية غير مرغوب فيها لدى الأردن"، وأضاف: "العلاقات مع الأردن كان من الممكن أن تكون أفضل ألف مرة، لكن لسوء الحظ نتنياهو شخصية غير مرغوب فيها في الأردن، ووجوده يتعارض مع تقدم العلاقات".
وأكد غانتس للصحيفة أن لديه "اتصالات مستمرة ومتواصلة مع العاهل الأردني ومسؤولين أردنيين آخرين" بعيداً عن نتنياهو، وأشار: "اعتقد أنه يمكن الوصول إلى عشرات التعاونات المدنية والمشاريع التي من شأنها أن تعزز العلاقة بشكل كبير مع عمّان". مؤكداً في الوقت نفسه أن وزير الخارجية الإسرائيلي المعارض لنتنياهو أيضاً، غابي أشكنازي، التقى مرتين في الأشهر الأخيرة بوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، وبحث معه مشاريع مختلفة.
وبحسب تقديرات إسرائيلية فإن هذه التصريحات والزيارات السرية لخصوم نتنياهو إلى عمان، والحديث عن عدم رغبة المملكة في التعامل مع نتنياهو، أغضبت رئيس الوزراء الإسرائيلي دون شك، الذي يحظى بالأساس بعلاقات متوترة مع المملكة الأردنية الهاشمية لأسباب كثيرة.
وكانت مصادر مطلعة في الأردن، قد كشفت مؤخراً لـ"عربي بوست"، أنّ الأردن يسعى إلى إيصال رسالة إلى نتنياهو، مفادها أن "عمّان لن تقبل بتوجهات اليمين الإسرائيلي المتطرف، ولذلك ترفض المملكة التعامل مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بسبب توجهاته المعادية تجاه مسألة حل الدولتين، وتجاه ضم الأغوار والمساس بالوصاية الهاشمية، وبالتالي تعمل من خلال اللقاءات الأخيرة مع خصوم نتنياهو، على كسر الحاجز والعزلة السياسية التي تعرضت لها القيادة الأردنية منذ أيام الرئيس الأمريكي السابق ترامب".
تراكمات من الأزمات بين عمّان وحكومة نتنياهو
واتسمت العلاقات بين الأردن وإسرائيل بالفتور، وشابتها أزمات عديدة خلال السنوات الأخيرة، وذلك على خلفية إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، وإعلان نتنياهو خطة ضم الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وغور الأردن.
بالإضافة إلى التضييقات الكبيرة التي فرضتها إسرائيل على الوصاية الأردنية على المقدسات في القدس، والتي تحدثت تقارير عديدة عن نية تل أبيب التخلص منها، وربما تحويلها إلى السعودية بدلاً من الأردن، خاصة في ظل إعلان صفقة القرن أن "القدس عاصمة موحدة لإسرائيل" وبالتالي فإن كل ما فيها يقع تحت الوصاية الإسرائيلية.
وفي مايو/أيار الماضي، كان العاهل الأردني قد لوح في مقابلة مع مجلة "دير شبيغل" الألمانية "بصدام مُحتمل" مع إسرائيل إذا ما أقدمت على ضم أراض فلسطينية". وبحسب محللين أردنيين، لم يُخف الملك عبدالله خلال الفترة الماضية استياءه وغضبه من سياسات نتنياهو العدائية، وتهديده لمصالح عمّان، ومحاولاته لفرض منطق القوة، ولهذا فإن الملك الأردني أكد خلال تلك المقابلة: "سنشهد مزيداً من الفوضى والتطرف في المنطقة، وإذا ما ضمت إسرائيل بالفعل أجزاء من الضفة، فإن ذلك سيؤدي حتماً إلى صدام كبير مع المملكة الأردنية الهاشمية".
وحين سئل الملك: هل ستُعلق العمل بمعاهدة السلام مع إسرائيل؟ اكتفى بالقول للمجلة الألمانية: "لا أريد أن أطلق التهديدات، أو أن أهيّئ جواً للخلاف والمشاحنات، ولكننا ندرس جميع الخيارات، ونتفق مع بلدان كثيرة في أوروبا والمجتمع الدولي على أن قانون القوة لا يجب أن يُطبّق في الشرق الأوسط".
نتنياهو "خبير قديم" بإشعال الأزمات مع عمّان
قبل هذه الأزمة، وصلت العلاقات بين عمان ونتنياهو إلى توتر غير مسبوق، وذلك بعدما أقدم حارس في السفارة الإسرائيلية، في 23 يوليو/تموز 2017، على قتل مواطنين أردنيين إثر "إشكال" وقع داخل مجمّع السفارة. حيث أخرجت إسرائيل الحارس من عمان، بعد أن تدخل من مستشار وصهر الرئيس الأمريكي السابق جاريد كوشنر، ووصل الحارس إلى إسرائيل، واستقبله رئيس الحكومة نتنياهو بطريقة اعتبرتها عمان "استفزازية".
وحينها، طلب ملك الأردن من نتنياهو محاكمة حارس الأمن الإسرائيلي، وحذّر من أن "أسلوب التعامل مع الواقعة سيكون له أثر مباشر على العلاقات بين الجانبين"، حيث ظلت السفارة الإسرائيلية مغلقة لعدة أشهر، وقالت عمان حينها إنها لن تسمح لطاقم السفارة الإسرائيلية بالعودة ما لم تفتح إسرائيل تحقيقاً جدياً في القضية يحقق العدالة وتقدم اعتذارها.
وظلّ الأمر كذلك حتى أعلنت عمّان في مارس/آذار 2018، عن موافقتها على تعيين أمير فيسبورد، كسفير إسرائيلي جديد لديها، بعد ضغوطات من قبل إدارة ترامب لتحسين العلاقة بين الطرفين واعتذار إسرائيل عن هذه الحادثة.
ومنذ سنوات طويلة، يعتبر نتنياهو -رئيس الوزراء الإسرائيلي الأطول بقاءً في الحكم- شخصية غير مرغوب فيها بالنسبة للأردن، إذ مرت العلاقات الأردنية الإسرائيلية بعد عملية السلام، بتوتر حاد عام 1997، على إثر محاولة الموساد الإسرائيلي، وبقرار من نتنياهو، اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس السابق خالد مشعل بمادة سامة في رأسه في عمّان. وحينها هدد الملك الأردني الراحل الحسين بن طلال بإنهاء اتفاقية السلام بين المملكة وإسرائيل، إذا لم ترسل حكومة نتنياهو الترياق لعلاج مشعل.
وحينها، تدخل الرئيس الأمريكي بيل كلينتون وحل الأزمة، بعد تقديم تل أبيب علاجاً لخالد مشعل، والإفراج عن الشيخ الراحل أحمد ياسين من السجن، مقابل الإفراج عن عملاء الموساد الذين ألقت عمان القبض عليهم، وسمحت بعد ذلك بعودتهم إلى تل أبيب.